نهج انتقائي تجاه الحريات النقابية: نعم لحق تأسيس النقابات، لا لحق الإضراب
18/04/2022
هذه المقالة هي جزء من سلسلة مقالات ينشرها المرصد البرلماني في الأيام المقبلة لتقييم أبرز اقتراحات قوانين 2021 التي لم تُدرج على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب. وتمّ اختيار الاقتراحات هذه بناء على أهميّتها أو خطورتها، واختيار الاقتراحات هذه أتى بناء على أهميّتها أو خطورتها، ولأنها لم تكن مشمولة ضمن تقييم المرصد لجَلسات الهيئة العامة.
بتاريخ 2021/11/30، تقدم النائب بلال عبدالله باقتراح قانون يرمي إلى تعديل مواد من قانون العمل[1] والمادة 15 من نظام الموظفين التي تتعلق بالحريات النقابية. والجدير بالذكر أن هذا الاقتراح هو الوحيد المقدّم في هذا المجال، مما يدلّ على عدم اعتبار حقوق العمال وموظفي القطاع العام من ضمن أولويات السلطة التشريعية.
وبداية، يقتضي التذكير بأن القانون اللبناني يميّز بين موظفي القطاع الخاص وموظفي القطاع العام لجهة الحقوق والحريات الأساسية. ويُعتبر موظفاً عاماً في لبنان كل "شخص يضطلع بتنفيذ مرفق عام، يدار بواسطة السلطة العامة، ووفقا لأصول القانون العام"[2]، بحسب تعريف الفقه اللبناني. ويعود سبب التمييز هذا في القانون إلى فكرة المصلحة العامّة المتصّلة بالوظيفة العامة، وبالتالي إلى الحاجة إلى المحافظة على حياد وطاعة وهيبة الإدارة. فيعترف قانون العمل لموظّفي القطاع الخاص بحقّ إنشاء نقابات والانضمام إليها وذلك ضمن نظام الترخيص المسبق، فيما يحظر نظام الموظفين على موظفي القطاع العام العمل النقابي. وهو يعتمد بالتالي تفسيراً ضيّقاً وغير معاصر لمبدأ استمرارية المرفق العام، ويشكّل مخالفة فادحة للحريات النقابية المكرّسة في المادة 13 من الدستور اللبناني والمادة الثانية من اتفاقية منظمة العمل الدولية، بالإضافة إلى المادة السابعة من الدستور التي تنصّ على المساواة بين اللبنانيين وتمتعهم بالحقوق السياسية والمدنية على حدّ سواء.
وبالعودة إلى الاقتراح، فقد تضمّن من جهة تعديلات على أحكام قانون العمل ترمي إلى إلغاء موجب الترخيص لإنشاء النقابات واستبداله بموجب الإعلام، وتعديلات على المادة 15 من نظام الموظفين من جهة أخرى، تهدف إلى حصر موجب التحفظ في المسائل الوظيفية فقط، بالإضافة إلى تكريس حق تأسيس النقابات والانضمام إليها ولكن دون الذهاب إلى حدّ الاعتراف بحق الإضراب.
نتناول تباعا التعديلات الواردة على قانون العمل أولا (1)، والتعديلات الواردة على نظام الموظفين ثانيا (2).
1. لجهة التعديلات الواردة على قانون العمل: إلغاء موجب الترخيص لإنشاء النقابات واستبداله بموجب الإعلام
من أهم التعديلات الواردة في هذا الخصوص، الآتية:
- يتخلّى الاقتراح عن موجب الترخيص المسبق لإنشاء نقابة لأرباب العمل أو للأجراء المنصوص عنه في المادة 86 ويستبدله بموجب الإعلام فقط. حيث أن المعمول به حاليا هو التقدم بطلب ترخيص إلى مصلحة النقابات في وزارة العمل، على أن تستطلع وزارة العمل رأي وزارة الداخلية بشأنه وتتخذ بعد ذلك قرارها بالرفض أو القبول. و"لا تعتبر النقابة شرعية إلا بعد نشر القرار في الجريدة الرسمية"، وفقا للمادة 87 من القانون الحالي. وبالتالي، بموجب هذا الاقتراح، لم يعد يحتاج تأسيس نقابة إلى أي ترخيص، إن كان للأجراء أو لأرباب العمل. بل يكفي أن يقوم المؤسّسون بإعلام مصلحة النقابات في وزارة العمل خلال أسبوع من تاريخ تأسيسها. بالتالي، يلغي الاقتراح ما يعرف بنظام الترخيص المسبق الذي يقيّد الحق النقابي، ويشكّل إذا تطبيقاً للمادة الثانية من اتفاقية العمل الدولية رقم 87 المُشار إليها في الأسباب الموجبة والتي تنصّ على حق العمال وأصحاب العمل بإنشاء منظمات والانضمام إليها "وذلك من دون ترخيص مسبق". كذلك يلغي الاقتراح موجب الترخيص بشأن اتحاد النقابات ويستبدله بموجب الإعلام، على أن تُراعى الشروط المفروضة لتأسيس النقابات.
- يمنح الاقتراح سلطة رقابية لوزارة العمل لجهة التأكد من استيفاء المؤسسين الشروط المنصوص عليها في القانون التي تجيز الانتساب إلى النقابة، ولها بالتالي أن تطلب من المؤسسين شطب اسم أي عضو منهم في حال عدم استيفاء الشروط القانونية وذلك تحت طائلة مراجعة القضاء المختص لحلّ النقابة في حال عدم القيام بذلك خلال مهلة أسبوع من تاريخ تبليغ النقابة.
- يفرض الاقتراح طابعاً أميرياً يجب أن يلصق على نسخة الإعلام، تعادل قيمته 2% من قيمة الحدّ الأدنى الرسمي للأجور، بينما النص الحالي لا يفرض أي طابع. فيسجّل الاقتراح بالتالي نقطة سلبية، خاصة في ظلّ الانهيار الاقتصادي والمالي القاسي، وعدم تصحيح الأجور والرواتب.
- يفرض على المؤسسين موجب نشر الإعلام مع رقم وتاريخ الورود إلى وزارة العمل، في الجريدة الرسمية خلال مهلة شهرين، الأمر الذي يخدم مبدأ الشفافية.
- يجيز الاقتراح إجراء انتخابات أعضاء مجلس النقابة بدون حضور ممثل عن السلطات المعينة. فيشكّل بالتالي تطبيقا إيجابيا للمادة الثالثة[3] من اتفاقية العمل الدولية التي تنصّ على حق منظمات العمال وأصحاب العمل انتخاب ممثليهم "بحرية تامة"، بالإضافة إلى منع السلطات العامة عن التدخل في النقابات. ويؤدي هذا الأمر إلى التخفيف من الرقابة، في حين لا يتناول النص الحالي هذه المسألة.
- يلغي الاقتراح صلاحية الحكومة المنصوص عنها في المادة 105 من القانون الحالي التي تجيز لها حلّ مجلس النقابة في حال "إخلاله بالواجبات المفروضة عليه أو أتى عملا لا يدخل في اختصاصه". ويستعيض عنها بإعطاء الحق "لكلّ صاحب مصلحة ولوزير العمل مراجعة القضاء المختصّ لحلّ هذا المجلس أو لاستبدال العضو المذكور". وبالتالي، يسجلّ الاقتراح نقطة إيجابية أخرى، حيث أنه يتوافق مع المادة الرابعة من اتفاقية العمل الدولية التي تنصّ على عدم خضوع النقابات "لقرارات الحلّ أو وقف العمل التي تتخذها سلطة إدارية".
- كما يضيف الاقتراح حالة "إخلال أحد أعضاء مجلس النقابة بواجباته أو فقدان شرط من شروط توليه مهامه" على الحالات التي تجيز الملاحقة القضائية والتي أغفل ذكرها القانون الحالي.
2. لجهة التعديلات الواردة على المادة 15 من نظام الموظفين: حصر موجب التحفظ في المسائل الوظيفية فقط وتكريس حق إنشاء نقابات دون حق الإضراب
- يتضمن الاقتراح تعديل المادة 15 من نظام الموظفين التي تنصّ على الأعمال المحظّرة على موظفي القطاع العام. فيحصر من جهة موجب التحفظ الذي يحظّر على الموظّف "إلقاء أو نشر خطبا أو مقالات أو تصريحات" بدون إذن خطيّ من رئيس إدارته "في المسائل التي تتعلق بالوظيفة" حصرا، بينما يشمل الحظر الوارد في النص الحالي كل المسائل[4].
وهنا تكمن خطورة الاقتراح، حيث أن التوسّع في تطبيق المادة 15 يُخضع الموظف لقيود تفرضها عليه عقلية السلطة التي تستخدم “موجب التحفظ” لمحاربة الموظف ومحاسبته على إطلاع الرأي العام على المعلومة” المحرجة لها، وذلك بحسب أحد موظفي الفئة الأولى الذين كانت قد قابلتهم "المفكرة القانونية". وينطبق هذا التقييد بشكل كبير على “المعلومة التي هي أصلاً في دائرة موجب الإعلام، والتي من حق المواطن الاطلاع عليها” دائماً بحسب المرجع نفسه.
- من جهة أخرى، يُلغي الاقتراح الفقرة الثالثة من النص الحالي التي تمنع الانضمام إلى المنظمات أو النقابات المهنية، مكرّسا بالتالي حق موظفي القطاع العام بتأسيس النقابات والانضمام إليها وذلك بالتساوي مع الأجراء في القطاع الخاص بحسب ما أشارت إليه الأسباب الموجبة.
ومن المفيد التذكير هنا بالتناقض الموجود في القانون اللبناني الحالي. فلئن كان إرساء منع الموظّفين من العمل النقابي يستند على مبدأ حياد الإدارة كما أسلفنا، غير أن المادة 14 من نظام الموظّفين التي تتعلق بواجباتهم تعترف في فقرتها الخامسة بحق الانضمام إلى الأحزاب شرط التخلّي عن أية مهمة أو أية مسؤولية فيها[5]. وبذلك يسجّل الاقتراح نقطة إيجابية، مع العلم أن الحرية النقابية هي من حقوق الإنسان المدنية الأساسية المنبثقة عن حرية التجمع. ويذكر أنه في شباط 2014 اتخذت رابطة موظفي الإدارة العامة قراراً بتحويل الرابطة إلى نقابة، إلّا أن السلطة لم توافق على ذلك بحجة مخالفة المادة 15 من نظام الموظفين. فحتى اليوم لم يجرِ تحويل الرابطة إلى نقابة، علماً أنها انضمت إلى هيئة التنسيق النقابية وشاركتها معاركها للمطالبة بإقرار سلسلة الرتب والرواتب بدءآً من العام 2012، والتي أقرت في العام 2017.
- بالمقابل، وبالرغم من بعض الإيجابيات المُشار إليها أعلاه، إلا أن الاقتراح يحمل سلبيات هامة. فهو يُبقي على منع الإضراب والتحريض عليه، ويحرم بالتالي موظفي القطاع العام من ممارسة حقهم المنصوص عنه في اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 وفي الدستور اللبناني تحت شعار "مبدأ استمرارية المرفق العام". كما وأنه يُبقي على التمييز بين موظفي القطاع العام وموظفي القطاع الخاص في هذا الشأن، الأمر الذي يشكّل مخالفة خطيرة تجاه حقوق وحريات موظفي القطاع العام. وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم الدول تعترف بحق الإضراب لموظفي القطاع العام، وفي طليعتها فرنسا[6] منذ العام 2008 وتضع تشريعاتها ضوابط للتّوفيق بين حرية ممارسته واستمرارية المرفق العام.