جلسة 21 تشرين الأول الحكمية: هل يستمرّ تعطيل عمل البرلمان؟
14/10/2025
تنص الفقرة الثانية من المادة 44 من الدستور على ضرورة انتخاب أمينين للسرّ"عند افتتاح عقد تشرين الأول من كل عام"، بينما تنص المادة 3 من النظام الداخلي لمجلس النواب على ضرورة انتخاب ثلاثة مفوضين أيضا عند افتتاح عقد تشرين أي في الجلسة ذاتها التي يتمّ فيها انتخاب أمناء السرّ. كذلك تنصّ المادة 19 من النظام الداخلي على التالي: "في بدء دورة تشرين الأول من كل سنة يعمد المجلس إلى انتخاب لجانه الدائمة".
وهكذا يتبين أن رئيس مجلس النواب نبيه بري ملزم بدعوة المجلس إلى هذه الجلسة الحكمية عند افتتاح عقد تشرين الأول أي وفقا للمادة 32 من الدستور "يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول" الذي يقع هذا العام في 21 تشرين الأول المقبل.
ولا بد من التذكير أن مكتب المجلس الحالي تم التمديد له نظرا لفشل مجلس النواب في 22 تشرين الأول 2024 من الاجتماع لانتخاب أمناء السر والمفوضين واللجان النيابية. وجاء هذا الفشل بسبب عدم توفر النصاب بسبب توافق الكتل النيابية حينها على مقاطعة الجلسة في ظلّ العدوان الإسرائيلي على لبنان من أجل تجنّب النقاش السياسيّ. وعلى الرغم من أن مجلس النواب تمكّن من الاجتماع لاحقًا بعد زوال ذريعة ظروف الحرب لكنه لم يعمد إلى انتخاب أعضاء مكتبه، وهو موجب يفرضه الدستور بالنسبة لأمناء السر، بينما كان من المفترض إجراء هكذا انتخاب في أول جلسة يتمكن البرلمان خلالها من الانعقاد، لأن التمديد يستمر طيلة الظروف الاستثنائية وبمجرد زوال هذه الأخيرة يتوجب العودة إلى الأصول الدستورية العادية.
لكن ما يفاقم الخلل في الجلسة الحكمية المرتقبة هو رفض رئيس مجلس النواب إحالة القوانين التي صدق عليها البرلمان في جلسة 29 أيلول المنصرم إلى الحكومة من أجل إصدارها بحجة عدم تصديق خلاصة المحضر في نهاية تلك الجلسة ما دفع بنائب رئيس المجلس إلى الإعلان أن هذه القوانين باتت مجمدة، وهو الأمر الذي دحضته المفكرة القانونية في مقال لها حول هذه القضية.
وهكذا يتبين أن على رئيس المجلس طرح خلاصة محضر الجلسة السابقة على الهيئة العامة من أجل تصديقها في مستهل جلسة 21 تشرين الأول الحكمية عملا بالمادة 59 من النظام الداخلي التي تنص على التالي: "تصدق خلاصة محضر كل جلسة في مستهلّ الجلسة التي تلي، إلا إذا رأت الرئاسة أنّ المقرّرات التي اتّخذت تستوجب التصديق في نهاية الجلسة، حينئذ يصدق المحضر في ختام الجلسة". وبما أن رئيس المجلس يدّعي أن خلاصة المحضر لم تصدق في ختام الجلسة التشريعية الأخيرة لا بدّ عليه من عرضها على تصديق المجلس في مستهل الجلسة الحكمية المقبلة كونها أول جلسة يعقدها مجلس النواب.
وما يضاعف من ضرورة هذا الأمر هو أن الفقرة الثانية من المادة 59 من النظام الداخلي تنص على الحالات التي لا بد فيها من التصديق على خلاصة المحضر في نهاية المجلس وفقا للتالي:
"يجب التصديق على خلاصة المحضر في نهاية الجلسة في الحالات الآتية:
- عندما يصدق المجلس على مشروع أو اقتراح قانون معجل مكرر.
- في الجلسة الأخيرة من العقود العادية أو الاستثنائية.
- في الجلسة الأخيرة من ولاية المجلس.
- في جلسات الثقة بالحكومة.
- وفي الحالات التي تقررها الأكثرية".
وبما أن جلسة 29 أيلول كانت آخر جلسة من العقد الاستثنائي الحالي كان من المفترض على رئيس المجلس إما التصديق على ملخض المحضر في ختام الجلسة أو دعوة مكتب المجلس للتصديق عليها عندما أدرك أن المجلس لن يجتمع طوال الفترة المتبقية من العقد الاستثنائي عملا بالمادة 60 من النظام الداخلي التي تنص على التالي: "إذا لم يحصل التصديق على خلاصة المحضر وفقاً للمادة السابقة لأي سبب كان وتعذر اجتماع المجلس إما لعدم اكتمال النصاب في الجلسة التالية أو لانتهاء العقد أو لانتهاء ولايته، تجتمع هيئة مكتب المجلس وفقًا للأصول المعيّنة لاجتماع اللجان وتصدّق على المحضر". وهو الأمر الذي تمنع رئيس المجلس عن القيام به عبر رفضه دعوة مكتب المجلس للتصديق على خلاصة المحضر.
ولا يمكن لرئيس المجلس التذرّع بأن الجلسة الحكميّة المقبلة ليست تشريعيّة كون التصديق على خلاصة محضر الجلسة السابقة لا علاقة له بجدول أعمال البرلمان بل هو مرتبط بسيادة المجلس النواب على نفسه كون كل أعمال المجلس لا تعتبر نافذة إلا بعد التصديق على خلاصة المحضر، أي أن التصديق لا يتعلق بطبيعة البنود التي جرى إقرارها وهي غير مرتبطة بجدول أعمال الجلسة التالية.
وما يؤكد هذا الأمر هو أن مجلس النواب سبق له وأن صدق على خلاصة محضر جلسة سابقة في مستهل جلسة مخصصة لانتخاب مكتب المجلس. ففي جلسة 21 تشرين الأول 1951 أعلن رئيس السن جورج زوين التالي:
"الرئيس: فتحت الجلسة.
لتتلى خلاصة محضر الجلسة السابقة.
فتلا أمين السر خلاصة محضر الجلسة السابقة:
رئيس السن ـ هل من ملاحظة على صحة خلاصة المحضر.
-سكوت-
رئيس السن ـ صدق المحضر".
وعادة لا يحتاج المجلس إلى التصديق على خلاصة المحضر في مستهل جلسة انتخاب مكتبه كون تلك الجلسة تكون أول جلسة من العقد الجديد، ما يعني أن البرلمان سبق وله وأن صادق على خلاصة آخر جلسة له في ختام الجلسة نفسها كونها تعتبر الجلسة الأخيرة في العقد المنتهي.
جراء ما تقدم، يصبح جليا أن رئيس مجلس النواب ملزم ليس فقط بدعوة مجلس النواب إلى الجلسة الحكمية المقبلة، لكنه ملزم أيضا بطرح التصديق على خلاصة محضر جلسة 29 أيلول في مستهل تلك الجلسة، وإلا يكون يخالف ليس فقط النظام الداخلي بشكل متعمد، بل يعمد أيضا إلى مصادرة قرار البرلمان وضرب طبيعة هذا الأخير الديمقراطية ورهنه بالكامل إلى مشيئته الاعتباطية.