مشروع الحكومة لتعديل قانون الانتخابات
17/11/2025
أحال رئيس الجمهورية بموجب المرسوم رقم 1832 الصادر بتاريخ 17 تشرين الثاني 2025 "مشروع قانون معجل" من أجل تعديل قانون الانتخابات الصادر سنة 2017. وقد حمل هذا المرسوم إضافة إلى توقيع رئيس الجمهورية تواقيع كل من رئيس الحكومة ووزراء المالية والداخلية والخارجية والعدل.
وكان مجلس الوزراء قد أقرّ بتاريخ 6 تشرين الثاني المنصرم هذا المشروع في ظلّ احتدام الخلاف السياسي بين الأحزاب المهيمنة على مجلس النواب من أجل تعليق العمل بالمقاعد الستّة المخصصة لغير المقيمين والسماح للمغتربين بالاقتراع للنواب في الدوائر الانتخابية داخل لبنان. وكانت المفكرة القانونية قد شرحت في مقال خاص تفاصيل مشروع القانون منتقدة صياغته القانونية الملتبسة التي تعكس منطق التسويات الذي يطغى على عمل المؤسسات الدستورية في لبنان.
لكن التدقيق في نص مرسوم الإحالة يظهر وجود اختلاف مهم بين النسخة التي جرى توزيعها بعد إقرار المشروع في مجلس الوزراء والنسخة المرفقة بمرسوم الإحالة الذي تأخر صدوره كما قيل بسبب ضرورة الحصول على تواقيع الوزراء المختصين، الأمر الذي تطلب بعض الوقت. المشروع وفقا للصيغة التي تناقلتها وسائل الإعلام عقب جلسة مجلس الوزراء أشارت في العنوان أن المشروع اتخذ صفة "المعجل المكرر" بينما مرسوم الإحالة أشار في عنوانه أن المشروع هو معجل فقط وهو ما يظهر أيضا في عنوان المشروع المرفق ربطا بالمرسوم الذي يصف مشروع القانون بالمعجل.
لذلك كان لا بدّ من إبداء الملاحظات التالية نظرا لتداعيات هذا الاختلاف على المسار الدستوري لمشروع القانون:
أولا: تبنى مرسوم الإحالة الموقف الذي عبرت عنه المفكرة القانونية في المقال المذكور إذ هي دعت إلى إحالة القانون بصفة المعجل وليس بصفة المعجل المكرر كون المشاريع المعجلة تجد سندها في المادة 58 من الدستور ما يعني أنها صلاحية دستورية تتمتع بها السلطة التنفيذية، بينما الاستعجال المكرر هو مجرد تدبير يلحظه النظام الداخلي ولا مفاعيل فعلية له سوى منح رئيس مجلس النواب الصلاحية الاستنسابية بطرح المشروع المعجل المكرر على أول جلسة يعقدها مجلس النواب عملا بالمادة 109 من النظام الداخلي.
ثانيا: في حال كان هدف الحكومة من تبني مشروع القانون هو استخدام الصلاحية الدستورية المحفوظة لها في المادة 58 من الدستور حول المشاريع المعجّلة، لا بدّ من التنبيه أنّ ذلك يتطلّب عملا بتلك المادة الحصول على موافقة مجلس الوزراء على صفة العجلة، ما يعني أن إحالة المشروع بصيغة المعجل بينما مجلس الوزراء وافق عليه فقط بصيغة المعجل المكرر يجعل من مرسوم الإحالة مخالفا للدستور. فالمادة 58 من الدستور تجيز لرئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء وضع مشروع القانون المعجّل -الذي سبق وأن أقرّته الحكومة بصيغة المعجّل صراحة- موضع التنفيذ بموجب مرسوم في حال لم يبتّ به مجلس النواب خلال مدة 40 يوما تلي وضعه على جدول أعمال جلسة عامة للبرلمان وتلاوته فيها. وبالتالي لا يمكن تعديل صفة العجلة من دون موافقة مجلس الوزراء الواضحة على ذلك. فهل النسخة الأولى التي نشرت لمشروع القانون بصيغة المعجل المكرر كانت خاطئة والمشروع تمّ إقراره كمعجل منذ البداية؟ أو أن المشروع أقرّ في مجلس الوزراء بصيغة المعجّل المكرّر ومن ثم جرى تعديله كي يصبح معجلا لكن من دون موافقة مجلس الوزراء؟ ففي الحالة الثانية يكون المشروع مخالفا للدستور ولا يمكن التذرع بالمادة 58 من هذا الأخير لوضعه موضع التنفيذ بموجب بمرسوم.
ثالثا: الأمر الذي يفاقم من الالتباس هو أن المشروع جاء بمادة وحيدة ما يشي بأن نية الحكومة كانت منصرفة إلى اعتماد مشروع قانون معجل مكرر. لكن مرسوم الإحالة بقوله في العنوان أن المشروع هو معجل لم يساهم في توضيح حقيقة الوضع الدستوري للمشروع لأنه جاء خاليا في بناءاته من الإشارة إلى المادة 58 من الدستور. فمشاريع القوانين المعجلة كانت دائما تصاغ على الشكل التالي: "إن رئيس الجمهورية، بناء على الدستور لا سيما المادة 58…" بينما مرسوم الإحالة الحالي صدر من دون الإحالة إلى المادة 58 وهو أمر مستغرب. لذلك كان على مرسوم الإحالة أن يشير بوضوح أن الهدف منه هو إحالة مشروع قانون معجل تطبيقا للمادة 58 من الدستور، علما أن المادة 107 من النظام الداخلي تنص على واجب رئيس مجلس النواب بإحالة مشروع القانون المعجل المتخذ عملا بالمادة 58 من الدستور فور وروده إلى اللجنة أو اللجان المختصة "التي يتوجب عليها درسه ووضع تقرير بشأنه خلال مهلة أقصاها خمسة عشر يوما من تاريخ طرح المشروع على المجلس. فالنظام الداخلي لمجلس النواب يعرف اقتراحات القوانين العادية والمعجلة المكررة كما يعرف المشاريع المعجلة عملا بالمادة 58 من الدستور والمشاريع المعجلة المكررة، لكنه لا يعرف "المشاريع المعجلة" التي لا علاقة لها بالمادة 58 أو لا يحتوي على أي تعريف دقيق لها كما شرحته المفكرة القانونية في الورقة البحثية الخاصة بالنظام الداخلي لمجلس النواب.
في الخلاصة، يتبين أن مرسوم الإحالة ينطوي على نقاط غامضة ستفاقم من الخلل الدستوري في كيفية مقاربة هذه المسألة، وهو أمر سيؤدي من دون ريب إلى تهديد حقوق المواطنين وتعريضهم أكثر لاعتباطية القرار السياسي.