كي يأخذ اعتصام النواب كامل معناه
27/01/2023
تستمرّ مجموعة من النواب في الاعتصام المفتوح داخل المجلس النيابي منذ الجلسة الحادية عشرة لانتخاب رئيس جمهوريّة الحاصلة في 19/1/2023. آنذاك، أعلن النائب ملحم خلف بقاءه داخل المجلس إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية بدورات متتالية من دون انقطاع.
ومن دون التقليل من أهميّة هذا الاعتصام للفت النظر إلى ضرورة إنجاز هذا الاستحقاق، يجدر التذكير بأن الإشكال الذي يحول دون إنجازه يتصل بالدرجة الأولى في كيفية احتساب النصاب الواجب توفّره لإتمام عملية الانتخاب. إذ أنه حتى الآن ما تزال غالبية الكتل النيابية تسلم بأن توفر نصاب ثلثي عدد نواب المجلس هو شرط لصحة انعقاد الجلسة. وهذا ما يسمح لأي كتل تضم ثلث عدد النواب أن تعطل الانتخابات مرّة بعد الأخرى، بانتظار حصول توافق واسع بينها غالبا ما يحصل خارج مجلس النواب ويأخذ طابعا إقليميا ودوليا ويحول دور النائب إلى مجرد عملية بصم لما يسفر عنه هذا التوافق. وانطلاقا من ذلك، فإن الاعتصام يكتسب معنى وجدية أكبر في حال اقترن بجهد فكري ومؤسساتي لنقض التسليم بنصاب الثلثين ومعه ضرورة تحقيق التوافق كشرط لانتخاب رئيس، أملا بوقف التعطيل الحاصل واستعادة دور المجلس كاملا في هذا الخصوص. ولهذه الغاية، ترى "المفكرة القانونية" أهمية وضع خطة عمل ترتكز على أمرين:
1- جهد فكري لنقض شرط توفر نصاب الثلثين
كما سبق بيانه، يكسب تحرّك النواب معنى وجدية أكبر في حال اقترن بجهد فكري ومؤسساتي لنقض التسليم بضرورة توفّر نصاب الثلثين وبصورة دائمة، من دون التمييز بين الجلسة الأولى والجلسات اللاحقة لها.
وكانت المفكرة القانونية قد أوضحت اللغط المزمن في تفسير المادة 49 من الدستور اللبناني في هذا الخصوص، وبخاصة لجهة أمرين:
- أولا، الخلط بين شرط النصاب وشرط الغالبية.
إذ بالعودة إلى المادة المذكورة، نجد أنها لا تتحدث قط عن النصاب إنما عن الغالبية الواجب توفرها لانتخاب رئيس الجمهورية، وهي غالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، و الغالبية المطلقة في دورات الاقتراع اللاحقة. وقد انبنى الرأي المعمول به على أن اشتراط غالبية ثلثي مجلس النواب للفوز في الدورة الأولى يعني بالضرورة اشتراط توفر نصاب الثلثين. إلا أن هذا الرأي غير صحيح لأنه ينبني على تفسير آخر خاطئ وهو أن غالبية الثلثين من مجلس النواب هي غالبية الثلثين من مجموع أعضائه في حين أنها تقصد بالحقيقة غالبية الثلثين من مجموع النواب المقترعين. أما شرط النصاب المطلوب توفره فيبقى هو هو أي أكثرية عدد النواب أي 65 نائبا.
- ثانيا، اعتبار كل جلسة على أنها جلسة جديدة، مع اشتراط النصاب والغالبية نفسهما.
أما اللغط الثاني الحاصل في تفسير المادة 49 فهو يتصل باشتراط توفر نصاب الثلثين بعد كل اقتراع، وليس فقط عند حصول الاقتراع الأول. في حين أن الصحيح هو أن نعتبر أي اقتراع لاحق للاقتراع الأول على أنه مكمل له، سواء حصل الاقتراع الأول في جلسة سابقة أو في الجلسة نفسها. وهذا ما تؤكده المادة 74 التي تنص أنه إذا خلت سدة الرئاسة لأي سبب "فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فورا بحكم القانون"، بمعنى أن انعقاده يعتبر متواصلا بموجب الدستور.
وهذا ما كنا أسهبنا في تبيانه في المقالين المنشورين للأستاذ الجامعي وسام اللحام تحت عنوان "أخطاءٌ مُزمنة في أصول انتخاب رئيس الجمهورية: والنتيجة فيتوات متبادلة وتعطيل" و"الجلسة الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية: هل تعاد الدورة الأولى أم يُباشر بالدورة الثانية؟" على موقعنا الإلكتروني.
2- التهيؤ للطعن قضائيا في اشتراط توفر نصاب الثلثين
بقدر ما يجدر العمل على نقض التفسير المعتمد للمادة 49 كما سبق بيانه، بقدر ما يجدر التهيؤ للطعن في حال استمرار العمل بهذا التفسير أمام مرجع قضائيّ هو بالضرورة في حالتنا الحاضرة المجلس الدستوري وذلك سندا للمادة 23 من القانون رقم 250/1993 حول إنشاء المجلس الدستوري. وهذا ما كنا أسهبنا في تبيانه في المقال المنشور للأستاذ الجامعي فردريك رولان بعنوان "أدوات قانونية لمحاربة سياسة الكرسي الشاغر" على موقعنا الإلكتروني.
إذ أن هذه المادة تولي المجلس الدستوري صلاحية الفصل في صحة انتخابات رئيس الجمهورية والبتّ في الطعون والنزاعات الناشئة عنها. وهذه العبارة الأخيرة (النزاعات الناشئة عنها) هي عبارة واسعة لا تشمل الاقتراع وحسب، وإنما أيضاً منع النواب من الاقتراع بحجة عدم توفر النصاب، مثلما يحصل حاليّاً. وفي هذه الحالة، يكون لثلث أعضاء مجلس النواب (43 نائبا) على الأقل الطعن في قرار رفع الجلسة وتاليا منعهم من الاقتراع، على أن يتم خلال مهلة 24 ساعة من حصول ذلك. ويكون على المجلس الدستوري في هذه الحالة أن يصدر قراره بمهلة أقصاها ثلاثة أيام من تاريخ ورود المراجعة ويبقى مجلس النواب منعقداً كهيئة انتخابية لحين صدور هذا القرار.
وفي هذه الحالة، يتعيّن على هذه الهيئة العليا النظر في كيفية تفسير المادة 49 من الدستور، وتحديدا مدى صحة اشتراط نصاب ثلثي المجلس النيابي عند كل اقتراع، بهدف تغليب رؤية أكثر عقلانية للقاعدة القانونية تكون في الوقت نفسه الأكثر توافقا مع مصلحة الدولة وسيادتها.