هل يساهم المودعون في تأمين كهرباء 24/24؟

إيلي الفرزلي

18/11/2021

انشر المقال

يتعامل النائب طوني فرنجية مع اقتراح القانون الذي قدّمه، في 29 تشرين الأول، بعنوان "الطاقة من الناس إلى الناس" بوصفه ورقته الرابحة التي سيتمكّن عبرها من حلّ أزمة الكهرباء. وهو للوصول إلى هدفه هذا، يقترح على المودعين، المحتجزة أموالهم في المصارف، المساهمة، اختيارياً، في تمويل بناء معملَي كهرباء في الزهراني ودير عمار بقدرة ألف ميغاواط لكل منهما، أي ما يمثل ثلثي حاجة لبنان.

اللافت أن الاقتراح، وقبل تقديمه من قِبَل فرنجية، كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أعلن تبنّيه، واضعاً إيّاه ضمن سلّم أولويات حكومته، مشيراً إلى أن الدراسة أعدّتها الخبيرة في تمويل مشاريع الطاقة، كارول عياط، بالتعاون مع معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية (حمله معه إلى الإليزيه عندما زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون). لكن بعد نشر الدراسة، في 20 تشرين الأول، ثم تقديم اقتراح القانون، لم يكن صعباً التأكد أن الحديث يدور عن المشروع نفسه، وإنْ مع بعض التعديلات التي لا تُغيّر في وجهته، على الرغم من أن دراسة عيّاط تبدو أكثر تفصيلاً.

أساس المشروع مبنيّ على استعمال 1.6 مليار دولار من الاحتياطي الإلزامي لبناء معملَيْن في الزهراني ودير عمار بقدرة ألف ميغاواط لكلٍّ منهما. لكن كي لا يشكّل هذا المبلغ استنزافاً جديداً لأموال كل المودعين، يشير اقتراح فرنجية إلى فتْح الباب أمام المودعين لاكتتاب 4 مليارات دولار من الأموال المودَعة بالدولار (لولار)، في مقابل استعمال 4.8 مليارات دولار بحسب دراسة عياط، لتغطية هذا المبلغ. بمعنى آخر، يقتطع الاقتراح الأول 60 % من أصل الوديعة، بينما يقتطع الثاني 66 % . وفي الحالتَين، إذا ما تمّت المقارنة مع القيمة الحالية للدولار المصرفي، والتي لا تزيد على 20 % من سعر الدولار، فإن الاقتراحَيْن يُقدّمان سعراً أفضل للّولار، ما يفترض معه معدّو الاقتراح أن يكون عاملَ جذب للمودعين، خاصة في ظلّ توقُّع أن يُحقق المشروع أرباحاً سنوية (ما بين 3 و5 % )، إضافة إلى أرباح تضاف إلى الاستثمار نفسه (الضعف بعد 20 سنة بحسب اقتراح فرنجية، و50 % بعد 13 سنة بحسب دراسة عياط).

في المقابل، فإن معترضين على المشروع، يعتبرون أنه يُثبّت الهيركات الذي لا يزال - حتى اليوم - غير رسمي، ويتعامل معه كأمر واقع أولاً، وثانياً يُثبّت تحرير المصارف من عبء 4 إلى 5 مليارات دولار، من دون أيّ جهد من قِبَلها، وهي التي لا تزال، بعد سنتين من انهيار العملة، ترفض تحمّل حصّتها من الخسائر، وتصرّ، بالتعاون مع مصرف لبنان، على تحميل المودعين ومجمل سكان لبنان مسؤولية الخسائر المحقَّقة في القطاع المصرفي، إنْ كان من خلال التضخّم المفرط، أو من خلال تنفيذ هيركات يتخطّى الـ80 %.

أمام هذا الواقع، يُفضّل فرنجية عدم الخوض في مسألة سعر الدولار وقيمته: لنفترض أن قيمة الاستثمار هي 4 مليارات دولار (مصرفي)، عندها يمكن القول إن هذا المبلغ، الذي سيكون عبارة عن أسهم في الشركة التي تُنشأ وتكون صاحبة المعملَين سيتضاعف بعد عشرين عاماً، ويضاف إليه أرباح سنوية تُقدَّر بنحو 5 %. يوضح فرنجية أيضاً أن حَمَلَة الأسهم يستطيعون بيع أسهمهم (ستُدرَج الشركة في بورصة بيروت) متى يشاؤون، وبالتالي ليس الانتظار لعشرين عاماً هو الخيار الحتمي. في المقابل، تؤكد عياط لـ"المفكرة القانونية" أن الدراسة تتعامل مع الواقع كما هو، فإذا كان سعر اللولار حالياً يساوي      20 % من الدولار، فلا يمكن التغاضي عن هذا الواقع في مشروع لا يدّعي إيجاد حلّ لأزمة المودعين، بل يفتح الباب أمام مَن يرغب، للاستثمار في قطاع الكهرباء، من دون أن يكون ذلك على حساب المودعين الآخرين.

من يحقّ له الاكتتاب؟

ليس واضحاً في الاقتراح كيف سيتمّ تحديد من يحقّ لهم المساهمة في الشركة، لكن الرئيس نجيب ميقاتي كان أشار، في حديث إلى جريدة      "الأخبار"، إلى أنه لن يُسمح للمودعين بتملّك أكثر من 3 %. وهذا يعني أنه يمكن تملُّك الشركة من قِبَل 34 مساهماً فقط. من جهته، يقول فرنجية لـ"المفكرة القانونية" إن خطّته تستهدف كل المودعين بشكل نسبي، أي أنه إذا كان مجموع الودائع يساوي 100 مليار دولار، والمشروع يحتاج إلى 4 مليارات دولار، فبإمكان المودع أن يستثمر لحدود 4 % من وديعته في المشروع. وهذه النسبة يمكن أن ترتفع كلّما انخفض عدد المكتتبين. وعلى سبيل المثال، إذا كان عدد المودعين مليون مودع وأحجم نصفهم عن الاكتتاب في الشركة الجديدة، فذلك سيسمح تلقائياً برفع الحدّ الأقصى للاستثمار من 4 % ، إلى 8 % … وهكذا دواليك. وفيما تشير التقديرات إلى أن أصحاب الودائع المنخفضة لن يتحمّسوا لهكذا استثمار (أغلب هذه الودائع مرتبط بحسابات توطين رواتب، وبالتالي لا تملك الأموال للاستثمار أو أن أصحابها يثقون أن أموالهم لن تتأثّر بأيّ هيركات بسبب تدني قيمتها)، فإن التوقعات تتركزّ على أصحاب الودائع الكبيرة. على سبيل المثال، فإن مَن يملكون أكثر من مليون دولار في المصارف، يملكون 45 % من إجمالي الودائع، أي ما يقارب 45 مليار دولار. ومع افتراض أن نصفهم لا يهتمّ بهذا "المنتَج" بسبب عوامل عديدة، أبرزها عدم الثقة بنجاح المشروع، فإن إجمالي الودائع التي يمكن أن يهتم أصحابها بالمشاركة بالاكتتاب، سيصل ربما إلى 22,5 مليار دولار، أي أن نسبة الاكتتاب من أصل الوديعة يمكن أن يصل إلى 20 % ، لكنها لن تصل إلى نسبة 2 % من كلفة المشروع. وإذا كان عدد الذين يملكون أكثر من 100 مليون دولار هو 17 مودعاً يملكون 3.8 مليارات دولار، فإن نسبة العشرين % تصل إلى ما يقارب مليار دولار، أي أن كل مودع من المودعين الـ17، يدفع ما معدّله 58 مليون دولار، وهو ما يساوي 1.5 % من مجمل كلفة المشروع.

هذه الحسبة قد تتغيّر في حال الموافقة على اقتراح فرنجية استثناء الضمان الاجتماعي والنقابات الكبرى من الآلية، بحيث يُسمَح لها باستثمار مبالغ أكبر (بعد معالجة مسألة ودائع الضمان بالليرة). علماً أن عيّاط تفتح الباب في دراستها أمام مساهمة مؤسسات دولية في المشروع (عبر أموالها في لبنان)، بما يشكّل ضمانة إضافية لحُسن التنفيذ وتحقيق المشروع لأهدافه.

وفيما ينص الاقتراح على منْع السياسيين وأصحاب المصارف والمساهمين فيها من المشاركة في الاكتتاب، تشير عياط إلى أن دراستها تُحدِّد المساهمة ربطاً بحجم الودائع في كل مصرف. فإذا كان أحدها يملك 10 % من الودائع على سبيل المثال، فعلى المصرف أن يؤمن 10 % من كلفة المشروع، بحيث يعرضه على المودعين كما لو أنه منتَج مصرفي. وفي حال عدم قدرته على تأمين هذه النسبة، تُزاد نسبة المصارف الأخرى.

جمعية المودعين ترفض أي هيركات

حماسة البعض للمشروع لم تنعكس على جمعية المودعين اللبنانيين. المتحدث باسمها، حسن مغنية، يعتبر أن هذا المشروع كان ليكون مفيداً لو كانت الظروف مختلفة. لكن في الوقت الراهن، يقول إن المودعين لا يمكن أن يؤيدوا المشروع: أوّلاً لأنهم يرفضون مصطلح "لولار" من أصله ولا يزالون يعتبرون أن من حقّهم الحصول على أموالهم كاملة من دون أي "هيركات". وبالتالي، فإن تأييد الاقتراح يعني تأييد الهيركات على أموالهم، وهو ما يرفضونه تماماً. وحتى مع افتراض المزيد من البراغماتية، لناحية تقبُّل أن الأموال المودَعة في المصارف لن تعود كاملة، فهل يجوز التسليم بهيركات يصل إلى ما بين 60 و66 % ؟ يسأل مغنية. وهل يجوز بعد سنتين من تضييع الوقت وتحميل الناس ثمن الانهيار أن يُطلب من المودعين خسارة ثلثَي أموالهم من دون حتى أن يكون ذلك جزءاً من خطة شاملة وبرنامج تعافي اقتصادي؟ وأكثر من ذلك، هل ثمّة مَن يضمن أن يحقّق المعملان أرباحاً في ظلّ استمرار الطبقة السياسية التي ساهمت في انهيار القطاع والبلد؟ وهل يمكن ائتمان هذه الطبقة على المزيد من المشاريع التي تشكّل أموال المودعين وقوداً لها؟ والأهم،      هل يأتي المشروع ضمن سياق خطّة جمعية المصارف والتي ترمي إلى وضع اليد على أملاك الدولة ومرافقها كآلية لإطفاء ديونها من دون تحمّل أي خسائر؟

على الرغم من تلك الملاحظات التي لا بد من مناقشتها قبل مناقشة التفاصيل التقنية، فإن مغنية لا يبدو رافضاً تماماً للفكرة. وهو إذ يكشف أن فرنجية سبق أن تواصل معه، بعد أن أبدت الجمعية اعتراضها على الاقتراح، يوضح أنه أبلغه بأنه إذا كان المشروع قابلاً للتنفيذ وقابلاً لوضع قطاع الكهرباء على السكة الصحيحة، فليكن الاكتتاب عاماً، لا محصوراً بالمودعين بوصفهم فئة يائسة يُتوقّع منها أن توافق على أيّ فرصة لتعويض الأموال التي خسرتها. وبذلك، يكون الاكتتاب العام متاحاً لأيٍّ كان، ولا بأس عندها أن يكون المودعون جزءاً من الفئات التي يحقّ لها الاكتتاب، وربما مع تخصيص سعر مختلف للأسهم التي يتم شراؤها عبر الأموال المودَعة.

رداً على هذه النقطة، تؤكد عياط أن الاكتتاب متاح للعموم فعلاً. فكل مَن يرغب بالاكتتاب من غير المودعين، يستطيع شراء شيك مصرفي والمساهمة في المشروع. مع ذلك، في معهد عصام فارس، الذي تعاون مع عياط لنشر الدراسة، ولاحقاً لفتح نقاش تقني واقتصادي في شأنها، إدراك كامل للإشكاليات التي يطرحها المشروع، كما أن عياط نفسها تؤكد أن المشروع قابل للنقاش، لاسيما في الأرقام المعروضة، لكن الأكيد أنه لا بد من التعامل معه كوحدة متكاملة؛ فعلى سبيل المثال، لا يمكن التركيز على الإنتاج وترك النقل أو التوزيع، كما لا يمكن التعامل مع البنود المتعلقة بالحوكمة بشكل انتقائي…

خيارات محدودة للهرب من العتمة

قبل ذلك، ثمّة مَن يدعو إلى التمعّن في المشهد المستمر منذ سنتين. حينها، كان الاحتياطي الإلزامي يساوي نحو 33 مليار دولار، فيما هو اليوم يساوي 13 ملياراً. وعليه، فإن العشرين مليار دولار أُهدرت خلال سنتين على دعم لا يصل إلى مستحقّيه، وعلى تهريب أموال لنافذين وسياسيين. وحتى بعد رفع الدعم، لا يزال مصرف لبنان يستعمل نحو 3 مليارات دولار سنوياً بدل الفيول الخاص بإنتاج الكهرباء (فيول لمؤسسة كهرباء لبنان ومازوت للمولّدات). وهذا يعني أنه يمكن خلال سنتين، إذا لم يُعتمد أيّ حلّ يخفّف نزيف الدولارات، أن يتوقّف البلد عن شراء الفيول ويطفئ المعامل بشكل كامل. وحتى تمويل البنك الدولي لاستجرار الغاز من مصر، إذا انطلق المشروع، لن يكون دائماً وهو محدّد بفترة سنتين، تبدأ بتأمينه 95 % من كلفة الاستجرار مع بدء المشروع، ثم تتراجع مع مرور الوقت لتتوقّف تماماً. 

أمام هذه المعطيات، يتم التعامل مع المشروع بوصفه حلاً ممكناً لأزمة قد تطول وتزداد. باختصار، تشير مصادر متابعة إلى أن الاقتراح، مهما تضمّن من ملاحظات، يُشكّل نقطة ضوء في هذه العتمة. وإذا سارت الأمور كما يجب، بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين، فإن ما يبدو اليوم مفرطاً في التفاؤل، قد يكون منطقياً بعد حين، فتحويل الـ1600 مليون دولار إلى أسهم اسمية في شركتَين تُنشآن باسم "Zahrani 2" و"Deir Ammar 2"، وتكونان جزءاً من شركة تسمى Gencos، يفترض أن يتبعه تكليف مجلس الإدارة الذي سيعيِّن شركة عالمية تقوم بنفسها بالتحضير للمناقصة وإطلاقها، تمهيداً لتوقيع عقد مع إحدى الشركات الدولية الأساسية في مجال تصنيع التوربينات (انسالدو، سيمنز، جي إي، ميتسوبيشي…) لإنشاء المعامل وتشغيلها وصيانتها وتأمين الطاقة لها لعشرين سنة. على أن تكون مالكة المعامل قد تعاقدت، بالتوازي، مع كهرباء لبنان لبيعها كامل إنتاجها وفق عقد PPA لعشرين سنة، بسعر يحدَّد وفقاً لعوامل عدة، منها: سعر الغاز، كلفة التشغيل والصيانة، أرباح المساهمين…

سعر الكيلوواط من 18 إلى 10 سنتات؟

تقنياً، يشير فرنجية إلى أن اقتراحه ينصّ على استحداث منصة غاز أمام كل معمل، فيما تشير دراسة عياط إلى تأمين إمداد الغاز لمعمل دير عمار من مصر، مقابل بناء محطة تغويز في الزهراني (Gas To Grid). بالنتيجة، وفي الحالتَين، يبقى الهدف تأمين حاجة لبنان الرئيسية (Base load) من الكهرباء بالاعتماد بشكل كلي على الغاز. في المقابل، تتم إيقاف كل المعامل القديمة عن الشبكة (الزوق القديم، الجية القديم، بعلبك، صور والحريشة) ويتركز إنتاج كهرباء لبنان في معملي دير عمار 1 (430 ميغاواط) والزهراني 1 (420 ميغاواط)، إضافة إلى معملي الزوق (157 ميغاواط) والجية (66 ميغاواط) الجديدَين والمعامل المائية (88 ميغاواط)، بما يسمح بتأمين كهرباء لبنان لنحو 1000 ميغاواط من معاملها من أصل 3000 ميغاواط تشكل متوسط حاجة لبنان السنوية.

بحسب الدراسة، فإن الكلفة النهائية لإنتاج الكيلوواط الواحد ستنخفض من 18.2 سنتاً قبل الأزمة (متوسط سعر الكيلوواط من كهرباء لبنان والمقدَّر بـ14.4 سنتاً ومن المولّدات الخاصة والمقدر بـ24 سنتاً)، إلى 10.2 سنتات بعد إنشاء المعملَين. إذ تتوقّع أن تبلغ كلفة إنتاج الكيلوواط في المعملَين 9.3 سنتات، مقابل 12 سنتاً من معامل كهرباء لبنان (بعد ضبط الهدر). ومع اعتماد كمية 3000 ميغاواط في الحالتين، فإن الدراسة تتوقّع أن تنخفض الكلفة من 4793 مليون دولار إلى 2681 مليوناً، أي بتوفير يقدَّر بـ2113 مليون دولار على الدولة.

والأمر نفسه ينسحب على الفاتورة التي يدفعها المشتركون للحصول على 3000 ميغاواط من الطاقة. فبدلاً من 23 سنتاً كان يدفعها هؤلاء كمعدَّل لسعر الكيلوواط، ستنخفض بعد إنجاز المشاريع الجديدة إلى 15 سنتاً، بما يجعل مجموع ما يدفعه المستهلكون على الكهرباء ينخفض من 6.044 مليارات دولار إلى 3.942 مليارات، بتوفير يبلغ 2.1 مليار دولار.

باختصار، تقول عياط إن كلفة الكيلوواط عبر المولدات الخاصة، التي تحولت إلى المصدر الأول للكهرباء، تصل حالياً إلى 40 سنتاً في بعض المناطق، وهذه الكلفة المرتفعة تعني أن الكهرباء لم تَعُد متوفّرة لكل الطبقات الاجتماعية، في حين أن تخفيض الكلفة إلى 15 سنتاً، سيُساهم عملياً في عودة العجلة الاقتصادية، كما يسمح مجدداً بأن تكون الكهرباء خدمة عامة، خاصة وأن الدراسة تنصّ على دعم الشرائح الدنيا من المستهلكين. ومع مُضيّ الوقت، وازدياد الحاجة إلى الطاقة، يُتوقع أن ينمو الطلب بمعدّل 5 % سنوياً، لتصل الحاجة إلى 4400 ميغاواط في العام 2030. وهذه الحاجة، يفترض أصحاب المشروع أن يصار إلى تأمينها عبر استثمارات بالطاقة البديلة. علماً أن اقتراح فرنجية كان مبنياً أساساً على الاستعانة بالاحتياطي لبناء معامل على الطاقة البديلة، قبل أن يتبيّن أن المطلوب بدايةً تأمين حدّ أدنى من الاستقرار الطاقوي، عن طريق معامل تقليدية، خاصة أن الكثير من الجهات الدولية مستعدة لتمويل هكذا مشاريع.

ولأن شبكة النقل، كما شبكة التوزيع، غير قادرة على تأمين نقل هذه الكمية من الطاقة إلى كل لبنان، يشير الاقتراح إلى وجوب استثمار 200 مليون دولار في قطاع النقل ومثله في قطاع التوزيع، على أن تقتطع الـ400 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي. وعلى الرغم من أن الدراسة تشير إلى الأمر نفسه، إلّا أن الطرفين يؤكدان أن هذه الفقرة وضِعت انطلاقاً من عدم وجود أيّ جهة قادرة على تمويل مشاريع تعود ملكيتها للدولة. لكن مع ذلك، تؤكد عياط أنها أشارت إلى استعمال حقوق السحب على سبيل الاحتياط؛ فبنتيجة تواصلها مع البنك الدولي وصندوق النقد، سمعت كلاماً واضحاً عن الاستعداد لتمويل مشروع تطوير شبكتَي النقل والتوزيع، لكن بعد التأكد من إقرار القانون بوصفه مشروعاً إصلاحياً يرتكز على معايير الحوكمة الرشيدة. فشبكة النقل ستكون للدولة، وكذلك شبكة التوزيع، لكن مع تلزيم شركات محلية وربما بلديات، عملية الجباية، بالاعتماد على بطاقات مسبقة الدفع، لضمان دفع ثمن الطاقة المباعة.

أرقام غير دقيقة

أحد الخبراء الذين قرأوا الدراسة خرج بانطباع أن المشروع برمّته هو مشروع حالم وغير واقعي، لا من ناحية الأسعار ولا من ناحية خطة التنفيذ ولا من ناحية الأرباح المتوقعة. فعلى السبيل المثال، يؤكد أنه يستحيل إنجاز دفاتر الشروط خلال شهر واحد، كما يستحيل إجراء المناقصة خلال شهرين ثم الترخيص والتفاوض وتوقيع العقد خلال شهر واحد، أضف إلى ذلك صعوبة إنشاء المعمل خلال 30 شهراً. لكن عياط تؤكد، في المقابل، أن المهل وضعت بالتنسيق مع البنك الدولي وبالاعتماد على دراسات سبق أن أُعدَّت. وتشير إلى أن دفاتر الشروط كلها موجودة ولا تحتاج سوى إلى بعض التعديلات التي يمكن تنفيذها بسهولة خلال شهر. كما أن المناقصة يفترض أن تجريها الشركة الدولية التي تتعاقد معها شركة المعامل (بعد تعيين مجلس إداراتها). وفترة الشهرين هي فترة معقولة بالنسبة إلى كل الشركات العاملة في المجال.

كذلك، يشير المصدر إلى أن تقدير سعر الغاز بـ5.5 دولارات للمليون BTU هو أيضاً غير واقعي، وبالتالي فإن الإشارة إلى كلفة 9.2 سنتاً للكيلوواط، لا تبدو منطقية، خاصة أن التفاوض مع مصر حالياً يشير إلى أن التوجّه هو لتسعير الغاز بما بين 9 و10 دولارات للمليون BTU. لكن بالنسبة إلى عياط، فإن التسعير مبني أساساً على العرض الذي سبق لـ"سيمنز" أن قدّمته للدولة اللبنانية، والذي تشير فيه إلى استعدادها لتأمين النفط بكلفة تتراوح بين 7 و8 سنتات للكيلوواط. أما مسألة سعر الغاز، فتشير إلى أنها تضع سعراً تقديرياً وسطياً لعشرين سنة، وبالتالي فإن كان سعر الغاز مرتفعاً حالياً، فالتوقعات تشير إلى أنه قد ينخفض إلى ما دون الـ5 دولارات.

لا تنفي عياط أن إنجاز المشروع بالتعاون مع صندوق النقد، وضمن برنامج شامل سيزيد من الثقة به، ويسمح للمودع أن يكون على بيّنة بمصير أمواله قبل اتخاذ القرار. لكنها في المقابل، تؤكد أن لا شيء يمنع من البدء به طالما أن التمويل سيكون داخلياً. فالمشروع في النهاية ليس حلاً لأزمة المودعين، بل حلّ لأزمة الكهرباء، فيما يفترض أن يصار إلى إيجاد حلول للأزمة المصرفية، وللفجوة المالية التي تصل إلى 70 مليار دولار في مصرف لبنان.

بحسب المعلومات، فقد حصلت عياط على ملاحظات الإليزيه، كما على ملاحظات البنك الدولي وصندوق النقد، والجهات الثلاث أبدت تأييدها للمشروع، ووضعته في خانة الإصلاح. أما داخلياً، وعلى رغم أن ميقاتي لم يعلن بعد توجهه في ما خصّ المشروع، إلّا أن المعلومات تشير إلى أن فريقه الاقتصادي، إضافة إلى وزارة الطاقة وكهرباء لبنان، يعكفون على دراسة كل نواحي المشروع. أما على خط مجلس النواب، فبحسب المعلومات، أبدى الرئيس نبيه بري حماسته لاقتراح فرنجية، الذي وقّعه النائب علي حسن خليل أيضاً. وقد أُبلغ فرنجية أن اقتراحه سيمرّ بالخط السريع. أي يفترض أن يُعرض مباشرة على اللجان المشتركة للبت فيه. هناك، ليس واضحاً بعد إن كان ميقاتي سيقدّم تعديلاته على الاقتراح نفسه، أم أنه سيطلب استرداده لتقديمه كمشروع قانون يصدر عن الحكومة، لكن الأكيد أن ثمة من سيعترض على حصر مصادر الطاقة بدير عمار والزهراني.      وبالفعل، بدأ العاملون على المشروع يسمعون كلاماً عن رفض التيار الوطني الحر له، لأنه يُسقط معمل سلعاتا من خطط إنتاج الطاقة. وهو معمل يعتبره هؤلاء حجر الزاوية لأي خطة، لحسابات تتعلق بالمحاصصة الطائفية وضرورة توزيع مصادر الطاقة على المناطق.

لقراءة الاقتراح اضغطوا هنا