مسعى تشريعي لتغذية صندوق التعويضات والتقاعد لأساتذة المدارس الخاصة
13/12/2023
يُناقش مجلس النوّاب في جلسته المُقرّرة غدًا اقتراحي قانون يتعلّقان بالتربية والتعليم وتحديدًا بالمتقاعدين في المدارس الخاصّة. يرمي الأوّل والمقدّم من النائب علي حسن خليل إلى تعديل بعض المواد لكلّ من قانون تنظيم الهيئة التعليمية في المعاهد الخاصة[1] وقانون تنظيم الموازنة المدرسية في المدارس الخاصة غير المجانية[2] ونظام التقاعد والصرف من الخدمة[3]. تهدف كلّها بحسب ما جاء في الأسباب الموجبة إلى زيادة واردات صندوق التعويضات وضمان دفع المستحقّات المتوجّبة على المؤسسات التربوية الخاصة إلى الصندوق بالإضافة إلى توسيع دور الدولة في المراقبة وضمانة التعويضات ورواتب المتقاعدين.
أمّا الثاني فهو اقتراح مُعجّل مُكرّر مقدّم من كلّ من النوّاب علي خريس وإيهاب حمادة وبلال الحشيمي وحسن مراد وأشرف بيضون. ويرمي إلى إعطاء مساعدة ماليّة بقيمة 650 مليار ليرة تُرصد في موازنة وزارة التربية والتعليم العالي لسنة 2023 لحساب صندوق التعويضات لأفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة وفقا للمادة 41 من القانون 15/6/ 1956 وتعديلاته. ويأتي القانون الثاني مرتبطا بالأوّل حسب نقيب المعلمين نعمة محفوض إذ إنّ تحقيق هدف القانون الأوّل أي زيادة واردات الصندوق يتطلّب سنة كاملة كان لا بدّ من قانون معجّل مُكرّر لإقرار مساعدة تُغطي هذه السنة.
يستدعي الاقتراح الأوّل بعض الملاحظات أهمّها:
1. فرض مساهمة على الأساتذة المتعاقدين
يُعدّل اقتراح القانون الفقرتين الثانية من المادة 21 من قانون 15/6/1956 بحيث يُصبح "غير الداخلين في الملاك" أي المتعاقدون مساهمين في صندوق التعويضات عبر الاقتطاع من راتبهم الشهري المستحق بعدما كان الأمر محصورا بالداخلين في الملاك[4].
وبالتالي سيُحمّل القانون الأستاذ المتعاقد عبئًا إضافيًّا في حين أنّه كان يُمكن تحميل المدارس نسبة أكبر من المساهمة ولاسيّما أنّ أقساط معظمها بات مدولرا. ويعلّق محفوض على هذا الأمر معتبرا أنّ الدولة منهارة وأصحاب المدارس لا يدفعون فكان اقتراح مشاركة المتعاقدين. وتغذّي مساهمة المتعاقدين صندوق التقاعد وليس التعويضات بحسب ما جاء في المادة الرابعة من الاقتراح، حيث "تحوّل إدارة صندوق التعويضات (...) بتاريخ 30 أيلول من كل سنة إلى صندوق التقاعد المحسومات والمساهمة المدفوعة من المدارس عن المتعاقدين".
2. رفع نسبة مساهمة الأساتذة والمدارس 2%
يُعدّل اقتراح القانون الفقرة الثالثة من المادة 21 لترفع مساهمة المدرسة في تغذية الصندوق من 6% إلى 8% ويجعلها "من مجموع الرواتب والمساعدات بحسب العملة التي تُدفع لأفراد الهيئة التعليميّة" من ملاك ومتعاقدين. كما يُعدّل البند الثاني من المادة السادسة من المرسوم الاشتراعي رقم 47 تاريخ 26/8/1983، لتصبح مساهمة الهيئة التعليميّة أيضا 8% بعدما كانت 6%.
لم تستند النسب التي تمّ اقتراحها على أي دراسة لتحديد قيمة الواردات الإضافية في حال إقرار القانون لمعرفة قيمة العوائد للأساتذة. ويقول محفوض إنّه سيُجرى دراسة إكتواريّة لمعرفة قيمة ما سيدّخله الصندوق بعد إضافة (8% مع إدخال المتقاعدين) ولتحديد القيمة التي ستُضاف إلى رواتب المتقاعدين. ويُشير محفوض إلى أنّ رفع الرواتب هذا العام والذي سيعتمد على المساعدة المالية (القانون الأول) في حال إقراره أيضا ستُحدد قيمته حسب الدراسة، إذ إنّه لا يمكن إعطاء المتقاعد هذا العام 6 رواتب وخفضها العام المقبل وإن كانت قيمة المساعدة (650 مليار) يُقدّر أن تضمن 6 أضعاف الراتب الحالي. فإذا بيّنت الدراسة أنّ رفع المساهمات تؤمّن 5 أضعاف الراتب سيُعطى 5 أضعاف على أن يوضع ما تبقى داخل الصندوق.
وإذا اعتبرنا أنّ إقرار القانونين سيضاعف رواتب المتقاعدين 6 مرات، فإنّ هذه الرواتب تبقى غير كافية. فبحسب ملحم، تبقى هذه الإضافة ضئيلة وبعيدة عمّا يتقاضاه أستاذ التعليم الرسمي إذا ما انطلقنا من وحدة التشريع، مشيرا إلى أنّ الراتب التقاعدي لأستاذ التعليم الخاص يتراوح بين مليون ونصف المليون و4 ملايين ليرة فإذا ضوعف 6 مرّات لن يتجاوز الـ 220 دولارا. وليس بعيدًا يقول الأستاذ المتقاعد سميح شحرور إنّ هذه الزيادة تبقى قليلة جدا ولكنّها أفضل من لا شيء، ويُضيف "أنا راتبي حاليًا مليونان سيصبح 12 مليون ربما، هذا لا يكفي حتّى ثمن دواء لمرض مزمن".
وفي حين يعتبر البعض أنّ جعل مساهمة المدرسة في تغذية صندوق التعويضات "بحسب العملة التي تدفع لأفراد الهيئة التعليمية" أمر إيجابيّ لأنّها تعني تحويل جزء من الإيرادات بالدولار، تبقى إشكالية تحديد النسب (الدولار واللبناني) للصندوق غير معالجة، ما يحتاج لاحقا إلى آليّة واضحة حسب محفوض. كما أنّ هناك إشكاليّة أخرى تتعلّق بقانونية تقاضي الصندوق بالدولار، وإذا لا فكيف يتم تحديد سعر صرف النسبة المحدّدة بالدولار؟
3. فرض براءة ذمة على المدارس الخاصة غير المجانيّة
أخيرًا، يُعدّل اقتراح القانون نص الفقرة (2) من البند "أ" من المادة 3 من القانون 515 المتعلّق بوضع أصول تحديد الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة غير المجانيّة، بحيث تُصبح المدارس الخاصة غير المجّانيّة مُلزمة بتقديم براءة ذمة مالية سنوية تلحقها بالموازنة المرسلة إلى وزارة التربية. وهي براءة ذمة تصدر عن إدارة صندوق التعويضات تُثبت أن المدرسة سدّدت ما عليها من محسومات ومساهمة عن المتقاعدين فيما يُثبت تسديد المحسومات والمساهمة عن الداخلين في الملاك قانونا بعد تأكيد إدارة صندوق التعويضات على الأمر. إنّ عدم تضمين الموازنة براءة الذمة يعني عمليا عدم قدرة المدارس على استيفاء أقساطها.
ويعتبر من تواصلت معهم "المفكّرة" من متقاعدين ومعنيين أنّ هذا التعديل أهمّ ما يتضمّنه اقتراح القانون، إذ إنّ عددا كبيرا من المدارس الخاصة كانت تأخذ مساهمة الأساتذة ولا تدفعها ولا تدفع المساهمة المفروضة عليها كما يُشير محفوض مذكّرا أنّ مئات المدارس لم تدفع حتّى اللحظة الدرجات الست التي اُقرّت في العام 2017. ويلفت المنسق العام لرابطة المعلّمين المتقاعدين محمد ملحم في حديث مع "المفكرة" إلى أنّ إيراد هذه المادة لم يكن سهلا وجاء نتيجة إصرار نقيب المعلمين، إذ إنّها قوبلت برفض من بعض من أسماهم "مافيا المدارس" حتى في مجلس النوّاب والذين يُعارضون دائما ما يمسّ بمصالحهم. ويرى ملحم أنّ إيراد هذه المادة مهمّ جدا فهناك مدارس حتّى اللحظة لم تدفع عن أساتذتها لصندوق التعويضات "أنا تقاعدت بال 2019 ولم أقبض درجاتي الست حتّى الشهر الماضي، بعد معركة اضطرت المدرسة التسديد للصندوق" يقول مضيفا "هناك مئات المعلمين يعانون من هذا الوضع".
ويُشار إلى أنّ المادة 21 من القانون 445/2002 تلحظ سلسلة تدابير تبدأ بتنبيه خطّي يصدر عن مجلس إدارة الصندوق تصل إلى حد إقفال المدرسة بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء. ولم نشهد رغم المخالفات أي تدابير من وزارة التربيّة.
ختامًا، نشير إلى أنّ هناك نحو 6000 مدرّس متقاعد من أفراد الهيئة التعليميّة في المدارس الخاصّة، يعيشون ظروفا صعبة إذ تتراوح رواتب هؤلاء من صندوق التعويضات الخاص بهم بين 15 و40 دولارًا بعد عشرات السنوات في التدريس. ويُعاني هؤلاء من صعوبات في سحب رواتبهم بسبب السقوف التي تُحدّدها المصارف التي يمنع بعضها حتى سحب الراتب ويفرض استخدامه عن طريق البطاقات المصرفية حصرًا. كما أنّ وضع بعض المتقاعدين أسوأ إذ يتعذّر عليهم الحصول على رواتبهم بسبب رفض المصارف توطينها على الرغم من صدور تعميم من قبل مصرف لبنان بهذا الخصوص. إنّ الاقتراح الحالي لا يعالج أيًّا من هذه الإشكاليات.
يعتبر كثيرون أن إلزام المدارس الخاصة بتقديم براءة ذمة سنوية من إدارة صندوق التعويضات ملحقة بالموازنة المرسلة أمر بالغ الأهمية إذ أن عددا من المدارس كانت تستوفي مساهمة الأساتذة ولا تسددها للصندوق.
[1] قانون رقم 0 15/06/1956
[2] القانون رقم 515 تاريخ 6/6/ 1996
[3] المرسوم الاشتراعي رقم 47 تاريخ 26/ 8/ 1983
[4] وفق الأصول حسب المادة السادسة من المرسوم الاشتراعي رقم 47 تاريخ 29/6/1983