تعويض البطالة: حق وليس صدقة

حلا نجّار

13/04/2022

انشر المقال

خلال سنة 2020، وتبعاً لانتشار جائحة كورونا، سُجّل ورود اقتراحين تشريعيين إلى البرلمان لإنشاء صندوق لتعويض الأشخاص الذين خسروا عملهم بسبب موجات الإقفال. ولكن حَرُصَ كلا الاقتراحين على أن يكون الصندوق محدوداً في الزمن أو أن تكون الغاية منه محصورة ببعض القطاعات الأكثر تأثّراً  من تداعيات الجائحة. بمعنى آخر، لم يطرح أيّ منهما إنشاء الصندوق بصورة دائمة أو تعويض البطالة كحق يوجبه التزام الدولة في ضمان "حق العمل" المنصوص عنه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادتين 23-25)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المواد 6 و7 و8)

أما خلال سنة 2021، فعمد النائبان هادي أبو الحسن وبلال عبدالله (كتلة اللقاء الديمقراطي) إلى تقديم اقتراح (بتاريخ 15/9/2021) يعمد إلى إنشاء نظام تأمين دائم ضد البطالة من خلال إضافة فرع جديد إلى فروع الضمان الاجتماعي تنظَّم أحكامه في الباب الخامس من قانون الضمان الاجتماعي.

وبرّرت الأسباب الموجبة تقديمه ب"الأزمة الاقتصادية والنقدية والتي تفاقمت بعد تفشي فيروس كورونا، وأدّت إلى أزمة بطالة كبيرة، نتيجة صرف عدد كبير من المستخدمين والعمّال، ما بيّنَ الحاجة الملحّة إلى إنشاء نظام تأمين ضد البطالة يؤمّن دخلا للعائلات التي توقَّفَ دخلها نتيجة فقدان العمل، كما يؤمّن استمرارية العناية الطبية لتلك العائلات لفترة محدَّدَة أو لحين تأمين عمل جديد أو مصدر دخل آخر".

يعتبر هذا الاقتراح إيجابيا لجهة طرح فكرة صندوق البطالة الذي بات حاجة أكثر من أيّ وقت مضى، حاجة يُؤمَل منها بناء التضامن الاجتماعي على معايير موضوعية وإخراجه من منطق الصدقة والإحسان لإدراجه في إطار منطق الحق.

إلا أنه يستدعي الملاحظات التالية:

  1. أبرز ما يتضمّنه هذا الاقتراح، تعريف "العاطل عن العمل" وهو "كل مضمون خاضع لنظام البطالة توقف كسبه بسبب تركه العمل لسبب خارج عن إرادته ولم يباشر أي عمل أو مهنة حرة بعد تركه العمل"، على أن يكون هذا العمل "مناسباً له" (أي مع المؤهلات والقدرات والخبرات المهنية والبدنية ومن حيث الأجر والمكان الجغرافي بحسب الاقتراح). ويحدّد الاقتراح شروطا إضافية في شخص العاطل عن العمل للاستفادة من هذا التعويض وهو أن يكون عمره بين 18 و64 سنة، وأن يكون خاضعاً لنظام التأمين ضدّ البطالة (ضمن مهل محددة في الاقتراح). 

من جهة أخرى، يحدّد الاقتراح المستفيدين من تعويض البطالة وهم الأجراء المنصوص عنهم في المادة 9 من قانون الضمان الإجتماعي، الأجراء الدائمون الذين يعملون في مؤسسة زراعية، الأجانب طول فترة إقامتهم على الأراضي اللبنانية شرط المعاملة بالمثل وحيازتهم على إجازة عمل وفق القوانين والأنظمة المرعية. كما يفتح الاقتراح إمكانية "إضافة أي فئة جديدة تتبين ضرورة إخضاعها لهذا النظام بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العمل بعد إنهاء مجلس إدارة الصندوق وبالشروط المحددة فيه".

ويتبدّى من التعريف الحالي المُعتمد في الاقتراح أنّه يشمل حصراً من سبق وشغل وظيفة وسجّل في الضمان الاجتماعي، وهو أمر من شأنه أن يقصي أجراء عدة، طالما أن الإحصاءات تشير إلى أن نصف القوى العاملة في لبنان غير نظامية. كما أنه يتبيّن من هذا التعريف أنه يقصي الشباب/الشابات المتمتّعين بحق العمل الأول. 

بالمقابل، تعرّف منظمة العمل الدولية العاطل عن العمل على أنه  الشخص الذي لم يعمل أكثر من ساعة خلال فترة قصيرة (نهار أو أسبوع)، ولكنه قادر على العمل ويبحث عنه.

أمّا في النظام الفرنسي لتعويض البطالة المطبّق بموجب اتفاقية 31/12/1958 الموقّعة بين ممثلي أصحاب العمل والعمّال، فيجب أن تتوفر في العاطل عن العمل شروط محدّدة للاستفادة من هذا التعويض، تتعلّق بشخصه (وهي العمر، مكان السكن، وقدرته على العمل)، وأن يكون مسجّلا على لوائح الباحثين عن العمل (ويبحث عن عمل)، نوع عمله السابق، وظروف تركه العمل. كما يجب أن يكون ترك العمل لسبب خارج عن إرادته أي بحالات الصرف من الخدمة، أو تبعا لانتهاء العقد المحدد المدة أو استقال لسبب مشروع، أو صرف لأسباب اقتصادية. 

  1. من جهة أخرى، يعمد الاقتراح إلى تحديد نسبة ومدة الاستفادة من تعويض البطالة؛ فيُمنح هذا التعويض لكل مضمون عاطل عن العمل وفق نسبة محددة في الاقتراح من متوسط كسبه الشهري ويُعطَى هذا التعويض "لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وستة أشهر، ضمن حد أقصى يعادل ثمانية أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجور". كما يحدّد الاقتراح استفادة المضمون العاطل عن العمل وأفراد عائلته (المنصوص عنهم في المادة 14) طوال فترة استحقاقه لتعويض البطالة من تقديمات العناية الطبية في فرع المرض والأمومة وفق شروط محددة.

أما في النظام الفرنسي، فيخضع احتساب التعويض لعاملين وهما قيمة الراتب الأخير المقبوض وفترة خضوع العاطل عن العمل لقانون التأمين ضد البطالة، ويُعطَى التعويض لمدة تتراوح بين 122 و 730 يوماً. 

  1. يحدّد الاقتراح شروط استحقاق تعويض البطالة وتوقّفه. فيقتضي على العاطل عن العمل إعلام وزارة العمل والمؤسسة الوطنية للاستخدام بواقعة تركه العمل وفقا للآلية المنصوص عنها في النظام الداخلي للصندوق. ويستحق التعويض اعتبارا من اليوم الثامن الذي يعقب تاريخ ترك العمل ولمدة أقصاها ستة أشهر. ويسقط هذا التعويض بمرور الزمن بعد ستة أشهر اعتبارا من تاريخ استحقاقه. ويتوقف لدى عودة العاطل عن العمل إلى العمل مجدداً، أو مغادرته الأراضي اللبنانية لمدّة تزيد عن شهر (وطيلة فترة وجوده خارج الأراضي اللبنانية)، ولدى تقديمه تصاريح، بيانات أو معلومات خاطئة، وأخيراً، لدى رفضه الالتحاق بعمل مناسب له (وفق تعريف الاقتراح).
  1. ينشئ الاقتراح لجنة مشتركة بين الضمان والمؤسسة الوطنية للاستخدام ووزارة العمل يُناط بها البت في الخلافات التي تنشأ عن تطبيق أحكام هذا القانون، كما التنسيق بين الأجهزة الثلاثة.
  1. أما على صعيد تمويل الصندوق، فيعتمد الاقتراح نظام تمويل صندوق الضمان الاجتماعي المعهود، أي اشتراكات تقع على عاتق كل من صاحب العمل، والمضمون والدولة. وتعيّن نسبة اشتراك كل منهم "بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العمل وبعد انتهاء مجلس إدارة الصندوق". واللافت أنّ النظام الفرنسي وضع عبء تمويل هذا التعويض على عاتق صاحب العمل حصراً (بنسبة 4.05% من الراتب) وذلك منذ 2019، حيث كان هذا العبء مشتركاً قبل 1/1/2019 بين صاحب العمل والأجير.

ويُخشى تبعاً لما يعتمده الاقتراح أن يبقى نظام البطالة - حتى لو أقرّ - حبراً على ورق خاصة لجهة القدرة على تمويله، فينتهي مصيره على غرار الصناديق الأخرى المنشأة (صندوق مساعدة المستأجرين القدامى أو النساء ضحايا العنف الأسري إلخ…)؛ صندوقاً فارغاً. من هنا وإن بدت الفكرة إيجابية، يقتضي ونظراً إلى حالة إفلاس الدولة والأزمة الاقتصادية-المالية-والنقدية الضارية، وأمام خطر انهيار الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، وضع صندوق البطالة من ضمن خطة متكاملة لإرساء شبكة الأمان الاجتماعي والحقوق الأساسية ضمنها (إلى جانب التغطية الصحية الشاملة، والتعليم الأساسي إلخ..) التي يبدو إنشاؤها وتفعيلها اليوم حاجة ملّحة أكثر من أي وقت مضى. وينبغي أن يتصدّر النقاش حول إرساء هذه الشبكة وخيارات تمويلها.

لتحميل الاقتراح