خطة جدية لإشراك البلديات في إنتاج الكهرباء أم خطاب سياسي حول اللامركزية؟

إيلي الفرزلي

16/02/2022

انشر المقال

بالتوازي مع سقوط خطة الكهرباء في مجلس الوزراء، كان اقتراح القانون المقدم من تكتل التغيير والإصلاح، في 2/12/2021، بشأن السماح للبلديات بإنتاج الكهرباء وتوزيعها يسلك طريقه نحو الهيئة العامة لمجلس النواب التي ستجتمع يوم الإثنين المقبل. الاقتراح هو بمثابة اعتراف بفشل كل الخطط التي راكمها التكتّل في وزارة الطاقة لتحسين التغذية. لكن هذا الفشل تُحمّله مصادر التيار الوطني الحر إلى "المنظومة" التي "عطّلت كل محاولة للإصلاح وزيادة القدرة الإنتاجية في المعامل المركزية على مدى 10 سنوات، إن كان عبر تعطيل المناقصات أو تعطيل الأعمال أو حرمان مؤسسة كهرباء لبنان من اعتمادات شراء الفيول وقطع الغيار". 

بالنتيجة، سلّم التيار أن مركزية إنتاج الطاقة لم تعد هي الحلّ (وإن أبقى على حق كهرباء لبنان في زيادة قدراتها الإنتاجية). الاقتراح المُوقّع من النواب جبران باسيل، سيزار أبي خليل، ألان عون، سليم عون، حكمت ديب، فريد البستاني، سيمون أبي رميا، إدكار معلوف وابراهيم كنعان، يراهن على أن اللامركزية في الإنتاج والتوزيع والجباية يمكن أن تُشكّل حلاً لأزمة الكهرباء، خاصة أن كل التوقعات الرسمية، بعد إنجاز كل الخطط المقررة، لا تشير إلى إنتاج يسمح بأكثر من 10 ساعات تغذية. كما ينهي هذا الاقتراح الحصرية التي طالما حظيت بها مؤسسة كهرباء لبنان، من خلال المادة الأولى من القانون المتعلق بإنشاء المؤسسة (المرسوم رقم 16878). وبالتالي، في حال إقرار تعديل هذه المادة، فإنّ الحصرية ستنتهي، علماً أن ذلك لا يُلغي حقيقة أن القانون 462/2002 (تنظيم قطاع الكهرباء) قد فتح الباب أمام تجاوزها وسمح للقطاع الخاصّ بإنتاج الكهرباء لكنه لم يُطبّق، بالرغم من مرور 20 عاماً على إقراره. كما لا يُلغي حقيقة أن معمل دير عمار 2 كان سيُبنى عبر القطاع الخاص، في توليفة سياسية قانونية ارتكزت على القانون 181/2011. 

الاقتراح يُتيح للبلديات إمكانية استعمال واستثمار الأعمدة العائدة لمؤسسة كهرباء لبنان مقابل رسم عبور (wheeling charges). كما يسمح بـ "التعاقد مع أشخاص تتوافر فيهم الشروط العامة للوظيفة البلدية للقيام ببعض وظائفها في أوقات محدّدة وشروط خاصة تعيّن في العقد لتنفيذ مشروع إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء في نطاق البلدية، بما في ذلك التعاقد مع القطاع الخاص". كما يجيز "التعاقد مع مؤسسة كهرباء لبنان عبر عقود de gré à gré يقوم بموجبها موظّفو المؤسسة و/أو موظّفو الشركات المتعاقدة من الباطن مع مؤسسة كهرباء لبنان بتأمين خدمات الصيانة المرتبطة". وعليه، فإن العلاقة مع المؤسسة تبقى قائمة، لكنها تخضع لعدد من المعايير غير الواضحة، منها ما يتعلق بالهدر الفني على سبيل المثال، فمن يتحمّل هذا الهدر؟  

بالنتيجة، وحتى قبل النقاش بالقانون المطروح، بدأت بلديّات تستطلع إمكانية تنفيذه. لكن الجميع يُدرك أنّ الطريق طويلة أمامه إن تمكّن من النفاذ سياسيّاً. فهكذا قانون يُتوقع أن يؤدّي إلى تقليص نفوذ المولّدات الخاصة المحمية سياسياً في أغلب المناطق، والأهم تقليص مصالح مافيا المازوت. لكن في المقابل، فإنّ ثمة فرصة جدية للسير بالقانون كونه يلبي حاجتين متناقضتين لأطراف سياسية متنازعة: تكريس اللامركزية المالية التي ينادي بها التيار الوطني الحر وعدد من الكتل النيابية والأحزاب، مقابل سحب صلاحيات كبيرة من مؤسسة كهرباء لبنان المحسوبة على التيار الوطني الحر، ونقلها إلى البلديات أو اتحادات البلديات أو تجمّعات البلديات الموزّعة سياسياً أيضاً، خاصة أن الاقتراح يسمح بتعاقد البلديات مع القطاع الخاص لتأمين الخدمة. 

مع ذلك، لا تزال العلاقة التي يُفترض أن تجمع البلديات بالمؤسسة غير واضحة. فهل يمكن الحصول على الكهرباء من البلدية ومن المؤسسة معاً، أم يُفترض بمن يستفيد من خدمات البلدية الحصول عليها كاملة من مصدر واحد؟ وكيف يُمكن تحديد التسعيرة، وهل يجوز أن تختلف بين منطقة وأخرى؟ لا أجوبة واضحة لدى مقدمي الاقتراح، الذين يعتبرون أن المراسيم التطبيقية يمكن أن توضح كل الإجراءات المطلوبة. 

لكن ألا يمكن أن تتحول المسألة إلى عملية تشريع للمولدات الخاصة، وبالتالي تثبيت خصخصة القطاع بطريقة مواربة؟ يجزم وزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل، في حديثه ل"المفكرة القانونية" أن طبيعة القانون مناقضة لمبدأ وجود هذه المولّدات، لا بل أكثر من ذلك يُتوقع أن يؤدّي إلى إنهاء عصر المولّدات الخاصة. ويشير إلى أن القانون واضح في اشتراط أن يكون الحل صديقاً للبيئة، بمعنى أنه إما يتم توليد الطاقة من الموارد المتجددة أو من مولدات هجينة (تعمل على الطاقة المتجددة وعلى الفيول معاً). وبالتالي، فإن التسعيرة التي ستٌحدّدها وزارة الطاقة يُفترض أن تُطرح على أساس كلفة هذا الإنتاج التي لا يمكن للمولّدات العاملة على الفيول أو المازوت الالتزام بها. 

بالرغم من أن التسعيرة يُفترض أن تكون موحّدة بين مختلف المناطق تأميناً للعدالة بين المشتركين، إلا أن أبي خليل يعتبر أن الأمر لن يكون ممكناً. ففي البقاع، على سبيل المثال، حيث الشمس ساطعة، لا يفترض أن تكون كلفة الطاقة مساوية لكلفتها في جبل لبنان، حيث الإنتاج مُكلف أكثر. وهو يوضح أن وزارة الطاقة هي التي يُفترض أن تكون مسؤولة عن تحديد التسعيرة لكل بلدية أو تجمّع بلديات. 

مصادر المؤسسة تؤكد أنها لم تدرس الاقتراح بعد لتبدي رأيها بشأنه، لكن مصادر تقنية متابعة تشير أن الاقتراح يعوزه الكثير من الاستثمارات ليصبح قابلاً للتنفيذ. أبرز العقبات التي تواجه هذا المشروع أن الشبكة العامة مبنية بطريقة تؤدي إلى تغذية كل محطة لعدد من المناطق أو الأحياء غير المرتبطة بتوزيع إداري واضح. بمعنى أن محطة التوزيع تؤمن الكهرباء لكل المستفيدين من هذه المحطة. وبالتالي إذا كانت إحدى البلدات ترغب في إنتاج الطاقة، فإنها لن تكون قادرة على توزيعها لكل القاطنين في نطاقها البلدي فحسب، بل ستُغذّي تلقائياً كل البلدات المستفيدة من محطة التوزيع الخاصة بها. وفي الوقت نفسه يمكن أن لا تغذي جزءاً من نطاقها البلدي إذا صودف أنه يستفيد من محطة توزيع أخرى. وهذا يعني أن الإنتاج لن يكون متاحاً على أساس البلديات أو تجمع البلديات، بل على أساس المحطات. ولتغيير هذا الواقع، يتطلب الأمر استثمارات كبيرة، ليس واضحاً من يُفترض أن يتكفل بها، وليس مضموناً أن تؤدي الغرض منها فنياً. كذلك يفيد المصدر أنه من الصعب فصل نظام الفوترة الخاص بالبلديات عن نظام الفوترة الخاص بالمؤسسة. فالتقنيات الموجودة في المؤسسة تسمح بقياس الطاقة الموزعة عبر شبكتها دون تمييز بين تلك المنتجة من معاملها أو معامل البلديات.

وإذا يسمح الاقتراح باستعمال أعمدة المؤسسة لبناء شبكة خاصة، فإن هذا يعني استمرار تجربة المولّدات الخاصة والتمديدات العشوائية، وبالتالي انفصال البلديات عن شبكة المؤسسة، من دون أن يعني ذلك انفصال المشتركين عنها، ما يخلق ازدواجية يصعب معالجة تداعياتها. 

باختصار، يعتبر المصدر أن الحل الأنسب قد يستند إلى اقتراح القانون المُقدّم لكنه يبتعد عنه في مضمونه. إذ أن الأسهل فتح المجال أمام البلديات للمساهمة في إنتاج الطاقة، وبدلاً من بيعها إلى المشتركين مباشرة يمكن بيعها إلى المؤسسة. لكن عندها يُتخوف من عدم تسديد أموال البلديات، أسوة بما يحصل بحصتها من الصندوق البلدي، أضف إلى أن هكذا اقتراح لن يرضي الساعين إلى اللامركزية المالية.