دولار ضريبة الدخل 15 ألفاً: إيرادات الدولة تحت رحمة اعتباطية "أسعار الصرف"
11/02/2023
المادة 35 من قانون موازنة 2022 جاءت، أسوة بغيرها من المواد المتعلقة بالتعديلات الضريبية لتعبّر عن همّ وحيد لدى السّلطة هو زيادة الإيرادات من دون أيّ دراسة علميّة واضحة، ومن دون وضع أيّ أسس للتصحيح تحمي الناس من التضخّم المُفرط.
رغم ذلك لم تطبّق هذه المادة مع دخول الموازنة مرحلة التنفيذ في 15 تشرين الثاني 2022، بالرغم من إصدار وزير المالية يوسف الخليل قرارين (686 و687) يُحدد بموجبهما آلية اقتطاع الضريبة و"القيمة الفعلية" للرواتب والأجور بالليرة" (23/11/2022)، تنفيذاً للمادة 35 من الموازنة، فكان السعر 30 ألف ليرة للدولار. علماً أن المادة 33 من الموازنة كانت حسمت أمرين هما: تعديل الشطور الضريبية والتطبيق بمفعول رجعي يبدأ من 1/1/2022. إلا أن هذا القرار سرعان ما جُمّد، بسبب الاعتراضات من القطاع الخاص، إضافة إلى تحفّظ لجنة المال النيابية، ومطالبتها وزير المالية، بعد اجتماعها في 6 كانون الأول "التّريّث بتنفيذ العمل بالقرارين المتعلّقين بضريبة الدخل على الرواتب، إلى حين إعادة النّظر بهما، بما يؤمّن مصلحة النّاس. كما أعلنت اللجنة حينها رفضها للمفعول الرجعي على الضرائب على الرواتب، داعية إلى تحديد سعر صرف مقبول وعادل "لا صيرفة ولا أي شيء قريب منها".
الدولار الضريبي من 30 إلى 15 ألفاً
بعد تلك الجلسة، حسم وزير المالية يوسف الخليل الأمر، وأكد للمفكرة القانونية أنه بصدد إعادة النظر بسعر الصرف، مُذكّراً أنّ تعديل الشطور كما تعديل فترة التنزيل تحتاج إلى قانون، بخلاف تحديد سعر الدولار الذي يصدر بقرار بحسب المادة 35 من الموازنة. وبالفعل، أصدر الخليل في تاريخ 9 كانون الثاني قرارين جديدين ألغى بموجبهما القرارين السابقين، ثم حدد بموجب القرارين الجديدين رقم 2 و3 احتساب الرواتب المدفوعة بالدولار النقدي على سعر 15 ألف ليرة للدولار عن الفترة التي تعقب 15/11/2022 (تاريخ نفاذ الموازنة) وعلى سعر 8000 ليرة على الفترة ما بين 1/1/2022 و15/11/2022، تمهيداً لتحديد الضريبة عليها وفقاً للشروط المقررة في قانون الموازنة. أما بشأن الرواتب المدفوعة بموجب شيك مصرفي أو تحويل داخل لبنان، فيتم تحديدها بالليرة على أساس سعر 8000 ليرة للدولار، عن الجزء من الأجر الذي لا يزيد عن 3000 دولار أميركي وعلى سعر 1507.5 للدولار عما يفوق هذا المبلغ.
وبهذه الخطوة انخفضت الضريبة بشكل ملحوظ، إذ أن تخفيض سعر الدولار إلى النصف ساهم في عدم وصول الرواتب إلى شطور عالية، خلافاً لما كان عليه الأمر في القرار الأول حيث، كان كل من يتقاضى ألفي دولار على سبيل المثال، يدخل في الشطر الأخير المحددة نسبة الاقتطاع فيه ب25% من الراتب.
لا بد من التذكير بداية أن الشطور صارت، بحسب الموازنة، على الشكل التالي:
2% للشطر الأول (حتى 18 مليون ليرة)، بعدما كان حتى 6 مليون ليرة.
4% ما بين 18 مليون و45 مليون، كان سابقاً ما بين 6 و15 مليوناً.
7% ما بين 45 مليون و90 مليون، كان الشطر قبل التعديل ما بين 15 و30 مليوناً،.
11% ما بين 90 و180 مليوناً، بدلاً من 30 إلى 60 مليوناً،.
15% للشطر ما بين 180 و360 مليونا، بدلاً من 60 إلى 120 مبيسوناً.
20% للشطر ما بين 360 و675 بدلاً من 120 و225 مليوناً.
25% عن الشطر الذي يزيد عن 625 مليون ليرة، بدلاً من 225 مليون ليرة.
مع التعديل الجديد لسعر الدولار المحتسب لتحصيل ضريبة الدخل على الرواتب بالدولار، يؤكد المدير العام للمالية العامة جورج معراوي أنه تم مراعاة كل الأوضاع، إن كان لمن يتقاضى راتبه بالليرة أو بالدولار.
وعلى سبيل المثال، لا تطال الضريبة أيّ موظف يتقاضى 5 ملايين ليرة، ويمكن أن يرتفع هذا المبلغ بحسب عدد الأولاد، ويعود ذلك إلى تعديل التنزيل العائلي. فبعدما كان 7.5 مليون ليرة سابقاً عن الموظف و2.5 مليون ليرة عن الزوجة (في حال لم تكن تعمل) و500 ألف ليرة عن كل ولد حتى 5 أولاد، صار التنزيل على الشكل التالي: 37.5 مليون ليرة عن الموظف، 12.5 مليوناً عن الزوجة، و2.5 مليون عن كل ولد، علماً أنه في حال كان الزوجان يعملان يُخفّض التنزيل عن الأولاد 50%. وعليه، فإن من يتقاضى راتباً بالليرة قد تفوق قيمة التنزيلات العائلية التي تقتطع منه قيمة راتبه.
من يتقاضَ 2000 دولار يدفع 50 دولاراً شهرياً ضريبة دخل
من أجل توضيح قيمة الضريبة الجديدة، لنفترض أن موظفاً يتقاضى راتباً بقيمة ألفيْ دولار وهو متزوج من امرأة عاملة أيضاً وله ولدان. عندها ستُحتسب الضريبة على الشكل التالي: 2000 دولار*15000 ليرة= 30 مليون ليرة شهرياً، أي 360 مليون ليرة سنوياً. يُحسم من الراتب السنوي التنزيل العائلي الذي يساوي: 37.5 مليون ليرة عن الموظف + و2.5 مليون ليرة عن الولدين (بعد حسم 50%)، فيكون المجموع 40 مليون ليرة، تحسم من إجمالي الراتب، ليقتصر المبلغ الخاضع للضريبة على 320 مليون ليرة، تحتسب الضريبة عليه كالتالي:
- الشطر الأول: 18 مليون ليرة * 2% = 360 ألف ليرة.
- الشطر الثاني: 27 مليون ليرة (ما بين 18 مليون ليرة و45 مليوناً) *4% = مليون و80 ألف ليرة.
- الشطر الثالث: 45 مليون ليرة (ما بين 45 و90 مليوناً) *7%= 3 مليون و150 ألف ليرة.
- الشطر الرابع: 90 مليون ليرة (ما بين 90 و180 مليوناً) * 11 % = 9 مليون و900 ألف ليرة.
- الشطر الخامس: 140 مليون ليرة (المبلغ المتبقي أي بين 180 مليون و320 مليون ليرة) *15% = 21 مليون ليرة
وعليه، فإن مجموع الضريبة على الدخل المقدّر ب2000 دولار شهرياً، هو 35.5 مليون ليرة سنوياً، أي ما يقلّ عن 3 مليون ليرة شهرياً (أقل من 50 دولاراً على سعر الصرف الحالي). مع التذكير أن هذه الحسبة تبدأ منذ 15/11/2022، وهي لن تتغير في المدى المنظور بحسب معرّاوي، إلا في حال إقرار قانون موازنة 2023 وتضمنها أحكام جديدة.
أما في ما خص الفترة ما بين 1/1/2022 و15/11/2022، فتكون الحسبة مختلفة بسبب احتساب الدولار على سعر 8 آلاف ليرة (خفضت الوزارة السعر عن تلك الفترة بسبب الاعتراضات على مبدأ التكليف بالضرائب بمفعول رجعي، والتي تضمنها قانون الموازنة). ما يعني أن الضريبة الخاصة في العام 2022 (تستحق قبل الأول من آذار 2023)، ستكون موزّعة بين سعرين للدولار: 10.5 شهراً على أساس سعر 8000 ليرة وشهر ونصف على أساس سعر 15 ألف ليرة. أي أن الضريبة التي سيدفعها الموظف المشار إليه في المثال أعلاه عن العام 2022 ستكون نحو 13 مليون و700 ألف ليرة (ربطاً بانخفاض قيمة الراتب السنوي الخاضع للضريبة إلى 173 مليون ليرة)، أي ما يقارب 200 دولار سنوياً. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الراتب نفسه كان يكلف، قبل الأزمة ووفق الشطور السابقة، بضريبة دخل تقارب الألف دولار سنوياً، أي أن الضريبة الراهنة لا تزال بعيدة عمّا كانت سابقاً.
"المالية" و"المركزي" لا يحق لهما تحديد سعر الدولار
هذه الحسبة التي صارت أكثر قبولاً بالنسبة للأجراء الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار، بالمقارنة مع احتساب الدولار على سعر 30 ألف ليرة، لا يجدها خبير المحاسبة السابق أمين صالح عادلة أيضاً. لكن قبل ذلك هو يناقش الأمر من ناحية مبدئية، مذكراً أن الموازنة غير دستورية طالما أنها لم تقترن بقطع الحساب. كذلك هو يرفض المقاربة التي تعتبر أنّ من الضروري تعديل ضريبة الدخل لكي يدفع أكثر من يتقاضى أكثر. ويشير إلى المفكرة القانونية أن من يتقاضى راتبه بالدولار يكون عملياً قد حافظ على قدرته الشرائية بخلاف من لا يزال يتقاضى راتبه بالليرة. ويذكّر أن من كان يتقاضى 2000 دولار ومن كان يتقاضى 3 مليون ليرة كانا متساويين بالقدرة الشرائية وبالضرائب المتوجبة عليهما. لكن ما حصل أن انهيار سعر الصرف دمّر القدرة الشرائية لمن يتقاضى راتبه بالليرة، وبالتالي لا تتحقق المساواة عبر زيادة الضريبة على من حافظ على قدرته الشرائية من دون أن يحصل على أيّ امتيازات جديدة، بل تتحقق عبر تحسين وضع من لا يزالون يتقاضون رواتبهم بالليرة من دون تصحيحها بشكل يتواءم مع مقدار انهيار العملة الوطنية، من خلال الذهاب إلى حلّ اقتصادي نقدي حقيقي.
من جهة أخرى، يوضّح صالح أن الموازنة لم تتطرّق إلى أيّ سعر صرف أصلاً، إنّما أشارت إلى "القيمة الفعلية". أضِف إلى أنّه لا يمكن لوزارة المالية أو المصرف المركزي تحديد سعر الصرف، إنما يقتصر دور المصرف على إعلان السعر، وبشكل أدقّ الإعلان يومياً عن سعر الافتتاح وسعر الإقفال والسعر الوسطي، ربطاً بالسعر الفعلي للدولار في السوق. أما الاعتماد على المادتين 75 و83 من قانون النقد والتسليف لتحديد سعر الصرف فهو مُخالف للقانون، إذ أن هاتين المادتين تتيحان للمصرف بالتعاون مع وزير المالية أن يتدخّلا في السوق للمحافظة على الاستقرار النقدي بائعين أو شارين للدولار. والمقصود هنا بالتدخل هو منع حصول تضخّم أو انكماش في الاقتصاد، بما يمنع المس بالقدرة الشرائية للناس. وهذا لا يتم أبداً عبر تحديد سعر الصرف بل عبر ضخّ أو سحب الدولارت من السوق. وعليه، يُفترض أن يكون دور المصرف محاربة التضخّم لا تحديد سعر الصرف أو زيادة الرواتب.
وجهة النظر هذه لم تمنع الوزارة من تحديد سعر الصرف، كما لم يمنع مصرف لبنان من تحديد سعر الصرف الرسمي خلافاً لدوره ومن دون أي دراسة توضح لماذا اختار هذا السعر لا ذاك، علماً أن رقم 15 ألف ليرة كان طرحه رئيس الحكومة أثناء مناقشة الموازنة في مجلس النواب، وهو كان رقم تسوية ما بين من يريد تحديد السعر ب 20 ألف ليرة وبين يطالب يأن يكون 10 آلاف ليرة، علماً أن مبلغ ال15 ألف ليرة كان يساوي، عندما أقرت الموازنة، نصف السعر الفعلي للدولار في السوق السوداء، في حين أنه صار يساوي اليوم أقل من ربع القيمة الفعلية للدولار، وما يؤكد مجدداً أن الحل لا يكون بتحديد أسعار وهمية للدولار، بل من خلال البدء بتنفيذ حلّ جدي للأزمة يعيد تحريك عجلة الاقتصاد ويضبط الانهيار النقدي.