هل انتهى زمن "ليبان بوست"؟
31/03/2023
بعد 25 عاماً على تربّع شركة "ليبان بوست" على عرش قطاع البريد في لبنان، يبدو أن رحلتها تلك وصلت إلى نهايتها. وبعدما كانت حسمت أمرها بعدم المشاركة في المناقصة التي أطلقتْها وزارة الاتصالات، ظهرت خشيةٌ من أن تستمرّ في عملها بحكم استمراريّة المرفق العامّ، في حال كانت نتيجة الجلسة الثالثة لتلزيم القطاع شبيهة بنتيجة الجلستين السابقتين واللتين لم يُقدّم خلالهما أيّ عرض، وسط إصرار وزارة الاتصالات على عدم استلام القطاع. وإن كان هذا الأمر أدى عملياً إلى استمرار الهدر وحرمان الخزينة من موارد مهمّة بسبب العقد الذي كان يؤمّن مصلحة الشركة على حساب الدولة، كما سبق أن بيّن تقرير صادر عن ديوان المحاسبة في 8/6/2021. إلا أن ما حصل أن جلسة التلزيم التي عقدتها وزارة الاتصالات أمس أظهرتْ فوز ائتلاف شركتيْ ميريت إنفست ش. م. ل. اللبنانية المملوكة من شركة CMA CGM وشركة Colis privé france المملوكة من الشركة نفسها بالصفقة. علماً أن العرض المقدم من الائتلاف، الذي مثّله فيصل هويلو في لجنة الاستلام (حضر إلى جانبه المحامي داني عيسى مفوضاً من المدير العام المعاون لشركة ميريت التابعة لCGM جوزيف دقاق)، كان العرض الوحيد الذي وصل إلى اللجنة، وقد أبدت الوزارة في بداية اجتماع لجنة التلزيم استعدادها للسير به في حال استوفى جميع الشروط الإدارية والفنية والمالية.
وبعدما تبيّن للجنة أن العرضين الإداري والفني مستوفيان للشروط، تم فتح العرض المالي، ليتبيّن أنّ النسبة المحدّدة لحصة الدولة من الأعمال البريدية وغير البريدية هي 15.5%، أي بزيادة 5.5% عن الحدّ الأدنى الذي كان محدداً في دفتر الشروط ب10%، علماً أن هذه الحصة سترتفع سنوياً وصولاً إلى مضاعفتها (31%) في العام التاسع والأخير للعقد. والتزاماً بدفتر الشروط، الذي سبق أن راعى ملاحظات ديوان المحاسبة وهيئة الشراء العام والذي يمكن مراجعته للاطلاع على تفاصيل التعاقد، تُطبّق الشركة هذه النسبة في العامين الأول والثاني بالنسبة لكل الخدمات المقدّمة (بريدية، غير بريدية مقدمة بصورة حصرية، غير بريدية غير مقدمة بصورة حصرية) على أن ترتفع في العامين الثالث والرابع إلى 17.5%، ثم في العامين الخامس والسادس إلى 20.5%، ثم عاماً فعام حتى العام التاسع والأخير (31%)، حيث تصل حصة الدولة إلى ضعف المبلغ المحدد في السنتين الأولى والثانية بالنسبة للخدمات البريدية، وإلى 23.25% بالنسبة للخدمات غير البريدية المقدمة بصورة حصرية، وإلى 18.6% بالنسبة للخدمات غير البريدية غير المقدمة بصورة حصرية.
كذلك تمّ تعديل شطور الإيرادات، إذ في العقد السابق لم يكن بالإمكان أن تحصل الدولة على أيّ نسبة إذا لم تتخطّ الإيرادات 14.8 مليون دولار (5%)، فيما يبدأ الشطر الأول الجديد بـ "أقلّ من 5 مليون دولار"، على أن يكون الشطر الثاني ما بين 5 و10 ملايين دولار وهكذا دواليك.
لكن خطورة الأمر تتعلق في احتمال نشوء لغط حول طبيعة الإيرادات. وبالرغم من أن دفتر الشروط واضح في الإشارة إلى تقاسم الإيرادات، إلا أن عرض الشركة يثير الشك لإشارته في "مستند الطرح" إلى "خطة تقاسم الإيرادات (المرفق 3-1) معبراً عنها كنسبة مئوية من حصص إجمالي ربح المشغل". وهذا الجدول المرفق الذي يفصّل كيفية تقاسم الإيرادات يشير أيضاً إلى نسبة 15.5% من "إجمالي الربح"، ما يعني تخفيض حصة الدولة بشكل كبير جداً. إذ أن الشركة ستعمد عندها إلى اقتطاع الكلفة التشغيلية، ومن ثم إعطاء الدولة حصتها من الربح فقط.
في ظل هذا الالتباس سيكون أمام هيئة الشراء العام التي يفترض أن تدقق بالملف مسؤولية حسم هذه النقطة، والتأكيد أن العرض يتعلق بتقاسم الإيرادات لا الأرباح. علماً أن الهيئة ستكون مسؤولة أيضاً عن التأكد من خبرة الشركة الفرنسية Colis privé وقدرتها على إدارة البريد، خاصة أنها تعمل في فرنسا في خدمة نقل الطرود بين البائع والمشتري ضمن نطاق التجارة الإلكترونية وفي عدد محدود من المدن.
إذا عولجت هذه المسألة بما يتناسب مع دفتر الشروط، يفترض أن يتم التسلم والتسليم في أي وقت يسبق 31 أيار المقبل، موعد نهاية التمديد السابعة ل"ليبان بوست". أما في حال أصرّت الشركة على مبدأ تقاسم الأرباح، فيفترض أن يؤدي ذلك إلى رفض العرض، والعودة بالتالي إلى النقطة صفر، والإعلان عن مزايدة جديدة، تكون أول تداعياتها استمرار "ليبان بوست" في إدارة المرفق البريدي إلى أجل غير مسمى.