عندما يتحوّل تنفيذ القانون عقاباً سياسياً: معركة بواخر الفيول نموذجاً

إيلي الفرزلي

13/01/2023

انشر المقال

توج رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الصراع السياسي المستعرّ على خلفية ملف الكهرباء بالدعوة إلى انعقاد مجلس الوزراء، وزيادة الضغط على التيار الوطني الحر الذي صار عليه المفاضلة بين رفضه حضور الجلسات وبين تحميله مسؤولية العتمة. لكن الموعد لم يُحسم بعد. وبعدما كان مقرّراً عقد الجلسة هذا الأسبوع، أرجئت حتى مطلع الأسبوع المقبل، بسبب الحداد على رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني. المُبرّر الأول للدعوة هو إعطاء سلفة لكهرباء لبنان. وبالرغم من أن ميقاتي سبق أن وقّع موافقة استثنائية على السلفة في 23/12/2022، عاد وأعلن أنه "لا يوجد إمكانية لإعطاء السلفة إلا بمرسوم من مجلس الوزراء" وأنه "لا يمكن التصرّف بعكس ما ينص عليه قانون المحاسبة العمومية". هذا تصريح يُفترض أن يبنى عليه لمساءلة ميقاتي نفسه الذي لطالما خالف القانون برفضه انعقاد مجلس الوزراء لتصريف الأعمال واستبداله هذه الاجتماعات بتوقيع عشرات الموافقات الاستثنائية، مختصراً المجلس بشخصه وشخص رئيس الجمهورية اللذين كانا يوقعان منفردين المراسيم والقرارات الحكومية.

التمسك المستجد بالقانون لم يقتصر على ميقاتي، إذ رفض وزير المالية، بدوره، صرف السلفة من دون وجود مرسوم، بالرغم من أن ميقاتي كان سبق أن أعلن بعد لقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في 12 تشرين الثاني، الاتفاق على آلية لتمويل الكهرباء. 

بالنتيجة، صارت الدعوة إلى مجلس الوزراء أمراً واقعاً، يعني عملياً نجاح ميقاتي بتأمين نصابها من خلال تواصله مع مختلف الكتل. لكنه مع ذلك، أعلن أنه لن يسأل من يمكن أن يحضر الجلسة ومن يمكن أن يتغيّب عن حضورها. 

التجربة تشير إلى أن نصاب الثلثين (16 وزيراً) يتطلب مشاركة وزيري حزب الله، إذ كان هو من ضمن تأمين النصاب في الجلسة الماضية بعدما تغيّب عنها كل من وزراء: الخارجية، الدفاع، العدل، السياحة، الاقتصاد، الشؤون الاجتماعية، المهجرين والطاقة. في الجلسة المقبلة، ثمة جهد لتأمين حضور كل من وزيري الاقتصاد والسياحة. إذا تحقق ذلك، فإن حزب الله لن يكون محرجاً أمام حليفه العوني، علماً أن النائب حسين جشي كان أشار في لجنة الأشغال النيابية إلى أن الحزب يُفضّل حلّ مشكلة الكهرباء من دون انعقاد مجلس الوزراء، قبل أن يحسم الوزير علي حمية الموقف، معلناً، في حديث تلفزيوني، أن الحزب سيشارك في الجلسة لمناقشة بندي الكهرباء، على أن ينسحب في حال مناقشة بنود إضافية. للمناسبة، تعمّدت الأمانة العامة لمجلس الوزراء توزيع مسودة جدول الأعمال على الوزراء، للدلالة إلى أنه في غياب رئيس الجمهورية، الذي كان رئيس الحكومة يتشاور معه بشأنه الجدول قبل الدعوة إلى مجلس الوزراء، سيتم التشاور مع كل الوزراء والاستماع إلى ملاحظاتهم بشأن الجدول وإزالة ما لا يتم الاتفاق عليه من البنود، قبل تحويله إلى جدول أعمال رسمي. 

في المقابل، ستكون الأنظار موجهة إلى وزير الطاقة وليد فياض المعني الأول بالبنود المعروضة على جدول الأعمال. فإذا كان موضوع الكهرباء هو مبرّر عقد الجلسة، فإن عدم حضور فياض سيؤدي إلى إشكال قانوني، على مرحلتين. أولاً يفترض بالوزارة المعنية أن تطلب عرض موضوع ما على مجلس الوزراء، فيما وزارة الطاقة لم تطلب الموافقة على أي طلب (باستثناء الطلب الذي سبق توقيع ميقاتي للموافقة الاستثنائية)، ولذلك تضمّن الجدول تجهيلاً للجهة التي تطلب الإدراج، أما المشكلة الثانية، فتتعلق بتوقيع المراسيم من الوزراء المعنيين بعد إقرارها في مجلس الوزراء. فهل سيوقع فياض على إقرار سلفة الخزينة للكهرباء أم مرسوم تجديد العقد مع الجانب العراقي للحصول على زيت الوقود؟ 

الأكيد أن مجرد انعقاد الجلسة وإقرار المراسيم الخاصة بالكهرباء سيضع وزير الطاقة في موقف لا يحسد عليه، فهو لن يكون بإمكانه تحمّل مسؤولية الانقطاع التام للكهرباء، إضافة إلى تحمّله مسؤولية تراكم الغرامات الناتجة عن رسو بواخر الفيول على الساحل من دون تفريغها، ما يرجح توقيعه للمراسيم. أما عن احتمال حضوره الجلسة نظراً لأهمية البنود المطروحة فتؤكد مصادر وزارية رفضت الكشف عن اسمها أن فياض سبق أن أعلن أنه حتى لو حضر 23 وزيراً فإنه لن يحضر الجلسة، لكن في المقابل، فإن نصائح عديدة بدأت تصله مفادها أن حضور الجلسة هو أقل الأضرار، خاصة أن الجدول محصور جداً. 

أمام هذا الواقع المتشعب سياسياً، عقدت لجنة الأشغال والطاقة النيابية اجتماعاً أول من أمس للتداول في أزمة بواخر الفيول العالقة في البحر، من دون الخروج بأي نتيجة، كون الجلسة لم تشهد سوى تكرار للمواقف المعلنة تبعاً للانتماء السياسي - الطائفي. في الأساس لم يكن واضحاً للنواب سبب عقد الجلسة، إذ أن مهمة مجلس النواب ليست إيجاد الحلول للسلطة التنفيذية بل محاسبتها. بالنتيجة، واجه التيار الوطني الحر أي دعوة إلى اجتماع مجلس الوزراء بالدعوة إلى اعتماد المراسيم الجوالة. وعلى ما يشير رئيس اللجنة سجيع عطية للمفكرة القانونية، فإنه "بدا واضحاً أن السنّة يريدون تعزيز موقع رئاسة الحكومة والمسيحيين يرون في انعقاد مجلس الوزراء اعتداءً على صلاحيات رئاسة الجمهورية". ولأن المشكلة سياسية لا تقنية أو قانونية، فقد أكد النائب حسين الحاج حسن للمفكرة القانونية أن الحل سياسي بالدرجة الأولى. ولكن بالرغم من هذا الخلاف داخل اللجنة، لم يتردد رئيسها في المؤتمر الصحافي الذي عقده بعدها بالإشارة إلى أنه "لا بد من عقد جلسة لمجلس الوزراء جلسة استثنائية لموضوع الكهرباء لأن هناك غرامات مالية لتاريخ اليوم ولدينا مئة الف دولار كل يوم دفع إذا لم نتدخل بأسرع وقت ممكن سيصبح هناك مشكلة كبيرة"، مضيفاً "هناك أربع بواخر في البحر". وكما أعلن عن إصدار اللجنة توصية إلى الحكومة بإلغاء الغرامات لأن هناك خللا بالعقد الذي أجري وهناك لوم على الاستعجال سواء بالعقد الذي وقعه الوزير قبل أن يتأمن التمويل وهناك مسؤولية معنوية كبيرة بالكتاب الذي جاء من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وأوضحت هيئة الشراء العام الأخطاء القانونية بتأمين الاعتماد".

في الجلسة نفسها ترددت عبارة "خُدع" أكثر من مرة، في إشارة إلى إطلاق وزير الطاقة المناقصات ثم توقيع العقد بناء على طلب من ميقاتي، قبل أن يكتشف أن توقيعه غير قانوني. تلك الخدعة كان عبّر عنها فياض في كتاب طلب السلفة الموجه إلى مجلس الوزراء في 22/12/2022، والذي جاء فيه ما حرفيته: "عطفاً على الاجتماعات التي جرت مع رئيس الحكومة ووزير المالية وحاكم مصرف لبنان ومدير عام مؤسسة كهرباء لبنان للبحث في كيفية تأمين التمويل اللازم، تلقت وزارة الطاقة توجيها من رئيس الحكومة بالمباشرة بإجراء المناقصات…". وبعد رسو المناقصات الأولى على "فيتول - البحرين" طلبت وزارة الطاقة في 13/12/2022 من وزارة المالية فتح حساب مستندي لصالح المورّد الرابح، ليتبين له أن الوزارة اعتبرت أن تأمين المبالغ المطلوبة لا يستقيم إلا عبر إعطاء كهرباء لبنان سلفة عند فتح أيّ اعتماد. وبناء عليه، طلبت الوزارة إصدار سلفة خزينة تتيح فتح اعتماد مستنديّ لصالح الشركة الفائزة، وقد حصل على إجابة رئيس الحكومة في اليوم الذي تلا، ويشير فيها إلى أنه "نوافق استثنائياً على إصدار سلفة خزينة تتيح فتح اعتماد مستندي لصالح شركة فيتول بقيمة 62 مليون دولار على أن يصار لاحقاً إلى إصدار المرسوم المتعلق بهذه السلفة، وذلك تفادياً للخسائر المحتملة المترتبة عن التأخير في إفراغ بواخر الشحن". 

وإذ يؤكّد فياض أنه لم يجر المناقصات لوحده، بل "كنا اتفقنا أنه من الضروري زيادة التغذية وأن تأتي متساوية مع زيادة التعرفة"، فإن النائب عطية يرى من جهته أن وزير الطاقة لم يخطئ في إطلاق المناقصات، لكنه كان يفترض أن لا يوقع العقد قبل تأمين المال. والرأي نفسه يؤكده جان العلية، مؤكداً أن قانون الشراء العام صار يسمح بإطلاق مناقصة قبل توفير اعتمادها، وهو ما لم يكن ممكناً في قانون المناقصات، إلا أنه أشار إلى وجوب تأمين الاعتماد قبل إتمام الصفقة. ولذلك يعتبر أنه لم يكن يُفترض بوزير الطاقة أن يوقّع العقود الثلاثة لتوريد الوقود لمؤسسة كهرباء لبنان قبل تأمين الاعتماد. ويلحظ هنا أن العقد الأول وقع في 13/12/2022 بالرغم من عدم فتح الاعتماد، وبالرغم من أن المادة 9 من العقد تشير إلى وجوب تسديد ثمن الشحنة بواسطة اعتمادات يفتحها مصرف لبنان في موعد لا يتجاوز 10 أيار قبل اليوم الأول المحدد التسليم، أي قبل 5/12/2022. كما يلحظ أنّ توقيع العقد من دون توفّر الاعتماد لا يحول دون تنفيذ العقود، لكنه يعطي المورّد الحقّ في عدم تفريغ الحكومة وبالتالي تكبيد المشتري غرامات مالية كبيرة عن تأخر فتح الاعتماد. فضلا عن ذلك، يفيد العليّة، في تقريره المقدم إلى اللجنة النيابية، أنه "كان بإمكان وزير الطاقة، بحسب المادة 10 من العقد، تأخير وصول البواخر، وبالتالي تأخير إلحاق الضرر بالمال العام لكنه لم يفعل (يحق للوزير عدم الموافقة على الناقلة البحرية). كما يحق له بموجب دفاتر الشروط أن يطلب من الشاري تأجيل تاريخ وصول الشحنة. ويحق لها أيضاً الاستفادة من قانون الشراء العام لناحية عرقلة عملية الشراء أو أياً من إجراءاته في أي وقت قبل إبرام العقد عندما تطرأ تغييرات غير متوقعة على عملية التمويل (المادة 25). كما خالف الوزير قانون المحاسبة العمومية الذي ينص على عدم عقد النفقة ما لم يتوفر لها اعتماد في الموازنة".