مجلس الأزمات الكبرى 2018-2022 (3): خلاصة حول الهيئة العامة
05/11/2022
نشر المرصد البرلماني تقريرا عن أعمال المجلس النيابي للولاية السابقة ما بين 2018-2022، قيّم فيه نتاج المجلس النيابي من جوانبه المختلفة. وقد حاولنا في هذا التقرير الذي يجسّد مرحلة متقدّمة من عملنا الرصدي الإضاءة على عمل الهيئة العامة واللجان والكتل والنواب. وفي حين نشرنا سابقا التقرير كاملا بنسخة PDF، ننشر تباعا فصولا منه بهدف الإضاءة على جزئيات العمل البرلماني وتسهيل الوصول إليها، وهي جزئيات قد لا يتنبه إليها القارئ في سياق تصفّحه التقرير في شموليته. ننشر هنا الحلقة الثالثة منه، وهي تتصل بخلاصة الهيئة العامة للمجلس النيابي، يتبعها حلقات أخرى عن أداء اللجان والكتل والنواب.
- اعتُبرت الهيئة العامة للمجلس النيابي في حال انعقاد دائم طوال ثلاث سنوات من الولاية، عملاً بالمادة 69 من الدستور التي تعتبره كذلك في حال استقالة حكومة أو اعتبارها مستقيلة إلى حين تشكيل حكومة جديدة ونيلها الثقة.
- في حين بلغ عدد الجلسات التشريعية 21 جلسة، يُضاف إليها اثنتان لإقرار قانونَيْ الموازنة العامة لسنتَيْ 2019 و2020، فإنّ الهيئة العامة عقدت جلسة واحدة لمساءلة الحكومة رغم تعهُّد رئيس المجلس نبيه برّي بعقد جلسة مساءلة كل شهر على الأقلّ، وخلافاً للنظام الداخلي (المادة 136) الذي نصّ على أنّه بعد كل ثلاث جلسات عمل على الأكثر في العقود العادية والاستثنائية تُخصَّص جلسة للأسئلة والأجوبة أو جلسة للاستجوابات أو للمناقشة العامة مسبوقة ببيان من الحكومة. في المقابل، فإنّ أربع جلسات تمّت الدعوة إليها لم تُعقَد، منها اثنتان لأسباب تتصل بانتفاضة 17 تشرين وواحدة تتصل بالنظر في طلب اتهام الوزراء الخمسة المدعى عليهم في قضية المرفأ وواحدة تتصل بمناقشة كتاب رئيس الجمهورية حول التوازن الطائفي في التوظيف في إدارات الدولة.
- دفعتْ قلّةُ الجلسات التشريعية مكتبَ المجلس إلى إثقال جداول أعمالها، حيث بلغ متوسّط البنود الواردة على جداول أعمال الجلسات 28.4 بنداً. وقد سُجِّل أعلى عدد من البنود في جلسة 21 كانون الأوّل 2020، إذ بلغ 71 بنداً. وقد تسببت كثافة البنود إلى رفع عدد من الجلسات التشريعية أو سقوط نصابها قبل إنهاء أعمالها، بحيث قاربت نسبة الإنجاز عن هذه الفترة 75%، ممّا هدَّد بضياع المبادرة التشريعية. وبالفعل، وثَّق المرصد أنّ 28 بنداً وُضعَت على جداول أعمال هذه الجلسات لم تُدرَس في أيٍّ من جلسات هذه الولاية.
- بلغ مجموع البنود المختلفة الواردة في جداول جلسات الهيئة العامة 438 بنداً مختلفاً، منها 24 بنداً وردتْ من خارج جداول أعمالها. وتنقسم هذه البنود إلى أربع فئات: مشاريع قوانين درستها اللجان (106)، اقتراحات قوانين عادية مُنجَزة من اللجان (96)، مشاريع قوانين وردت بصورة مستعجلة من دون المرور باللجان (5)، واقتراحات قوانين معجّلة ومكرّرة (231). ويتحصّل تالياً أنّ عدد المقترحات التي دُعيَتْ الهيئة العامة للمجلس إلى النظر فيها خلال الولاية، والتي درستْها إحدى لجانه على الأقلّ، بلغتْ 202/438 مقترحاً مختلفاً وهي تمثّل نسبة 46.12% من مجموع المقترحات المختلفة الواردة إليها. وُيلحَظ أنّ حظوظ قبول مشاريع القوانين بلغت 90% وحظوظ قبول الاقتراحات العادية 77%، في حين وصلت حظوظ قبول الاقتراحات المعجّلة المكرّرة إلى 19%.
- انتهت الهيئة العامة إلى إقرار 225 مقترح قانون، لكنّ هذا العدد تقلّص إلى 219 قانوناً نافذاً بعدما أبطل المجلس الدستوري أحدَها وردّ رئيس الجمهورية خمسة منها. وإذ بلغ عدد القوانين التي أقرّها مجلس النواب للإجازة للحكومة بالمصادقة على اتفاقيات دولية أو تعديلها خلال هذه الولاية 55، يُسجَّل أنّ 51 من مجموع القوانين الصادرة أدَّتْ إلى إبطال أو تعليق العمل بقوانين نافذة وأنّ 34 منها تناولت الشؤون المادية أو الإدارية لأجهزة الدولة. وعليه، فإنّ عدد القوانين التي أضافت إلى البناء التشريعي أو المؤسساتي، بغضّ النظر عن مدى ملاءمتها، قد بلغ 79 فقط. وعليه، يظهر أنّ المجلس النيابي انتهى إلى صناعة قانون تعطيلي لقوانين سابقة مقابل كل قانون ونصف تقريباً من شأنه أن يُرسِي قواعد جديدة للمستقبل. وكأنّه يمشي خطوة إلى الوراء مقابل كل خطوة ونصف إلى الأمام. ولهذا الأمر دلالة هامة تتجاوز مسألة الإنتاجية وتتصل بمفهوم القانون، وبخاصة لجهة طابعه الملزِم. فأن يتدخّل المشرِّع بانتظام وبكثرة لتعطيل قوانين نافذة إنّما يعطي انطباعاً عامّاً بأنّ القوانين هشّة وبإمكان المواطن عدم الالتزام بها والتعويل على التراجع عنها أو إبطال مفاعيلها. وهذا ما ينطبق بشكل خاص في المسائل الضريبية حيث برزت الإعفاءات والتسويات بشكل كبير في القوانين التي أُقرّت خلال هذه الولاية، بخاصة في قوانين الموازنة وتعليق المُهَل، وهو ما اعتبره المجلس الدستوري منافياً لمبدأ المساواة في قراره 2/2018، وبمثابة مكافأة لِمَن يتهرَّب من الضريبة وتشجيعاً على مخالفة القوانين.
- إنّ الفئة الغالبة من بين القوانين الداخلية اتصلت بالأزمات المتعددة (28 يضاف إليها ست اتفاقيات دولية متصلة بها)، تليها القوانين الخاصة بتنظيم الحياة المدنية (عددها 25، يرتفع إلى 36 إذا جمعنا معها قوانين تنظيم المهن القانونية)، وتأتي من بعدها قوانين المالية العامة (20) والقوانين المتصلة بمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية (12). ويُلحَظ أنّ مجمل القوانين من الفئة الأولى هدفت إلى معالجة تداعيات الأزمة المالية، وبخاصة من خلال منح منافع للمؤسسات المتضررة من دون صدور أيّ قانون يهدف إلى معالجتها أو التمهيد لتجاوزها. فلا نجد أيّ قانون بشأن إعادة تكوين المصارف أو السرية المصرفية أو الكابيتال كونترول أو حتى الاقتصاد المنتج، وإنْ توفّرت مبادرات نيابية في هذا الخصوص. وبذلك، يستمرّ المجلس في النهج المُعتمَد نفسه لجهة تجاهُل أسباب الأزمات والتعامل معها على أنّها قدر يقتضي التخفيف من آثاره من دون إمكانية درئه أو معالجة أسبابه أو تجاوزه. لا بل إنّ القوى السياسية سعتْ إلى استغلال الأزمة لتمرير قوانين تخدم مصالحها أو تدعم ما تصبو إليه. هذا ما حصل مثلاً من خلال تبرير اقتراح العفو العام بالجائحة وتعليق مهلة التصريح عن الثروة، أو أيضاً وضع قانون تعليق المهل من دون استثناء المهلة المعطاة للمعتدين على الأملاك البحرية لمعالجتها أو أيضاً تعليق الانتخابات النقابية.
ومن أهم، أو أخطر، القوانين الصادرة قانون المنافسة وقانون تسوية مخالفات البناء، الحاصلة خلال خمسة عقود من 1971 حتى 2019، وقانون مكافحة الفساد في القطاع العام، وقانون تعديل قانون الإثراء غير المشروع، وقانون حماية كاشفي الفساد، وقانون الشراء العام، وقانون حقوق ذوي المخفيين قسراً والمفقودين، وقانون تعديل المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والقانون بالسماح للحكومة بالمصادقة على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والبروتوكول المُرفَق به، وقانون تجريم التحرش، وتعديل قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، وقانون تعديل المادة 419 من قانون العقوبات، في اتجاه تشديد عقوبة التدخُّل في عمل القضاء وقانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، وقانون المناطق المحمية.
- برز العديد من المخالفات في أصول التشريع والنظام الداخلي خلال الولاية الأخيرة للمجلس النيابي، هي:
- عدم احترام أصول الدعوة لجلسة نيابية من توزيع جدول الأعمال والمقترحات ضمن المهل؛
- عدم احترام أصول إدراج المقترحات على جدول الأعمال. إذ تنصّ المادة 42 من النظام الداخلي لمجلس النواب على أن: "تُرفَع تقارير اللجان إلى مكتب المجلس لإدراجها في جدول أعمال جلسات المجلس العامة وفق ترتيب وصولها إليه مع حفظ الأولوية للمشاريع المعجّلة". أمّا في الواقع فقد بقيت 53 من المقترحات المُنجَزة مُحتجَزة في هيئة مكتب المجلس بدون أن تُوضَع على جدول الأعمال كما يفرض النظام الداخلي؛
- حظر تلاوة "الأوراق" في بداية كل جلسة تشريعية وتعليق النواب عليها منذ ما بعد انتفاضة 17 تشرين الأوّل 2019، وذلك خلافاً للمادة 64 من النظام الداخلي لمجلس النواب. وقد برّر رئيس المجلس ذلك بِنِيَّته تجنُّب الحديث السياسي والتجاذبات في المجلس، خصوصاً بعد انتفاضة 17 تشرين، وما لحقها من تشنُّجات كبيرة في الشارع وبين الفرقاء السياسيين. غير أنّ تبرير الرئيس برّي مُستغرَب إذ إنّه يضرب طبيعة المجلس النيابي ودوره الأوّل، وهو المكان الأساسي لطرح الخلافات السياسية واجتراح توجُّهات بشأنها؛
- التصويت على بنود جدول الأعمال بدون توفّر النصاب؛
- التصويت على مشروع نص عادي من خارج جدول الأعمال؛
- عدم وضوح في كيفية عدّ الأصوات أثناء التصويت؛
- خلاف حول احتساب الأكثرية المطلَقة؛
- تحويل الاقتراحات المعجّلة المكرّرة إلى اللجان من دون التصويت على صفة العجلة؛
- ضرب قواعد الشفافية في المناقشات؛
- المخالفة الفادحة في تعديل المجلس النيابي لاتفاقية دولية بشكل أحادي بدون الرجوع إلى الطرف الآخر؛
- المخالفة الفادحة في النظر في مقترحات وردتْ إلى المجلس النيابي بصيغة مشاريع قوانين في حين أنّها لم تُتَّخَذ في الحكومة إنّما بموافقة استثنائية من رئيسَيْ الجمهورية والحكومة.