طرح الثقة بوزير الخارجية: هنا الانتخابات

إيلي الفرزلي

29/04/2022

انشر المقال

من سُخرية القدر أن لا يتمّ اللجوء إلى المادة 37 من الدستور، التي تنصّ على حق النواب بطلب رفع الثقة بالحكومة أو بأي وزير، إلا في إطار الصراع الانتخابي المُحتدم بين "التيار الوطني الحر" و"القوات". لا الانهيار الاقتصادي ولا السرقة الموصوفة التي تعرّض لها الشعب اللبناني بأكمله كانت مبرراً كافياً لأيّ من الكتل لطلب نزع الثقة عن أي حكومة أو وزير منذ سنتين إلى اليوم. في الأساس، لم تُعقد طوال ولاية المجلس أي جلسة رقابية إلا جلسة يتيمة حصلت في آذار 2019. هذا يعني أن السنين الطوال تمر من دون تجد أي كتلة سبباً لطرح الثقة بأي وزير، لكن قُبيل الانتخابات النيابية اكتشفت القوات اللبنانية أن وزير الخارجية عبدالله بو حبيب "قام بارتكابات تفضي إلى الاستنتاج أن الوزارة تقوم عمداً بتشويه عملية الانتخابات الخاصة بالمغتربين بدل تسهيلها".

أما الإجراءات التي اعتبرها طلب المساءلة وطرح الثقة "جائرة ومستهجنة وخارجة عن القانون وبعيدة عن المنطق، وتستهدف حرمان المغتربين من حقّهم بالاقتراح وتقييد حركتهم أو تُصعّب عملية اقتراعهم"، فهي:

  • تشتيت أصوات المنطقة الواحدة والقرية الواحدة والعائلة الواحدة على عدّة أقلام اقتراع تبعد عن بعضها مسافات كبيرة مما يُصعّب عملية الاقتراع.
  • عدم تسليم قوائم الناخبين لأصحاب العلاقة مما يمنعهم من معرفة عدد المندوبين المطلوبين لكل مركز من مراكز الاقتراع.
  • ابتداع طرق جديدة لاعتماد مندوبي المرشحين في أقلام الاقتراع الاغترابية بشكل يجعل تركيبها من قبل المرشّحين عمل شاق إن لم يكن مستحيلاً.

الطلب الموقّع من النواب بيار أبي عاصي، عماد واكيم، جورج عقيص وإدي أبي اللمع، قُدّم في 20 نيسان إلى رئاسة المجلس النيابي. بحسب الدستور، لا ضوابط أو شروط أو مهل تُفرض على رئاسة المجلس لعقد الجلسة، سوى "عدم مناقشة الطلب أو التصويت عليه إلا بعد انقضاء خمسة أيام على الأقل من تاريخ إيداعه المجلس وإبلاغه الوزير والوزراء المقصودين بذلك".

بالنتيجة، لم يتخطّ عدد النواب، أمس، 53 نائباً، فلم يتحقق النصاب وطارت الجلسة التي يُتوقع أن تكون الأخيرة للمجلس الحالي، خلافاً للإشارات باحتمال عقد جلسة أخيرة قبل انقضاء ولاية المجلس. فأسوة بما حصل في جلسة اللجان المشتركة وأسوة بما حصل في جلسة طرح الثقة، قلة من الكتل لا تزال مهتمة بأيّ عمل لا يصرف انتخابياً.

اللافت أن المتغيبين أمس، توزّعوا على أغلب الكتل، بما فيها الكتلة التي قدمت الطلب، وإن لوحظ حضور شبه كامل لأعضاء كتلتي التيار وحزب اللهما يؤكد أن طلب طرح الثقة كان شكلياً وأهدافه لا تعدو كونها جزءاً من الصراع (الخطاب) الانتخابي.

بعد ساعة من موعد الجلسة، قضاها النواب بين التقاط الصور والأحاديث الجانبية، أعلن الأمين العام للمجلس عدنان ضاهر عدم اكتمال النصاب، وإلغاء الجلسة. وقد كان ذلك كافياً، لتحوّل منبر المجلس، حيث الكاميرات تنتظر أي متحدّث، إلى سوق عكاظ، كان نجماه النائبين جبران باسيل وجورج عدوان، اللذين تبادلا الاتهامات بالكذب. وقد تلاهم النائب هادي أبو الحسن، قبل أن يعتلي وزير الخارجية المنبر، قارئاً الكلمة التي كان يُفترض أن يتلوها في الجلسة. وبذلك، تحققت الغاية من طلب طرح الثقة، وهي غاية سياسية لا لبس فيها. فلو كان الطلب جدياً لكان على الأقل شمل وزير الداخلية، المسؤول عن العملية الانتخابية، والمسؤول تحديداً عن تنفيذ البند الثاني من الاعتراض القواتي. لكن لأن المعركة مع وزير الداخلية لا تفيد انتخابيا كانت مساءلة وزير الخارجية، الذي وصفه عدوان بوزير الظل للوزير الفعلي جبران باسيل. علماً أن وزارة الداخلية، عمدت أمس إلى نشر لوائح الشطب والقوائم الانتخابية عبر موقعها الإلكتروني.

النقطة الأساسية في الخلاف أي النقطة الأولى هي الخاصة بأقلام الاقتراع في مدينة سيدني، والتي حمّل باسيل مسؤوليتها إلى "القوات" التي عمدت إلى ماكينتها الانتخابية إلى تسجيل الناخبين بشكل عشوائي، فلم تلتزم بملء خانة مكان السكن أو الرمز البريدي بطريقة صحيحة، ما أدى، بالنتيجة، إلى تشتّت الناخبين بين 9 أقلام انتخابية، تحدد الناخبون فيها على أساس مكان السكن. وقد سبق لأبي حبيب أن أكد أنه تلقى اتصالات من النائبة ستريدا جعجع والنائب جورج عدوان يطلبان فيها تعديل القوائم الانتخابية، بما يتناسب مع مصلحة القوات، وبشكل مخالفة للقانون. ولما رفض انتقلت القوات إلى مرحلة المساءلة.

خطأ تلك الماكينة يعود إلى تجربة العام 2018. حينها لم يكن مكان السكن مهماً في أستراليا تحديداً، حيث اعتمد فيها مبدأ الدوائر الانتخابية، فكانت سيدني على سبيل المثال دائرة واحدة، بغض النظر عن مكان السكن. في الانتخابات الحالية، تم تعديل الأمر بناء على ملاحظات المراقبين الدوليين ومنهم بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات السابقة التي أوصت في تقريرها بالأخذ بعين الاعتبار بحل إقامة الناخب. وعليه، من تقدّم بطلبه شخصياً لم يجد مشكلة في ذلك، لكن من تقدّمت الماكينة الانتخابية للقوات بطلبه بالنيابة عنه، تم تسجيله بطريقة خاطئة وعشوائية، على ما أكد باسيل، ما أدى إلى توزّع أصوات العائلة الواحدة على أكثر من قلم اقتراع. والأمر نفسه أكده وزير الخارجية، الذي قال إن "إيداع المعلومات الصحيحة تقع على مسؤولية الناخب، وبالتالي إن وزارة الخارجية لا تتحمّل مسؤولية أخطاء الأفراد والماكينات الانتخابية. كما أنها لا يمكن أن تقوم بتعديل مراكز اقتراع الناخبين من مكان لآخر، بناء لطلب أي جهة كانت. وكذلك لا يمكن للوزارة أن تلبي رغبات كافة الأطراف التي قد تتضارب مصالحها الانتخابات.

أما النقطة الثالثة من الاعتراض القواتي، أي تلك المتعلّقة باتباع طرق جديدة لاعتماد مندوبي المرشحين في أقلام الاغتراب، فقد ردت عليه الوزارة بالإشارة إلى أنها اعتمدت آلية مبسّطة مقارنة بانتخابات 2018، لتحديد شروط إعطاء تصاريح المندوبين وهي كما يلي: يمكن للمندوب أن يكون مسجّلاً في قوائم الانتخابات في لبنان أو في الخارج (في العام 2018 كان يفترض أن يكون مسجلاً في الخارج حصراً). كما أوضحت أنه يُمكن للمرشح أو اللائحة إصدار تفويض رسمي في لبنان للمندوب في الخارج.

خير مُعبّر عن وجهة الجلسة أمس، كان عدوان الذي طلب من الناس الرد في صناديق الاقتراع على عدم فتح صندوق التصويت على طرح الثقة بوزير الخارجية. وبشكل أدق، على ما ورد في الوكالة الوطنية للإعلام، فقد أشار إلى أنه "ليس المهم التصويت على الثقة في المجلس بل في الانتخابات". هذا هو بيت القصيد. لا الرقابة البرلمانية حضرت أمس ولا النظام الديموقراطي كان حاضراً. هو مهرجان انتخابي لطرفين لا يتوانيان عن استعمال أي سلاح في معركتهما الانتخابية.