نقل صلاحيات الهيئة الناظمة للكهرباء إلى مجلس الوزراء
06/11/2021
بتاريخ 2019/4/17، صدّق البرلمان على مشروع القانون المعجل الوارد بتاريخ 2018/4/9 بالمرسوم رقم 4536 والمتعلّق بنقل صلاحيات الهيئة النّاظمة للكهرباء – المنشأة بموجب القانون رقم 462 تاريخ 2/9/2002 – المتّصلة بمنح تراخيص وأذُونات الإنتاج إلى مجلس الوزراء لمدة سنة. ولم يكتفِ المشرّع بذلك بل ذهب أيضا إلى تحرير مجلس الوزراء عند ممارسته هذه الصلاحية بمنح التراخيص والأذونات من تطبيق أحكام قانون المحاسبة العمومية وسائر النصوص ذات الصلة بأصول التلزيم التي لا تتفق مع طبيعة التلزيم والعقود موضوعها.
ملاحظات: علّق[1] المرصد البرلماني على هذا المشروع من باب أنّه يعيد عقارب الساعة إلى ما قبل القانون 462/2002 حيث ينزع صلاحيات الهيئة الناظمة للكهرباء التنظيمية والتي كانت قد منحت عمدا لهيئة مستقلّة بهدف إخراج قطاع الكهرباء من نظام المحاصصة والتجاذبات السياسية خاصة لكون هذا القطاع مسؤولاً عن معظم عجز الموازنة وديون لبنان ولكونه قطاعا أساسيا لإحداث أي نمو في لبنان. تجدر الإشارة إلى أنّ الهيئة الناظمة للكهرباء لم تتشكّل بعد منذ إقرار القانون 462 وأن القانون الذي أقرّ يقوم بتكريس تغييب دورها واستبدالها بمجلس الوزراء. كما يؤدي هذا القانون إلى حصر صلاحية إبرام الصفقات المتصلة بالكهرباء بمجلس الوزراء وحده بعد تحريره من مجمل الضوابط التي قد تعيق إبرام هذه الصفقات والمرتبطة بقانون المحاسبة العموميّة من إجراء الشراء بطريق المناقصة العمومية، فقواعد الشفافية من نشر وإعلان. بالإضافة إلى ذلك فإن عدم وضوح النظام القانوني الذي ستخضع له هذه المناقصات يجعل الغموض يكتنفها مما ينذر بالإخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين.
ولعلّ الثابت في مناقشة القوانين كما بمساءلة الحكومة هو “الابتزاز” المُمارس من قبلها (وكانت برئاسة سعد الحريري) عند تبرير كل الاستثناءات والمخالفات التي تحصل والتي يعزوها إلى الأوضاع الاقتصادية، والأزمة المالية، ونية الحكومة في إعداد موازنة تقشفية.
المناقشات النيابية: وقد شهدت المصادقة على هذا القانون نقاشات طويلة بين النواب، استغرقتْ المدّة الأطول بين النقاشات الأخرى، أي قرابة ساعة وثلاثة أرباع الساعة، نحيل القارئ إلى تغطية المرصد البرلماني لها في تفاصيلها. الأبرز أنه سجلت عدة اعتراضات على المادتين اللتيْن يتألّف منهما القانون من قبل العديد من النواب. ومن أبرز المداخلات في هذه الجلسة، الآتية:
- اعتبر النائب جورج عقيص أن هذا القانون ينقل صلاحيات الهيئة الناظمة التي تمّ إقرارها في القانون 462، بصورة استثنائية إلى مجلس الوزراء بسبب عدم تشكيل هذه الهيئة. وهو يمدّد بالتالي عجز الحكومة عن تنفيذ القانون لمدة ثلاث سنوات، وهو يُعطي صلاحيات استثنائية خارج أحكام القانون. لذا اعتبر أنّه من الضروري حصر المدّة بالوقت المطلوب فقط للحكومة لتشكيل الهيئة، مقترحاً تخفيضها إلى ستة أشهر أو سنة كحد أقصى. فردّ الرئيس بري: “ما بيلحقوا بيرجعوا بيعملولنا تمديد”. لكن عقيص اعتبر ألا مشكل بتمديد جديد إذا لم تكن المهلة كافية مستنداً بكلامه على رأي “الخبراء بأن ثلاث سنوات مدة طويلة”.
- اعتبر النائب مروان حمادة في مداخلته أن “القانون هو تهريبة جديدة لهيئة رقابية كان من المفروض أن تشكل في سنة 2010 خلال شهرين مع مجلس إدارة. ولكن لا زلنا إلى الآن من دون هيئة ناظمة ومن دون مجلس إدارة. هذا يؤشّر إلى نوايا الحكومة تجاه الهيئات الأخرى التي يجب أن تضبط الاتصالات، والنفط والقطاعات الأخرى. وأشار إلى تلازم مؤتمر سيدر مع الرقابة بغية الحصول على القروض الميسرة وبعض الهبات ومواكبة المجتمع الدولي بخطة إنقاذ. وأيّد اقتراح عقيص تقصير المهلة.
- رأت النائبة بولا يعقوبيان أنه لا يمكن أن يكون هذا القانون بمثابة شيك على بياض دون مراقبة أو محاسبة. وأيدت الطرح الداعي إلى تقصير المهلة. كما طالبت بإضافة الفقرة التالية: “بناء على مناقصات تجري وفقاً للأنظمة والقوانين المرعية الإجراء”. وأشارت إلى وجود مخالفة دستورية للمادة 89 من الدستور الخاصة بكيفية منح الامتيازات بموجب قانون.
- استهلّ النائب سامي الجميل كلامه بتسجيل اعتراض كتلة الكتائب اللبنانية على المادة الأولى. واعترض على تسلّم نفس الفريق وزارة الطاقة منذ عشر سنوات. كما تساءل عن أسباب احتياج هيئة ما ستة أشهر إلى سنة ليجري تعيينها خصوصاً في ظل حالة طارئة، إلا إذا كانت هناك عملية محاصصة كما يجري في تشكيل الحكومة.
- أشار النائب سليم عون إلى ترابط مشروع القانون بخطة تضمن ثلاث نقاط وأن أي خلل يضرب الخطة بأكملها. كما اعتبر أن العجز منذ 17 سنة في تشكيل الهيئة، وأن الوقت ليس لمصلحتنا إذ ننظر ليس لحل مشكلة الكهرباء بالنسبة للمواطن وحسب وإنما هنا عجز يكلف ملياراً وثمانمائة مليون دولار سنويا.
- تحدث وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل نيابة عن وزيرة الطاقة الحاضرة في الجلسة وقال: “حتى نتحدث بالقانون: ليس هنا من هو مع الهيئة الناظمة ومن هو ضدها أو من هو مع إدارة المناقصات ومن هو ضدها. بالنسبة للهيئة الناظمة للكهرباء، هناك مادة خاصة في القانون تتكلم عن مرحلة انتقالية لا نصل فيها إلى تطبيق القانون إلا بعد تأمين عناصره. قدّمنا منذ 7 سنوات مشروع قانون لتعديل القانون 462. فإذا كنا نريد الهيئة الناظمة علينا تعديل هذا القانون ليصبح قابلا للتطبيق. وأعطى مثال الهيئة في قطاع النفط. وقال هناك القانون 181 (والمقصود القانون 181/2011 حول برنامج معجّل لأشغال كهربائية لإنتاج 700 ميغاوات ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية) الذي يقول بتعديل القانون 462 ومن بعدها يصبح بالإمكان تعيين هيئة ناظمة.
وشهد التصويت على المادة الأولى تشويها لجهة النتائج. فجرى التصويت برفع الأيدي على اقتراح النائب جورج عدوان تخفيض المدة من 3 سنوات إلى سنة، وطلب الرئيس بري أن يجري عدّ الأصوات دون أن يعلن ما هي نتيجة العدّ. وقال: “سقط الاقتراح”. وعندئذ علت أصوات منددة في القاعة. ثم طلب التصويت على المادة كما هي وأيضاً طلب تعداد الأيادي. وكان الظاهر من حيث عدد الأشخاص أن الاقتراح قد سقط. لكن الرئيس بري أعلن أنه صدق.
ومن ثم تم الانتقال إلى المادة الثانية، حيث طرحت إشكالية الضوابط للتعاقد.
وتحدث النائب أنور الخليل مقدماً اقتراحا بأن يخضع دفتر الشروط لتدقيق إدارة المناقصات وفقاً لأحكام المرسوم الاشتراعي باستثناء المادة 17 المتعلقة بمسألة توفر الاعتمادات.
وقد أثار النائب جورج عقيص استبعاد القانون دور إدارة المناقصات ورقابة مجلس الوزراء. وقد طالب النائب جميل السيد بتحديد الاستثناءات وإدراجها بالقانون بوضوح، بهدف وضع الحدّ الأدنى من الضوابط الموضوعة، والمحافظة على دور إدارة المناقصات.
كما واعتبر النائب سامي الجميل أن الآلية التي يضعها المقترح تجري في حالة فراغ قانوني كبير، خاصة وأن قانون المحاسبة العمومية لا يتحدث عن عقود الBOT وبالتالي لن يطبق.
وبرّر رئيس الحكومة سعد الحريري أنه تم الأخذ بهذه الخطة استثنائيا نتيجة العجز المالي الذي تعاني منه البلاد مما يستوجب اتخاذ خطوات سريعة باتجاه التلزيم لشركات عالمية. كما وأكدّ أنه بعد ذلك، ستخضع أية مشاريع للكهرباء إلى هيئة الخصخصة.
أما النائب أسامة سعد، فبعدما شدّد على أن القانون في مادته الثانية يعتدي على الدستور وعلى قانون المحاسبة العمومية، أوضح أن المشكلة تكمن في عدم صدور المراسيم التطبيقية لقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وليس في تطبيق قانون تنظيم قطاع الكهرباء في لبنان أو تعديله.
وفي الختام، عرض الرئيس بري الاقتراحات المقدّمة من النواب أنور الخليل، جميل السيد، وبولا يعقوبيان لتعديل المادة، ولكن تمّ إسقاطها كلّها. فصدقت المادة الثانية كما هي. كما صدق القانون.
وكان قد طلب الرئيس بري أن يسجل في المحضر: “أن هذا النص يعني أن الإدارة والوزارة تضع دفتر الشروط وإذا حصل خلاف يرفع الأمر لمجلس الوزراء”. كما وطالب النائب سامي الجميل بتسجيل اعتراض الكتائب على القانون بعدما اعتبر أن "إقرار هذا القانون غير دستوري". كما سجّل النائب أنور الخليل اعتراضه أيضاً. وقد لوحظ توافق بين عدد من النواب على بعض الأفكار. إلاّ أنها لم ترتقِ لتشكل قوة ضغط لمنع تمرير هذا القانون.
قرار المجلس الدستوري رقم 2019/20 تاريخ 2019/6/3: (إبطال المجلس الدستوري المقطع الأخير من الفقرة "ب" من المادة الثانية من القانون)
بتاريخ 2019/5/9، تقدم النواب بولا يعقوبيان، نقولا نحاس، فيصل كرامي، علي درويش، مروان حماده، أسامه سعد المصري، جهاد الصمد، سامي الجميّل، الياس حنكش ونديم الجميّل بالطعن بالقانون 129/2019. واستند الطعن إلى عدّة أسباب أبرزها مخالفة القانون المطعون فيه المواد 36 (عدم حصول المناداة بأسماء النوّاب أثناء التصويت على القانون) و89 (عدم استصدار قانون منح التزام وامتياز لمدة زمنية محددة) و16 و17 و65 (عدم مراعاة اختصاص كل من السلطتين التشريعية والإجرائية) من الدستور ومبدأ فصل السلطات، ومخالفة مبدأ الظروف الاستثنائية ومبدأ الأمان التشريعي ومبدأ الثقة بالقوانين، وانتهاك سيادة القانون.
وقد خلص المجلس الدستوري بتاريخ 2019/6/3 إلى ردّ الطعن لجهة مخالفة القانون المطعون فيه هذه المواد والمبادئ الدستورية. بالمقابل، قرر المجلس الدستوري إبطال المقطع الأخير من الفقرة "ب" من المادة الثانية من القانون – وهو المتعلّق بتطبيق أحكام قانون المحاسبة العمومية وسائر النصوص ذات الصلة بأصول التلزيم للمناقصات[2] - بسبب الغموض الذي يكتنف المقطع وهو ما نعود إليه.
وأبرز ما جاء في تعليل ردّ الطعن للأسباب الأخرى النقاط التالية:
- رغم تأكيد المجلس الدستوري على اجتهاداته السابقة (القرار 5/2017) بأن التصويت العلني بالمناداة بصوت عال "ليس قاعدة شكلية بل قاعدة جوهرية" ولا تقبل الاستثناء، وأن "إهمال أو مخالفة تلك القاعدة يؤدي إلى اعتبار التصويت باطلا وبالتالي ينسحب هذا البطلان على القانون نفسه"، ردّ سبب مخالفة القانون المطعون فيه لجهة عدم حصول المناداة بأسماء النواب أثناء التصويت عليه في مجلس النواب "لعدم تسجيل اعتراض في محضر الجلسة مفاده أن القانون المطعون فيه أقرّ خلافا ما نصت عليه المادة 36 من الدستور، وأنه لم يُقر عن طريق المناداة بالأسماء، إنما سُجل اعتراض دوّن كما يلي: "ما حصل اليوم بإقرار هذا القانون هو أمر غير دستوري". بهذا المعنى، اشترط المجلس الدستوري لإعمال القاعدة أن يسجّل اعتراض صريح بمخالفة قواعد التصويت في المحضر.
- أمّا بالنسبة لمخالفة القانون المطعون فيه أحكام المادة 89 من الدستور لجهة عدم استصدار قانون منح التزام وامتياز لمدة زمنية محدّدة، اعتبر المجلس الدستوري أن "القانون المطعون فيه هو تكملة للقانون 2002/462"، وهو "لم يقر منح أي التزام أو امتياز في قطاع الطاقة وإلى زمن محدود، بل نص على إعطاء حق منح عقود BOT إلى مجلس الوزراء على أن يتمّ التسليم إلى الدولة بعد فترة زمنية محددة". كما ذكّر المجلس بقراره رقم 2/2002 حيث رأى "أن المادة 89 من الدستور تنص على وجوب استصدار قانون لأي التزام أو امتياز وإلى زمن محدد، إلا أنها لا توجب استصدار قانون خاص لكل ترخيص يتناول المرفق العام نفسه (...)".
- أمّا بالنسبة لمخالفة القانون المطعون فيه أحكام المواد 16 و17 و65 من الدستور لجهة عدم احترام مبدأ فصل السلطات، اعتبر المجلس الدستوري أن "مجلس النواب لم يتنازل عن صلاحياته في مجال الكهرباء إنما وضع قانوناً ينظم بموجبه قطاع الكهرباء، كما وضع قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص". كما وأن "وضع دفتر الشروط والاعلان عن المناقصة وبت التلزيم وتوقيع العقود، وفق الأصول القانونية، هي معاملات وقرارات إجرائية لتطبيق القوانين، (...) وهي صلاحيات تعود لمجلس الوزراء"، وأن وزارة الطاقة تبقى ملزمة باحترام القوانين المرعية الاجراء وخاضعة للهيئات الرقابية.
- أمّا بالنسبة لمخالفة القانون المطعون فيه مبدأ وضوح القاعدة القانونية وأصول التشريع لجهة كيفية وضع القوانين، بسبب الغموض الذي يكتنف أصول إجراء المناقصات، وعدم وضع التعريفات الواضحة للمفاهيم، وقيام القانون بإعفاء العقود من الإطار القانوني والتنظيمي الراعي للمناقصات العامة، اعتبر المجلس الدستوري أنّ القانون المطعون فيه لا ينفصل عن القانون رقم 462/2002 الذي يحدّد هذه الأسس والقواعد والمبادئ الراعية لتنظيم قطاع الكهرباء، وصلاحيات الجهات التي تمارسها. كما اعتبر المجلس أن وزارة الطاقة تبقى خاضعة لقانون المحاسبة العمومية الذي حدّد الآليات التي تحكم عملية التلزيم والمناقصات. إلا أنه وبالنسبة إلى الفقرة "ب" من المادة الثانية من القانون المطعون التي تنص على عدم تطبيق أحكام قانون المحاسبة العمومية والنصوص ذات الصلة "التي لا تتفق مع طبيعة التلزيم والعقود موضوعها، في مراحل إتمام المناقصات لجهة عقود شراء الطاقة (PPA)"، فاعتبر المجلس أن هذا النص يشوبه غموض ويترك مجالا للاستنساب في تحديد الأمور التي يتم استثناؤها من قانون المحاسبة العمومية، دون تحديدها بنص قانوني، معتبراً إياها مستوجبة للإبطال.
- أمّا بالنسبة لمخالفة القانون المطعون فيه مبدأ الاستثناء والظروف الاستثنائية، اعتبر المجلس الدستوري أن "كلمة الاستثناء الواردة في القانون المطعون فيه لا علاقة لها بنظرية الظروف الاستثنائية إنما بالاستثناء من تطبيق قانون المحاسبة العمومية في بعض مراحل إتمام المناقصات لجهة عقود شراء الطاقة".
- أخيرا بالنسبة لمخالفة القانون المطعون فيه مبدأ الأمان التشريعي ومبدأ الثقة المشروعة اللازمة بالقوانين وانتهاك سيادة القانون، اعتبر المجلس الدستوري "أن القانون المطعون فيه جاء ليكمل القانون 462/2002 الذي ينظم قطاع الكهرباء (...)" و"هو ليس له علاقة بالتالي بانتهاك سيادة القانون، ولا بمبدأ الثقة المشروعة بالقوانين، وهذه الثقة رهن بتطبيق القانون، ولمجلس النواب صلاحية تعديل القانون".
[1] رانيا حمزة، كهرباء لبنان لا تحبّ الأضواء: التصويت برفع الأيدي آليه تهدد العمل التشريعي برمته، الموقع الالكتروني للمفكّرة القانونية،2020/4/19
[2] باستثناء تلك التي لا تتفق مع طبيعة التلزيم والعقود موضوعها، في مراحل إتمام المناقصات لجهة عقود شراء الطاقة (PPA).