مجلس الأزمات الكبرى 2018-2022 (1): ماذا عن أداء الهيئة العامة للمجلس؟

المفكرة القانونية

27/10/2022

انشر المقال

نشر المرصد البرلماني تقريرا عن أعمال المجلس النيابي للولاية السابقة ما بين 2018-2022، قيّم فيه نتاج المجلس النيابي من جوانبه المختلفة. وقد حاولنا في هذا التقرير الذي يجسّد مرحلة متقدّمة من عملنا الرصدي الإضاءة على عمل الهيئة العامة واللجان والكتل والنواب. وفي حين نشرنا سابقا التقرير كاملا بنسخة PDF، سننشر هنا تباعا فصولا منه بهدف الإضاءة على جزئيات العمل البرلماني وتسهيل الوصول إليها، وهي جزئيات قد لا يتنبه إليها القارئ في سياق تصفّحه التقرير في شموليته. ننشر هنا الحلقة الأولى منه وهي تتصل بنشاط الهيئة العامة للمجلس النيابي، يتبعها حلقة ثانية حول نتاجها التشريعي ومن ثم حلقات أخرى عن أداء اللجان والكتل والنواب.

عقدت الهيئة العامة للمجلس النيابي خلال ولاية 2018-2022 ما مجموعه 38 جلسة (علماً أنّه تعذّر انعقاد أربع جلسات خلال الولاية لأسباب متفرّقة كما نبيّن أدناه). وقد انقسمت جلسات الهيئة العامة على النحو الآتي: 21 منها جلسات تشريعية، واثنتان لإقرار قانونَيْ الموازنة العامة لسنتَيْ 2019 و2020، وواحدة فقط لمساءلة الحكومة، و14 جلسة أخرى (ثلاث لتلاوة ثلاث رسائل لرئيس الجمهورية، وأربع لانتخاب أعضاء هيئة مكتب المجلس وأعضاء اللجان الدائمة، وثلاث جلسات لمنح الثقة للحكومة، وجلستان لانتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء - وواحدة للنظر في مرسوم إعلان حالة الطوارئ عقب انفجار 4 آب 2020 - وواحدة لانتخاب أعضاء المجلس الدستوري).

  1. على صعيد الجلسات التشريعية

رغم ارتفاع عدد الجلسات التشريعية بين 2019 و2021، من أربع إلى سبع جلسات، فإنه يبقى محدوداً، حيث عقد المجلس أقلّ من جلسة كل شهرين.

وما يزيد قابلية انتقاد ندرة الجلسات التشريعية، أنّ المجلس كان في حالة انعقاد لمدة ثلاث سنوات على الأقلّ من مجموع ولايته. يتحصّل هذا الأمر من الأمور الآتية:

  • مجموع الفترات التي استغرقتها الدورات العادية لانعقاد المجلس في ربيع وخريف كل سنة، وهي الدورات التي تنعقد بحكم الدستور؛
  • الفترات التي شهدت فراغاً حكومياً (وجود حكومات مستقيلة أو تصريف أعمال أو حكومة مشكَّلة لم تنلْ الثقة بعد) خلال ولاية المجلس، وهي الفترات التي يكون المجلس فيها منعقداً بحكم المادة 69 من الدستور، وقد بلغت 24 شهراً. للتذكير، استغرقت مساعي تشكيل حكومة الحريري ثمانية أشهر بعد انتخابات 2018، حيث شُكِّلت في آخر كانون الثاني 2019. وبعد استقالة هذه الحكومة في شهر تشرين الأوّل 2019 عقب الانتفاضة، لم تشكَّلْ حكومة الرئيس حسّان دياب إلّا بعد نحو ثلاثة أشهر، وقد أُعطيت الثقة في 11 شباط 2020. وعاشت هذه الحكومة حتى انفجار 4 آب 2020، حيث استقالت في الأيام القليلة التي أعقبته، أيْ في 10 آب 2020، وبقي لبنان من دون حكومة جديدة مكتملة الصلاحيات حتى تاريخ 20 أيلول 2021، تاريخ إعطاء الثقة لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
  • فترة الدورة الاستثنائية بموجب مرسوم صدر في كانون الثاني 2022.

وقد اقتصر نشاط الهيئة العامة التشريعي على عقد 21 جلسة تشريعية توزّعت على مدار الولاية.

أ. حجم جدول الأعمال ومتوسّط إنتاجيّة البرلمان

سنتناول هنا حجم جداول أعمال الجلسات التشريعية الـ 21.

في حين بلغ مجموع البنود الواردة إلى الهيئة العامة في جلساتها التشريعية 609 بنود خلال الولاية، فإنها مثّلت في الواقع 438 بنداً مختلفاً، حيث ورد بعضها على هذه الجداول أكثر من مرة. ويتمّ هذا الأمر في حالات عدة: 

  • الأولى والأهم، أن يعود مكتب المجلس ليُدرِج على جدول أعمال جلسة تشريعية بنوداً وردت إلى الهيئة العامة في جلسة تشريعية سابقة من دون أن تتمكّن من النظر فيها؛
  • الثانية، أن يُدرِج مكتب المجلس على جدول أعمال جلسة تشريعية اقتراحات درستها لجان المجلس المختصة، بعدما كان الاقتراح قد ورد سابقاً بصيغة الاقتراح المعجّل المكرّر وأسقطت الهيئة العامة عنه صفة العجلة؛
  • الثالثة، أن يدرج مكتب المجلس على جدول أعمال جلسة تشريعية مُقترَحاً كانت أقرّته الهيئة العامة سابقاً وأعاده رئيس الجمهورية إلى البرلمان مع ملاحظاته، عملاً بصلاحياته الدستورية.

وتوزّعت هذه البنود بين 414 بنداً مختلفاً، طُرحت على الهيئة العامة من داخل جدول أعمالها و24 من خارجه. 

ويقتضي تقديم الملاحظات التالية هنا:

  • بلغ متوسّط عدد المقترحات (من دون احتساب 2018) على جداول أعمال الجلسات التشريعية خلال الولاية 28.4 بنداً. كما يظهر أنّ نسبة الإنجاز عن هذه الفترة بلغت قرابة 75% مما يهدّد بضياع المبادرة التشريعية. 

ويُلحَظ، تالياً، أنّ جداول أعمال بعض الجلسات أتت مثقلة بعدد كبير من المقترحات، وبخاصة في سنة 2020، حيث سُجِّل أعلى عدد من البنود المُدرَجة على جدول الأعمال (وهو في جلسة 21 كانون الأوّل 2020 حيث وصل عدد بنودها إلى 71، منها أربعة من خارج جدول الأعمال)، ووصل متوسّط البنود في هذه السنة إلى 38 بنداً لكل جلسة. غير أنّ إثقال جداول أعمال هذه السنة اقترن بنسبة ضعيفة من إنجاز جداول الأعمال، إذ بلغت في هذه السنة أدنى مستوى 62.7%، أي أقلّ بأكثر من عشر نقاط من متوسّط الإنجاز خلال الولاية.

ويؤشّر اجتماع هذه الأرقام إلى أنّ تضخيم جداول الأعمال لم يترافق بالضرورة مع إرادة بالتشريع. ويجد هذا الأمر ما يفسّره في عدد البنود المعجّلة المكرّرة الضخمة في جداول الأعمال الكبيرة لهذه السنة حيث بلغت نسبتها 74.1% في سنة 2020، في حين اقتصرت نسبتها على 47.9% في سنة 2019 و60.5% في سنة 2021. 

كما أنّ ثمة عاملاً ثانياً يفسّره وهو "تطيير الجلسات" بسبب الخلافات السياسية. وكان ذلك الحال خصوصاً عند إيقاف جلسات تشريعية بسبب تعذُّر التوصّل إلى تسوية بشأن اقتراح قانون العفو الذي غلب على معظم جلسات سنة 2020. فكان الرئيس برّي قد ختم جلسة أيّار 2020 التشريعية بسبب "خروج المكوّن السنّي" أي نوّاب تكتّلَيْ المستقبل واللقاء التشاوري من الجلسة إثر الخلاف على اقتراح قانون العفو، وكان لا يزال على جدول أعمال الجلسة 27 اقتراحاً. وكان الحال كذلك في جلستَيْ أيلول وكانون الأوّل 2020 حيث رُفعَت هاتان الجلستان أيضاً بسبب الخلاف على اقتراح قانون العفو العام وعدم توصّل النواب إلى توافق بشأنه.

كما وقع في جلسة 28 تشرين الأوّل 2021، وعلى صعيد آخر، خلاف حول كيفيّة احتساب الغالبية المطلقة للتصويت على قانون الانتخابات المردود من قِبَل رئيس الجمهورية. وأخذ الموضوع حيّزاً كبيراً من النقاش بين النواب وأدّى إلى انسحاب كتلة لبنان القوي من الجلسة وتطيير نصابها وكان متبقّياً على جدول أعمالها 28 بنداً.

  • بقي في نهاية الولاية النيابية، 28 بنداً مختلفاً من دون دراسة، على الرغم من ورودها على جدول أعمال الجلسات التشريعية.

ب. أنواع المقترحات موضوع الجلسات التشريعية وفق طبيعة المبادرة التشريعية

هنا سنتناول طبيعة المقترحات الـ 438 المختلفة التي أُدرجت على جداول أعمال جلسات ولاية 2018-2022، التي نقسّمها إلى ثلاث فئات:

  • مشاريع قوانين، وهي التي تشمل المشاريع المحوَّلة بمراسيم من قِبل الحكومة، وقد بلغ عددها 111 مقترحاً وتتضمّن 106 مشاريع أنجزتْها اللجان المختصة (منها أربعة وردت بصورة مستعجلة) وخمسة وردت بصورة مستعجلة وَوُضِعتْ على جداول أعمال الجلسات التشريعية من دون المرور باللجان؛
  • اقتراحات قوانين، وهي الاقتراحات التي بادر إليها نائب أو أكثر، وتنقسم إلى فئتين:
    • اقتراحات عادية دُرِسَتْ في اللجان المختصة بما فيها اللجان المشترَكة. وقد بلغ عددُها 96، علماً أنّ 27 منها وردتْ بدايةً كاقتراحات معجّلة مكرّرة وعادت لتُرَدّ على شكل اقتراحات عادية في جلسات لاحقة، بعدما درستْها إحدى لجان المجلس إثر إسقاط صفة العجلة عنها؛
    • اقتراحات قدَّمها النواب بصورة معجّلة مكرّرة وهي الاقتراحات التي تُعرَض مباشرة أمام الهيئة العامة، والتي تُقرِّر مدى توفُّر صفة العجلة فيها لإجراء المقتضى. وقد بلغ عددها 231 بعدما حسمنا منها الاقتراحات الـ 27 التي أُعيدَ طرحُها لاحقاً على الهيئة العامة، بعد درسها في اللجان.

ويتحصّل تالياً، أنّ عدد المقترحات التي دُعِيَتْ الهيئة العامة للمجلس إلى النظر فيها خلال الولاية، والتي حظيتْ بدراسة من إحدى لجانه على الأقلّ، بلغ 202/438 مقترحاً مختلفاً، وهي تمثّل نسبة 46.12% من مجموع المقترحات المختلفة الواردة إليها.

  • بالنسبة إلى مشاريع القوانين، كما سبق بيانه، نظرت الهيئة العامة فيها جميعاً خلال ولاية 2018-2022 وتمّ إقرار 101 منها لتتقلّص إلى 100 بعدما ردّ رئيس الجمهورية أحدها من دون أن تعاود الهيئة العامة النظر فيه (أي 90.09%). 

ويُلحظ هنا أنّ عدداً من هذه المشاريع التي وردت في عام 2021 (وهو 7)، قد ورد بموجب موافقات استثنائية وقّع عليها رئيسا الجمهورية ميشال عون والحكومة السابق حسان دياب، وذلك بفعل استقالة هذا الأخير وعدم انعقاد جلسات مجلس الوزراء. وتُشكِّل هذه الموافقات مخالَفة واضحة للدستور التي توجب صدور مشاريع القوانين عن الحكومة وليس عن الرئيسَيْن. وتالياً، تشكّل مصادقة مجلس النواب على هذه المشاريع اشتراكاً في مخالفة دستورية فادحة.

  • بالنسبة إلى الاقتراحات التي أَنجزتْ اللجانُ درسَها

بلغ عدد اقتراحات القوانين العادية 96 اقتراحاً دُرِسَتْ وأُقِرَّتْ في اللجان النيابية. أُقِرَّ 76 منها وقد تقلّص عددها إلى 74 قانوناً نافذاً (أي 77.08%) بعدما ردّ رئيس الجمهورية أحد هذه الاقتراحات من دون أن تعود الهيئة العامة إلى التصويت عليه ثانيةً وبعدما أبطل المجلس الدستوري قانونا آخر في هذا الشأن.

​​ويُلحَظ أنّ مكتب المجلس قد أعرض عن إدراج اقتراحات سبق للجان أن أنجزتها، وذلك في مخالفة واضحة للنظام الداخلي الذي يفرض إدراج هذه الاقتراحات على جدول الأعمال وفق ترتيب وصولها إليه مع "حفظ الأولوية للمشاريع المعجّلة" (المادة 42 من النظام الداخلي). ويصل عدد الاقتراحات المُنجَزة من اللجان خلال ولاية المجلس وقبل تاريخ آخر جلسة تشريعية عُقدت خلال الولاية (أي 29 آذار 2022) من دون إدراجها على جداول أعمال الجلسات التشريعية للهيئة العامة 37 اقتراحاً (بالإضافة إلى 16 مشروعاً أُنجزت في اللجان ولم تُدرَجْ على جداول أعمال الجلسات التشريعية للهيئة العامة). 

  • بالنسبة إلى الاقتراحات المعجّلة المكرّرة

بلغ عدد اقتراحات القوانين المعجّلة والمكرّرة 258 من أصل 327 اقتراحاً، علماً أنّ 27 منها عُرِضتْ مجدداً في جلسات لاحقة خلال الولاية، بعدما درستْها اللجانُ المختصة. وهذا ما دفعنا إلى طرحها من جدول المقترحات المختلِفة المشار إليه أعلاه. 

وبالاطّلاع عليها، يتبيّن:

  • أنّ جزءاً مهمّاً من الاقتراحات المعجّلة المكرّرة لم يُدرج بالأولوية على جدول أعمال الجلسة الأولى للهيئة العامة. وبحسب النظام الداخلي لمجلس النواب (المواد 109 إلى 113)، يقتضي على المجلس في هيئته العامة البتّ بصفة الاستعجال التي لأيّ نائب إضفاؤها على اقتراحه بهدف مناقشته بصورة معجّلة مباشَرةً في الهيئة العامة وبدون مروره باللجان، على أن يكون من مادة واحدة (راجع المادة 110 من النظام الداخلي)، وفي حال تصديقها التصويت على الاقتراح. كما تمنح المادة 109 من النظام الداخلي الحق لرئيس المجلس أن يطرح اقتراحاً معجّلاً مكرّراً على بساط البحث في "أوّل جلسة يعقدها بعد تقديمه حتى ولو لم يُدرج في جدول الأعمال". فيُفهم إذاً من هذه المواد ضرورة النظر في الاقتراحات المعجّلة المكرّرة بالأولوية وبدون إبطاء (شرط تصديق هذه الصفة)، وأنّ هذه الصيغة استثناءٌ تبرّره الضرورة.
    من هذا المنطلق، يُبيِّن المرصد أبرز المخالفات في تأخير وضع الاقتراحات المعجّلة المكرّرة بالأولوية على جدول الأعمال. وأكثر الأمثلة الفاقعة عن هذه المخالفات هو تأخُّر إدراج اقتراح تسوية أوضاع مفتّشين في المديرية العامة للأمن العام 1716 يوماً (أي نحو أربع سنوات وسبعة أشهر) ليُوضَع على جلسة تشريعية، في حين كانت الجلسة الأقرب قد عُقدت بعد قرابة شهر من تاريخ تقديمه. مثلٌ آخر هو اقتراح تعديل المادة 80 من القانون رقم 144 تاريخ 31-7-2019 (موازنة العام 2019) الذي تأخّر وضعه على جدول جلسة تشريعية 217 يوماً، في حين كانت الجلسة الأقرب قد عُقدت بعد سبعة أيام من تاريخ تقديمه. كذلك اقتراح تعليق المُهَل القانونية والقضائية والعقدية تاريخ 4 تشرين الثاني 2019، الذي تأخّر وضعه 169 يوماً بينما كانت الجلسة التشريعية الأولى قد عُقدت بعد ثمانية أيام من تاريخ تقديمه.

كما تُبيِّن المعلومات المتوفّرة أنّ 58 اقتراحاً معجّلاً مكرّراً قُدّمت خلال ولاية المجلس الحالية ولم تُدرَج على أيّ جلسة بعد، علماً أن جزءاً منها أُحيلَ إلى اللجان.

  • أنّ عدد هذه الاقتراحات كان مرتفعاً جداً في عدد من الجلسات. على سبيل المثال، بلغت نسبتها 63.38% من جدول أعمال جلسة 21 نيسان 2020 (45 اقتراحاً معجّلاً مكرّراً من أصل 71 بنداً)، و75.67% من جدول أعمال جلسة 28 أيار 2020 (28 اقتراحاً معجّلاً مكرّراً من أصل 37 بنداً)، و73.68% من جدول أعمال جلسة 30 حزيران 2021 (56 اقتراحاً معجّلاً مكرّراً من أصل 76 بنداً). 

وخلال الجلسات، اتخذ رئيس المجلس النيابي نبيه برّي إجراءً بإحالة الاقتراحات المعجّلة المكرّرة إلى اللجان دفعة واحدة في بعض الجلسات من دون التصويت على صفة عجلتها (في مخالفة للنظام الداخلي)، وهو موقف يُستشَفُّ منه إرادة بثني النواب عن تقديم اقتراحاتهم بهذه الصفة عند ممارسة المبادرة التشريعية. وهذا ما جرى مثلاً في جلسات 30 حزيران 2021 و7 كانون الأوّل 2021. وقد سجّل مراقبو "المفكّرة" توجُّهاً للعديد من النواب بمغادرة الجلسة فور بلوغ بنود الاقتراحات المعجّلة والمكرّرة بالنظر إلى عدم جِدِّيَّة مناقشتها.

  • في حين يفرض نظام المجلس النظر في صفة العجلة للاقتراحات المقدَّمة قبل التصويت عليها، سجّل مراقبو "المفكّرة" ممارسات فوضوية في هذا المجال، إذ عمد النواب أحياناً إلى المصادقة على القوانين من دون إقرار صفة العجلة مسبقاً. كما أنّ في بعض الحالات، أُسقِطَتْ صفة العجلة بصورة جماعية أو جِدّ سريعة من دون أن يدرك النواب على ماذا يصوّتون بالضبط (صفة العجلة أم الاقتراح). وتشكّل هذه الفوضى في التعامل مع صفة العجلة مخالَفة أخرى لنظام المجلس، من شأنها أن تلقي بعض الغموض على مآل الاقتراحات.
  • أمّا بخصوص مآل هذه الاقتراحات (حيث أنّ رَصْدَ مآل صفة العجلة بدقّة خلال الجلسات التشريعية متعذّر، بسبب عدم توفُّر محاضر دقيقة عن جلسات الهيئة العامة):
  1. أُسقِطَتْ صفة العجلة في الهيئة العامة عن 133/258 منها، أي ما يعادل 51.55% منها. ولم يحصل ذلك دائماً في ظلّ احترام الأصول، حيث أُسقطت أحياناً بدون تصويت، كما أشرنا أعلاه. وقد اتصلت أبرز الاقتراحات التي صادقت الهيئة العامة على صفة العجلة المتصلة بها، وبغضّ النظر عن مآلها الأخير (تصديق أو إسقاط أو غيره)، تعلّقت بالمواضيع التالية:
  • الإنفاق على القاعدة الاثني عشرية، حيث قُبِلَتْ صفة العجلة بشأن اقتراحين بهذا الصدد؛
  • تعليق المُهَل القانونية والقضائية والعقدية إثر الأزمات المتلاحقة منذ أواخر 2019، وأُدرج عدد كبير منها تتوزّع على سنوات 2019، 2020 و2021؛
  • الاقتراحات المتصلة بالتدقيق الجنائي، أكان لحسابات مصرف لبنان أو للشركات المستفيدة من دعم الدولة بالدولار الأميركي؛
  • تسيير أمور شركة كهرباء لبنان وإنتاج الطاقة عموماً، كالتعاقد مع شركة كهرباء زحلة وتمديده.
  1. أقرّت الهيئة العامة 66 منها، تمّ دمج بعضها بأخرى، ليكون إجمالي الاقتراحات المعجّلة المكرّرة التي تمّ إقرارها 48 اقتراحاً، علماً أن 45 منها فقط باتت قوانين نافذة بعدما ردّ رئيس الجمهورية ثلاثة منها. 
  2. أُسقِطَتْ 18 من الاقتراحات المعجّلة المكرّرة (أي ما يعادل 11.53%)؛
  3. تسعة تمّ سحبها؛
  4. 27 لم تُدرَسْ؛
  5.  لم نتمكّن من تحديد مآل خمسة منها وردت على جدول أعمال 2018.

ممّا تقدّم، أمكن تسجيل خلاصتَيْن: 

أوّلاً، أنّ نسبة الإقرار بلغت 90.09% بالنسبة إلى مشاريع القوانين و77.08% للاقتراحات الصادرة عن اللجان، فيما أنّها بلغت 18.6% بالنسبة إلى اقتراحات القوانين المعجّلة المكرّرة. وهذا يدلّ على أنّ الهيئة العامة تكون أكثر ميلاً إلى إقرار المقترحات في حال عرضها مُسبقاً على اللجان، وبخاصة في حال أتت المبادرة إليها من الحكومة.

ثانياً، من مجموع المقترحات التي أُقِرَّت وأصبحت نافذة، أتت مشاريع القوانين في المرتبة الأولى حيث بلغت نسبتها 45.66% (100 من أصل 219). في المقابل بلغت نسبة الاقتراحات المُنجَزة من اللجان من مجموع المقترحات الثلث 33.79% (74 من أصل 219). أمّا اقتراحات القوانين المعجّلة المكرّرة فقد أتت في المرتبة الأخيرة وبلغت 20.55% (45 من أصل 219). وتالياً، فإنّ نسبة مرتفعة من المبادرة التشريعية الناجحة، تقارب النصف، تأتي من خارج البرلمان.

ثالثاً، إنّ التدقيق في تاريخ الاقتراحات التي أُقِرَّت وأصبحت قوانين ناجزة يظهر أنّ 39 (25 مشروعاً و14 اقتراحاً) منها قُدّمت في ظل ولايات المجلس السابقة. 

ج. البنود من خارج جدول الأعمال

ورد 24 بنداً مختلفاً إلى الجلسات التشريعية للهيئة العامة من خارج جداول أعمالها. وقد تمّتْ المصادقة على 21 منها. أمّا البنود الثلاثة المتبقّية، فقد سقط أحدها في التصويت وسُحِب آخر ليُحال الثالث إلى اللجان. 

وفي هذا المضمار، من المهم أن نسجّل الآتي:

  • بحسب النظام الداخلي للمجلس النيابي يكون "للرئيس (رئيس المجلس) طرح الاقتراح أو المشروع المعجّل المكرّر على المجلس في أوّل جلسة يعقدها بعد تقديمه حتى ولو لم يُدرج في جدول الأعمال". وتشكّل هذه المادة استثناءً على المادة 8 من النظام التي تنيط بهيئة مكتب المجلس نشر جدول الأعمال الذي تقرره وعلى أن تبلّغه، مُرفَقاً بنسخة عن المشاريع والاقتراحات والتقارير موضوع جدول الأعمال، قبل انعقاد الجلسة بأربع وعشرين ساعة على الأقلّ. وعليه، فإن 7 من المقترحات الواردة من خارج جدول الأعمال أدرجتْ بمخالفة للنظام الداخلي وهي: 
  • تعديل الفقرة الثانية المضافة بموجب القانون رقم 151 تاريخ 15/10/2019 إلى المادة الرابعة من القانون رقم 73 تاريخ 23/4/2009 (تحديد شروط إعطاء مديري المدارس الرسمية تعويض إدارة)؛
  • اقتراح يرمي إلى دعم كل من المدارس الرسمية والخاصة؛
  • طلب الموافقة على إبرام معاهدة بين وزارة الصحة والبيئة في جمهورية العراق ووزارة الصحة العامة في الجمهورية اللبنانية للتعاون في المجال الصحي؛
  • إقرار حق أفراد الهيئة التعليمية المتفرغين في الجامعة اللبنانية الذين بلغوا السن القانونية بالتعيين في ملاكها التعليمي؛
  • إخضاع الأطباء المنتسبين إلى فرع ضمان المرض والأمومة - العناية الطبية في الضمان الاجتماعي إلى القانون الرقم 27 تاريخ 10/2/2017 بعد تقاعدهم؛
  • تمديد العمل بالقانون رقم 22/2020 إلى حين الانتهاء من أعمال التدقيق الجنائي.
  • إجازة جباية الواردات، كما في السابق، وصرف النفقات اعتباراً من أول شباط 2022 ولغاية صدور قانون موازنة العام 2022 على أساس القاعدة الاثني عشرية.
  • بالنظر إلى مواضيع تلك الاقتراحات، يتبيّن لنا أن ثلاثة منها تتعلق بتعليق المهل القانونية والقضائية وغيرها من المهل. ويُعتبر هذا الموضوع بالغ الخطورة وقد نبّهت "المفكّرة" مراراً إلى وجوب درس هذه الاقتراحات بدقة، الأمر الذي يتعارض مع التصويت عليها من قِبل الهيئة العامة من خارج جدول أعمالها. للدلالة على ذلك، يكفي التذكير بأنه تمّ استغلال هذا الاقتراح كمدخل لوَقْف الإجراءات ضد المعتدين على الأملاك العامة البحرية، ولتعليق مهل التصريح عن الذمم المالية ضمن إطار قانون مكافحة الإثراء غير المشروع.
    نجد أيضاً ضمن هذه الاقتراحات ذاك المتعلق بالإنفاق على أساس القاعدة الاثنَيْ عشرية، وهو من العادات السيّئة للمشرّع اللبناني، تعويضاً عن غياب مشاريع قوانين الموازنات العامة أو تأخر الحكومات عن إرسالها (يُذكر أنه لم تصدر أي قوانين موازنات عامة خلال إحدى عشرة سنة بين 2006 و2017). فأتى هذا الاقتراح معجّلاً بطابعه وبطريقة التصويت عليه أيضاً، فبحسب مراقبي المرصد البرلماني، الحاضرين في جلسة كانون الثاني 2021، تمّ التصويت على هذا القانون بشكل سريع جداً من دون مناقشة، وحتى من دون علم بعض النواب به. كذلك، أُدرج اقتراح ثانٍ مماثل من خارج جدول الأعمال في جلسة 21 شباط 2022 وصدّق أيضاً. 
  • نجد أيضاً ضمن هذه الاقتراحات، طلب إعطاء معاشات وتعويضات إلى ضحايا فيروس كورونا من العاملين في القطاع الصحي، وتمكين المصابين منهم من الاستفادة من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ورغم أحقية المطلب، فإن من المجازفة إقرار الاقتراحات التي تُرتّب نفقات على عاتق الخزينة من دون التأكّد من أثرها المالي وتَوفُّر الاعتمادات. وقد أسقطت الهيئة العامة صفة العجلة عن هذا المقترح بعد نزع صفة العجلة عنه من هذا المنطلق.
    نجد أيضاً اقتراح قانون "حماية المناطق المتضررة نتيجة الانفجار في مرفأ بيروت ودعم وإعادة إعمارها" الذي أُدرج على جلسة 30 أيلول 2020 من خارج جدول الأعمال وصدّق.

كما يدخل ضمن القائمة اقتراحات تتعلّق بفتح ونقل اعتمادات في الموازنة أُدرجت في جلسات أيلول 2019، ونيسان 2020، وصدّق أكثرها. 

 

د. المخالفات في إدارة جلسات الهيئة العامة

برز العديد من المخالفات في أصول التشريع خلال الولاية الأخيرة للمجلس النيابي وهي:

  • عدم احترام أصول الدعوة لجلسة نيابية من توزيع جدول الأعمال والمقترحات ضمن المهل. مثالٌ على ذلك ما شاب الدعوة إلى جلسة 30 حزيران 2021 التشريعية (بجدول أعمال يضمّ 76 بنداً) من مخالفة للنظام الداخلي لمجلس النواب (تحديداً المادة الثامنة منه) الذي يفرض نشر جدول الأعمال وتبليغه إلى النواب مع نسخة عن المشاريع والاقتراحات والتقارير موضوع الجدول قبل أربع وعشرين ساعة على الأقلّ من الجلسة، حيث أفاد رصدنا إلى أنّه لم يكن
  •  حتّى صباح الثلاثاء 29 حزيران، قد تمّ تبليغ النواب جدول الأعمال أو أيّ نسخة عن المقترحات المنصوص عنها.
  • عدم احترام أصول إدراج المقترحات على جدول الأعمال. حيث أنّ المادة 42 من النظام الداخلي لمجلس النواب تنصّ على أن: "تُرفع تقارير اللجان إلى مكتب المجلس لإدراجها في جدول أعمال جلسات المجلس العامة وفق ترتيب وصولها إليه مع حفظ الأولوية للمشاريع المعجّلة". أمّا في الواقع فقد بقيت 53 من المقترحات المُنجَزة مُحتَجَزة في هيئة مكتب المجلس بدون أن تُوضَع على جدول الأعمال كما يفرض النظام الداخلي.
  • حظر تلاوة "الأوراق" في بداية كل جلسة تشريعية وتعليق النواب عليها. رصد المرصد البرلماني مخالفة سارت منذ ما بعد انتفاضة 17 تشرين الأوّل 2019، حيث حظر رئيس مجلس النواب نبيه برّي تلاوة ما يُعرَف بـ "الأوراق" في بداية جلسات الهيئة العامة. فبالرجوع إلى المادة 64 من النظام الداخلي لمجلس النواب، تنصّ المادة على أن: "يبدأ المجلس أعماله بتلاوة خالصة الأوراق الواردة ويخصّص لذلك أول نصف ساعة من الجلسة، ولكل نائب حق التعليق على الموضوع بحدود ثلاث دقائق شرط عدم تجاوز المدة المُحدَّدة. بعدها يُصار إلى درس ومناقشة المواضيع الواردة في جدول الأعمال". وقد برّر رئيس المجلس ذلك بِنِيَّته تجنُّب الحديث السياسي والتجاذبات في المجلس، خصوصاً بعد انتفاضة 17 تشرين وما لحقها من تشنّجات كبيرة في الشارع وبين الفرقاء السياسيين. غير أن تبرير الرئيس برّي مُستغرَب إذ إنّه يضرب طبيعة المجلس النيابي ودوره الأوّل، وهو المكان الأساسي لطرح الخلافات السياسية واجتراح توجّهات بشأنها.
  • التصويت على بنود جدول الأعمال بدون توفّر النصاب. مثالٌ أيضاً على ذلك في الجلسة نفسها، أي جلسة 30 حزيران 2021، حيث جرى التصويت على قوانين وإحالة مقترحات إلى اللجان من دون أن يكون النصاب متوفّراً في الجلسة المسائية لهذا اليوم مع انسحاب العديد من النواب.
  • التصويت على مشروع من خارج جدول الأعمال. مثالٌ على ذلك المخالفة التي حصلت في جلسة 29 آذار 2021 بخصوص مشروع قانون طلب الموافقة على إبرام معاهدة بين وزارة الصحة في جمهورية العراق ووزارة الصحة العامة في الجمهورية اللبنانية للتعاون في المجال الصحي بناء على طلب النائب ياسين جابر من خارج جدول الأعمال.
  • عدم وضوح في كيفيّة عدّ الأصوات أثناء التصويت. مثالٌ على ذلك في جلسة نيسان 2020، إعادة التصويت على قانون بعد التصديق عليه بقرار من رئيس المجلس النيابي بحجّة "نسيان مناقشته قبل التصويت عليه"، رغم أنّ العديد من القوانين يُعلَن التصديق عليها بدون مناقشة مضمونها أو الاقتراحات التي قُدِّمت في خصوصها خلال الجلسة. وهذا كان حال التصويت على حظر صور ورسوم الزعماء والمسؤولين والموظفين في الأماكن العامة.
  • خلاف حول احتساب الأكثريّة المطلقة. حيث وقع خلاف خلال جلسة 28/10/2022 النيابية وكان موضوع نقاش طويل بين النواب أدّى إلى انسحاب كتلة لبنان القوي من الجلسة وتطيير نصابها، وهو كيفيّة احتساب الغالبية المطلقة للتصويت على قانون الانتخابات الذي كان قد ردّه رئيس الجمهورية.
  • تحويل الاقتراحات المعجّلة المكرّرة إلى اللجان من دون التصويت عليها. وقد ذكرنا هذا الموضوع سابقاً، حيث عمد رئيس المجلس، وكردّة فعل على إفراط النواب في استعمال صفة المعجّل المكرّر، إلى تحويل أكثريّتها إلى اللجان من دون التصويت على صفتها اقتصاصاً منهم. مثالٌ على ذلك في جلسة 30 حزيران 2021، حيث جرى إحالة 36 مقترحاً معجّلاً مكرّراً إلى اللجان من دون التصويت على صفة العجلة.
  • ضرب قواعد الشفافية في المناقشات. مثالٌ على ذلك في جلسة 15 كانون الثاني 2021، تمّ التصويت على قانون تمديد المهل القانونية والعقدية والقضائية وذلك بسرعة فائقة وبدون نقاش يُذكَر، مع العلم أنّ هذه القوانين كانت قد حملت عام 2020 مخاطر عديدة حذّر منها المرصد البرلماني. ونضيف إلى ذلك أنّ الاقتراح وُزِّع على النواب خلال الجلسة فلم يتسنَّ لهم الاطّلاع عليه، ما يتعارض مع الممارسات الفضلى في التشريع. في الجلسة نفسها تمّ التصويت على قانون الإنفاق على أساس القاعدة الاثني عشرية بالغ الخطورة أيضاً من دون نقاش وعلى العجلة. 
  • المخالفة الفادحة في تعديل المجلس النيابي لاتفاقية بشكل أحادي دون الرجوع إلى الطرف الآخر. وقد حصل ذلك سنة 2021 حيث أجاز المجلس للحكومة التوقيع على نص اتفاقية مُعدَّلة بموجب ملحق لم يحصل على موافقة خطية من الطرف الآخر، أي البنك الدولي، قدّمته وزيرة الدفاع آنذاك زينة عكر. ورغم الطابع الهجين للمصادقة على اتفاقية مُعدَّلة من دون الرجوع إلى البنك الدولي، فإنّ الوزير السابق علي حسن خليل ورئيس المجلس النيابي سهَّلا مهمة الوزيرة من خلال تصنيف التعديل على أنّه ملحق للاتفاقية.
  • المخالفة الفادحة في النظر في مقترحات وردتْ إلى المجلس النيابي بصيغة مشاريع قوانين في حين أنّها لم تُتَّخذ في الحكومة إنّما بموافقة استثنائية من رئيسَيْ الجمهورية والحكومة.