من أجل حماية قمم لبنان

فريديريك رولان

20/05/2024

انشر المقال

 تعريب غادة حيدر

تغطي جبال لبنان العالية التي يزيد ارتفاعها عن 1900 متر، 10% من الأراضي اللبنانية وهي تعتبر مناطق ذات أهمية كبرى. اختارت الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية التي أقرّت في العام 2009، ارتفاع 1900 متر كحدٍّ للتصنيف وذلك نظرًا إلى توافقه العامّ مع خط النمو النباتي وأيضًا مع خط الأراضي الزراعية والتوسّع الحضري. واليوم - أكثر مما كان عليه الوضع عام 2009 - فإنّه على هذا الارتفاع تحديدًا، تتجلّى التحدّيات الكبرى التي تواجه الموارد المائيّة في البلاد أو أكثر المناطق الطبيعية التي تبقى بمنأى عن مشاريع التطوير العمراني، وأيضًا الرموز الأقوى للهوية اللبنانية إذا ما فكرنا في الأرز أو في قمم معيّنة مثل القرنة السوداء أو جبل صنين.

لقد أرست الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية منذ عام 2009 مبدأ توفير أقصى قدر ممكن من الحماية لهذه المساحات. إلّا أنّ المرسوم الذي نصّ على إقرارها قد حدّ بشكل كبير من نطاقها من خلال اشتراط عدم المساس بوثائق التنظيم المدني السابقة، وبخاصة عدم تطبيقها إلّا بعد الموافقة على وثائق التنظيم الجديدة. في نهاية المطاف، كانت هذه الخطة بمثابة دليل، مجرّد من أيّ قوّة قانونية حقيقية، أكثر من اعتبارها مجموعة قواعد إلزامية.

لهذا السبب تحديدًا، بدأ العمل في إطار مشروع CESNA-LB (الحفاظ على المناطق الحسّاسة بيئيًا في لبنان) المموّل من الاتحاد الأوروبي، والذي تنفّذه "جمعيّة الأرض" بالشراكة مع جامعة الحكمة، على اقتراح قانون يهدف إلى ضمان حماية فعّالة لقمم جبال لبنان. وتمّ التثبّت من فعالية هذا المشروع – الذي كنت مسؤولًا عن إدارته بالتعاون مع بول أبي راشد وجوزيان يزبك – من قبل مجموعة من الخبراء الأعضاء في الرابطة الدولية لقانون التخطيط الحضري (AIDRU) الآتين من 8 دول تواجه تحديات في مجال حماية الجبال (ألمانيا، إسبانيا، فرنسا، إيطاليا، لبنان، المغرب، سويسرا، تركيا).

 

يهدف اقتراح القانون هذا (والذي تبناه وقدمه لاحقا النائب ميشال دويهي) إلى رفع حماية الجبال في لبنان إلى مستوى المعايير الدولية. وتحقيقًا لهذه الغاية، فهو يستند إلى 4 ركائز أساسية.

 

حظر التوسّع الحضري من دون تعويض لا يتعارض مع حق الملكية

إنه يرسي أوّلًا مبدأ حظر أيّ شكل من أشكال التوسّع الحضري، وعمليًا أيّ شكل من أشكال شغل الأراضي بشكل مصطنع، باستثناء المرافق العامّة أو عدد قليل من الأنشطة المحدّدة والمحدودة جدا. وتحقيقًا لهذه الغاية، يضع القانون آلية "ارتفاق ومحافظة" لا تؤدي، على عكس حقوق الارتفاق الخاصّة بالتخطيط المدني التي يحدّدها قانون البناء، إلى أي تعويض.

ومن الواضح أنّ هذه المسألة هي من النقاط التي خضعت لأكبر قدر من المناقشة خلال العروض المختلفة التي تم تقديمها عن المشروع إذ أنّ حرمان المالك من حقّ البناء على أرضه أو استغلالها من دون تعويض أمر غريب عن الثقافة اللبنانية. لكن الأمور تختلف كثيرًا بالنسبة للمناطق الجبلية العالية. فحساسيّتها البيئية تجعل من أيّ عملية بناء، مهما كانت مفيدة لمالكها، ضررًا في الواقع يلحق بالممتلكات والأنشطة الواقعة على ارتفاعات أقلّ: فالجوَر الصحية التي تلوّث المسطّحات المائية تؤدّي إلى عواقب على مستوى قطاع إنتاج المياه وحتى الاقتصاد الزراعي؛ ومن شأن أيّ أعمال حفر لتعديل التضاريس الطبيعية أن تؤدّي إلى خطر انهيارات ثلجية أو انزلاقات طينية أو حتى انهيارات صخرية، هذا طبعًا بالإضافة إلى الأضرار المترتّبة على البيئة الطبيعية والتنوّع البيولوجي.

لهذه الأسباب، فقد أصبح حظر التوسّع الحضري والعمراني من دون تعويض مالي في جميع البلدان التي تمّ فيها اعتماد قوانين لحماية القمم والجبال، قاعدة عامة. والمنطق خلف هذه القاعدة مفهوم: فأي تعويضات من هذا القبيل ستكون بعيدة عن متناول معظم ميزانيات الدول المعنية، وبالتالي فإنّ فرض هذه التعويضات يمنع في الواقع أي حماية فعلية. وما ينطبق على الكوكب كلّه، ينطبق بشكل أكبر على لبنان، نظرًا إلى تردّي أوضاعه الاقتصادية.

لقد طُرح السؤال عمّا إذا كان فرض أيّ قيود من هذا النوع في لبنان يتعارض مع أحكام الدستور التي تحمي الملكية. في قراره الشهير رقم 6/2014، قضى المجلس الدستوري بإمكانية الحدّ من حق الملكية بناءً على قواعد التنظيم المدني، وأنّ التعويض يكون واجبًا فقط في حالات الاستملاك. وحقوق الارتفاق التي ينصّ عليها اقتراح القانون لا تشكّل بأيّ حال من الأحوال عملية استملاك: فهي تنصّ فقط على الحفاظ على المساحات كما هي، على حالها، لضمان الحفاظ على البيئة وحماية الموارد المائية وحماية الملكية الواقعة على ارتفاع أقلّ.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي عدم تضخيم هذه المشكلة طالما أنّ معظم الملكيات في الجبال العالية ليست ملكيات خاصة فردية، بل غالبًا ما تكون ملكيات عامّة أو جماعية لا تُطبّق عليها مبادئ التعويض بالطريقة نفسها.

 

الحماية الفورية والشاملة 

تتمثّل الفكرة الثانية لاقتراح القانون في عكسه المنطقَ الذي تقوم عليه الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية الذي بموجبه لا تطبّق هذه الخطة إلّا بعد الموافقة على وثائق التنظيم المدني الجديدة. يطرح اقتراح القانون منطقًا معاكسًا بحيث يكون الحظر فوريًا ومطلقًا، ولا يمكن رفعه، في ظلّ فرضيات محدودة للغاية، إلّا إذا اعتمدت البلديات مخطّطات للتنظيم المدني (والتي يجب أن تتوافق أيضًا مع القانون، بطبيعة الحال). فالأمر بالتالي عبارة عن سياسة تحفيز للبلديات لكي تبادر إلى وضع وثائق تنظيم مدني، لمناطق الجبال العالية كما للمساحات الواقعة على درجات ارتفاع معينة، وفقًا لصيغة بسيطة للغاية: للتمكّن من تنفيذ ترتيب للأراضي في المناطق الجبلية، يجب أن يتمّ ذلك في إطار تخطيط مسبق ومدروس ومنظم، وليس تحت ضغط أصحاب المشاريع.

 

ترسيخ التسلسل القانوني في التنظيم المدني

يهدف اقتراح القانون أيضًا إلى معالجة الخلل المعياريّ السائد في قانون التنظيم المدني والبيئة في لبنان. إذ يهدف جزء من أحكامه إلى إرساء تسلسل هرمي واضح لقواعد التنظيم المدني من خلال الإشارة بشكل خاص إلى الالتزام بتطبيق الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية وإمكانية اعتماد خطط شاملة مستقبلية لأجزاء محددة من المناطق الجبلية. كما تهدف هذه الأحكام إلى ضمان تطبيق القانون رقم 444 لسنة 2002 بشأن حماية البيئة في المناطق الجبلية من خلال الإشارة إلى وجوب خضوع أي مشروع لتقييم بيئي متكامل.

 

الاعتراف بصفة منظمات المجتمع المدني للدفاع عن القمم

يهدف اقتراح القانون أخيرًا إلى إعطاء مكانة أكثر أهمية وتحظى باعتراف قانونيّ أكبر للمجتمع المدني من أجل ضمان حماية المناطق الجبليّة. فهو يتيح للمنظّمات غير الحكومية إمكانية الطعن في التراخيص الإدارية أمام مجلس الدولة. وفي خطوة أكثر ابتكارًا، يتيح الاقتراح إمكانية "منح الطبيعة حقوقًا" في المناطق ذات الحساسية الخاصّة (على وجه الخصوص غابات الأرز أو قمم الجبال ذات الصفة الرمزية)، أي الاعتراف بهذه المساحات كنُظم إيكولوجية لها الحق في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات التي قد تتعرّض لها. بالتالي، عندما يتمّ الاعتراف بالطبيعة كشخص اعتباري، يصبح بالإمكان تمثيلها من خلال مؤسسات، ممّا يفسح المجال الواسع أمام مشاركة المجتمع المدني أو السكان أو المنظمات غير الحكومية. وتبدو هذه الحركة المتنامية على المستوى العالمي (في نيوزيلندا وكولومبيا والهند ومؤخرًا في أوروبا) ملائمة بشكل خاص للوضع اللبناني إذ أنها تسمح بحماية أكثر فعالية وبمشاركة أكبر من قبل سكان المواقع الطبيعية الرئيسية.

 

خلاصة

في ختام هذا العرض السريع، لا بد من الإشارة إلى أنّ صياغة اقتراح القانون هذا استعانت بنموذج تصميم تشريعي يخالف الأساليب التشريعية اللبنانية. فقد تمّ تصميمه ليكون سريانه تلقائيًا، أي أنّه بمجرّد اعتماده، تصبح المعايير التي يتضمّنها سارية وتدخل حيّز التنفيذ من دون الحاجة إلى إصدار مراسيم تنفيذية. فهو يهدف بذلك إلى تجنّب المهل المرتبطة بالتأخير في إصدار هذه المراسيم وضمان الحماية الفعّالة التي تحتاجها المناطق الجبلية العالية في أسرع وقت ممكن. وعلى المدى الطويل، يمكن اعتباره أيضًا نقطة انطلاق لترشيد قانون البيئة والتنظيم المدني من خلال اعتماد معايير دولية لتنظيم البناء وحماية المواقع الطبيعية والتراثية.

 

لقراءة التعليق باللغة الفرنسية