ماذا يحصل بعد انتهاء مهلة الدعوة لانتخاب رئيس جمهورية؟

وسام اللحام

23/09/2022

انشر المقال

حتى الآن، لم يوجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوة لعقد جلسة من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية وفقا للمهلة الدستورية المحددة في المادة 73 من الدستور. فقد نصت هذه المادة على التالي: "قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يُدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس". وبما أن الرئيس ميشال عون انتخب في 31 تشرين الأول 2016، فإن رئيس المجلس يتوجّب عليه دعوة مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بين نهاية شهر آب (شهران على الأكثر) ونهاية شهر أيلول (شهر على الأقل).

فالسؤال الذي بات يطرح هو معرفة ماذا يحصل في حال لم يوجّه رئيس مجلس النواب الدعوة خلال هذه الفترة التي تنتهي في آخر الأسبوع القادم؟ هل يحتفظ رئيس المجلس بحقه بتوجيه تلك الدعوة أو يفقد هذا الحق؟ ولماذا ترك الدستور فترة زمنية مبهمة تمتدّ بين نهاية المهلة المفروضة على رئيس المجلس لتوجيه الدعوة وانعقاد مجلس النواب حكما في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء ولاية رئيس االجمهورية من دون تحديد ما الواجب فعله؟ فهل يعقل أن تمرّ هذه الفترة المبهمة من دون اجتماع مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية بل يتم فقط انتظار تاريخ الموعد الحكمي لاجتماع المجلس؟

تجد المادة 73 من الدستور مصدرها في المادة الثالثة من القانون الدستوري الفرنسي الصادر في 16 تموز 1875 خلال الجمهورية الثالثة والتي تنصّ على أن رئيس الجمهورية ينتخب قبل شهر على الأقل من نهاية ولاية الرئيس الحالي وفي حال لم يتم توجيه الدعوة لذلك تجتمع الجمعية الوطنية (أي الاجتماع المشترك لمجلسي الشيوخ والنواب) حكما قبل 15 يوما من انتهاء الولاية[1].

لكن النص الفرنسي يختلف عن النص اللبناني الحالي في أنه يعلن أن انتخاب الرئيس يجب أن يتم قبل شهر على الأقل فقط بينما النص اللبناني يضيف "وشهرين على الأكثر". كذلك لا يحدّد النص الفرنسي ما هي الجهة التي ستتولى دعوة الجمعية الوطنية لانتخاب الرئيس بينما تنص المادة 73 من الدستور اللبناني صراحة على أن هذه الدعوة يوجهها رئيس مجلس النواب. أما الاختلاف الأخير فهو ثانوي كونه فقط يتعلق بتاريخ الانعقاد الحكمي أي قبل 10 أيام في لبنان و15 يوما في فرنسا.

ولا بدّ من التذكير أن المادة 73 كما أقرّت في سنة 1926 كانت تنص على التالي: "قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلسان في مجمع نيابي بناء على دعوة رئيس مجلس الشيوخ لانتخاب الرئيس الجديد. وإذا لم يدع المجلسان لهذا الغرض، فإنهما يجتمعان حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس".

فالبرلمان اللبناني كان يتألف من مجلس للشيوخ ومجلس للنواب تحديدا كما في فرنسا حينها ولم يتم إلغاء مجلس الشيوخ إلا سنة 1927. لذلك كان رئيس الجمهورية ينتخب في جلسة مشتركة للمجلسين ضمن ما يعرف بالمجمع النيابي، وقد نصت المادة 78 من الدستورعلى التالي: "يرأس المجمع النيابي رئيس مجلس الشيوخ وتكون عمدة مجلس الشيوخ عمدة المجلس النيابي"، علما أن هذا الحل هو أيضا الحل الذي كان متبعا في فرنسا إذ كان رئيس مجلس الشيوخ هو الذي يترأس جلسة الجمعية الوطنية من أجل انتخاب رئيس الجمهورية. ومع إلغاء مجلس الشيوخ، بات رئيس الجمهورية في لبنان ينتخب مباشرة من قبل مجلس النواب، ما يعني أن مسألة من يرأس جلسة الانتخاب لم تعُدْ مطروحة كون رئيس مجلس النواب هو من سيرأس الجلسة بداهة.

لكن المادة 73 كما أقرّت في سنة 1926 تختلف عن النص الذي ناقشه المجلس التمثيلي خلال جلسة 21 أيار 1926 المخصصة لإقرار الدستور. فالنصّ الأصلي لهذه المادة كما ورد في مشروع الدستور كان وفقا للتالي: "قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل يلتئم المجلسان في مجمع نيابي بناء على دعوة رئيس مجلس الشيوخ لانتخاب الرئيس الجديد وإذا لم يدع المجلسان لهذا الغرض فإنهما يجتمعان حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس"، أي أن هذه المادة كانت مشابهة تماما للنص الفرنسي الذي يعلن أن رئيس الجمهورية ينتخب قبل شهر على الأقل فقط دون "أو شهرين على الأكثر".

ومن خلال مراجعة محضر الجلسة المذكورة يتبين أن النائب يوسف الخازن استغرب الصيغة المعتمدة فقال: "ورد في المادة على الأقل أليس من الأفضل أن يقال على الأكثر". فما كان من النائب شبل دموس إلا وأن اقترح التالي: "أقترح أن يقال قبل شهر على الأقل وشهرين على الأكثر". وهكذا وافقت الأكثرية على اقتراح النائب دموس الذي أضاف عنصرا فريدا على المادة 73 من الدستور لا وجود له في النص أو التجربة الفرنسية.

ولا شك أن استغراب النائب الخازن في محله كون انتخاب رئيس الجمهورية قبل شهر على الأقل يعني أن بين تاريخ انتخاب الرئيس وتاريخ انتهاء الولاية يجب أن يمر شهر كامل على الأقل، ما قد يفهم منه أن الرئيس قد ينتخب قبل شهرين أو ثلاثة او أربعة أو قبل سنة حتى، وهو أمر لا يستقيم إطلاقا إذ من الضروري حصر الفترة التي يوجد فيها رئيس منتخب ورئيس فعلي في أضيق فترة ممكنة منعا لإزداوجية السلطة. لذلك كان اقتراح شبل دموس في محله كون مهلة انتخاب الرئيس باتت لا تبدأ إلا قبل شهرين من انتهاء الولاية بينما النص الفرنسي لا يحدد متى تبدأ هذه المهلة لكنه يكتفي فقط بتحديد متى تنتهي.

لكن لماذا جاء النص الفرنسي خاليا من تحديد ما هي الجهة التي توجه الدعوة، بينما حدد النص اللبناني ذلك بوضوح (رئيس مجلس الشيوخ ومن ثم رئيس مجلس النوب اعتبارا من 1927)؟ ألا يجب أن نفترض أن رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي بوصفه رئيس الجمعية الوطنية هو الذي سيوجه تلك الدعوة؟ إنّ الجواب على هذا السؤال هو الذي يحل لنا لغز المادة 73 من الدستور اللبناني.

والحقيقة المنسية هي أن الذي كان يتولّى دعوة الجمعية الوطنية للانعقاد من أجل انتخاب رئيس الجمهورية في فرنسا لم يكن رئيس مجلس الشيوخ على الإطلاق على الرغم من أنّه الشخص الذي سيترأس تلك الجلسة. فالجهة التي كانت تدعو الجمعية الوطنية عندما يقترب الموعد الدستوري لانهاء ولاية رئيس الجمهورية بشكل طبيعي هو رئيس الجمهورية نفسه الذي يتولى إصدار مرسوم يحدد للجمعية الوطنية تاريخ انعقادها من أجل انتخاب الرئيس الجديد[2]. وقد جرت العادة في فرنسا، مع انتهاء أول ولاية لرئيس الجمهورية بشكل طبيعي في كانون الثاني 1886 أن يتوافق رئيس مجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء على تاريخ الدعوة لكن شرط أن يتم تكريس ذلك بمرسوم يصدر عن رئيس الجمهورية، علما أن رئيس مجلس الشيوخ، بوصفه رئيسا للجمعية الوطنية، يقوم بوظيفته الإدارية المعهودة أي بتحديد ساعة الاجتماع كي يتمكن الأعضاء من تنسيق حضورهم إلى الجلسة[3].

وهكذا يتبين لنا أن النص الفرنسي عندما يفترض عدم توجيه دعوة فهو يحتاط من تقاعس السلطة التنفيذية عن القيام بواجبها الدستوري، فتنتقل الدعوة حينئذ إلى رئيس مجلس الشيوخ. فامتناع رئيس مجلس الشيوخ عن توجيه تلك الدعوة لم يكن في الحسبان أصلا ولم يكن ذلك من ضمن الفرضيات التي يمكن توقعها. وينقل لنا "أوجين بيار" شرحا قدمه وزير التربية أمام مجلس النواب الفرنسي بتاريخ 19 كانون الأول 1885 الذي اعتبر أن تمنع اللسطة التنفيذية عن الدعوة ينقل هذه الصلاحية إلى رئيس مجلس الشيوخ الذي يمكن له توجيه الدعوة في أي موعد لاحق يريد وفي مطلق الأحوال للجمعية الوطنية أن تجتمع حكما قبل 15 يوما من انتهاء ولاية الرئيس[4].

وهكذا يظهر لنا الفرق بين المادة 73 من الدستور اللبناني والتجربة الفرنسية. فامتناع رئيس الجمهورية في فرنسا عن توجيه الدعوة ينقل هذه الصلاحية إلى رئيس مجلس الشيوخ بينما في لبنان لا يوجد أي جهة أخرى تنتقل إليها صلاحية دعوة مجلس النواب ما يفاقم من صعوبة الأمر ويعطل إمكانية إيجاد حلول دستورية لهذه المعضلة[5].

فلو دعا رئيس المجلس إلى جلسة انتخابية خلال المهلة الدستورية ولم تنعقد هذه الجلسة بسبب غياب النصاب (بغضّ النظر عن مسألة كيفية احتساب النصاب)، بإمكاننا القول أن رئيس المجلس يحتفظ بحقه بالاستمرار في الدعوة حتى لو انقضت هذه المهلة. لكن لو امتنع رئيس المجلس عن توجيه الدعوة بالمطلق هل يمكن القبول بانتظار الانعقاد الحكمي للمجلس في اليوم العاشر قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية هذا علما انه حتى في موعد الانعقاد الحكمي على رئيس مجلس النواب أن يوجه دعوة للنواب يحدد لهم ساعة الاجتماع كي يتمكنوا من الحضور في الوقت نفسه.    

وكان البعض قد طرح بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود سنة 2007 إمكانية نقل صلاحية توجيه الدعوة إلى نائب رئيس مجلس النواب في حال تمنع رئيس المجلس عن القيام بواجبه الدستوري. لكن هذا الطرح رغم صوابية الغاية التي يتوخاها، لا يستقيم كون المادة السادسة من النظام الداخلي لمجلس النواب تنص على أن"يتولى نائب الرئيس صلاحيات الرئيس في حال غيابه أو عند تعذر قيامه بمهمته" وفي حالتنا هذه، لا يوجد أي غياب لرئيس المجلس بل هو في الحقيقة يستنكف عمدا عن توجيه الدعوة ويخالف واجباته الدستورية دون وجود أي اجراء في النظام الداخلي يمكن اتخاذه لتدارك هكذا وضع.

فالفترة الزمنية المبهمة بين انتهاء المهلة الدستورية والانعقاد الحكمي لمجلس النواب مردها للاختلاف الكبير بين السياق الفرنسي والنص اللبناني الذي حصر دعوة مجلس النواب برئيسه كونه لم يتوقع، ولا يمكن له أن يتوقع، فرضية تعمد رئيس مجلس ما عن ممارسة واجب دستوري على هذا القدر من الأهمية. فالسطة التنفيذية هي التي كانت في مخيلة النواب الفرنسيين مصدر التهديد ولم يمكنهم على الإطلاق تخيل أن يكون التهديد مصدره من داخل السلطة التشريعية نفسها.

وما يظهر بوضوح الفرق بين التجربة الفرنسية ونص المادة 73 هو أن انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الفرنسي بسبب الوفاة أو الاستقالة كانت تعني إمكانية انعقاد الجمعية الوطنية لانتخاب الخلف من دون انتظار صدور مرسوم عن رئيس جمهورية غير موجود، إذ يتولى رئيس مجلس الشيوخ بوصفه رئيسا للجمعية الوطنية دعوة هذه الأخيرة للاجتماع ضمن مهلة قصيرة[6]. ففي هذه الحالة تنص المادة السابعة من القانون الدستوري الفرنسي الصادر في 25 شباط 1875 على ضرورة اجتماع الجمعية الوطنية فورا من أجل انتخاب الرئيس الجديد وهو النص الذي سيصبح المادة 74 من الدستور اللبناني التي نصت بدورها على التالي: "إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون".

والهدف من هذا النص لم يكن فقط تحرير الجمعية الوطنية من تدخل السلطة التنفيذية بل أيضا التأكيد على أن جلسة انتخاب الرئيس في هذه الحالة يمكن أن تعقد خارج العقد العادي لمجلسي الشيوح والنواب وهو الحل نفسه المعتمد في لبنان. فالانعقاد الفوري ليس موجها ضد رئيس مجلس النواب (أو رئيس مجلس الشيوخ في فرنسا) بل لتدارك احتمال حصول خلو في رئاسة الجمهورية خارج دورات الانعقاد العادية حيث يصبح من الضروري تدخل السلطة التنفيذية لأجل توجيه الدعوة.

جراء ما تقدم، يصبح جليا أن الدستور لم يتوقع فرضية امتناع رئيس مجلس النواب عن توجيه الدعوة من أجل انتخاب رئيس الجمهورية، وكل الحلول التي يتم طرحها هي فرضيات لا سند مباشر لها من ضمن المنطق الداخلي للنص الدستوري. فهكذا تصرف لا يمكن أن يتوقعه أي دستور وهو لا يحصل إلا في ظل الغياب الكامل لمنطق الدولة والمؤسسات وغياب أي شكل من أشكال المحاسبة على أداء رئيس مجلس النواب.

وهكذا يتبين لنا أن الدستور لم يحسم هذه المسألة صراحة ولم يرتب نتائج على تمنع رئيس مجلس النواب عن توجيه الدعوة خلال المهلة المحددة دستوريا والتي تنتهي بعد أيام.

مقالات ذات صلة:

أخطاءٌ مُزمنة في أصول انتخاب رئيس الجمهورية: والنتيجة فيتوات متبادلة وتعطيل


[1] « Un mois au moins avant le terme légal des pouvoirs du Président de la République, les chambres devront être réunies en Assemblée nationale pour procéder à l'élection du nouveau Président. - A défaut de convocation, cette réunion aurait lieu de plein droit le quinzième jour avant l'expiration de ces pouvoirs ».

[2] « Le texte ne dit pas de qui doit émaner la convocation de l'Assemblée Nationale, laquelle doit avoir lieu un mois avant l'expiration des pouvoirs; mais il ressort des principes qu'elle ne peut émaner que du Président de la République en fonctions. La Constitution prévoit d'ailleurs immédiatement le cas où il ne se conformerait pas à cette obligation et elle y porte remède : si la convocation n'a pas été faite; l'Assemblée Nationale se réunit de plein droit le quinzième jour avant l'expiration des pouvoirs. C'est alors la Constitution elle-même qui la convoque; mais il faudra une convocation de fait pour le jour et l'heure de la réunion; le soin en revient nécessairement au Président du Sénat, Président de l'Assemblée Nationale » (A. Esmein, éléments de droit constitutionnel français et comparé, Tome 2, Sirey, paris, 1921, p. 49).

[3] Eugène Pierre, Traité de droit politique, électoral et parlementaire, p. 357.

[4]  المرجع السابق.

[5] لا بد من التذكير انه عندما كان الدستور اللبناني معلقا وفي ظل وجود رئيس جمهورية معين من الفوض السامي لا ولاية محددة له انتخب على أساسها كان يتم انتخاب رئيس الجمهورية الجديد بدعوة من السلطة التنفيذية كالمرسوم رقم 2640 تاريخ 4 كانون الثاني 1936 الذي أصدره الرئيس المعين حبيب باشا السعد القاضي بدعوة مجلس النواب بتاريخ 20 كانون الثاني 1936 فقط لانتخاب رئيس الجمهورية، والمرسوم رقم 185 تاريخ 14 أيلول 1943 الذي دعا بموجبه الرئيس المعين بترو طراد مجلس النواب إلى عقد استثنائي يفتتح في 21 أيلول على أن يضمن جدول أعماله انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

[6] على سبيل المثال في لبنان قدم رئيس الجمهورية بشارة الخوري استقالته في 18 أيلول 1952 فوجه رئيس المجلس أحمد الأسعد دعوة لانتخاب رئيس جديد في 23 أيلول، أي بعد خمسة أيام فقط.