فوضى "المالية": من يتقاضى 100 دولار شهرياً مكلّف بال TVA

إيلي الفرزلي

23/02/2023

انشر المقال

عندما أُقرّ قانون الضريبة على القيمة في المضافة في العام 2001، اعتبر المُشرّع أن استحداث هذا النوع من الضريبة سيؤدي إلى تأمين المزيد من التوازن والعدالة الضريبة، إيجاد واردات إضافية للدولة وتفعيل الاقتصاد عن طريق نظام ضريبي عصري يحفز ويواكب التطور، وإدخال مبدأ الرقابة الذاتية مما يسهّل عمل الإدارة ويقلصّ إمكانية التهرّب من الضريبة. 

خلال أكثر من 20 عاماً، تبيّن أن ما تحقق من هذه الأهداف هو تأمين واردات إضافية للدولة، أما العدالة الضريبية، فقد بقيت وهماً، طالما أن الضريبة تطال الاستهلاك لا الثروة، التي ظلت محمية من أي ضريبة جدية، كما لم تتقلص عمليات التهرب الضريبي. 

ذلك القانون خضع على مرّ السنين للعديد من التعديلات، آخرها تضمّنه قانون الموازنة للعام 2022، في المواد من 68 حتى 70. وقد كان رفع قيمة المبلغ القابل للاسترداد من 5 مليون إلى 50 مليون ليرة أبرز ما تضمنته هذه التعديلات. 

هدف هذا التعديل إلى تخفيف الضغط الهائل الذي يمكن أن تشهده أعمال المراكز المعنية في وزارة المالية، بسبب سهولة الوصول إلى رقم 5 مليون ليرة مع انهيار العملة، علماً أن رقم 50 مليون ليرة لا يزال منخفضاً أيضاً بالمقارنة مع سعر الدولار، فهو لا يتجاوز 400 دولار حالياً، في حين كانت الملايين الخمسة تساوي 3334 دولاراً قبل الأزمة.

مع ذلك، فإن هذا التعديل جاء ليكرّس تناقضاً غير مفهوم. فمن بدا حريصاً على مراعاة المتغيرات المرتبطة بسعر الصرف لناحية الاسترداد، لم يكن كذلك في الموضوع الأهم، أي تحديد الحد الأدنى للتكليف بالضريبة. إذ تشير المادة الثالثة من قانون الضريبة على القيمة المضافة إلى توجّب هذه الضريبة على من يتجاوز رقم أعمالهم مبلغ 100 مليون ليرة، في حال لم يكونوا من الفئات المعفيّة (العاملون في المجال الطبي والعاملون في الزراعة، المعدات الزراعية والصيدلانية والأدوية، المواد الغذائية الأساسية، الغاز المنزلي والمازوت، الكتب والمطبوعات، وسائل النقل الجوي، الأحجار الكريمة والطوابع…). وإذا كانت ال100 مليون ليرة تساوي في ذلك الحين نحو 66 ألف دولار، فكان ذلك يعني تلقائياً استثناء الأعمال الصغيرة والمتوسطة، إن كانت تجارية أو من المهن الحرة أو أي مهنة أخرى، لكن مع إبقاء هذا المبلغ من دون تعديل في موازنة 2022، فهذا يعني عملياً زيادة ضخمة في قاعدة المكلّفين بالضريبة، لتشمل أي عمل صغير أو متوسط. إذ يكفي أن يبيع تاجر بـ1250 دولاراً سنوياً، أي ما يعادل 100 دولار شهرياً (3.4 دولاراً يومياً)، حتى يكون مجبراً على التسجيل في الـ TVA. الأمر الذي يطرح أسئلة عن آلية عمل الوزارة وكيفية تقديرها وإدارتها للسياسة المالية، علماً أن مديرة الاسترداد في مديرية الضريبة على القيمة المضافة رنا بو كروم كانت أشارت في مقابلة تلفزيونية إلى أن لا خطط لدى وزارة المالية لتعديل هذا السقف في موازنة العام 2023. 

يعتبر خبير المحاسبة جو صقر أنه من الملّح تعديل الحد الأدنى للخضوع للضريبة لأنها تضع تحديات ضخمة على صغار المكلفين، الذين لم يسبق أن سجلوا بالضريبة بالمطلق، وعلى من كانوا مسجلين ويملكون رقماً مالياً، لكن من دون أن يكون رقم أعمالهم كافياً للخضوع للضريبة. هؤلاء جميعاً سيكونون ملزمين بالخضوع للضريبة، علماً أن "المالية"، التي تعم فيها الفوضى، تكتفي في سياق تحفيزها عملية التسجيل بالإشارة إلى أن هذا التسجيل سيسمح باسترداد الضريبة أيضاً. 

لكن ما الذي يحصل على أرض الواقع حالياً؟ يؤكد صقر أن النتيجة أن الأغلبية تخالف القانون: فإما يقوم المكلفون بضريبة الدخل بالتصريح بأرقام غير واقعية، بحيث لا يصل رقم أعمالهم إلى 100 مليون ليرة سنوياً أو يفضلون عدم التصريح نهائياً. والطرفان يُراهنان على غياب الدولة، معتبرين أنه عندما تتحسن الأوضاع يكون لكل حادث حديث، خاصة أن وزارة المالية لم تدرس أي شركة منذ العام 2016 (عادة ما تقوم الوزارة بانتقاء شركات عشوائياً للتأكد من صحة فواتيرها). 

لكن مقابل الميل للتهرب من الضريبة، فإن من يصرحون عن أعمالهم لمصلحة ضريبة الدخل يصعب عليهم التهرّب من دفع هذه الضريبة، إذ تطالبهم وزارة المالية بالتسجيل بالضريبة على القيمة المضافة خلال شهرين، أو تقوم بتسجيلهم مباشرة. وهذا يعني عملياً أن المهندس الذي كان يعمل لحسابه الخاص، على سبيل المثال، بما يؤدي إلى تأمين مدخول شهري يقل عن 5000 دولار لم يكن مضطراً للتسجيل في الضريبة على القيمة المضافة، في حين يكفي حالياً أن يكون مدخوله الشهري حالياً 100 دولار حتى يكون مكلّفاً بالضريبة، ما يحتّم عليه، في المقابل إضافة هذه الضريبة إلى الفواتير التي يصدرها، والأمر نفسه يشمل المحامين والمحاسبين والصحافيين… إضافة إلى التجار الصغار وأصحاب الشركات الصغيرة. 

الحل بحسب كتلة القوات كان في تقديم اقتراح قانون لرفع الحد الأدنى للتكليف بالضريبة على القيمة المضافة إلى ملياري ليرة، أي ما يعادل بحسب سعر الدولار حالياً 25000 دولار سنوياً، وقّعه النواب جورج عقيص غادة أيوب وجورج عدوان. وإن كان هذا الرقم لا يزال غير كافٍ بالمقارنة مع ما كان عليه سابقاً (66 ألف دولار)، إلا أنه لا يُلبّي الغاية منه بحسب النقيب السابق لخبراء المحاسبة أمين صالح، الذي يعتبر أن هذا الاقتراح لم يعد ينفع. فعندما أقرت الموازنة كان سعر صرف صيرفة 32 ألف ليرة وكان سعر السوق نحو 42 ألف ليرة، أما اليوم فسعر السوق هو 80 ألف ليرة، وعليه نحن أمام حالة استثنائية تنتفي معها الفائدة من أية حلول مجتزأة، وبالتالي يجب أن يكون الحل جذرياً وبعيداً عن الترقيع. يستشهد صالح بما حصل مع تعديل ضريبة الدخل، فبالرغم من تعديل الشطور، واحتساب الدولار على سعر 15 ألف ليرة، فإن قيمة هذه الزيادة عادت وتبخرت مع ارتفاع سعر الدولار. ما يقود إلى التأكيد أنه طالما أن سعر الصرف لم يستقر على سعر معين فلا يمكن اتخاذ أي تدبير لحل أي أزمة من الأزمات المتلاحقة. 

للاطلاع على اقتراح القانون يمكنكم الضغط هنا