مقترح موازنة 2021 يتماهى مع خطة المصارف (4): ضريبة وهمية لتضامن وهمي
18/02/2021
ليست الموازنات العامة الوسيلة الفضلى لإنصاف المتضررين مباشرة من الانهيار (وفي مقدمتهم في الحالة اللبنانية الأجراء الذين خسروا أعمالهم أو القيمة الشرائية لأجورهم والمودعون) أو التفجير (وفي مقدمتهم الضحايا الذين قضوا أو أصيبوا بإعاقات أو تضررت أملاكهم من جرائه)، حيث يجدر أن يتم ذلك عموما في نصوص مستقلّة. لكن يبقى من المهمّ النظر في ظلّ تشعّب المقترح وتغوّله على مجالات لا تتّصل بالموازنة، في مدى مقاربته لحقوق هذه الفئات وبخاصة بالمقارنة مع الفئات الأخرى التي أغدقت عليها مزايا وإعفاءات عدة كما سبق بيانه. وكنا تناولنا في الفصول السابقة كيفية مقاربة حقوق الأجراء وضمناً من خسروا أعمالهم وهي مقاربة أدّت عمليّا إلى التشجيع على إلغاء الوظائف فضلا عن تفلّت أصحاب العمل من قانون العمل وتسهيل تهرّبهم من الضريبة.
1- رفع قيمة ضمان الودائع: حماية وهمية؟
تضمن المقترح زيادة قيمة ضمان الودائع إلى مبلغ 300 مليون ليرة عن مجموع حسابات الودائع العائدة لمودع واحد لدى أي مصرف، على أن يدفع 30% من مجمل قيمة الضمانة فور صدور قرار توقف المصرف عن الدفع أو وضع اليد عليه. ويدفع الرصيد الباقي إما تقسيطًا وإمّا بسندات خزينة يصدرها مصرف لبنان خلال مهلة سنة، من دون تحديد مدة التقسيط أو استحقاق السندات (م. 87). ومؤدى هذا الأمر ضمان الشطر الأول من الودائع، علما أن تحديد قيمة هذا الشطر يعكس درجة الحماية التي يريد المشرع منحها لصغار المودعين، ومن ضمنهم الأشخاص المتقاعدين أو كبار السنّ الذين ربما يعوّلون على هذه الودائع للعيش بكرامة.
وقد ذهب المقترح هنا في الاتجاه نفسه الذي كان ذهب إليه قانون الموازنة العامة لسنة 2020. ففيما كان هذا القانون رفع الضمانة من 5 مليون إلى 75 مليون ليرة (ما كان يقارب آنذاك 35 ألف دولار في حينه)، جاء المقترح ليرفعها إلى 300 مليون ليرة (أي ما يقارب حاليا أيضا 35 ألف دولار) وذلك تبعا لانهيار قيمة الليرة اللبنانية والقطاع المصرفي على حدّ سواء.
وكانت "المفكرة القانونية" قد انتقدت قانون الموازنة العامة لسنة 2020 لهذه الجهة انطلاقا من ثلاثة اعتبارات:
- إنّ تحديد الضمانة على الودائع بما فيها الودائع بالعملة الأجنبية بالليرة اللبنانية التي ما لبثت تفقد قيمتها ومن دون اعتماد أي مؤشر آخر كسعر الصرف المعمول به عند استحقاقها يبقى أمرا نظريا، وبخاصة أن هذه الضمانة لا تستحق إلا في حال إعلان توقف المصرف عن الدفع.
- إن تسديدها ب 30% فورًا وتأجيل الباقي يعني أنّ القيمة الفعليّة للضمانة هي 90 مليون ليرة وهو المبلغ الذي يدفع فورًا. وهذه القيمة تقارب وفق سعر الصرف الحقيقي للدولار الأميركي حاليا 10 آلاف د.أ. أما ما تبقى فقد لا يسدد إلا بموجب سندات خزينة يُترك للمجلس المركزي لمصرف لبنان مهمّة تحديد استحقاقها من دون إلزامه بأجل أقصى. فمدة السنة هي الأجل الأقصى لدفع الأقساط في حال اعتماد طريقة التقسيط أو إصدار سندات الخزينة، وليست المدة الأقصى لاستحقاق هذه السندات. ومن شأن هذا الأمر أن يقضم جزءا هاما من الضمانة سواء بفعل تأخير الدفع أو بفعل مضاعفة مخاطر فقدان قيمة الليرة تبعا لهذا التأخير.
- إنّ ما تم ذكره هو بمثابة هيركات بنسبة 70% على جميع الودائع دون تمييز بينها. فتأخير دفع ال70% المتبقية من الضمانة دون ضوابطأ وفوائد ومعا لإنهيار المستمر لسعر الصرف هو فعليًا تجميد لهذه الأموال التي ستفقد قيمتها سريعًا.