هل ينجح البرلمان في "نزع سلاح" المادة 751؟

لين أيوب

13/05/2025

انشر المقال

ورد على جدول أعمال جلسة مجلس النواب التشريعية المرتقبة الخميس المقبل في 15/5/2025، اقتراحا قانون، تقدّم بهما تسعة نوّاب في 22/3/2023، هم إبراهيم منيمنة وأسامة سعد وإلياس جرادة وبولا يعقوبيان وحليمة القعقور وسينتيا زرازير وفراس حمدان ومارك ضو وميشال دويهي، وأعدّهما ائتلاف استقلال القضاء لإعادة الانتظام العام للدولة. وكان عقد هؤلاء مؤتمرًا صحافيًا مشتركًا للإعلان عن هذه المبادرة التشريعية "في مواجهة تعطيل القضاء وممارسات الإفلات المعمم من العقاب".

وجاء هذان الاقتِراحان بمثابة ردّ على ممارسات انتهجتْها عدد من القوى السياسية والنافذة، وخصوصا في قضية المرفأ وقضايا الفساد المالي والمصرفي، لتعطيل أيّ ادّعاء يقدّم ضدّ أيّ من أعيانها من خلال استهداف الهيئة القضائية بسلسلة من دعاوى الردّ والمخاصمة، على نحو يلغي تمامًا أو على الأقل يعيق إمكانية المحاسبة ومعها حقوق الضحايا في التقاضي. 

الاقتراح الأول رمى إلى تعديل الفقرة الثانية من المادة 52 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة، بحيث نص على أنّ طلبات الردّ لا توقف السير بالدعوى أو أي من إجراءاتها أو التحقيقات فيها، إلّا إذا قرّرت المحكمة المختصّة ذلك في غرفة المذاكرة، 

أمّا الاقتراح الثاني فيرمي إلى تعديل الفقرة الأخيرة من المادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية المتعلّقة بمخاصمة الدولة عن مسؤوليتها عن أعمال القضاة، بحيث لا يجوز للقاضي المنسوب إليه سبب الدعوى، منذ تبلّغه صدور القرار بقبولها، أن يقوم بأي عمل من أعمال وظيفته يتعلَّق بالمدعي. وعليه، يُمكن للقاضي أن يُكمل النظر في الدعوى إلى حين صدور قرار بقبولها.

أهمّية الاقتراحيْن

وفي التفاصيل، وضمانا لحقوق الدّفاع، أتاح قانونا أصول المحاكمات المدنية والجزائية للمتقاضين إمكانية الطعن (التجريح) بالهيئات القضائية عن طريق دعاوى الردّ أو دعاوى نقل الدعوى على خلفية الارتياب المشروع. كما فتح لهم باب اللجوء إلى الهيئة العامة للطعن في القرارات المبرمة في حال ارتكاب خطأ جسيم أو في حال ثبوت الارتشاء. أمّا في الممارسة، فقد أضاءت التحقيقات في قضايا تفجير المرفأ والفساد المالي والمصرفي على خلل في الأحكام القانونية التي ترعى ممارسة حقوق الدفاع في هذا الشأن، من زوايا عدّة:

  • أولاً، أنه يفتح بابا واسعا للتعسّف باستعمال الحق بتقديم دعاوى مخاصمة الدولة من جراء أعماله على نحو قد يؤدي إلى تعطيل التحقيقات في دعاوى بالغة الخطورة. فدعاوى المخاصمة، لها مفاعيل تعطيلية فورية وتلقائية تمنع القاضي من القيام بأيّ إجراء ضدّ مقدّمها منذ تاريخ تقديمها إلى حين حسمها نهائيا، وذلك بمعزل عن مدى جدّيتها أو موقف الهيئة العامة لمحكمة التمييز المختصة النظر فيها. وقد بلغ التعسف أوجه مع فقدان الهيئة العامة نصابها بفعل بلوغ أغلب أعضائها (رؤساء غرف محكمة التمييز) سنّ التقاعد وتعطيل مجمل مشاريع التّشكيلات القضائيّة لتعيين بدائل عنهم، مما أدى عمليا إلى تعطيل التحقيقات موضوع المخاصمة إلى أجل غير مسمى. وهذا ما عبرت عنه المفكرة القانونية في مقالات عدة، أبرزها مقالها بعنوان "أزمة القضاء في تفاصيل كثيرة وعنوان كبير: المادة 751"، لتبرز كيفية تحوّل المادة المذكورة منذ بداية العام 2022 إلى سلاحٍ بإمكان أيّ مُتقاضٍ استخدامه لتعطيل القضاء وعمليًّا لنسف سلطته ودوره وتاليًا مبدأ فصل السّلطات برمّته. إذ بفعل هذه المادة، بات التعطيل امتيازًا لكلّ مدّعى عليه، مع ما يستتبع ذلك من تقويض للعدالة ومأسسة للإفلات من العقاب. وفيما صدرت التشكيلات القضائية لغرف محكمة التمييز في الأسبوع الماضي، يبقى أنه يتوجب الاستفادة من التجربة للحؤول دون تكرارها.  
  • ثانيا، أنه أبرز وجود مفاعيل قانونية متناقضة بين طلبات النقل (المنصوص عليها في المادة 340 من قانون أصول المحاكمات الجزائية) وطلبات الرد أو مخاصمة الدولة عن أعمال القضاة، بحيث أن طلبات النقل لا تؤدّي إلى كفّ يد القاضي المطلوب نقل الدعوى منه إلا بقرار صريح من المرجع النظر في طلب الردّ، وذلك بخلاف دعاوى المخاصمة والتي على العكس من ذلك تؤدّي إلى كفّ يد القاضي حتّى من دون إبلاغه إيّاها وبمعزل عن مدى جديّتها. وبنتيجة اختلاف هذه المفاعيل، آثر مدّعى عليهم في قضية تفجير المرفأ وقضايا المصارف تقديم طلبات ردّ ودعاوى مخاصمة لترتيب نتائج فورية لها علما أنّ الأسباب التي أثاروها في دعاويهم على فرض صحتها تدخل من الناحية النظرية ضمن أسباب دعاوى النقل أكثر مما هي أسباب ردّ أو مخاصمة للدولة،
  • ثالثا، أنّه نتيجة هذين المعطيين، بدا من الواضح أنّ ثمة اختلالا كبيرا في التوازن الضروري بين ضمان حق الدفاع والمصلحة العامة التي تفترض تمكين القضاء من إنجاز تحقيقاته في القضايا الجزائية واتخاذ مجمل القرارات المتصلة بها ضمن مهل معقولة. فكأنما القانون يخول أحد المتقاضين سواء كان مدعى عليه أو مدعيا أن يعطل بحجة الدفاع عن نفسه كل التحقيق ومعه حقوق الضحايا بالعدالة وحقوق الموقوفين والمدعى عليهم بالمحاكمة العادلة والحق العام أي مصالح المجتمع وأن يتسبب في ضياع الأدلة والحقيقة، وكلها نتائج عبثية تناقض تماما أسس النظام القضائي اللبناني. وقد شهد الرأي العامّ اللبناني بالعين المجردة كيف تحوّلت طلبات الرد والمخاصمة إلى سلاح تعطيلي لكلّ من يرغب بتعطيل أي دعوى مقامة ضده، وبخاصة في ظلّ الغرامات المنخفضة والضوابط القانونية شبه الغائبة لمنع التعسّف باستعمال هذه الدعاوى.

اقتراحات أخرى ذهبت في الاتجاه نفسه

يذكر أن قوى سياسية أخرى تقدمت باقتراحات مشابهة، بعضها أدرج على جدول أعمال الجلسة التشريعية نفسها. أهم هذه الاقتراحات الآتية: 

  • الاقتراح المقدّم من النائب زياد حواط في 02/08/2022 والرامي إلى تعديل أحكام المواد 119 و 125 و 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية،
  • الاقتراح المقـدّم من النواب بولا يعقوبيان، أشرف ريفي، بلال عبد الله، نبيل بدر ونعمة إفرام في 25/08/2022 والرامي إلى تعديل الفقرة الأخيرة من المادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية.

ومن اللافت أنّه تمّ إدراج هذين المقترحين، على الرغم من إعلان مقدّميهما سحبهما وفق سجلّات المجلس النيابي. ويلحظ أن بعض هؤلاء عادوا وقدموا اقتراحًا معدّلا حصر تعديل المادتين 125 و751 بالقضايا المحالة إلى المجلس العدلي ومنها قضايا المرفأ دون غيرها من القضايا كالمصارف والفساد. وقد كشفت هذه الانتقائية عن إرادة بعض الكتل تعطيل مفاعيل المادتين التعطيلية في القضايا التي يهمّها مواصلة التحقيقات فيها، مقابل لا مبالاتهم مع تعطيل التحقيقات التي لا تتناسب ربما مع أولوياتهم السياسية. 

هذا ويذكر أنّ كتلة نواب لبنان القوي تقدّمت باقتراح عادي لتعديل المادة 751، ذات مضمون مشابه لاقتراح النواب التغييرين. إلا أن هذا الاقتراح لم يدرج على جدول أعمال الجلسة.