معالجة النفايات الصلبة في مقترحيْ قانون: فرض رسوم جديدة عملاً بمبدأ "الملوث يدفع"

رين ابراهيم

20/07/2024

انشر المقال

اشتعلت نيران مكبّ سرار طيلة الأيام ال24 المنصرمة، متسببة بكارثة صحية وبيئية ولم تنطفئ إلا ليل الثلثاء-الأربعاء الماضي. وكانت المفكرة قد "روت" قصة الحريق الذي تسبب بعشرات حالات الاختناق وارتفاع ضغط الدمّ والغيبوبة بين أهالي البلدات المحيطة بالمكبّ، وبشكل خاص بلدتي القشلق وشير حمارين. هجّر حريق المكب 25% من أهالي القشلق من بيوتهم، وأشعل حوالي 63.5 هكتاراً من الأرض، وقضى على الغطاء النباتي في المنطقة، ليخسر الأهالي محصول الموسم الزراعي. وقد أيقظ هذا الحريق الحديث عن الخطة الوطنية لمعالجة النفايات والمقترحات القانونية التي كان تقديمها من أجل توفير الموارد المالية لهذه الغاية. وهذا ما أكّده وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين وأيضا رئيس لجنة البيئة النيابية غياث يزبك لل “المفكرة”. ونحاول هنا العودة إلى مقترحيْ القانون المقدّمين في هذا الخصوص، وهما   مشروع قانون أحيل بموجب المرسوم رقم 12526 في تشرين الثاني 2023 بالإضافة إلى اقتراح قانون سابق قدمته كتلة القوات اللبنانية في كانون الأول 2022. 

مشروع قانون من أجل تمكين البلديات من معالجة النفايات الصلبة 

كما سبق بيانه، أقرت الحكومة في 2023 مشروع قانون لتعديل المادة 28 من قانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة التي تنص على مصادر تمويل الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة. يضيف الاقتراح بندا جديدا إلى المادة 28 وهو بمثابة رسم تستوفيه البلديات، يشكّل مصدرا إضافيا لتأمين موارد إدارة النفايات. 

وقد انطلق المشروع في أسبابه الموجبة من مبدأ "الملوّث يدفع" المنصوص عليه في المادة الرابعة من قانون حماية البيئة، ما يقضي بأن يتحمّل الملوث "تكاليف التدابير الوقائية ومكافحة التلوّث وتقليصه"، على اعتبار أن النفايات الصلبة هي أحد أوجه التلوث. بالإضافة إلى أن قانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة قد نصّ في مادته التاسعة، على وجوب اعتماد اللامركزية الإدارية في إدارتها. ومن أجل تمكين الإدارات المحلية من القيام بذلك، وبما أن الواردات المالية المتاحة تقتصر حالياً على الرسوم البلدية وعائدات الصندوق البلدي المستقل، يقترح المشروع موردا ماليا جديدا ليؤمّن قدرة البلدية على إدارة النفايات الصلبة. كما جاء أيضاً أن وزارة البيئة قد وضعت مع شركائها (من دون تسمية البنك الدولي) في صيف 2023 خارطة لإصلاح قطاع النفايات الصلبة للسنوات 2023 - 2026 وتأمين الاستدامة المالية لإدارته. بالتالي، يقتضي فرض رسوم جديدة لاسترداد كلفة إدارة النفايات الصلبة. ويتماشى ذلك تماماً مع الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من مشروع القانون التي تنصّ على أن تعدّ البلديّات خططها لاستلام إدارة النفايات خلال ثلاث سنوات (يفهم ابتداء من تاريخ وضع مشروع القانون في 2023) لتأمين انتقال تدريجي لإدارة النفايات الصلبة إلى البلديات, ويرمي مشروع القانون من هذه الجهة إلى إنهاء اعتماد الدولة والبلديات على التمويل الخارجي في ما يتعلّق بإدارة النفايات، علما أن اتفاقية الهبة مع البنك الدولي تنتهي في آخر 2026. 

وفي تفاصيل المشروع، نلحظ الأمور الآتية: (1) أنه نصّ على فرض رسم على الأشخاص الطبيعيين والمعنويين والعامّين والخاصين بحسب جداول تحدّد قيمته بين حدّ أدنى وحدّ أقصى لكل نوع من أنواع المؤسسات والمنشآت، و(2) أن الحد الأدنى والأقصى قد حدد بالدولار الأميركي بما يؤشر إلى مزيد من الدولرة وإن نص المشروع على حصول الاستيفاء بالليرة، و(3) أنه ترك للبلديات هامش واسع في تحديد الرسم المتوجب على أن لا يقلّ عن الحد الأدنى وأن لا يتجاوز الحد الأقصى وتاليا بين 1 و4 وهو الأمر الذي قد يفتح الباب أمام الاستنسابية والمحاباة، و(4) رغم أن المشروع تضمن جدولا رفع فيه قيمة الرسم على الوحدات وفق درجة التلويث الذي تتسبب به، إلا أنه تضمن أيضا معايير يصعب فهمها كأن يفرض رسما أعلى على الوحدات السكنية في البلديات حيث أعضاء المجلس البلدي 15 وما فوق، و(5) أن المشروع يطمح لجباية الرسم المرجو حتى من الوحدات السكنية غير المرخصة (العشوائية) ومن الوحدات السكنية في مخيمات اللاجئين والنازحين، مساوياً بينهم بفرض رسم موحّد قيمته ثلاثة دولارات على كل وحدة سكنية شهرياً. 

أخيرا يلحظ أن المشروع نص على تخصيص الرسوم التي يتم تحصيلها لمعالجة النفايات الصلبة. ولئن بدا هذا التخصيص مخالفا لمبدأ شيوع الموازنة العامة، إلا أنه يستجيب لضوابط التخصيص وبخاصة لجهة ارتباط الرسم المفروض انطلاقا من مبدأ "الملوث  يدفع" بالغاية من التخصيص (معالجة النفايات الصلبة وما قد يتولد عنها من تلوث). وهذا ما أقره بشكل خاص المجلس الدستوري اللبناني في قراره رقم 1/2023 حيث جاء: "حيث أن مبدأ الشيوع هو القاعدة، والاستثناءات عليه محدودة جدا، فيجري في بعض الحالات تخصيص ضرائب ورسوم لتغطية نفقات ذات صلة بالأمور التي فرضت عليها هذه الضرائب والرسوم تحديدا، أو نفقات تتعلق بالتنمية المحلية، كالضرائب والرسوم المجباة لصالح البلديات، على سبيل المثال، أو تخصيص بعض الرسوم لتسديد دين عام، وحيث أن تطور مفهوم الدولة ووظائفها المتزايدة قضى بالخروج على هذه المبادئ التقليدية تلبية لحاجات هذا التطور، ما يفسّر لجوء الدولة، وتحديدا السلطة المشترعة إلى إقرار قوانين تتجاوز هذه المبادئ". وقد شدد المجلس الدستوري على جواز الخروج عن هذه القاعدة في مجمل الحالات التي يكون فيها الرسم ذات صلة بالإنفاق الذي يخصص له، كتخصيص إيرادات بعض المؤسسات العامة ذات الطابع الاستثماري كالهاتف والكهرباء والمياه لنفقاتها الخاصة، أو استعمال إيرادات مطعم المدرسة الفندقية لشراء المواد اللازمة للمطعم، أو استعمال إيرادات اليانصيب الوطني لمشاريع اجتماعية، أو استعمال رسم الخروج على المسافرين بطريق الجو وكذلك جميع الرسوم والواردات الأخرى لمطار بيروت الدولي على أنواعها لتوسيع وتطوير المطار والطرق المؤدية إليه". 

وقد خصصت لجنة البيئة النيابية حسبما أشار إليه المرصد البرلماني للمفكرة القانونية ثلاثة اجتماعات لمناقشة مشروع القانون وذلك في التواريخ الآتية: 9/1/2024 و30/1/2024 و14/3/2024، علما أنها أنشأت في اجتماعها الأول لجنة فرعية للتعمق في بعض مواده (مكونة من نواب ومعنيين في الوزارات). وقد طالبت اللجنة وزارة البيئة إنجاز الخطة المتكاملة لمعالجة النفايات الصلبة وتشكيل الهيئة الوطنية العليا للإشراف على قطاع النفايات. وقد ورد في محضر الاجتماع الأخير مداخلة للنائب غياث يزبك، رئيس لجنة البيئة النيابية ،عضو كتلة الجمهورية القوية وأحد الموقعين على اقتراح القانون الذي قدمته هذه الكتلة والرامي الى تعديل المادة 28 نفسها، مفادها أن المشروع مجتزأ وأنه يخشى أن لا تكون البلديات قادرة على جباية الرسوم لوجود نقص في الطاقة بشرية وعوائق قانونية. وقد أدلى النائب أن نسبة 40% من القرى اللبنانية لا يوجد فيها بلديات، مما يشكل إشكالية في تطبيق هذا الاقتراح. وبحسب الدولية للمعلومات، يوجد 321 بلدة بدون بلدية من أصل 1420 بلدة في لبنان حتى العام 2013، أي حوالي نسبة %22.6 من بلدات لبنان ليس فيهم بلدية، أبرزها في أقضية جبيل والبترون وبعلبك، علما أن هذه البلدات تبقى بلدات صغيرة نسبيا مقارنة بالبلدات المكوّنة لبلديّات. 

ويخشى أن يكون ثمة إرادة في إعاقة مشروع القانون أو في مركزة معالجة النفايات مجددا (كما حصل في العقود الماضية) انطلاقا من ذرائع قانونية وواقعية، لا تصمد أمام أي جدل جدي. فمن البين أن مسألة تخصيص الرسم تجد سندا في قرار المجلس الدستوري الأخير، في حين أن مسألة البلدات أو القرى التي لا بلديات لها هي مسألة مزمنة وهي تتصل ليس فقط في تحصيل الرسم المستحدث بل مجمل الرسوم البلدية، هذا فضلا عن كونها محدودة نسبيا ويفترض إيجاد حلول لها على حدة. 

اقتراح قانون الجمهورية القوية

وكما سبق بيانه، كانت كتلة "الجمهورية القوية" قدمت في 8/12/2022 اقتراحا بإضافة بندين إلى المادة 28 من القانون رقم 80. ويتشارك هذا الاقتراح مع مشروع القانون بسببين موجبين وهما تطبيق مبدأ "الملوّث يدفع" المنصوص عليه في المادة الرابعة من قانون حماية البيئة، بالإضافة الى وجوب تحقيق اللامركزية الادارية في إدارة النفايات الصلبة، ما يستوجب توفير واردات مالية لهذه الإدارات.

إنما يتميّز الاقتراح عن مشروع القانون لجهة فرضه نوعين من الرسوم: أولهما رسم مباشر للإدارة المحليّة لتغطية كلفة جمع النفايات المنزلية ونقلها من الوحدات السكنيّة والمؤسسات العامة والخاصة ضمن نطاقها الجغرافي. وذلك على أساس طريقة احتساب واضحة بالنسبة للوحدات السكنية والمنشآت على اختلاف أنواعها، فترتفع قيمة الرسم كلّما ازدادت مساحتها وحجمها وقدرتها على التلويث. 

أما الرسم الآخر، فهو رسم غير مباشر للخزينة على بعض المنتجات نسبةً لكمية أو نوعيّة النفايات المنتجة خلال تصنيعها أو من جرّاء استخدامها، وذلك بهدف تطبيق مبدأ مسؤولية المنتج. ويحدد الاقتراح منتجات متنوعة جداً في جدول ضمن الاقتراح، مع تحديد رسم على كل منتج.