تسوية مخالفات البناء الحاصلة خلال الفترة من تاريخ 13/09/1971 ولغاية 31/12/2018 ضمنًا
06/11/2021
بتاريخ 26/6/2019[1] صدق المجلس النيابي مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 2590 في 23/3/2018 والرامي الى تسوية مخالفات البناء الحاصلة خلال الفترة من تاريخ 13/9/1971 ولغاية تاريخ 31/12/2018 ضمنا[2] كما عدّلته اللجان النيابية المشتركة في 22/5/2019.
ملاحظات: كانت الحكومة قد أحالت المشروع في مطلع عام 2018 إلى مجلس النواب مبررة إياه بالحجج الآتية:
- أنه أداة من شأنها الإسهام في “التخفيف من أزمة السكن مما يساهم في حلّ جزء من مشكلة قوانين الإيجارات ويخفف على المواطن أعباء تكاليف السكن”. وقد بدتْ الحكومة من خلال هذا المبرر وكأنها تستعين بالمخالفات المرتكبة من الخاصة لسد الفراغ الناشئ عن فشل سياساتها الإسكانية عن تأمين مساكن،
- أن "الرسوم والغرامات المقترحة عن المخالفة تؤمن للخزينة موارد إضافية طيلة مدة العمل بالقانون". وقد بدت الحكومة من خلال هذا المبرر جاهزة دوما لتقريش تجاوز القانون بدل العمل على تطبيق القانون فعليا.
- أن "معظم مخالفات البناء أصبحت أمراً واقعاً ويستحيل أو يتعذّر إزالتها". وقد ورد هذا السبب من دون تفصيل.
- كما لم تتوانَ الحكومة عن تضمين أسبابها الموجبة إقرارها بالعجز عن تطبيق القانون، متذرعة بأن المخالفات ارتكبت "في ظل عدم إمكانية أجهزة الدولة من مراقبتها ومنع حصولها". وفيما أن هذا الأمر قد يصح في فترة الحرب 1975-1990، فإننا لا نفهم أبدا لماذا الدولة بقيت مذّاك عاجزة عن مراقبة المخالفات وضبطها، وبالأخص لماذا ينطبق هذا الأمر على المخالفات الحاصلة في 2017 و2018؟ فما الذي منع محافظ بيروت من تطبيق القانون في قضية الإيدن باي؟ وما الذي يمنع مجلس شورى الدولة من النظر في الدعوى المقدمة إليه لإبطال رخصة البناء وإزالة هذه المخالفات؟ كما يجدر التذكير بالتعاميم الأربعة التي كان أصدرها وزير الداخلية نهاد المشنوق تباعاً في الأعوام 2014، 2015 و2016 و2017، والتي تسمح لكل لبناني في القرى والبلدات النائية أن يشيّد منزلاً لا تتجاوز مساحته 150 متر مربع2 كما وإضافة طبقة واحدة بالمساحة نفسها على بناء موجود، بعد الحصول على الرخصة من البلدية أو من القائمقام إذا لم تكن في قريته بلدية. يتضح جلياً إذاً أن هذه المخالفات لم ترتكب "من قبل بعض تجار البناء والمواطنين في ظل عدم إمكانية أجهزة الدولة مراقبتها" بل هي نتاج عملية ممنهجة من خلال تواطؤ السلطات الرسمية المركزية والمحلية في تجاوز جميع قوانين البناء واتخاذ قرارات تخرج عن صلاحياتها. ولا يتوانى القانون عن التأكيد على وجوب تسوية الأوضاع الناتجة عن رخص صادرة بالطرق غير القانونية "أياً كان المرجع الذي أعطى الموافقة". وتجدر الإشارة إلى أن تعاميم الوزير المشنوق ليست يتيمة في هذا المجال، بل أصبحت بحسب تصريح نقيب المهندسين جاد تابت للـ"المفكرة"، بمثابة عُرف في وزارة الداخلية، فـ"كل وزير يأتي، يصدر هكذا تعاميم" (إلاّ الوزير زياد بارود الذي أصدر تعميماً يحمل الرقم 14780 بتاريخ 25–8–2010 أوقف بموجبه جميع تراخيص البناء الصادرة عن البلديات في المرحلة السابقة خلال فترة توليه للوزارة). فهل المسألة مسألة عجز عن تطبيق القوانين أم هي مسألة شبكات مصالح تنهش بالدولة وتنجح في إملاء إرادتها عند حصول المخالفة ومن بعد حصولها؟
وعدا عن عدم صحة الأسباب الموجبة، فإن أبرز الملاحظات على بنود القانون هي الآتية:
- فيما حصر القانون نطاق تطبيقه ب”جميع الأبنية وأجزاء الأبنية المنشأة في الأملاك الخاصة بمالكيها خلافاً لقوانين وأنظمة البناء”(المادة 1)، فإن المادة 2 منه تشمل ضمن نطاق التسوية “الأبنية وأجزاء الأبنية المنشأة ضمن التراجعات العائدة للطرق من أي فئة كانت (…) وضمن التراجع عن الأملاك العمومية” مع حفظ حق الإدارة بالهدم،
- أن القانون وسّع النطاق الزمنيّ للمخالفات التي تشملها التسوية لسنتيْن إضافيتيْن، بحيث باتت التسوية المقترحة تشمل المخالفات المرتكبة بين 13/9/1971 و31/12/2018 (المادة 1)، في حين كان المشروع في صيغته الأساسية لا يشمل سوى تلك المرتكبة حتى 31/12/2016.
- يبقى نطاق المخالفات المشمولة واسعاً جداً إذ يعتمد القانون (المادة 3 الفقرة 2) تقسيماً لها بين "مخالفات عامل الاستثمار" و"مخالفات أخرى لقانون البناء".
- أن القانون مدّد مهلة التصريح بالمخالفة من 6 أشهر في النسخة الأساسية حتى سنة (مادة 7).
- أن القانون لا يعطي التنظيم المدني إلا صلاحية استقبال تصريحات المخالفات والبت بصحة المستندات الموقّعة بعد التدقيق (في المحافظات والاقضية) (مادة 7) بحيث يحّول هذه المؤسسة إلى مجرد قلم لتسجيل هذه التصريحات من دون أي صلاحية للبت بإمكانية رفض تسويتها حيث يقبل المشروع التسويات على جميع أشكال المخالفات، ما دامت المخالفة على عقار يملكه المخالف.
- أن القانون عدّل في توزيع العائدات الناتجة عن تسوية المخالفات (المادة 18) مدخلا المؤسسة العامة للإسكان من ضمن المستفيدين الرئيسيين. فكانت الأموال المستوفاة عن تسوية المخالفات لا تصب في أي خانة متصلة بإيجاد حلول لأزمة السكن كما ادعته الأسباب الموجبة، بل توزّع 30% للبلديات و70% للخزينة العامة. أما التوزيع الحالي فهو: 30% للمؤسسة العامة للإسكان و30% للبلديات و40% للخزينة العامة.
- أن القانون يقضي بتخفيض "لمرة أخيرة بنسبة 80% الغرامات المترتبّة عن التأخير في السداد الكلي أو الجزئي" للرسوم والغرامات على المخالفات التي صدرت بشأنها تكاليف استناداً إلى آخر قانون لتسوية مخالفات البناء (324/94) شرط "تسديد المبالغ المترتبة ضمن مهلة ثلاثة أشهر من تاريخ تطبيق هذا القانون" (مادة 14 الفقرة 6). ويتناقض هذا البند جلياً مع ادعاء الأسباب الموجبة بأن مثل هكذا مشروع غايته تأمين موارد للخزينة العامة. فمنطق التسوية وتأمين الغطاء للمخالفين يبدو وكأنه الأولية التي تطغى على كل الأهداف المعلنة الأخرى.
المناقشات النيابية: أخذ هذا القانون حيزاً كبيراً من المناقشات، وعارض أغلب النوّاب المتكلمين إقراره لأنه يفتح الباب إلى مزيد من المخالفات في المستقبل، وقد تحدث في خلال مناقشته 7 نواب وشهد اعتراض 23 نائب من بين الحضور. رغم ذلك صدّق القانون.
استهل النقاشات النائب طارق المرعبي بعرض الإشكاليات التي تعتري وضعية بعض الأراضي تحديداً منطقة عكار حيث أن "جزءاً كبيراً من المنطقة أراض مساحتها أكبر من 20 ألف متر لكن لا يوجد إمكانية لإنشاء مسكن فيها لأن الأراضي مسجلة باسم الجد الأساسي وهذه نسبتها 61% وذلك بغض النظر عن الأراضي غير الممسوحة والتي تشكل نحو 35% من الأراضي في عكار". كما اعتبر أنه بإقرار هذا القانون، في ظل الأوضاع المادية الصعبة "نكون ساعدنا كل الناس، كما نعطي بذلك المجال للمواطنين والشباب لتسيير أمورهم فنحن لا نريد سوى الاقتصاد في ظل وجود هذه الحكومة التي نقدر جهودها".
أما النائب زياد حواط فلم يكن من مؤيدي القانون، لوجود مخالفات كبيرة تحصل في المدن الكبيرة وانعكاساتها على المجتمع والبيئة والبنى التحتية. ووافقه النائب جميل السيد الذي اعتبر أن "هذا المشروع هو تشريع فوضى البناء على غرار الأملاك البحرية وغيره"، وأضاف أن "الخطير فيه أنه يتضمّن العفو عن الجرائم". فرد عليه وزير المال آنذاك علي حسن خليل أن هذا القانون خضع لنقاش طويل في اللجان التي أبدت ملاحظاتها عليه واستمعت إلى كل هذه الملاحظات. أما النائب آلان عون فاعتبر "أن هذا القانون هو توقيع للدولة بحبرها عن عجزها في ضبط المخالفات" لأن "آخر قانون صدر يتعلق بمخالفات البناء الحاصلة بين عامي 1971 و1994 وكان المبرر فوضى الحرب. ومن المؤسف والمعيب أنه منذ عام 1994 إلى الآن كان من المفروض أن تكون الحرب قد انتهت وعادت الدولة، وأنه يقتضي التمييز بين الضحايا والجلادين. الضحايا هم الناس الذين تم خداعهم من قبل أصحاب مشاريع البناء الذين ارتكبوا مخالفات وباعوهم فبقوا معلقين وهم عجزوا عن تسجيل أملاكهم لأن الدولة عجزت عن ضبط المخالفات. والضحايا هم من اتّكلوا على تراخيص من قبل مرجعيات أو مراجع تمثّل الدولة". واقترح أن "يتم معاقبة من يكرر المخالفة وإلا سوف يكررونها مجدداً ثم يعتذرون". وختم: "أخيراً أود أن أقول بما أن هذا المشروع تمت مناقشته طويلاً داخل اللجان آخرها اللجان المشتركة. اقترح أن يتم التصويت عليه بمادة وحيدة".
كما عارض النائب ميشال معوض هذا المشروع سائلا عن "الظروف الاستثنائية القاهرة" منذ 1994 وحتى 2018 الواردة في الأسباب الموجبة التي تبرر إقراره. كما أضاف أنه "يجري الحديث بمنطق أن هناك أناس ضحايا صحيح وهناك أناس تأخذ عقوداً من جهات تنفيعية وليس من المراجع المختصة ولكن هناك أناس وتحت شعار "معترين" يملكون مشاريع كبرى وبنايات ومشاريع سياحية" وبالتالي كيف يمكن أن نساوي بينهم.
أما النائب حسين جشي فاستعاد فكرة أن المشروع قد درس في عشر جلسات من قبل اللجنة المكلفة بإعادة صياغته وقد "تم درسه بعناية وكلنا متفقون أن هناك واقعا يحتاج إلى المعالجة لكن يكمن الإشكال لدى كل الزملاء في "إلى متى سنستمر بالقيام بتسويات". هذه مشكلة صحيح ولكن نحن عالجناها وأخذنا القرار ضمن القانون بأن كل مخالفة بعد إقرار هذا القانون يكون حكمها لاغيا. ما طرحه الزميل طارق (المرعبي) صحيح، أن هناك مشكلة الأراضي ومشكلة الشيوع وإشكالات متعددة وهي التي تؤدي إلى المخالفات وهذه تعالج بقوانين مستقلة. نحن عالجنا مخالفات البناء المتعلقة حصريا بالملك الخاص بمُخالفيها. لقد حاولنا الموازنة بين القانون وحفظ النظام العام وحفظ مصالح الناس، واستثنيْنا كل ما له علاقة بالأبنية الأثرية والأبنية الموجودة على الأملاك البحرية والنهرية فكل ما يبنى على الأملاك البحرية أو النهرية لا يمكنه أن يكون موضوع تسوية "دون إثبات احترام التراجع". على أثره، سأل رئيس مجلس النواب نبيه بري عن إمكانية تصديق المشروع بمادة وحيدة أو السير به مادة مادة. فحاول عدد من النواب الحديث لكنه (أي الرئيس بري) منعهم وحصر المسألة بالتصويت، وطرح التصويت على القانون بمادة وحيدة فصدق. هنا طلب النائب سامي الجميل أن يتم التصويت بالأسماء. فرد الرئيس بري "بالمناداة وحبة مسك". فجاءت تلاوة الأسماء سريعة بداية مع امتعاض النائب سامي الجميل قائلاً: "دولة الرئيس فينا نعيد ما عم نسمع". فرد الرئيس بري: "فينا نعيد ونص". وقد عارض القانون كل من النوّاب بولا يعقوبيان، أسامة سعد، جورج عطاالله، فريد الخازن، سليم عون، هاغوب ترزيان، فريد البستاني، ميشال معوض، نعمة افرام، ميشال ضاهر، ادي ابي اللمع، جورج عقيص، فادي سعد، وهبه قاطيشا، بيار بو عاصي، شوقي دكاش، جان طالوزيان، جميل السيد، سامي الجميل، نديم الجميل، نجيب ميقاتي، نقولا نحاس، وعلي درويش. وطلب النائب جهاد الصمد معرفة عدد النواب الذين صوتوا على القانون لكن الرئيس بري لم يتوقف عند طلبه وصدّق القانون وانتقل إلى البند التالي من جدول الأعمال.
[1]المفكرة القانونية، ماذا سيناقش المجلس النيابي اللبناني اليوم؟ تسويات مخالفات البناء، إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، تخفيض موارد صندوق تعاضد القضاة، وعقوبة رادعة لاستعطاف القضاء، الموقع الالكتروني للمفكّرة القانونية، 26/6/2019
[2] الهام برجس، قوانين متكررة لتسوية مخالفات البناء: تشريع مفاعيل الزبائنية والجباية أولاً، المفكرة القانونية، العدد 60، حزيران 2019