ملاحظات حول قانون الإدارة المتكاملة للنفايات في لبنان
08/05/2019
أجرت "المفكرة القانونية" في سبيل إعداد هذا التعليق مقابلات مع أعضاء ائتلاف إدارة النفايات، كل من زياد أبي شاكر– مهندس بيئي، وسمر خليل – خبيرة بيئية، ود. جوزيف زعيتر– مهندس كيميائي.
المسار التشريعي للقانون
بدأت وزارة البيئة بالعمل على مشروع قانون إدارة النفايات في 2005، واستفادت من جهود مستشار من إحدى دول شرق أوروبا (مع العلم أن بعض هذه الدول كانت تعمل على تطوير قوانين إدارة النفايات بهدف الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي في الفترة نفسها). وكان المشروع الأول عصرياً ومتكاملاً يتضمّن حوالي 99 مادة. أحيل مشروع القانون إلى مجلس النواب في 2012 بعدما صادقت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عليه. من ثم، سار المشروع ببطء شديد داخل اللجان قبل أن تصادق على المسودة النهائية اللجان المشتركة. وكانت قد شهدت جلسة اللجان المشتركة التي عقدت في 26 تموز 2018 انسحاب النواب سامي الجميل والياس حنكش وبولا يعقوبيان اعتراضاً على قرار رئيس اللجنة نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي إقفال النقاش وتصويت الأعضاء برفع الأيدي، قبل الإستماع إليهم رغم انتظار أدوارهم لإبداء رأيهم الرافض للمشروع لاعتباره يسهّل اعتماد خيار المحارق[1]. وبعد إصرار على تخفيف عدد مواد القانون أقرّ بـ39 مادة فقط، تحت الرقم 80، في الجلسة التشريعية التي عقدت في 24/9/2018.
ويجدر التذكير هنا بأن قضية النفايات كانت تسببت في 2015 بإطلاق أهمّ حراك شعبي في العقود الأخيرة، بعدما عجزت الحكومة عن جمعها ومعالجتها تبعا لإغلاق مطمر الناعمة. وقد تضمنت خطة الحكومة لمعالجة الأزمة والتي عرفت بـ”خطة أكرم شهيب”، إقرار مشروع القانون المذكور. وقد وضع مجددا على نار ساخنة تبعا لهذه الأزمة.
الإطار العام للقانون
إدارة النفايات ملف حيوي استحوذ على مكان واسع في النقاش العام ما بعد الحرب الأهلية، مع توالي أزمات[2] ولّدها ارتباط الملف بالفساد وتحميل بعض المناطق وزر استيعاب أغلبية النفايات التي ينتجها لبنان[3]. على الرغم من أهمية المسألة، توالت الخطط الحكومية المختلفة والمتناقضة (لا سيما في 2006 وهي خطة جيدة جداً أصدرتها وزارة البيئة، و2010 و2015 و2017 من ثم اعتماد دفتر شروط للمحارق، من ثم ما عرف بـ"ملخص السياسة المستدامة لإدارة النفايات"[4]) وارتبط ملفّ معالجة النفايات على مدى العقدين المنصرمين بملف سوكلين، أحد أكبر ملفات الفساد ما بعد الحرب الأهلية[5]. وشكّلت أزمة النفايات الشرارة لانطلاق الحراك الشعبي في صيف 2015 المُطالب باحترام الانتظام العام والمحاسبة والحق ببيئة سليمة.
على الرغم من أهمية الملف والحاجة إلى إقرار حلّ شامل، يؤكد ائتلاف إدارة النفايات أن القانون هذا ما كان ليمرّ لولا مقتضيات "المؤتمر الدولي لدعم التنمية والإصلاحات في لبنان" CÈDRE التي انطلقت أعماله في 26/4/2018 في العاصمة الفرنسية باريس، والإصلاحات التي ضغط باتجاهها في هذا المجال.
أبرز النقاشات النيابية التي أثارها القانون
استغرق النقاش حول مشروع قانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة نحو الساعتين، وتدخّل فيه 19 نائباً[6]، فضلا عن رئيس الحكومة سعد الحريري وعدة وزراء. وعلى الرغم من الاعتراضات عليه، إلا أنه وعند التصويت لم يكن هناك من معارض له سوى نواب حزب "الكتائب" والنائب فيصل كرامة، بعد خروج كل من النائبة بولا يعقوبيان والنائب أسامة سعد قبل بدء التصويت.
وأبرز المواقف التي تناولت القانون[7]، موقف النائبة يعقوبيان التي أعربت عن رفضها التام لمشروع القانون إذ أن فيه "تهاونا وتراخيا كبيرين ونواقص في محلات أساسية، إذ يبدو من القرن الماضي وليس قانون للعام 2018"، وأنه "من المفروض على المجلس النيابي أن يفرض الفرز من المصدر"، مقترحة إعادته إلى اللجان المشتركة والإستعانة بأخصائيين. وفي اتجاه رفض مشروع القانون، ذهبت أيضاً مداخلة النائب أسامة سعد الذي اعتبر أنه "يتضمن ثغرات عديدة، (...) قد تؤدي إلى أن يأتي التطبيق مختلفاً تماماً"، وأنه ينتقص إلى "التوجهات الواضحة والضوابط الصارمة، ويفوّض عدة جهات لوضع الخطط والاستراتيجيات من بلديات إلى هيئة التنسيق إلى وزارة البيئة إلى مجلس الوزراء إلى مجلس الانماء والاعمار". كما اعتبر أن الإشكالية الأساسية هي في عدم خضوع "الهيئة الوطنية المقترحة (...) للنظام العام للمؤسسات أي أنها تعيّن بمرسوم من مجلس الوزراء بناء لاقتراح وزير البيئة". وتساءل عن سبب ذلك معتبراً أن "هذا يعني أنها هيئة سياسية كاملة الأوصاف وليست هيئة علمية شفافة بل هي خاضعة للقرار السياسي. وعليه، فإنه يتم تسييس الملف وتسليمه مرة أخرى للمافيات والفساد. هذه إدارة غير شفافة وغير أمينة لملف حساس. وهي هيئة سياسية للمافيات وليست هيئة لإدارة النفايات". كما انتقد النائب سعد غياب المنهجية التشاركية في وضع القانون إذ "لا نريد أن نسمع رأي الناس". و طلب إعادة القانون إلى لجنة البيئة أو اللجان المشتركة ودعوة الهيئات والكفاءات اللبنانية المعترضة للوقوف على رأيها. من جهته، اعتبر النائب جميل السيّد أن "الاعتراض الرئيسي عليه هو في المادة 13 التي تنص على إنشاء الهيئة الوطنية لادارة النفايات الصلبة والتي تعني أن الدولة تحولت إلى مجموعة هيئات وطنية للاستثمار وتشجيع الفساد والإدارات الخاصة".
أما على المقلب الآخر، اعتبر نائب "اللقاء الديمقراطي" أكرم شهيب، رداً على النائبة يعقوبيان، أننا "نريد الاتجاه اليوم بحسب الواقع وليس على أساس النظريات والمثاليات ولو كنا نتحدث عن سويسرا كنت مع الفرز من المصدر. أنا أؤكد أنني ضد المحارق لكن إذا اليوم لم يقر هذا القانون فإننا سنذهب إلى الفراغ ولسنوات". وفي الإتجاه نفسه، اعتبر النائب عن كتلة "الوفاء للمقاومة" نواف الموسوي أنه ورغم أن"أفضل طريقة ودون نقاش هي الفرز من المصدر ثم تسبيغ وتدوير وطمر صحي، لا توجد قرية أو منطقة واحدة في لبنان تقبل بوجود مطمر صحي لديها"، و"نحن بحاجة إلى قانون ويجب أن يقر هذا القانون" إذ أنه "لن نجد قانون-إطار أفضل منه".
ورفض رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أن يُقال أن لبنان ليس لديه الكفاءة ليستعمل " Waste to energy" وهي مدرسة من مدارس معالجة النفايات عبر استرداد الطاقة والتي حاول عدّة نواب إلى جانب رئيس الحكومة ربط الإتجاه الذي يتّخذه القانون لجهة معالجة النفايات بها. كما اعتبر أن الحكومة طلبت من البلديات اقتراح حلول لموضوع النفايات في مقابل تقديم الحوافز إلا أنه لم تستجب سوى بلدية أو بلديتين"، متابعاً أنه "حتى مع المجتمع المدني كل الأفرقاء يأتون ويقولون أن هناك حلولاً أفضل. طبعاً هناك حلول أفضل ولكن تفضلوا وقدموها ما هي ونحن مستعدون للسير بها".
واللافت كان موقف وزيرة التنمية الإدارية في حكومة تصريف الأعمال عناية عز الدين التي ذكّرت أنه "لدينا شيء ويجب أن نستغله ونطوره وهنا لم يتم ذكر المعالجة الميكانيكية البيولوجية فلدينا نحو عشرة معامل بحاجة إلى التطوير على مبدأ الـreuse قبل الانتقال إلى مبدأ إنتاج الطاقة من العوادم". كما تساءلت عن مصير النفايات الطبية غير المعالجة في القانون.
كما كان من اللافت اقتراح النائب عن كتلة "الجمهورية القوية" جورج عقيص "أن يعطى للمجتمع المدني والجمعيات البيئية دوراً رقابياً أكبر في الإشراف على تنفيذ هذا القانون بحيث تزاد فقرة واضحة أو مادة مستقلة تسمح بإنشاء هيئة رقابية للإشراف على الاستراتيجيات وتكون أغلبيتها من المجتمع المدني".
وعند فتح باب النقاش على مواد مشروع القانون مادة مادة، خرجت النائبة بولا يعقوبيان من القاعة.
واقترح النائب نواف الموسوي في المادة التاسعة التي تقر مبدأ اللامركزية الإدارية في الإدارة المتكاملة للنفايات، إضافة "أن ذلك لا يعفي السلطة المركزية من مسؤولياتها في مجال معالجة النفايات". وتمّ اعتماد إقتراحه.
كما أخذ البند المتعلق بمرجع الوصاية على الهيئة الوطنية (المادة 13) جدلاً واسعاً، بين من يؤيد ربطها برئاسة الحكومة (النواب نزيه نجم وأكرم شهيب) ومن يؤيد ربطها بوزارة البيئة (وزير البيئة طارق الخطيب). واللافت أن النائب شهيّب برّر موقفه إذ "لا يستطيع وزير البيئة أن يتحمل هذا الملف لوحده. إذ يأخذ غالباً طابعاً مذهبياً وليس فقط طائفياً" مستذكراً تجربته. إلا أنه عند التصويت على أن "تكون المرجعية لرئيس مجلس الوزراء"، سقط الإقتراح وبقيت الوصاية لوزير البيئة.
وشدّد النائب في كتلة "الوفاء للمقاومة" حسن فضل الله، أبعد من هذا النقاش، على ضرورة إخضاع الهيئة إلى دائرة المناقصات ومجلس الخدمة المدنية. وعند طرح الرئيس بري على التصويت إخضاع التوظيف في الهيئة الوطنية لمجلس الخدمة المدنية، سقط الاقتراح. وتحدث الرئيس الحريري، قائلاً إنه لا يمانع دور دائرة المناقصات، ولكن "هناك شراكة بين القطاعين العام والخاص، وفي هذا الملف كل المشاريع ستكون في إطار الشراكة بين القطاعين".
الملاحظات الأساسية حول النص: ما مدى ملاءمته دستوريا أو اجتماعيا؟
من وجهة نظر ائتلاف إدارة النفايات، تعتري القانون إشكاليات عديدة، التقنية منها (التعريفات والخيارات المعتمدة في معالجة النفايات) وأخرى على صعيد الحوكمة (الشق الإداري والصلاحيات في معالجة النفايات).
على صعيد الخيارات البيئية المكرّسة في معالجة النفايات
يمكن على هذا الصعيد إبداء الملاحظات الآتية:
غياب التكريس الصريح لهرم إدارة النفايات
يكرّس القانون مبدأ "الإدارة المتكاملة للنفايات المنزلية" (المادة 2)، مشيراً إلى مراحل التخفيف من النفايات، ثم إعادة الإستعمال، والفرز من المصدر وما إلى ذلك. غير أن المشكلة الأساسية على هذا الصعيد هي الغموض في تكريس التراتبية بين هذه الخطوات، أو ما يعرف عالمياً بهرم إدارة النفايات. فمبدأ الإدارة المتكاملة لا بد أن يقوم على أولويات واضحة تبدأ بالتخفيف قبل الإنتقال إلى الخطوة التالية التي هي إعادة الإستعمال إلخ..، وصولاً في النهاية إلى التقنيات الأقل تفضيلاً والتي تتمثل بالحرق والطمر.
ويكتفي القانون هنا بالإشارة إلى أنه "يجب إعطاء مبادئ التخفيف من إنتاج النفايات الصلبة وإعادة الاستعمال والتدوير الأولوية الأساسية على غيرها من المراحل الأخرى من الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة في لبنان وذلك بهدف تقليل آثارها السلبية على البيئة" (المادة 3)، من دون تحديد واضح لأصول تطبيق هذه الأولوية أو عواقب عدم تطبيقها. كما لا يمنع القانون صراحة من طمر (المادة 24) أو حرق (المادة 22 ما يشير إليه القانون بـ”تحويل النفايات إلى طاقة عبر التفكك الحراري”) النفايات العضوية (أي القابلة للتسبيخ) والنفايات القابلة لإعادة الإستعمال أو التدوير. والتكريس الصريح لهرم إدارة النفايات هذا هو أمر ضروري نظراً إلى تاريخ المعالجة التي اعتمدتها الإدارة في لبنان ما بعد الحرب[8]. وغياب التشريع الصريح في هذا الإتجاه حمل بعض النوّاب كما إئتلاف إدارة النفايات وبعض أصحاب الإختصاص والناشطين إلى اعتبار هذا القانون "قانون المحارق". فاعتبرت النائبة بولا يعقوبيان إثر جلسة اللجان المشتركة التي صادقت على المسودة النهائية لمشروع القانون أن "ما جرى في الجلسة اليوم، ليس سوى إثبات على فساد المدافعين عن المحارق. ومن معرفتنا لكيفية إدارة هذا الملف سابقاً، نتأكد مرة أخرى أن التقنيات التي ستعتمد ستدر أموالاً طائلة على المنتفعين من هذا الملف".[9] كمنا أضافت ""أننا منعنا من الكلام، والتوافق بات ناضجا في مسألة أن يأتوا بمحرقة بـ 250 مليون دولار ووضعها في منطقة الكرنتينا المدور.. وهذه المرة الفساد لا يسرقنا إنما هو قاتل"[10]. كما اعتبر حبيب معلوف، مؤسس "حزب البيئة"، أن "قوة المصالح فرضت أن تكون المشاريع والاستثمارات الكبرى هي صاحبة البصمة الكبرى في التعديلات التي أضيفت إليه على عجل تسهيلا لخيار الحرق المتخذ في مجلس الوزراء منذ عام 2010. لذلك، (...) الفكرة المركزية (...) تقول أن أحد أهم مخاطر هذا القانون أنه يسمح ويسهل اتّخاذ خيارات استراتيجية لمدة 25 سنة على الأقل باعتماد تقنية حرق النفايات"[11].
آلية وصلاحية تحديد معايير إدارة النفايات
الأخطر على هذا الصعيد أن القانون أعطى وزارة البيئة صلاحية تحديد المعايير والمواصفات الخاصة بكل مرحلة من مراحل إدارة النفايات الصلبة غير الخطرة وبشكل أكثر غموضاً تلك المتعلقة بإدارة النفايات الخطرة، وذلك بقرار يصدر عنها. ويرشح منح هذه الصلاحية إلى وزارة البيئة عن خطورة جمّة، إذ أن لهذه المعايير والمواصفات الأثر المحوري على البيئة والصحة العامة. ومن المفترض أن تكون هذه المعايير علمية وموضوعية ومتوافقة مع المعايير الفضلى في هذا المجال، وأن تصدر أقلّه بمرسوم منعاً للتراجع أو التلاعب بها وفقاً لإرادة الوزير وحده.
على صعيد إدارة النفايات الصلبة غير الخطرة هذه المعايير والمواصفات هي تحديدا الآتية:
- بنود تقارير المراقبة الذاتية التي يُفرض على منتجي ومستخدمي وناقلي ومستوردي المواد التي ينتج عنها النفايات الصلبة غير المنزلية، ومؤمني الخدمات، والمشغلين وضعها شهرياً أو سنوياً (المادة 15)[12].
- آلية الكشوفات الميدانية على هؤلاء (المادة 17)
- معايير وشروط جمع النفايات الصلبة ونقلها (المادة 20)
- معايير المعالجة (المادة 22) أي معايير وشروط إعادة الاستعمال والتدوير، والشروط التفصيلية للتسبيخ والتفكك البيولوجي وإنتاج الوقود، ومعايير وشروط تحويل النفايات إلى طاقة عبر التفكك الحراري.
- المعايير والشروط البيئية لتحضير النفايات الصلبة (المادة 23)
- المعايير والشروط البيئية للتخلص النهائي من النفايات الصلبة (المادة 24) أي المواصفات الفنية لكل نوع من المطامر، ومعايير وشروط طمر النفايات، بما فيها شروط الطبقات العازلة.
كما سمح القانون لوزارة البيئة اتخاذ قرار بـ "استعمال تقنيات حديثة أخرى لإدارة النفايات الصلبة" (المادة 22).
أما على صعيد النفايات الخطرة فيتضمّن النص تناقضاً. ففيما تنص المادة 27 الفقرة 2 على تحديد "أصول إدارة النفايات الخطرة بمرسوم أو مراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير البيئة"، تشير الفقرة 3 أنه يتوجّب "إدارة هذه النفايات بطريقة لا تسبب أي ضرر على البيئة وتتوافق مع المعايير والشروط البيئية المحددة بموجب قرار يصدر عن وزير البيئة".
في رفع الحظر عن استيراد النفايات الخطرة
الأكثر خطورة على الإطلاق هو أن القانون رفع الحظر عن استيراد النفايات الخطرة. ومن المعلوم أن قرار وزارة البيئة رقم 71 تاريخ 19/5/1997 يمنع في المادة 4 منه منعاً باتاً استيراد النفايات الخطيرة[13]. فنصّت المادة 26 أنه "لا يجوز أن يتم أي استيراد أو تصدير للنفايات الصلبة الخطرة إلا بعد موافقة وزارة البيئة ووفقا لأحكام (...) معاهدة بازل". بمعنى آخر ألغى القانون في هذه المادة القرار رقم 71/1997، رافعاً الحظر التام الذي كان القاعدة في ما خص استيراد النفايات الخطرة. ومن المعلوم أن "معاهدة بازل" تنظم استيراد أو تصدير النفايات الخطرة عبر الحدود، حيث تمنع تصدير النفايات الخطرة إلا إذا ثبت غياب التقنيات والبنى التحتية اللازمة لمعالجتها محلياً في الدولة المصدرة، وتوفّرها عند الدولة المضيفة، وموافقة هذه الأخيرة كما جميع الدول التي ستمر بها هذه النفايات. فما هي التقنيات المتوفّرة في لبنان في هذا المجال والتي تبرر رفع الحظر عن الإستيراد، خصوصاً أن تاريخ لبنان غير مشجّع في هذا المجال؟[14].
في المعيار الكمي للعقوبة
يتضمّن النص مغالطات واسعة في ما خص تحديد الجرائم والعقوبات عليها. فقد اعتمد القانون لتحديد نوع الجريمة (مخالفة-جنحة-جناية) معيار كمية النفايات التي يتم رميها "في المياه والتربة وشبكات الصرف الصحي، أو غيرها من البنى التحتية والمواقع الطبيعية الحساسة"، مع مغالطة حول نوع هذه النفايات.
- فالفئة الأولى –المخالفات- تعرّف برمي "ما دون 500 كلغ من النفايات الصلبة غير الخطرة"،
- والفئة الثانية -الجنح- برمي "ما يوازي أو يفوق 500 كلغ من النفايات الصلبة غير الخطرة، و"رمي النفايات الصلبة ما دون 10 كلغ"، وهل المقصود في الحالة الثانية النفايات الخطرة؟
- والفئة الثالثة –الجنايات- برمي "ما يوازي أو يفوق 10 كلغ من النفايات الصلبة الخطرة"
ويطرح هنا السؤال: ما هو المنطق وراء اختيار معيار وزن النفايات التي يتم رميها - تحديداً عتبات 500 كلغ و10 كلغ - عوضاً عن خطورتها ونوعية الضرر الذي تولّده، في ظل ما ذكرناه أن معيار وزن النفايات غير علمي. فممكن أن يتسبب رمي غرام واحد من الزئبق في تلويث بحيرة كاملة.
على صعيد موازٍ، يكرّس القانون مبدأ "الملوث يدفع" (المادة 8) إلا أنه يفرض على الملوث الدفع بحسب "كمية النفايات ونوعيتها". وهذا المعيار خاطئ جداً في مجال حماية البيئة، فالأساسي على هذا الصعيد هو نوعية الضرر والخطر الذي تولّده النفايات على البيئة وليس كميّتها. ولا بد إذا في هذا المجال من تحديد نوعية النفايات المقصودة بحسب ضررها على البيئة.
في الجدوى من خيارات المعالجة التي يقرّها القانون اليوم
في وثيقة صادرة عن وزارة البيئة[15]، وضعت الأخيرة خارطة لمعامل فرز النفايات الموجودة والتي تعمل، والموجودة والتي لا تعمل، والمعامل المخطط لإنشائها، وأوزان النفايات التي يمكن لكل منها معالجتها. وتبيّن من جمع هذه الأوزان، أن مجموع المعامل قادرة على معالجة 7750 طناً من النفايات يومياً، في حين أن الإنتاج الإجمالي للبنان هو 6555 طناً من النفايات. فيطرح "إئتلاف إدارة النفايات" السؤال: لم الحاجة إلى الإتيان بتمويل والتشريع لاعتماد حل المحارق، في حين أن البنية التحتية لمعالجة النفايات بطريقة تحافظ على البيئة والصحة العامة متوفّرة اليوم؟ وحول خيار اعتماد المحارق، يوضح الخبير البيئي د. ناجي قديح، عضو "إئتلاف إدارة النفايات"، أن "المكونات العضوية، التي تصل نسبتها إلى 55 – 60% من مجمل النفايات الصلبة المنزلية (في لبنان) هي من أعلى النسب في العالم على الإطلاق، وهي تحتوي على حوالي 60% ماء. هذا المحتوى العالي من الماء يتوافق مع تقنيات الهضم اللاهوائي، ويتعارض كليا مع خيارات الحرق، وكل تقنيات ما يحلو للبعض تسميته “تفكك حراري“"[16].
على صعيد الخيارات الإدارية المكرّسة في معالجة النفايات
في تكريس ضرب صلاحيات السلطات المحلية
يقتضي التذكير أن قانون البلديات أناط في مواده 49 و74 صلاحية إدارة النفايات بالبلديات[17]. إلا أنه وعلى صعيد اللامركزية، يبدو أن القانون قد كرّس الأمر الواقع الذي تأسس مع شركة سوكلين والذي ساد بشأن معالجة النفايات في العقدين السابقين، وقوامه التعدي على صلاحيات وأموال البلديات وتولي السلطة المركزية معالجة النفايات خلافاً للقانون[18].
فلئن كرست المادة 9 من القانون مبدأ وجوب "اعتماد اللامركزية الإدارية في تطبيق الإدارة المتكاملة للنفايات"، فهي اعتبرت أن ذلك يتحقق "من خلال تولّي الإدارات المحلية مراحل الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة كلياً أو جزئياً"، من دون أن يؤدي ذلك إلى إعفاء السلطة المركزية من تحمّل مسؤولياتها في حال عجزت "السلطات المحلية عن ذلك". فلم يعمد القانون إلى اعتماد أي إجراء تصحيحي، يعيد بنيان قدرات البلديات على تحمّل مسؤولياتها في هذه المجال، أي قدراتها البشرية والتقنية والمادية[19]، بل عمد إلى تكريس الصلاحية التكميلية للسلطة المركزية في حال عجز السلطات المحلية، متجاهلا أن هذا العجز ينتج عن قلة موارد البلديات وعن سياسات طويلة وممنهجة لإضعافها[20].
كما أقرّت الفقرة الثانية من المادة أنه "يجب على السلطة المركزية ضمان كفاءة توزيع الموارد من خلال تنفيذ مشاريع مركزية حيث تدعو الحاجة".
أبعد من ذلك، نصّت المادة 11 على موجب "كل إدارة محلية إعداد مشروع برنامج محلي لإدارة النفايات الصلبة (...) ووفقا لمضمون الاستراتيجية[21] المقرّة من قبل مجلس الوزراء (...)، وذلك خلال مهلة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ إقرار الاستراتيجية (الوطنية)". وتحدد المادة 10 أنه يقتضي وضع الاستراتيجية الوطنية خلال فترة لا تزيد عن ستة أشهر من تاريخ صدور هذا القانون. بمعنى آخر، وضع النص على البلديات موجب وضع استراتيجيتها المحلية في مهلة لا تتعدى 9 أشهر من تاريخ صدور القانون، على أن تُعتبر عاجزة في حال تخلفها عن ذلك، مما يعيد الصلاحية إلى السلطة المركزية، متناسياً تماماً ضعف الموارد البشرية والمادية للبلديات في هذا المجال نتيجة السياسات التي سادت القطاع في العقدين المنصرمين.
وما يزيد قابلية الشك في مدى إمكانية تطبيق هذا النص، هو أن على وزارة البيئة مراجعة خطط البلديات المختلفة في مهلة 3 أشهر، مع العلم أنه توجد أكثر من 1100 بلدية.
وفي مجال مصادر تمويل إدارة النفايات، حدد القانون (المادة 28) مصادر خمسة وهي الموازنة العامة، وموازنات الإدارات المحلية، القروض والهبات، والصندوق الوطني للبيئة (عند البدء بالعمل فيه)، واستثمارات القطاع الخاص في عملية إدارة النفايات الصلبة. إلا أن القانون لم يحدد أية آلية تسمح للبلديات باسترداد كلفة إدارة ومعالجة النفايات. وتجدر الإشارة إلى أنه، وخلال مناقشة القانون في الهيئة العامة، تم إلغاء البند29 الذي كان يتيح الإمكانية للبلديات بجباية الرسوم مباشرة لمعالجة النفايات من نسخة مشروع القانون كما أقرتها اللجان المشتركة. وكانت هذه المادة تسمح للبلديات لهذه الغاية بزيادة الرسم البلدي بنسية تتراوح بين 10 و100٪، من دون تحديد أي معيار بحسب حجم البلدية أو أي معيار آخر[22]، بحجة وضع قانون منفصل ينظّم هذه المسألة.
في اعتماد فضفاض لمبدأ التشاركية
فيما أقرت المادة 10 من القانون مبدأ اعتماد "منهجية تشاركية" في وضع الاستراتيجية الوطنية من قبل وزارة البيئة، فإنها لم تحدد أي آليات لوضع المبدأ جدياً قيد التطبيق، كتحديد الجهات الواجب دعوتها والمتمتعة بالصفة التمثيلية، وأصول الدعوة، والطابع الإستشاري أو الإلزامي للآراء المقدّمة.
ولم يتطلّع القانون أبداً - على غرار تشريعات مقارنة أخرى - إلى تنظيم مشاركة الجمعيات غير الحكومية بعملية إدارة النفايات، مع العلم أن هذه الجمعيات تقوم اليوم بأدوار رائدة (وإن محدودة من حيث حجمها) بغياب الدولة في هذا المجال، خصوصاً في التسبيخ وإعادة التدوير.
حصر العديد من الصلاحيات بيد وزير البيئة
يتضح من القانون أنه عمد إلى حصر العديد من الصلاحيات بوزير البيئة – مع العلم أنه وبمراجعة تاريخ التعيين في هذا المنصب، يتبيّن أن العديد من الوزراء المتعاقبين على هذه الحقيبة غير متخصصين. كما عمد القانون إلى إنشاء لجنة تنسيق (المادة 12)، يتم تأليفها وتحديد طريقة عملها بقرار يصدر عن وزير البيئة. ويبقى النص مبهماً في ما يتعلّق بصلاحياتها بحيث تكتفي الفقرة الأولى من المادة بالإشارة إلى أن "هدفها تنسيق شؤون قطاع النفايات الصلبة".
كما أنشأ النص "هيئة وطنية لإدارة النفايات الصلبة" (المادة 13)، تبدو بصلاحياتها نسخة مطابقة لمجلس الإنماء والإعمار، أبرز مهامها إعداد دفاتر الشروط الفنيّة والإدارية الخاصة بالمشاريع المركزية ودراسات تقييم الأثر البيئي والإشراف على تنفيذ مشاريع مركزية. وترتبط هذه الهيئة كذلك بوزير البيئة، رغم الجدل الكبير حول تحديد سلطة الوصاية على الهيئة. فكانت اللجان المشتركة قد عدّلت المادة العاشرة من الفصل الثاني (التي أصبحت المادة 13) التي كانت تنصّ على إنشاء الهيئة ووضعها تحت وصاية وزير البيئة، لتصبح تحت وصاية مجلس الوزراء. وكان إئتلاف إدارة النفايات اعترض كذلك على مشروع القانون مطالباً ربط هذه الهيئة بمجلس الوزراء وليس بوزير البيئة لتفادي الشخصنة في عملها. في حين أن الرأي السائد في وزارة البيئة وبعض الجمعيات المتخصصة كان وضع الهيئة تحت وصاية الوزارة لوضع حدّ لتضارب الصلاحيات بين البلديات ووزارات مختلفة ومجلس الإنماء والإعمار. كما لم يحدد النص مهلة زمنية لإنشائها. ولا تخضع هذه الهيئة لنظام المؤسسات العامة، ويعينها مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير البيئة، مما يفتح الباب واسعاً أمام المحاصصة في تكوينها. وقد أناط القانون بها وضع دارسات تقييم الأثر البيئي، وهو أمر غير مقبول بحسب "إئتلاف إدارة النفايات"، فلا بد لمن يقوم بدراسة الأثر البيئي أن يكون طرفاً ثالثاً، مستقلاً بقراراته عن وزارة البيئة.
والأخطر على هذا الصعيد الصلاحية المعطاة لوزير البيئة وحده وبقرار بتحديد معايير ومواصفات إدارة النفايات غير الخطرة كما ذكرنا أعلاه.
- نشر هذا المقال في العدد | 59 | نيسان 2019، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه: