مسلسل التلاعب بالموازنة يتواصل: تعديل مفاجئ جديد في مجلس الوزراء
10/02/2024
قرّر مجلس الوزراء إصدار قانون الموازنة العامة في جلسته المنعقدة في 8/2/2024، بوكالته عن رئيس الجمهورية سندا للمادة 62 من الدستور. خبر طبيعي لا يستوجب عادة التعليق تبعا للمسار الدستوري للقوانين. إلّا أنّ الاطّلاع على محضر القرار (المحضر رقم 64 القرار رقم 1) يُضمر مفاجأة لكلّ من يراه، بحيث قرّر مجلس الوزراء إدخال تعديليْن على النص من خارج أي صلاحية في هذا المجال. وفيما اتصل التعديل الأول بتصحيح خطأ مادّي ورد في إحدى مواد قانون الموازنة وأشار إليه عدد من النواب في الهيئة العامة من دون أن يتمّ تصحيحه، فإن التعديل الثاني تمثل في إضافة فقرة تحدد كيفية تحديد قيمة الرسوم (يرجح أنها قيمة الرسوم على دخول الشاحنات إلى لبنان) وآليات استيفائها والإعفاءات منها، بمرسوم بناء على اقتراح وزيري المال والأشغال العامة. واللافت أن مجلس الوزراء ذكر أنه يدخل هذه الإضافة على المادة 114 من قانون الموازنة فيما أن مجمل مواد القانون تبلغ 96 مادة. وقد استند مجلس الوزراء لإجراء التعديليْن وفق ما جاء في قراره على مراسلتين وردتا إليه من الأمانة العامة لمجلس النواب. وعليه، يقتضي ذكر الملاحظات السريعة التالية.
مخالفة صريحة للمادة 51 من الدستور
بغض النظر عن المراسلات بين الجهتيْن، فإنّ ما ورد في المحضر مخالف بشكل تام للمادة 51 من الدستور التي حصرت صلاحية رئيس الجمهورية بإصدار القوانين من دون إدخال أي تعديل عليها. فقد نصّت حرفيا على أنّه "يصدر رئيس الجمهورية القوانين وفق المهل المحددة في الدستور بعد أن يكون وافق عليها المجلس , ويطلب نشرها, وليس له أن يدخل تعديلا عليها أو أن يعفي أحدا من التقيد بأحكامها".
وعليه، فإنّ مجلس الوزراء الموكلة إليه صلاحية رئيس الجمهورية قد ارتكب مخالفة صريحة للدستور بتعديله لمادّتيْن في قانون الموازنة بعكس ما صوّت عليه النواب، وهو ما يضرب مبادئ دستورية عديدة كفصل السلطات الديمقراطية التمثيلية والسيادة الشعبية، ويجعل بالتالي المواد المعدّلة عرضة للإبطال عند الطعن بقانون موازنة 2024 أمام المجلس الدستوري.
تصحيح الأخطاء المادية
إلى ذلك، فإنّ قرار مجلس الوزراء نفسه الذي يُحاول إصلاح خطأ ماديّ، قد وقع بأخطاء مادّية كثيرة. فلا يوجد أصلا مادة رقمها 114 في الموازنة، إنما يرجح أنه قصد المادة 83 منه التي تتناول الرسوم على دخول الشاحنات الأجنبية إلى لبنان. أكثر من ذلك، فإنّ محضر القرار فيه العديد من الأخطاء المادّية والمطبعية واللغوية، حتّى أنّ تاريخ المراسلة الواردة من مجلس النواب قد أورد خطأ على أنّه في 7/8/2024.
استمرار مسلسل العبث بالموازنة
ليست المرّة الأولى التي يُعبث فيها من جهة غير صالحة بقانون موازنة 2024. ويُشكّل ذلك تجسيدا لإهمال أهمّية العمل المؤسسي والالتزام بأحكام القوانين والدستور، مقابل الإعلاء من شأن العمل تحت الطاولة وخلف الكواليس، واستسهال الاعتداء على الإرادة النيابية والوزارية.
بدأت سلسلة الأخطاء هذه عندما أقر مجلس الوزراء في تاريخ 12/9/2023 مشروع قانون الموازنة. ورغم إقرارها في التاريخ المذكور، فإنّ مشروع القانون لم يرسل إلى مجلس النواب إلا في آخر شهر أيلول تبعًا لإدخال وزارة المالية تعديلات عليه، أهمها دمج أحكام موازنة 2023 ضمنه أي بعد اسبوعيْن من إقرارها. بمعنى أن مشروع موازنة 2024 مع أرقامه الجديدة الذي أحيل إلى مجلس النواب لم يكن ذاته الذي أقر في مجلس الوزراء في جلسة 12 أيلول، وذلك خلافا لما تفترضُه الفقرة الأخيرة من المادة 65 من الدستور أي وجوب حصول الموازنة على موافقة ثلثي مجموع أعضاء الحكومة. وفي هذه الحالة، يكون مشروع موازنة 2024 قد خالف الدستور.
أمّا وبعد أن أقرّ المجلس النيابي مواد قانون الموازنة بحالة من الفوضى، فقد تمّ استغلال ذلك للعبث مجدّدا بالقانون من قبل إدارة المجلس النيابي، من خلال تحوير ما توصّلت إليه الهيئة العامّة للمجلس. وقد طال التزوير بشكل خاص الضريبة على شركات الأموال التي نص القانون في صيغته المرسلة إلى مجلس الوزراء أنّها 17% فيما كان تقرر رفعها من 17% إلى 25%. كما طال التزوير المادة المتصلة بفرض ضريبة على من استفاد من الدعم والمادة المتصلة بأرقام الموازنة.