اقتراح لتعزيز حماية المستهلك ضدّ البنود التعسفية: إرساء نظام غرامات إدارية
25/09/2025
أقرّت اللجان النيابية المشتركة في تاريخ 12/9/2025، اقتراح القانون الرامي إلى تعديل القانون رقم 659 تاريخ 5/2/2005 (قانون حماية المستهلك وتعديلاته) كما عدّلته لجنة الاقتصاد والتجارة في 25/10/2023.
وفي التفاصيل، تقدّم النائب فريد البستاني في تاريخ 3/3/2022، باقتراح القانون الرامي الى تعديل قانون حماية المستهلّك، وقد أحيل الاقتراح إلى لجنة الاقتصاد الوطني التي شكلّت بدورها لجنة فرعيّة لدراسته. وبالفعل درست هذه اللجنة برئاسة النائب البستاني الاقتراح على مدار 13 جلسات، وخلصت إلى التوصية بإقراره في تاريخ 7/9/2023، مع بعض التعديلات.
وتكمن أهميّة التعديل بحسب ما ورد في الأسباب الموجبة للاقتراح، في ضرورة معالجة الثغرات الموجودة في القانون الحالي، أيّ قانون حماية المستهلك رقم 659/2005، أبرزها عدم تمتع القانون بصيغته الحالية بأي قوّة ردعية فعليّة تسمح بحماية المستهلك بشكلٍّ جديّ ومعاقبة المخالفين، مما أدى إلى تكرار المخالفات، وعدم تحصيل حقوق المستهلك، بخاصّة في ظلّ الأزمات الاقتصاديّة الراهنة.
وعليه، يهدف التعديل إلى تحديث نظام الرقابة المتبع، وإنشاء نظام غرامات ماليّة إدارية فوريّة تضاف إلى العقوبات الجزائية المنصوص عليها في القانون الحالي، نظرا لعدم فعاليّة تطبيق العقوبات الجزائية نتيجة طول مدّة صدور الأحكام بحق المخالفين، إضافةً إلى عدم تأثير الغرامة الجزائية مقارنة بالأرباح التي تحققت خلال الفترة الممتدة بين تاريخ ارتكاب المخالفة المعاقب عليها وتاريخ صدور الحكم.
وقد عمد الاقتراح إلى تعديل عددٍ من أحكام القانون الحالي، منها بعض المهل الواردة في النصّ، واستبدال عبارة "المحترف" أينما وردت بعبارة "المصنّع و/أو المحترف"، عدّا عن زيادة ملاك مراقبي حماية المستهلك، و استحداث ثلاث مصالح للاقتصاد والتجارة في كلّ من محافظة عكار، ومحافظة بعلبك الهرمل ومحافظة كسروان الفتوح وجبيل.
نبدي في ما يلي ملاحظاتنا على أهمّ ما تضمنّه الاقتراح من تعديلات:
1- البنود التعسفيّة
عمد الاقتراح إلى تعديل الأحكام التي تحمي المستهلك من البنود التعسفيّة في اتجاه تعزيز هذه الحماية. فأُضيف بندٌ إلى المادة 19 المقترحة ينصّ على منع احتواء العقود التي تربط المحترف و/أو المصنّع بالمستهلك بنودًا تعسفيّة وفق أحكام المادة 26 من الاقتراح. وقد عدّل الاقتراح المادة 26 المذكورة، والتي تعرّف البنود التعسفيّة وتعدّد أمثلة عنها، على نحوٍ يوسع نطاق ما تشمله. ومن التّعديلات الطارئة على البنود التعسفيّة: "تنازل المستهلك عن أيّ من حقوقه المنصوص عليها في القوانين والأنظمة بما فيها حق التقاضي والاعتراض"؛ "منح المحترف و/أو المصنّع، بصورة منفردة، صلاحيّة تعديل، كلّ أو بعض أحكام العقد لا سيما تلك المتعلّقة بالثمن أو الفائدة أو تاريخ أو مكان التسليم". وقد شدّد التعديل على أنّ اعتبار البنود التعسفيّة باطلة بطلانا مطلقاً لا يحول دون توجّب التعويض وفق أحكام قانون الموجبات والعقود في حال ألحقت البنود التعسفيّة ضرراً بالمستهلك. إضافة إلى ذلك، عدّل الاقتراح المادة 55 من القانون التي تنصّ على حقوق المستهلك، على نحو يؤكدّ على ضرورة عدم تضمّن نموذج الاتفاق المعتمد بين المحترف والمستهلك على أيّة بنود تعسفيّة.
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى إيجابيّة تعديل البنود التعسفيّة وتأكيد منعها بهدف تعزيز مصالح المستهلكين وحمايتها من التعسّف، نظراً لكونها أحد أهم المبادئ التوجيهيّة الصادرة عن الأمم المتّحدة عام 2016 لحماية المستهلك، والتي أكدّت على ضرورة وضع شروط تعاقديّة عادلة (البند 14)، وحماية المستهلكين مـن التجاوزات التعاقدية، واستبعاد الحقـوق الأساسيـة في العقـود (البند 26).
2- الغرامات الإدارية
كما سبق بيانه أعلاه، عمد الاقتراح إلى إرساء نظام غرامات ماليّة إداريّة[1] تفرض من قبل مراقبي حماية المستهلك وتضاف إلى العقوبات الجزائية المنصوص عليها في القانون الحالي، مما يخوّل هؤلاء المراقبين فرض غرامات فوريّة على المخالفات المرتكبة من دون أن ينتقص ذلك من دور المحاكم في إقرار عقوبات جزائية على أساس المخالفة نفسها. وتطال هذه الغرامات الإدارية المخالفات التي لم تتسبب بإلحاق الأذى بالأشخاص أو وفاتهم والتي يمكن التحقّق منها عبر إجراءات التحقيق العادية دون ضرورة اللجوء إلى المحاكم. كما يربط الاقتراح قيمة الغرامة المفروضة على المخالف بقيمة البضائع المضبوطة لديه بدلاً من ربطها بنوع المخالفة ما من شأنه حماية التجار الصغار من الظلم. وفي هذا السياق، أرسى الاقتراح نظامًا كاملًا من الغرامات تقدّر من قبل المدير العام لوزارة الاقتصاد بحسب نوع المخالفات المنصوص عليها في مواد القانون بحيث تصنّف المخالفات ضمن ثلاث فئات تحدّد قيمة الغرامة الإدارية على أساسها. كما يكون للمخالف الاعتراض على الغرامات الإدارية خلال مهلة 15 يوما أمام القاضي المختص (ونفترض أنه القاضي المنفرد الجزائي)، وتضاعف الغرامة حكمًا في حال ردّ الاعتراض.
كما عدّل الاقتراح قيمة الغرامات الجزائية المنصوص عليها في القانون الحالي وربطها بقيمة الحدّ الأدنى للأجور الرسمي مما يسمح بالحفاظ على قوّتها الردعيّة في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة الراهنة وتدني قيمة الليرة اللبنانيّة. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن النائب محمد خواجة تقدّم بتاريخ 29/12/2022 باقتراح قانون معجّل مكّرر يرمي إلى تعديل الغرامات الجزائية المنصوص عليها في الفصل الخامس عشر من قانون حماية المستهلك، إلّا أنه لم يربطها بالحدّ الأدنى للأجور.
وقدّ شجعّت المبادئ التوجيهيّة الصادرة عن الأمم المتحدة لحماية المستهلك على اعتماد مثل هذه التدابير الإدارية لتمكين المستهلكين من الحصول على حقوقهم في وقت وجيز.
ونظام البدائل الإدارية للعقوبة الجزائية هو نظام اعتمده المشرّع الفرنسي في بعض المواضيع بخاصّة تلك الاقتصاديّة منها، من خلال منح جهات إداريّة صلاحيّة فرضّ غرامات إداريّة La dépénalisation du droit de la concurrence et de la consommation. فعلى سبيل المثال، يستطيع مجلس المنافسة الفرنسي المنصوص عليه في قانونٍ صادر عام 1986 بشأن حريّة الأسعار والمنافسة، وفي حال حصول ممارسات غير مشروعة، أن يفرض غرامة إداريّة.
يبقى أن نشير إلى أنّه وبالرغم من فعاليّة إرساء نظام غرامات إداريّة في ظلّ طول مدّة تطبيق العقوبات الجزائيّة، وأهميته لتخفيف العبء عن المحاكم، إلّا أنه يخشى أن تتحوّل الصلاحيّة الممنوحة للمدير العامّ لوزارة التجارة في تحديد وتخفيض الغرامات أو حتى إلغائها، إلى بابٍ للاستنسابيّة والمحسوبيّات.
3- تحذير من التدخل في عمل جمعيات المستهلك
أخيراً، نحذرّ من التعديل الوارد على المادة 69 من القانون التي تحدّد موجبات جمعيات المستهلك، والذي يوجّب على جمعيات المستهلك إيداع وزارة الاقتصاد والتجارة، سنوياً، نسخة عن ميزانيتها المدققة وتقريرا يتناول وسائل تمويلها والجهات الواهبة وغيرها من المستندات التي يحددّها وزير الاقتصاد والتجارة. الأمر الذي من شأنه أن يصبح وسيلة للتدخل في عمل هذه الجمعيّات وعرقلتها.
[1] J Calais Auloy « Les sanctions en droit de la consommation » in Mélanges B. Bouloc D. 2006 p.75
“Le respect de la règle dépend, pour une bonne part, des sanctions qui lui sont attachées. Le sens civique existe,certes, mais il se mélange souvent avec la crainte de la sanction, crainte qui, comme chacun sait, est le commencement de la sagesse”.