موازنة 2023 رفعاً للعتب: 30 ضعفاً على الرسوم مقابل تجميد رواتب القطاع العام
29/07/2023
في الجلسة التشريعية الأخيرة، ذكّر عدد من النواب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بمخالفته للدستور بسبب عدم إقرار مجلس الوزراء للموازنة العامة للعام 2023، بالرغم من مرور 9 أشهر على الموعد الدستوري لتحويلها إلى مجلس النواب (قبل 15 تشرين الأول 2022). ارتبك ميقاتي ثم أعلن أن وزارة المالية ستنجزها قبل نهاية حزيران وتُحيلها إلى الحكومة، مُتعهّداً عقد جلسات مكثّفة لغاية إقرارها وإحالتها إلى مجلس النواب. في الجلسة الحكومية التي عُقدت بداية الأسبوع وخُصصت لمناقشة الموازنة، طُلب من كل وزير مراجعة الشقّ المتعلق بوزارته قبل أن يعود بملاحظاته إلى الجلسة المقبلة. من حضر الجلسة، أكّد أن الحديث عن إقرار الموازنة خلال جلستين أو ثلاث لن يكون ممكناً، فهي قد تحتاج لوقت طويل، نظراً للخلافات بشأن أرقامها الغامضة وغير الواقعية. وهذا النقاش مفصول عن حقيقة أن السنة قاربت على الانتهاء وأن الموازنة لن تكون صكاً بالإيرادات والنفقات المتوقّعة لعام آتٍ. ففي حال إقرارها، سيكون بالكاد قد تبقّى شهران على نهاية العام، وهو الموعد الدستوري لإقرار موازنة 2024.
الموازنة، كما أعدّتها وزارة المالية، تبدو، كما موازنة 2022، بلا أي رؤية مالية أو اقتصادية، لكنها ترتكز على هدف واحد هو زيادة الرسوم على اختلاف أنواعها بشكل غير مسبوق وصل إلى 30 ضعفاً دفعة واحدة (المادة 43) من دون تبرير سبب اختيار هذه الزيادة وليس غيرها على سبيل المثال. فلماذا 30 ضعفاً وليس 20 أو 40 ضعفاً؟ لا أحد يملك الإجابة، بخاصة أنّ المشروع لم يُرفق بفذلكة الموازنة، التي يُفترض أن تُوضح السياسة المالية للحكومة، كما لم يرفق بقطع الحساب كما ينص الدستور.
كان لافتاً أن هذه الزيادة لم تقترن بزيادة رواتب موظفي القطاع العام، الذين لم تزد رواتبهم سوى 4 أضعاف على شكل منح ومساعدات لا تدخل في أساس الراتب. وتأكيداً على ذلك لم تتردّد وزارة المالية في استحداث مادة (المادة 80)، تؤكد أن "أي زيادة على الرواتب وملحقاتها استفاد منها العاملون لدى المؤسسات العامة والصناديق والهيئات العامة، تحت أيّ شكل أو مسمى، ضمن أساس الراتب ولا تؤخذ قيمتها في الحسبان عند أي عملية احتساب تعتمد أساس الراتب"، ما يضرب كل نظام التقاعد ويجعل تعويضات الموظفين بلا قيمة. ذلك أمر يتعامل معه وزير المالية بعدم اكتراث، مفضلاً التفاخر بتوحيد سعر الصرف (لم تتم الإشارة لأي سعر صرف، لكن أرقام الموازنة تدل على اعتماد سعر منصة صيرفة التي قد يتمّ توقيف العمل بها) وبوضع أساسات تصحيح القطاع العام، أو ربما إنهائه، من خلال تخفيض العجز المرتبط بكلفة هذا القطاع.
نتيجة هذه الزيادة الضخمة بالرسوم، والتي تقترن أيضاً بزيادات كبيرة على الضرائب والتراخيص والغرامات على أنواعها، تُقدّر وزارة المالية الواردات ب147 ألف و739 مليار ليرة، بعدما كانت في العام 2022 مقدرة ب29 ألف و985 مليار ليرة. ولأن النفقات قدرت بـ181 ألف و923 مليار ليرة، فإن الموازنة تشير إلى عجز بقيمة 34 ألف مليار ليرة، مقابل نفقات بقيمة 40 مليار ليرة وعجز مقدر ب10.8 مليار ليرة في موازنة 2022.
الفارق بين الواردات المقدّرة في المشروع الحالي تزيد ب117.7 مليار ليرة عن واردات 2022، علما أن هذا المبلغ سيتمّ تحصيله من زيادات في الضرائب والرسوم التي تطال كل فئات الشعب باستثناء المصارف التي لم تفقد حظوتها. وهذا ما يتّضح من مشروع الموازنة الذي يعفيها، في المادة 28، من رسوم التخمين العقاري على إعادة تخمين موجوداتها العقارية في حال "استُخدمت لتغطية خسائر في الميزانية أو أُبقيت في حساب في الميزانية".
أضف إلى أن اقتطاع 3% من وديعة المتوفي قبل تسليمها إلى ورثته (المادة 31)، يشكّل بدوره تضارباً مع القانون رقم 46/1959 الذي يفرض "رسم انتقال مقطوع قدره اثنان بالألف على جميع الحقوق والأموال المنقولة وغير المنقولة التي تؤول إلى الغير، باستثناء الدولة والبلديات، بطريق الإرث أو الوصية او الهبة او الوقف". كما تشكل هذه المادة التي تشير إلى اقتطاع النسبة نفسها من الحساب في حال كان باسم المتوفى وأسماء أخرى مع قانون إجازة فتح حساب مشترك في المصارف الخاضعة للسرية الصادر في العام 1961، والذي تشير مادته الثالثة إلى أنه "عند وفاة أحد أصحاب الحساب المشترك يتصرف الشريك أو الشركاء بكامل الحساب مطلق التصرف. وبالتالي يفترض أن يصدر أي تعديل لهذه القوانين بقانون خاص يتضمن تعديلاً صريحاً للمادة الثالثة من القانون الخاص بالحسابات المشتركة وقانون خاص لتعديل رسم الانتقال، بدلاً من تكليف المصارف بالاقتطاع مباشرة من الوديعة.
في حديثه للمفكرة القانونية يصف المحامي كريم ضاهر الموازنة بأنها موازنة رفع عتب وتغطية نفقات. ويقول إن الإيحاء بأنها موازنة إصلاحية من خلال توسيعها دائرة المكلفين (المتعاملون بالتجارة الإلكترونية على سبيل المثال) أو من خلال زيادة الغرامات على المخالفات أو من خلال تخصيص عائدات التعديات التي تسبب أضراراً بيئية (الكسارات) لمشاريع بيئية (بالرغم من أن هذه الخطوة تشكل مخالفة لمبدأ الشيوع والشمول في الموازنة) هو ذر للرماد في العيون، لأن كل ضريبة أضيفت لم يدرس تأثيرها أو آلية تنفيذها، وبعضها ستكون نتيجته حماية المحظيين وزيادة الاعباء على من يلتزمون دفع الضرائب، فيما بعضها الآخر لن يكون قابلاً للتنفيذ. فمن يود فعلاً إصلاح النظام الضريبي أمامه طريق أسهل وأكثر عدالة هو اعتماد الصحن الضريبي الموحد والضريبة التصاعدية، لكن تجنب هذه الخطوة باستمرار لا معنى له سوى الإصرار على حماية كبار المكلفين على حساب الأغلبية من اللبنانيين.
بعد موازنة العام 2022 التي تضمنت السماح للحكومة استيفاء بعض الرسوم بالدولار الأميركي، أضيف في مشروع موازنة العام 2023 إيرادات جديدة يفترض أن تُستوفى بالدولار، بما فيها رسوم الإقامة لحاملي إجازات العمل من كافة الفئات بما فيها الفنانين والموسيقيين وبطاقات الإقامة، ولا تستثني الفئات الضعيفة من العمال الأجانب.
وفي مخالفة للدستور، تجيّر الفقرة الأخيرة من هذه المادة للحكومة تحديد الرسوم والغرامات التي تستوفيها المديرية العامة للأمن العام عبر مرسوم في مجلس الوزراء، بالرغم من أن الرسوم تُحدد وتُفرض بقانون. علماً أن المادة 16 من المشروع التي تعدل شطور ضريبة الدخل أرفقت بفقرة تجيز لوزير المالية تعديل هذه الشطور بحجة توفير المرونة لمعالجة أي تغيير في تلك النسبة دون الحاجة إلي إصدار نص قانوني. والصلاحية نفسها تتكرر في أكثر من مادة مثل المادة 19 المتعلقة بتعديل رسم الانتقال والمادة 20 المتعلقة الخاصة بتعديل شطور ضريبة الأملاك المبنية… ما يعطي وزير المالية صلاحيات تشريعية واسعة في تخطٍّ لدور مجلس النواب.
باختصار، ينسف المشروع مبدأ وجوب أن تكون الضريبة أداة لتحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية، إذ تشكل في الصيغة المطروحة أداة لتحصيل الأموال بالمطلق، مقرونة بأعلى درجات الاستخفاف بالناس ومصالحهم والأهم بإمكانية استمرار المرفق العام وحقوق العاملين فيه. ومع التأكيد على أهمية إقرار الموازنة، إلا أنه كان من الأفضل، بحسب ضاهر، اعتماد موازنة أرقام لا تتضمن أي تدابير ضريبة إصلاحية، وترك هذه التدابير إلى موازنة العام 2024، التي يفترض أن تكون في طور الإعداد حالياً، وأن ترفق بوضع المسار الإصلاحي على سكة التنفيذ.