كامل نتائج الجلسة التشريعية المنعقدة في 15 كانون الثاني 2021: تشريع الضرورة أم تشريع الهلع؟

المفكرة القانونية

16/01/2021

انشر المقال
عقدت جلسة 15/1/2021 النيابية في تمام الساعة الثانية بعد الظهر. وكان على جدول أعمالها اقتراح معجل مكرر هو الاقتراح المتعلّق بتنظيم الإستخدام المستجدّ للمنتجات الطبية لمكافحة جائحة كوروناCovid 19 . والثاني متعلّق بتعديل المهل. وقد أضيف إلى الجلسة من خارج جدول الأعمال اقتراحان إثنان "خط عسكري" هما قانون تعديل المهل وقانون بإدخال قاعدة الإثني عشرية ابتداء من شباط 2021. وفيما ناقش النواب مطولا الاقتراح المتصل باللقاح ضد فيروس الكوفيد، فإنه تم إقرار الاقتراحين الآخرين على عجل من دون مناقشة تذكر. وقد لوحظ غياب عشرات النواب على نحو يسمح بطرح سؤال حول مدى توفر النصاب القانوني لانعقاد المجلس عند النظر في هذه الاقتراحات. هكذا تمت المصادقة على اقتراح قانون اللقاح ضد فيروس كوفيد صُدّق بالمناداة برفع الأيدي على اقتراح القانون المقدم من قبل اللجنة الطبية الصحيّة المتعلّق بتنظيم الإستخدام المستجدّ للمنتجات الطبية لمكافحة جائحة كورونا Covid 19 -والذي كانت المفكرة قد أبدت ملاحظات عليه - بعد إجراء تعديلات عليه وذلك بعد التصديق على صفة العجلة بإجماع النواب الحاضرين. وقد شدّد رئيس المجلس النيابي على ضرورة إقراره. ويهدف الإقتراح إلى إعفاء الشركات المصنعة للقاح كورونا من المسؤوليّة عن النتائج الصحية المتأتية عنه لمدة سنتين من نفاذ القانون. ومن أبرز التعديلات التي طرأت على الاقتراح الأساسي، الآتية:
  • توضيح مدى الإعفاء من المسؤولية منعا لأي التباس، بحيث يبقى محصورا بمنتجات العلاج الطبي المتعلّقة بكورونا وليس كل منتجات العلاج الطبي؛
  • السماح للقطاع الخاص باستيراد اللقاحات وعدم حصر ذلك بالدولة شرط أن يبقى خاضعا لترخيص بقرار من وزير الصحة عبر زيادة عبارة "متاح للقطاع الخاص عموما" إلى عبارة "جائحة كورونا"،
  • تعديل رئاسة اللّجنة المخوّلة بتقدير طبيعة الأضرار وأسبابها الناتجة عن استخدام اللّقاح. فبعدما كان يرأسها مدير عام وزارة الصحة ،بات يرأسها مدير من أصحاب الإختصاص في وزارة الصحة العامة وقد تم تعزيز صلاحيات اللجنة لتشمل صلاحية تقدير مقدار التعويض، بعدما كان الاقتراح الأساسي ترك هذه الصلاحية لوزير الصحة العامة. إلا أن الجدل حول الصلاحية لم يترافق مع أي مسعى لوضع معايير وضوابط لتحديد مقدار التعويض حسب طبيعة الضرر الحاصل.
  • أمّا التعديل الأخير فتمثّل بتعديل طريقة تمويل التعويضات لتصبح من احتياطي الموازنة العامة حصرا بعدما كانت تموّل أيضا من موازنة الصحّة العامة.
وأمكن تصنيف المداخلات ضمن ثلاث فئات: 1. مداخلات تحذر من أي تعديل على الاقتراح خشية رفض شركة اللقاح له: الفئة الأولى من المداخلات عبرت عن خشيةٍ من أي تعديل للاقتراح خوفا من عدم قبول الشركات المورّدة للدواء به، بما يؤدّي إلى عدم إمداد لبنان باللقاح. أهم المتحدثين في هذا الخصوص هو رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي. وقد رأى أولا في مداخلته أن اللقاح هو أمل اللبنانيين الوحيد، بفعل تدنّي الثقافة الصحيّة لديهم وعدم اقتناعهم بخطورة الوضع رغم امتلاء المستشفيات وسقوط العديد من الأطباء بسبب هذا الفيروس. ثم شرح عراجي ظروف صياغة هذا الإقتراح: فقد بدأت وزارة الصحة بالمفاوضات مع Pfizer للحصول على مليوني جرعة لقاح ومع شركة Covex للإستحصال على مليوني جرعة أخرى ولكن الشركات طالبت بتعهد من الدولة بتحمل المسؤولية عن المضاعفات لسنتين لتسليم اللقاح ذلك لأن آثار اللقاح الجانبية غير معروفة بعد، وذلك على غرار ما قامت به دول أخرى من بينها الولايات المتحدة تحت ال emergency rule authorization. في الاتجاه نفسه ذهب النائب بلال عبد الله موضحا أننا أمام تشريع ضرورة وأن الإقتراح هو "قمة ما يمكن إنتاجه" ولا يجب تعديل أي كلمة لأنه حصل بعد مفاوضات حثيثة مع الشركات وأي تعديل سيؤدي إلى عدم قبول الشركات التعاقد مع الدولة اللبنانية وهو ما سيؤدي إلى أزمة. \ كذلك طالب النائب جورج عدوان بتجنب القيام بتعديلات على الإقتراح حتى تقبل شركة Pfizer بالتعاقد مع الدولة، مشدّدا على أن أعداد اللقاح المنتظرة حتى آخر آذار تصل إلى 250 ألف فقط، يعني 7% من اللبنانيين وتصل في آخر أيلول إلى 750000 أي 17% منهم. والمنتظر أن تخفّ مناعة من نلقّحه اليوم آنذاك مما يعيدنا إلى نقطة الصفر، مما يوجب البحث عن لقاحات من شركات أخرى. وقد شدّد عدوان على أن المجلس النيابي يُحمّل الحكومة عن ذلك مسؤولية جزائية في حال حصوله. 2. مداخلات تحذّر من مخاطر الإحتكار: أما الفئة الثانية من المداخلات فقد توجّست من نشوء حصرية أو احتكار مطالبة بالترخيص للقطاع الخاصّ بالإستيراد على أن تكون الدولة مسؤولة عن اللقاح كما في حال استيراده مباشرة من قبل الدولة. فتساءل النائب فؤاد مخزومي عما إذا هذا القانون سيسمح للمؤسسات الخاصة أن تحضر اللقاح الصيني في إشارة إلى توجسه من الإحتكار وطالب بالسماح للقطاع الخاص بالإستيراد مشيرا إلى أن جامعة خاصة في لبنان حاولت إحضار 50000 جرعة لطلابها. كما طالب بتحويل جزء من أموال الدعم الذي أقره مجلس النواب بقيمة 150 مليار ليرة لشراء اللقاحات. كذك الأمر بالنسبة للنائب ابراهيم كنعان الذي شدد بدوره مرة أخرى على ضرورة عدم منح حصرية أو التأسيس لاحتكار كما تساءل عن سبب عدم اجراء استدراج عروض أو مفاوضات مع بقية الشركات كما ضررورة شملها. كذلك فعل النائب جورج عدوان. من ناحيته أشار النائب جورج عقيص على ضرورة أن تبقى الدولة اللبنانية ضامنة للأدوية المستوردة من قبل الشركات الخاصّة وليس فقط من قبل الدولة. وافقه رئيس المجلس النيابي ليوافق على ما يتعلق بضمان الدولة شرط استحصال هذه الشركات على إذن الدولة. 3. مداخلات تحذّر من الأبعاد الحقوقية للتشريع في هذا الخصوص أما الفريق الثالث فيخاف من فكرة وضع قانون ينقل مسؤولية الشركات المصنّعة والمسؤولية عن الخطأ الطبي إلى الدولة. وقد برز من بين هؤلاء النائب أنور الخليل الذي طرح تساؤلا حول سبب وضع قانون خاص لدواء موافق عليه، معتبرا أن ذلك يمس بمبدأ المسؤولية ككلّ في القانون. كما تساءل عن سبب تحميل الدولة مسؤولية العلة في الدواء، ثم عن مدى ضرورة تحميل وزارة الصحة المسؤولية بكاملها وإذا ما كان من الأفضل توزيعها. وأخيرا تساءل عن آلية التلقيح وعن ضرورة وجود حكومة قائمة وهو ما شكّك به. كذلك الأمر بالنسبة للنائب سيمون أبي رميا الذي أشار إلى عدم صحة القول بأن كل الدول تشرّع لإدخال هذا اللقاح معتبرا أن في ذلك مغالطة وأن الدول الأوروبية لم تعدل تشريعاتها في ما يتعلّق بقواعد المسؤولية عن فعل المنتجات " Responsabilite des faits des produits" بل أدرجت بندا في عقودها مع الشركات المصنّعة تقوم بموجبه الدول الأعضاء بتعويض هذه الشركات عن أي مسؤولية تكون قد تكبّدتها وهو ما كانت قد أشارت إليه المفكّرة القانونية في مقالها المنشور أمس. من جهتها، أخذت وزيرة العدل موقفا أكثر ليونة في سياق تحديد تحفظاتها على بعض ما جاء في الإقتراح. فأكدت على أن وزارة العدل تتمسّك بقواعد الإختصاص والمسؤولية ولكنها تدرك خطورة الظروف الإستثنائيّة. وقد اعتبرت أنّه بالنسبة للمسؤولية، هناك عدم اتّساق في النص، حيث أن الأسباب الموجبة تكلمت عن رفع المسؤولية المتعلقة باللقاح لمواجهة جائحة كوفيد، فيما تم التوسع فيه ليشمل تطوير وإدارة علاج بعض منتجات العلاج الطبي وإعفاء العاملين في القطاع الطبي من مسؤولية الخطأ الطبي. وتمنّت عدم التوسع معتبرة أن الشركة لن تمانع هذا التعديل حيث لا يتعلّق بها وهو ما أشارت إليه "المفكرة" أيضا. وطالب النائب إيلي الفرزلي بزيادة عبارة "على أن يتمتع اللقاح بمواصفات بلد المنشأ" لضمان أن لا تعفى الشركات المصنعة للقاح من المسؤولية في حال أرسلت لقاحا فاسدا دون أن يؤخذ باقتراحه. أما النائب أسامة سعد فتساءل أيضا عن سبب استخدام تعريف ضيّق للسلوك القصدي يصعّب من إثباته ما يعني مزيدا من الإعفاء من المسؤولية. وهو مأخذ كانت المفكرة أشارت إليه أيضا. كما طالب النائب جورج عقيص بتحديد نوعية المسؤولية وهي مسؤولية تقصيرية بحسب المادة 171 من قانون الموجبات والعقود.

في ما يخصّ الإختصاص، أكدت وزيرة العدل ماري كلود نجم أنها قد ناقشت الأمر مع مجلس القضاء الأعلى لكون الإقتراح ينزع صلاحية من السلطة القضائية. وقد تمنت بالنتيجة أن يترأس اللجنة التي تقدر الضرر وأسبابه ومقدار التعويض اختصاصي.

أما النائب أسامة سعد فاعتبر أن تحديد التعويض لا يقع من ضمن اختصاص الوزير حيث أن سلطته سياسية واقترح أن تضم اللجنة خبيرا تسميه وزارة العدل لينظر بالتعويض. أخيرا انتقد منح مهلة 3 أشهر بعد نفاذ القانون لوضع المراسيم التطبيقية المتعلقة بالصندوق المستقل الخاص بالتعويضات ومساهمات الدولة ومعايير التعويض في ظلّ عدم الإستقرار السياسي. اقترح قانون تعليق المهل بعدئذ، صٌدّق بسرعة ومن دون مناقشة اقتراح القانون المعجل المكرّر المقدّم من النائب الفرزلي. وكان الاقتراح وُزّع على النواب خلال الجلسة النيابية نفسها في 15/1/2021 خلافا للناظم الداخلي للمجلس الذي يفرض توزيع الافتراحات موضوع المناقشة قبل 24 ساعة من انعقاد الجلسة. وكانت "المفكرة" قد بيّنت خطورة تمديد المهل محذّرة من تكرار ذلك. فقد طبّق آخر تعليق للمهل القانونية والعقدية والقضائية بموجب قانوني 160 و185/2020 وذلك طوال 14 شهرا ونصف الشهر خلال الفترة الممتدة من 18 تشرين الأول 2019 حتى آخر 2020 بما يتعارض تماما مع مبدأي الضرورة والتناسب. وقد استُخدم تعليق المهل هذا لتعطيل جلسات المحاكم ومعه أعمال القضاء وكأداة لوقف الاجراءات ضد المعتدين على الأملاك العامة البحرية بحجة أن المهلة التي مُنحت لهم لتقديم ملفّات معالجة لمُخالفاتهم الحاصلة منذ أكثر من عقدين ونصف، هي بحكم المعلقة ولم تنقضِ بعد. كما استُخدِم القانون لنسف انتخابات مجالس النقابات والهيئات على اختلافها بحجة أن مهل تقديم الترشيحات هي الأخرى معلّقة، وذلك في موازاة التمديد لجميع المجالس المنتخبة في النقابات المهنية وسواها. ويلحظ أن الإقتراح جاء بما يتصل بتعليق المهلة القانونية أو القضائية والعقدية محصورا بما يخفف من الهواجس حياله حيث تم تعليق هذه المهل طوال فترة الإغلاق الكامل أو المحدّدة أو التي تحدّد استنادا إلى قرار إعلان التعبئة العامة المتخذ بموجب المرسوم 31/12/2020 من دون أي مفعول رجعي أو فتح التعليق حتى استحقاقات بعيدة. وينتظر أن تكون نقابة المحامين في بيروت قد ضغطت لمنع التوسع في هذا الخصوص، بما يستجيب للهواجس التي عبرت عنها "المفكرة". ويبقى الحذر واجبا هنا من المنحى المعتمد للتوسع في تعليق المهل ضربا لما تبقى من حكم القانون. ويسجل أيضا أن النائب الفرزلي قد أضاف في الاقتراح المقدم منه بندا تناول فيه بشكل خاص مهلة تقديم التصاريح عن الذمم المالية بموجب قانون الإثراء غير المشروع وعلى نحو غير مفهوم. وفيما كان نص الاقتراح على تمديد المهلة حتى آخر شباط وتم التصويت عليه وتصديقه على هذا الأساس، طلب النائب جهاد الصمد أن تمدّد المهلة إلى 31/3/2021 أي لمدة شهر إضافي. وعند سؤال رئيس مجلس النواب عن سبب ذلك، تحجج الصمد بالأوضاع، فما كان من رئيس المجلس إلا أن طلب التصويت على التعديل مرة ثانية ليأخذ الاقتراح صيغته الأخيرة. القاعدة الإثني عشرية مجددا

أخيرا صدّق اقتراح قانون “جباية الإيرادات كما في السابق وصرف النفقات اعتبارا من أول شباط 2021 ولغاية صدور قانون موازنة العام 2021 على أساس القاعدة الإثني عشرية" بعد أن صدّقت صفة العجلة دون أي نقاش. وقد طرح هذا الإقتراح من خارج جدول الأعمال وتم تلاوة نصّه وتصديقه. وهو يأذن بجباية الواردات كما في السابق وصرف النفقات على أساس القاعدة الإثني عشرية قياسا على أرقام الإعتمادات المرصدة في موازنة العام 2020 على أن يؤخذ بعين الإعتبار ما أضيف وأسقط منها من الإعتمادات الدائمة. يأتي ذلك في إطار مخالفة دستورية واضحة ليعيد العرف المتبع وبخاصة في الفترة الممتدة من شباط 2006 حتى أواخر 2017 حيث خضع لبنان لما يصح تسميته حكم القاعدة الإثني عشرية، وذلك بفعل تخلف السلطات العامة عن إقرار الموازنات العامة طوال أكثر من 12 سنة خلافا للدستور. وقد تمت المصادقة على هذا الاقتراح بسرعة لافتة، إلى درجة لأن بعض النواب الحاضرين لم يكونوا على بينة من وجوده.