مقايضة بري - القوات تنجح: التمديد لقائد الجيش حفظا لحظوظه الرئاسية خلافا للدستور
16/12/2023
بسلاسة، جرت مراسم التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون في مجلس النواب. التسوية كانت نضجت منذ الصباح. ونصّت على تراجع عدد من الكتل عن الاقتراحات التي قدّمتها مقابل تأييد اقتراح كتلة الاعتدال الوطني، الذي يراعي التوازن الطائفي في التمديد، الذي يشمل المدير العام لقوى الأمن إلى جانب قائد الجيش فضلا عن مديريْ الأمن العام وأمن الدولة. وهكذا انتهت "المسرحية"، كما وصفها نائب رئيس مجلس النواب الياس أبو صعب، بالتصفيق وتبادل التهاني والقبلات، في مشهد بدا مستغرباً لمجلس لم ينجح في انتخاب رئيس منذ سنتين، خاصة أن أغلب الذين يرفضون التشريع في ظلّ الفراغ سارعوا لتأمين نصاب جلسة تشريعية، قايض فيها رئيس المجلس نبيه بري التشريع العادي بالتمديد لقائد الجيش.
ما أن وصل النقاش إلى البند 14 من جدول أعمال الجلسة، حتى بدأت معالم الحضور تتغير. بدأ نواب حزب الله بمغادرة القاعة العامة مقابل انتقال النواب أديب عبد المسيح، ميشال معوض، أشرف ريفي، فؤاد مخزومي، ميشال الدويهي، مارك ضو، وضاح الصادق من شرفة المجلس المخصصة للصحافيين والزوار، إلى القاعة. كما انضم إليهم نائبا الكتائب سامي الجميل وسليم الصايغ. في حين بقي النواب: فراس حمدان، بولا يعقوبيان، ملحم خلف، ياسين ياسين في أماكنهم على الشرفة بين الصحافيين، مصرّين على عدم المشاركة في الجلسة، التي وصفها خلف بأنها صفعة للديموقرطيّة والمؤسّسات.
خروج حزب الله لم يقترن بخروج حلفائه، على نحو أبقى النصاب قائما. وهو ما يتماشى مع ما كان الحزب أعلنه عن رفض الفراغ في قيادة الجيش، والذي كان سيعبّر عنه حضوراً في مجلس الوزراء من دون التصويت لصالح التمديد. وفي المقابل، كان واضحاً أن الاتفاق بين الرئيس نبيه بري والقوات اللبنانية مصاغ بدقة: أي تلكؤ في مجلس الوزراء ستكون نتيجته التمديد في مجلس النواب. أما كل ما قيل عن الإخراج المنتظر للتمديد عبر الحكومة فكان في ناحية والواقع والاتفاقات التي جدّت من تحت الطاولة كانت في ناحية أخرى.
لذلك، لم يتم التطرق حتى لمسألة النصاب الذي كان واضحاً أنه مؤمن. وكذلك لم يتلكأ الرئيس نبيه بري في عرض اقتراحات القوانين المعجلة المقدمة من عدد من الكتل للبحث في الاتفاق على أحدها. هنا تحرر النائب جورج عدوان من الصمت الذي تسلّح به وفرضه على جميع أعضاء كتلته طوال جلستيْ اليوم السابق، رافعاً يديه الاثنتيْن إلى الأعلى طالباً الكلام. وهو ما بادره بري بالقول، "إلنا يومين نطلب منك تحكي طول بالك". بري نفسه أراد تسجيل موقف بدا غير متناسق مع الواقع، فقال "مش شغل سياسة هون في شغل تشريعي"، خاصة أنه لا يمكن عزل التمديد لقائد الجيش عن معركة رئاسة الجمهورية، التي يساهم التمديد في إبقاء عون في السباق الرئاسي، بخلاف ما كان يرغب به التيار الوطني الحر، الطرف الوحيد الذي جاهر في رفض التمديد لقائد الجيش.
عندما أعطى بري الإذن بالكلام لعدوان، أعلن هذا الأخير سحب الاقتراح المقدم من القوات والذي يقضي بالتمديد لقائد الجيش وحده متبنّيا الاقتراح المقدم من الاعتدال الوطني والذي يقضي أنه وبصورة استثنائية "يمدد سن تقاعد قادة الأجهزة الأمنية العسكريين منهم والذين يمارسون مهامهم بالأصالة أو بالوكالة أو بالإنابة والذين يحملون رتبة عماد أو لواء والذين لا يزالون في وظائفهم بتاريخ صدور هذا القانون وذلك لمدة سنة من تاريخ إحالتهم على التقاعد". وكذلك فعل كل من النائب بلال عبد الله الذي أعلن سحب الاشتراكي للاقتراح المقدم من قبله وتأييد اقتراح الاعتدال، والنائب عبد المسيح الذي سحب اقتراحه. أما النائب جميل السيد فتوجّه إلى الحكومة بسؤال عن قدرتها على التمديد لقائد الجيش في جلستها يوم الثلاثاء، فكان رد ميقاتي: مجلس الوزراء سيد نفسه. وإذ أسف السيد للمماحكات السياسية التي أدخلت قيادة الجيش نفسها فيها، سأل: إن كان لا بد أن يصدر القانون عن المجلس، فلمَ لا يشمل كل الرتب من ملازم حتى عماد؟ وإذ قدم اقتراحاً بهذا المضمون، إلا أنه سرعان ما سقط، لتُفتح الطريق أمام الاتفاق المسبق على تبنّي اقتراح "الاعتدال الوطني"، الذي لم يتردد الرئيس نجيب ميقاتي في إبداء تأييده أيضاً، على قاعدة أنه يشمل الموقع السني الأول في الأجهزة الأمنية.
النائب أبو صعب كان أسف للتشريع لأشخاص، مهنئاً القوات على نجاح استراتيجتها، فردت النائبة ستريدا جعجع بالقول "لمصلحة اللبنانيين".
من جهته قال بري: "كل اللبنانيين بدون استثناء مع الجيش. نعم الصلاحية الأولى للحكومة، لكن إذا لم يحصل التمديد، يُخشى من الفراغ، خاصة أنه قد لا يكون بالإمكان في الفترة المقبلة اجتماع المجلس بسبب الأعياد، ولذلك لا يمكن للمجلس إلا أن يحسم الموضوع".
وبعد مزايدات من هنا وهناك لتبرير التمديد بالسعي إلى حماية الأمن القومي ووحدة الجيش، أقرّ القانون مع إصرار النائب جهاد الصمد على تسجيل اعتراضه عليه في المحضر. ويلحظ هنا أنه بخلاف ما حصل عند إقرار سائر المقترحات الواردة على جدول أعمال الجلسة لجهة إعلان برّي إقرارها من دون أي تصويت، تمّ التصويت الفعلي هنا أولا على صفة الاستعجال ومن ثم على الاقتراح نفسه.
قبل ذلك، كان كلّ ما قيل عن أنّ تأخير التسريح سيتمّ في مجلس الوزراء، على أن يعلن الرئيس نبيه بري في مجلس النواب عن انتفاء الحاجة إلى تولي المهمة، طالما أن الحكومة قامت بواجبها، تكسّر على أبواب السرايا الحكومي. إذ أغلق العسكريون المتقاعدون الطرقات المؤدية إلى السرايا من الخارج فيما تكفل ميقاتي بإقفال مجلس الوزراء في سبيل إعطاء قائد الجيش تمديداً صريحاً من مجلس النواب غير مشكوك به بفعل عدم صدور الاقتراح عن وزير الدفاع. عملياً لا يمكن عزل قائد الجيش عن خطوة المتقاعدين، بغضّ النظر عن حقهم في مطالبة الحكومة الالتزام بالمادة 79 من قانون الدفاع الوطني والمادة 12 من نظام التقاعد والصرف من الخدمة، واللتين حددتا حقوق المتقاعدين بنسبة 85% من أي زيادة أجور تطرأ على رواتب موظفي الخدمة الفعلية، كما لا يمكن التفاجؤ من عدم التئام مجلس الوزراء، خاصة أنه كان لافتاً أن البيان الصادر عن مكتب رئيس الحكومة بشأن تأجيل الجلسة لعدم اكتمال النصاب، تضمن فقرة تشير إلى أن "الامانة العامة لمجلس الوزراء كانت قد تبلّغت مسبقا اعتذار عدد من الوزراء عن عدم حضور الجلسة". البيان نفسه كان أشار إلى حضور 12 وزيراً، ما يعني تغيب 4 وزراء من غير المقاطعين لجلسات مجلس الوزراء هم وزراء: الزراعة، الاقتصاد، الصناعة والشباب والرياضة.
مصادر متقاطعة أكدت أن مشكلة إضافية كانت استجدت تمثلت بتراجع رئيس المردة سليمان فرنجية عن السير بتعيين العميد حسان عودة رئيساً للأركان، وبالتالي الاكتفاء ببند تأجيل تسريح قائد الجيش، علماً أن هذا التعيين كان سيؤدي برئيس الأركان المُعيّن إلى تسلّم قيادة الجيش بالإنابة بعد 6 أشهر. وفي المقابل، أصرّ رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط على السير بالتعيين، بالرغم من أنه لم يكن مقتنعاً بهذه الخطوة سابقاً، على اعتبار أنه لا يريد لمرشحه أن يتحمل مسؤولية قيادة الجيش بعد انتهاء فترة ال6 أشهر.
وبذلك انتهى النهار على نتيجة محسوبة سلفاً. فبين عدم اكتمال نصاب جلسة مجلس الوزراء وتأمين النصاب في مجلس النواب، حصل قائد الجيش على التمديد لسنة كاملة ثابتة، بدلاً من 6 أشهر مهزوزة.