توقيع جميع الوزراء على المراسيم: تواقيع فائضة لا حاجة لها

وسام اللحام

19/01/2023

انشر المقال

في خضمّ الصراع السياسيّ حول جواز انعقاد حكومة تصريف الأعمال، برزتْ إشكالية أخرى تتعلق بمسألة توقيع جميع الوزراء على المراسيم في ظلّ شغور رئاسة الجمهورية. فقد وجّه وزير الطاقة والمياه بتاريخ 13 كانون الثاني 2023 كتابا إلى رئاسة مجلس الوزراء يتضمن مشروع مرسوم بإعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة من أجل دفع ثمن المحروقات الضرورية لتشغيل معامل إنتاج الطاقة.

وكان من اللافت أن الوزير أشار في الأسباب الموجبة للمرسوم أنه عملا بالمادة 62 من الدستور التي أناطت صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء "تمّ إعداد مشروع المرسوم المقترح ليتمّ توقيعه من قبل 24 وزيرا ورئيس الحكومة". وبالفعل يتبيّن من مراجعة مشروع المرسوم المذكور أنه يتضمّن خانة مخصصة لتوقيع كل أعضاء الحكومة، أي أن وزير الطاقة يعتبر أن إصدار المراسيم عند خلو سدة الرئاسة يتطلب توقيع جميع الوزراء.

وقد رفضت الأمانة العامة لمجلس الوزراء هذا الموقف إذ وجهت بتاريخ 16 كانون الثاني 2023 كتابا إلى وزير الطاقة تعيد بموجبه مشاريع المراسيم التي أعدها وزير الطاقة مطالبةً إياه ب "إعادة صياغة المراسيم وفقا لتعميم السيد رئيس مجلس الوزراء رقم 36 تاريخ 5/12/2022" وهو التعميم الذي نص في فقرته الأخيرة إلى ضرورة "إضافة خانة لتوقيع ثان لتوقيع رئيس مجلس الوزراء إضافة إلى توقيعه المعتمد". وقد سبق لنا وأن عالجنا في مقال تفصيلي معنى هذا التعميم وبينا أن المقصود منه هو التخلي عن الممارسة التي كانت سائدة عندما تولت حكومة الرئيس تمام سلام صلاحيات رئيس الجمهورية إذ كانت المراسيم تصدر ممهورة بتوقيع جميع الوزراء أو الغالبية الساحقة منهم، بينما التعميم الحالي يستبدل توقيع الوزراء بتوقيع جديد لرئيس الحكومة بحيث يتم الاكتفاء فقط بتوقيع هذا الأخير المعتاد وتوقيعه الجديد إضافة إلى توقيع الوزراء المختصين.

في حال وضعنا جانبا موقف وزير الطاقة الذي بات يعتبر نفسه جهة مخوّلة بتفسير الدستور وكذلك موقف رئيس الحكومة الذي انطلق من تفسير مغاير للدستور، لا بدّ من معالجة مسألة توقيع جميع الوزراء انطلاقا من القانون الإداري كي نتمكن من تجنّب التشويش السياسي الذي يهيمن على النقاش وتحديد ما هو الوقف الدستوري السليم في هذه القضية.

فقد أعلن مجلس شورى الدولة في أكثر من قرار له أن المادة 65 من الدستور بعد تعديلها سنة 1990 قد حددت "النصاب القانوني لانعقاد مجلس الوزراء بأكثرية ثلثي أعضائه ولم تفرض ولا يمكن أن تفرض وجود جميع أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها لقانونية اجتماع مجلس الوزراء خوفا من شلّ حسن سير مرفق الحكومة وعرقلة بالتالي العمل الحكومي الحيوي لشؤون الدولة برمته" (قرار رقم 850 تاريخ 10/7/1995).

وانسجاما مع هذا الموقف، رفض مجلس شورى الدولة الحجّة القائلة بضرورة توقيع جميع الوزراء على المراسيم معتبرا صراحة أن "المرسوم موضوع المراجعة، الموقّع عليه من قبل أكثر من ثلثيْ الوزراء الذين يؤلفون الحكومة، ومن ضمنهم رئيس مجلس الوزراء، يكون صحيحا ويقتضي ردّ إدلاءات الجهة المستدعية" التي طالبت بإبطال المرسوم كونه لم يقترن بتوقيع جميع الوزراء (قرار رقم 135 تاريخ 30/11/2015).

فهذا القرار، على الرغم من عدم وضوحه لجهة معرفة ضرورة توقيع ثلثي الوزراء على المراسيم في ظلّ شغور رئاسة الجمهورية، لكنه يحسم النقاش بخصوص توقيع جميع الوزراء إذ يعلن صراحة عدم صحة هذا الادّعاء الذي في حال تمّ تبنّيه يؤدي إلى "إعطاء الأكثرية والأقلية ذات القوة في اتخاذ القرارات، وبالتالي إعطاء الأقلية حقّ نقض وشلّ عمل الهيئة، ومن ثمّ شلّ عمل الحكومة برمّته" ( قرار رقم 850 تاريخ 10/7/1995).

ويستند من يعتبر أن توقيع جميع الوزراء هو أمر إلزامي إلى السوابق التي عرفها لبنان في هذا المجال. لكن مراجعة المراسيم التي صدرت عند خلو رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود بين تشرين الثاني 2007 وأيار 2008 وتلك التي صدرت عند انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان بين أيار 2014 وتشرين الأول 2016 لا تتوافق إطلاقا مع هذا الزعم إذ يتبين أن بعض هذه المراسيم كانت تحمل توقيع جميع الوزراء، لا سيما تلك التي صدرت سنة 2014 في ظل حكومة تمام سلام، لكن الغالبية العظمى كانت تصدر ممهورة بتوقيع أكثر من ثلثي الوزراء فقط، أي أن توقيع جميع الوزراء كان الاستثناء وليس القاعدة.

والحقيقة أن توقيع جميع الوزراء هو اتفاق سياسي لا يمكن اعتباره ملزما من الناحية الدستورية حتى لو افترضنا أن الممارسة السابقة أقرّته. فقد استقر الاجتهاد الإداري على اعتبار أن صدور العمل الإداري مذيلا بتوقيع الجهة المختصة هو كفيل بتحصينه من الناحية القانونية حتى لو كان موقعا من قبل جهات غير مختصة إذ تعتبر سائر التواقيع مجرد إضافة فائضة لا تأثير لها اطلاقا على قانونية العمل المعني[1].

فمجرد توقيع وزير ما لا يجعل من ذلك الأمر عرفا يجب اتباعه. بل في نهاية الأمر حتى لو جرت العادة على توقيع وزير ما يظل هذا التوافق مجردا من كل قوة قانونية إذ يعود القرار النهائي إلى القضاء الإداري الذي سيحدد ما إذا كان هذا التوقيع يدخل ضمن المفهوم الدستوري "للوزير المختص" أو هو مجرد توقيع فائض لا تأثير له في حال غيابه على مشروعية العمل الإداري. وقد أكد مجلس شورى الدولة على الطابع الفائض لتوقيع وزير المال مثلا على مرسوم الاستملاك: "وبما أن توقيع وزير المال في حال وجوده يفسر في مثل هذه الحالة على أنه تعبير عن التضامن الوزاري الذي يفترض وجوده بين مختلف وزارات الدولة في مختلف الظروف والأحوال" (قرار رقم 338 تاريخ 10/3/2005). أي أن توقيع وزير المال في هذه الحالة لديه طابع سياسي فقط ولا يعتد قانونا بغيابه من أجل إبطال المرسوم.

جراء ما تقدم يصبح جليا أن التوافق السياسي بين أحزاب السلطة قد يكون ملزما لهذه الأحزاب. لكن لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يصبح من تلقاء نفسه منتجا للقواعد القانونية، وأن يتحول توافقهم هذا إلى مبدأ دستوري يتوجب على القضاء الاعتراف به. فالسلطة السياسية في لبنان باتت تعتبر أن مجرد حصول توافق بين أركان النظام كفيل بتحويل هذا التوافق إلى قاعدة قانونية ملزمة للجميع وهو ادّعاء خطير يفضح نظرة السلطة إلى القانون بوصفه مجرد انعكاس لإرادتها بغضّ النظر عن المبادئ الدستورية والإدارية التي يقرّها القضاء.

فتوقيع جميع الوزراء على المراسيم هو أمر ممكن، لا بل أن جميع الوزراء يمكن لهم أن يوقعوا على كل المراسيم حتى في ظل وجود رئيس الجمهورية، لكن ذلك لا يعني إطلاقا أن توقيعهم بات ملزما من الناحية القانونية لأن التوافق السياسي يجب أن يكون دائما خاضعا للمبادئ القانونية بينما الممارسة السياسية في لبنان تشير أن السلطة باتت تعتبر أن القانون هو الذي يجب أن يخضع للتوافق السياسي.


[1] « Mais dans de tel cas, la signature de l’autorité compétente  figure dès l’origine sur l’acte, ce qui permet de considérer les signatures indues comme surabondantes et la mesure comme émanant de l’autorité compétente » (René Chapus, Droit administratif général, Tome 1, p. 1029).