93 نائباً يعترضون على إبرام الحكومة لاتفاقية الترسيم مع قبرص

إيلي الفرزلي

13/12/2025

انشر المقال

اتفاقيّة التّرسيم مع قبرص… من يُبرمها؟ كان هذا عنوان المقالة التي نشرتها المفكرة القانونية في 29/11/2025. وهو سؤال لا تزال الإجابة عليه عالقة. فبعد قرار مجلس الوزراء رقم 22، الصادر في 23/10/2025، الموافقة على مشروع الاتفاق بين لبنان وقبرص وتفويض وزير الأشغال بالتوقيع عليه، وبعد أن تضمّن القرار الموافقة على مشروع مرسوم يرمي إلى إبرام الاتفاق المذكور، تمّ إنجاز الشق الأول من القرار، أي توقيع وزير الأشغال الاتفاقية باحتفال شارك فيه الرئيسان اللبناني والقبرصي. لكن الشقّ الثاني لا يزال عالقاً، فالحكومة لم تبرم الاتفاق بعد، كما قرّرت، علماً أن هكذا إبرام يتضمّن إشكالات دستورية وقانونية عديدة، أو على الأقل آراء متباينة بشأن قانونيته، انطلاقاً من سؤال أساسي: هل يحتاج إبرام الاتفاقية إلى موافقة مجلس النواب أم لا؟

إجابة الحكومة، بحسب قرارها، هي: لا. وهي بالرغم من أنّها لم تبرم القرار بعد، إلا أنها أكّدت صلاحيتها بذلك، في قرارها المستند إلى استشارة هيئة التشريع والاستشارات رقم 751/2025، تاريخ 28/8/2025.

أما من يؤكدون الحاجة إلى إجازة بالإبرام من مجلس النواب، فلديهم خياران:

  • إما الطعن أمام مجلس شورى الدولة، انطلاقاً من أن المعاهدة بحاجة إلى إجازة بالإبرام من مجلس النواب عملاً بالمادة 52 من الدستور. وعلى مجلس الشورى أن يقرر ما إذا كان مختصاً بالبتّ بالطّعن من عدمه. وفي هذه الحالة لا بدّ أن تكون الجهة الطاعنة ذات مصلحة (جمعيات تعنى بالثروة البحرية على سبيل المثال).
  • إما تقديم سؤال للحكومة. وهو مسار دستوري سياسي، يفترض أن يشكل ضغطاً على الحكومة على الأقلّ وقد يصل إلى سحب الثقة بها، وهو أمر غير وارد سياسياً. لكن بغض النظر عن النتيجة، فقد شهد المجلس النيابي، هذا الأسبوع، تقديم ثلاثة أسئلة نيابية إلى الحكومة، موقّعة من قبل 26 نائباً، يمثلون أغلب الكتل النيابية بما فيها تلك الممثلة في الحكومة أو المؤيدة لها، مثل القوات، أمل، حزب الله، الكتائب، والنواب التغييريين ومستقلين. الأسئلة الثلاثة تركز على مسألة مخالفة الحكومة لأحكام المادة 52 من الدستور، التي تشير إلى وجوب الحصول على موافقة مسبقة من مجلس النواب قبل إبرام اتفاقية دولية تتعلق بسيادة الدولة وماليتها وتحديد مصالحها. 

السؤال الأول: 23 نائباً يؤكدون تجاوز قرار الحكومة للمادة 52 من الدستور

السؤال الأول مقدم من 23 نائباً هم: نجاة عون، أسامة سعد، سليم الصائغ، حسين الحاج حسن، جميل السيد، ميشال معوض، بولا يعقوبيان، سيزار أبي خليل، سليم عون، أشرف ريفي، سجيع عطية، محمد خواجة، حليمة قعقور، سينتيا زرازير، إبراهيم منيمنة، بلال الحشيمي، ياسين ياسين، وضاح صادق، مارك ضو، ميشال دويهي، إلياس جرادة، أديب عبد المسيح، فراس حمدان وملحم خلف. ويطلب الإجابة على سؤال: لماذا تخطّت الحكومة المجلس النيابي وخالفت أحكام المادة 52 من الدستور بإبرام معاهدة ترسيم البحرية قبل عرضها عليه والحصول على موافقته المسبقة، وذلك خلافاً للدستور ولمبدأ فصل السلطات وأصول الرقابة البرلمانية على المعاهدات؟ وفي الحيثيات، أشار السؤال إلى أن مجلس الوزراء أصدر في 23/10/2025 القرار رقم 22، متجاوزاً موافقة المجلس النيابي ومخالفاً أحكام المادة 52 من الدستور، للأسباب التالية: 

  • الاتفاق يعتبر من المعاهدات التي لا تقبل الفسخ سنة فسنة.
  • يتعلق بصورة مباشرة بالسيادة الوطنية والحدود البحرية للجمهورية اللبنانية.
  • ينشئ آثاراً مالية واقتصادية نتيجة تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان.
  • إن إيداعه لدى الأمم المتحدة قد يرتّب اعتداداً به تجاه الغير.
  • الإبرام يخالف رأي وزارة الخارجية وهيئة الاستشارات والتشريع. فالأولى أكدت أن الاتفاق هو معاهدة دولية تفرض الأصول موافقة مجلس النواب عليه قبل إبرامه، والثانية أشارت إلى أن الاتفاقية الحالية هي معاهدة دولية بمفهوم المادتين 52 و65 من الدستور وليست مجرد مذكرة تفاهم، وأن المعاهدة تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة، والمعاهدات، وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب. (قراءة الحكومة للاستشارة مختلفة، وهي اعتبرت أنها تؤكد عدم الحاجة إلى إجازة مجلس النواب، علماً أن رئيسة الهيئة نفسها جويل فواز كانت أكدت للمفكرة القانونية على هذا التفسير وأصرّت أن الاتفاقية لا تحتاج إلى موافقة مجلس النواب). 

السؤال الثاني: المجلس سبق أن وافق على توقيع 6 اتفاقيات مع قبرص

السؤال الثاني مقدم من النائب علي حسن خليل: لماذا تلكّأت الحكومة عن القيام بالواجب الملقى على عاتقها لإحالة مشروع الاتفاق إلى المجلس النيابي للاستحصال على إجازة لإبرام الاتفاق بين الجمهورية اللبنانية وجمهورية قبرص بشأن ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة؟

وفي سرده للوقائع، يعود السؤال إلى نشأة الجمهورية اللبنانية، معتبراً أن الحكومات اللبنانية منذ ذلك الحين دأبت على إحالة مشاريع القوانين إلى مجلس النواب لنيل الإجازة من السلطة التشريعية على توقيع الاتفاقيات الدولية عملاً بالمادة 52 من الدستور، وقد بلغ عدد القوانين التي أصدرها مجلس النواب منذ عشر سنوات فقط، أي منذ العام 2015، والتي تجيز إبرام اتفاقيات دولية 111 قانوناً. ومن ضمنها الإجازة بإبرام ست اتفاقيات مع الجمهورية القبرصية، كان آخرها الموافقة على إبرام مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال مكافحة حرائق الغابات بين لبنان وقبرص.

ولم تكن اتفاقية الترسيم مع قبرص من بين الاتفاقيات التي أجاز مجلس النواب للحكومة إبرامها مع الجانب القبرصي. وبما أن المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بماليّة الدولة والمعاهدات التجاريّة وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، لا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب، فإنّ هذه الاتفاقية تلقي التزامات مالية على لبنان وتخلو من أي نص يجيز فسخها سنة فسنة، وبالتالي فإن إبرامها معلق على موافقة السلطة التشريعية. وهو ما تؤدي إليه هيئة التشريع والاستشارات، في الاستشارة رقم 170/1999 (في حال تضمّنت الاتفاقية أنها تقبل النقض من جانب أي من طرفيه بموجب إشعار مسبق فإنه لا يحتاج إلى موافقة مجلس النواب). 

وجاء في السؤال أن الحكومة التبس عليها مفهوم إبرام الاتفاقيات الدولية، المقصود به إعطاؤها الصفة الإلزامية على الصعيد الداخلي من السلطة الدستورية المختصة. وبحسب المادة 52، فإن الإبرام في الاتفاقيات الدولية التي تشترط موافقة مجلس النواب هو المرحلة الثانية لصدور قانون الإجازة وليس سابقاً لها. وبالتالي، يمكن القول إنه يخشى ألا يترتب على الاتفاقية مفاعيل قانونية لجهة إلزام الدولة بها على الصعيد الداخلي والدولي إلا بعد اكتسابها هذه الصفة الإلزامية في القانون الداخلي بفعل إبرامها. خاصة أنه ينتج عند التوقيع أن الدولة تعهدت بموجب اتفاق دولي تفوق قوته الإلزامية قوة قوانينها الداخلية كافة، حتى الدستورية منها، تعهدت بتحديد حدودها الدولية مع دولة أخرى بغياب الإجازة من السلطة التشريعية.

السؤال الثالث: تخطّي مجلس النواب يشكل انتهاكاً للسيادة

السؤال الثالث مقدم من النائبين بيار بو عاصي وجورج عقيص. وقد استند إلى كون الاتفاقية هي من المعاهدات التي لا تقبل الفسخ سنة فسنة، وتتعلق بصورة مباشرة بالسيادة الوطنية والحدود البحرية للجمهورية اللبنانية، وتنشئ آثاراً مالية واقتصادية نتيجة تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، إضافة إلى كون إيداعها لدى الأمم المتحدة قد يرتّب اعتداداً بها تجاه الغير ومن قبلهم.

وبناء عليه، تفرّع عن السؤال الأساسي عدد من الأسئلة، هي:

  • كيف تجاوز مجلس الوزراء الترخيص التشريعي الواجب الاستحصال عليه قبل إبرام الاتفاقية موضوع السؤال، لاسيما أن هذه الاتفاقية الدولية تتعلق بسيادة الدولة وماليتها وبتحديد مصالحها ولا يجوز فسخها سنة فسنة؟
  • لماذا خالفت الحكومة أحكام المادة 52 من الدستور بإبرامها الاتفاقية المشار إليها قبل استحصالها على الترخيص المسبق بالإبرام من مجلس النواب، خلافاً لرأي وزارة الخارجية اللبنانية ورأي هيئة التشريع والاستشارات؟
  • لماذا خالفت الحكومة أحكام الفقرة هـ من مقدمة الدستور التي تنص على فصل السلطات؟
  • لماذا صادرت الحكومة صلاحية مجلس النواب بممارسة الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة خلافاً لأحكام الدستور والمبادئ الدستورية العامة؟

وفي إشارة لافتة، اعتبر السؤال أن التشريع الذي يمارسه مجلس النواب بالترخيص بإبرام الاتفاقيات الدولية إنما يتصل بالسيادة الوطنية المرتبطة بالحفاظ على الأراضي التي تشكل قاعدة هذه السيادة، وبالتالي فإن حرمان المجلس من البتّ بمسألة تدخل ضمن اختصاصه يعدّ انتهاكاً لهذه السيادة، وهذا ما استقرّ عليه اجتهاد المجلس الدستوري، لا سيما في قراره رقم 2/2001 تاريخ 10/5/2001.

هل تستطيع الحكومة تجاوز ثلثي أعضاء المجلس النيابي؟ 

الأسئلة الثلاثة طالبت بتطبيق المهلة الدستورية المحددة بعشرة أيام والمنصوص عليها في المادة 124 من النظام الداخلي لمجلس النواب، تحت طائلة تحويل الأسئلة إلى استجوابات.