اقتراح الزيارات الميدانية للجان البرلمانية: هل هو تعزيز لدور المجلس الرقابي؟
18/11/2025
تقدم النواب ياسين ياسين وبولا يعقوبيان وحليمة القعقور بتاريخ 23 تشرين الأول 2025 باقتراح لتعديل المادة 32 من النظام الداخلي لمجلس النواب.
ويهدف الاقتراح إلى إضافة فقرة جديدة على هذه المادة تتعلّق بالزيارات الميدانيّة للجان النيابيّة إذ تنص على أنّه "يحقّ للجان النيابيّة القيام بزيارات ميدانيّة سواء في إطار متابعة سير القطاعات الداخلة في اختصاصاتها، أو في معرض دراستها لموضوع محدد. ويراعى في هذه الزيارات طلب حضور الوزراء المعنيين والموظفين المختصين."
وينص الاقتراح أيضًا على أنّ "تضع اللجنة تقريرًا خلال مهلة أسبوع يلي الزيارة، تضمّنه نتيجة أعمالها وتوصياتها، وتعرضه على اللجنة لدرسه وإحالة التوصيات عبر الرئاسة إلى الوزارات والإدارات المختصة".
أمّا في الأسباب الموجبة، يعتبر مقدمو الاقتراح أنّه يدخل من ضمن صلاحيات اللجان النيابيّة "مناقشة ومساءلة الوزراء المعنيين في أمور تدخل ضمن اختصاص اللجنة"، حيث اعتادت اللجان على القيام بزيارات ميدانيّة في إدارات الدولة ومؤسساتها وكان لهذه التجربة "صدىً قويًّا ودورًا فعّالا في تمكين اللجان النيابيّة من الإطلاع الميداني على أداء إدارات ومؤسسات الدولة ومشاكلها، وبالتالي المساهمة في إيجاد الحلول المناسبة".
بالتالي، "يقتضي مأسسة هذا النمط من النشاط الرقابي للجان النيابيّة، وتحديد آلياته ومخرجاته بما يؤمّن تحسين وتطوير سبل المحاسبة والمساءلة النيابيّة"، نظرًا إلى إغفال النظام الداخلي لتنظيم هذه المسألة بسبب عدم رواج هذا النوع من الرقابة في العقود السابقة، بحسب الأسباب الموجبة.
جراء ما تقدّم، لا بدّ من الإضاءة على النقاط التالية في هذا الاقتراح :
هل من جديد في الاقتراح؟
تدخل مسألة الزيارات الميدانيّة للجان في إطار العمل الرقابي الذي يقوم به المجلس النيابي إلى جانب عمله التشريعي. ولا شك أن المجلس يمارس عمله الرقابي عبر اختصاصه السياسي الذي يسمح له بحجب الثقة عن الحكومة ما يعني أن الزيارات الميدانية التي يقوم بها النواب تخولهم مراقبة أداء السلطة التنفيذية عن كثب وتكوين صورة أكثر دقة عن كيفية تنفيذ المشاريع والمصاعب التي تواجهها الإدارة.
من جهة أخرى، يظهر هذا الدور الرقابي أيضا في النظام الداخلي للمجلس الذي يحدد في مواده 139 إلى 143 الأصول التي ترعى ما يعرف "بالتحقيق البرلماني"، الذي يحتاج إلى قرار من الهيئة العامة لمجلس النواب من أجل السير به، ويكون ذلك على أساس اقتراح مقدم إليها، أو في معرض سؤال أو استجواب في موضوع معين أو مشروع يطرح عليها.
ويحق للجنة التحقيق بحسب النظام الداخلي أن تطّلع على جميع الأوراق في مختلف دوائر الدولة، وأن تطلب تبليغها نسخاً عنها، وأن تستمع إلى الإفادات وتطلب جميع الإيضاحات التي ترى أنها تفيدها في عملها. كذلك يمكن لمجلس النواب أن يولي لجان التحقيق البرلمانية سلطات هيئات التحقيق القضائية ما يوسع جدا من صلاحيات هذه الأخيرة ويمكنها من الحصول على جميع المعلومات التي تحتاجها.
وهكذا يتبين أن الزيارات الميدانيّة بالصيغة المقترحة تختلف عن التحقيق البرلماني. إذ يجب الإشارة أوّلًا إلى أنّ المادة 32 في نصّها الحالي تعطي أصلًا للجان النيابية حقّ الطلب من الوزير تزويدها بالمعلومات والمستندات والوثائق، إلّا أنّها لا تمكّنها من الوصول بنفسها إلى هذه المعلومات. كما أنّ الزيارة الميدانيّة التي ينوي الاقتراح مأسستها في النظام الداخلي لا تعطي هذه الحقّ المباشر، بل ينص الاقتراح فقط على وجوب مراعاة "طلب حضور الوزراء المعنيين والموظفين المختصين"، ما يفهم منه أنّه يمكن للوزراء وللموظفين مرافقة اللجنة في حال قرروا ذلك.
يتبيّن إذًا أنّ الزيارة الميدانيّة تختلف عن التحقيق البرلماني في إمكانيّاتها الاستقصائيّة إذ هي تقتصر على الكشف من أجل الحصول على معلومات تظهر من خلال المعاينة، وهي تختلف أيضًا في نتائجها وخواتيمها، حيث أنّ لجنة التحقيق ترفع تقريرًا بنتيجة أعمالها إلى رئيس المجلس الذي يطرحه على المجلس للبت في الموضوع. أمّا الزيارات الميدانيّة، فيتبعها تقريرٌ تضعه اللجنة ضمن مهلة أسبوع تلي الزيارة، "تُضمِّنه نتيجة أعمالها وتوصياتها، وتعرضه على اللجنة لدرسه وإحالة التوصيات عبر الرئاسة إلى الوزارات والإدارات المختصة".
وتظهر محدودية هذه الزيارات الميدانية لناحية نتائجها أيضا كون المادّة 32 من النظام الداخلي تنص على أنه في حالة تمنع الوزير عن إجابة طلب أي لجنة من اللجان النيابية في الحصول على المستندات والمعلومات "وجب رفع الأمر إلى رئيس المجلس الذي يعرض الموضوع على المجلس في أول جلسة ويعطيه الأولوية على سائر الأعمال"، ما يفهم منه إمكانية مناقشة المسؤولية السياسية للوزير المعني وسحب الثقة منه. فالزيارات الميدانية تنتهي بتقرير عن أعمالها يرفع إلى اللجنة نفسها التي يمكن لها على ضوء هذا التقرير طلب معلومات إضافية من الوزير، وفي حال تمنعه رفع الأمر إلى الهيئة العامة أي العودة إلى الآلية المحددة في المادة 32 من النظام الداخلي.
من جهة أخرى تنص المادة 142 من النظام الداخلي على التالي: "يحق للجان أن تعين لجنة فرعية من أعضائها لاستقصاء الحقائق في قضية معينة. وفي حال امتناع الإدارة المختصة عن توفير المعلومات المطلوبة إلى اللجنة الفرعية ترفع هذه الأخيرة تقريراً بالأمر إلى اللجنة التي انتدبتها، التي تقوم بدورها بطلب تعيين لجنة تحقيق برلمانية من الهيئة العامة". وهكذا يتبين أن اللجنة الفرعية المكلفة استقصاء الحقائق هي مماثلة للزيارات الميدانية إذ لا شيء يمنعها من الذهاب إلى أي مكان تريد من أجل الحصول على المعلومات الضرورية، لا بل أن النص النافذ أكثر دقة كون يحدد بوضوح أن الاستقصاء يتم من قبل لجنة فرعية منبثقة عن اللجنة الدائمة بينما الاقتراح يقول بحق اللجان النيابية بالقيام بزيارات ميدانية بشكل مطلق. ومن الأمثلة على دور تلك اللجان لجنة تقصي الحقائق المنبثقة عن لجنة الشباب والرياضة لمتابعة ملف مسبح الرئيس إميل لحود في منطقة الضبيه، والتي نتج عنها تقرير ناقشته اللجنة الأم وقررت إحالته إلى النيابة العامة التميزيّة كما هو وارد في نهاية التقرير.
فمع وجود لجان مخولة تقصي الحقائق، ما الجدوى من تكريس الزيارات الميدانية في النظام الداخلي كون لا شيء يمنع تلك اللجان من القيام بتلك الزيارات حتى في ظل غياب النص. كذلك ما الهدف من زيارة جميع أعضاء اللجنة ومن ثم كتابة تقرير يرفع إلى اللجنة ذاتها؟ وهل يعقل أن تنتقل اللجنة التي تضم 17 عضوا مثلا بكاملها للكشف عن مكان معين ما يجعل من هذه الزيارة أقرب إلى الاستعراض الإعلامي عوضا أن تكون مهمة استقصائية تهدف إلى الحصول على معلومات محددة وبشكل دقيق؟
وإذ يصبح الجديد الذي يأتي به الاقتراح محدودا كون مجلس النواب يملك حاليا عبر لجنة الاستقصاء ولجان التحقيق وامكانية طلب المعلومات والمستندات كل الصلاحيات التي تتيح له ممارسة دوره الرقابي على أكمل وجه، لكن لا ضير من تكريس إمكانية اللجنة بزيارات ميدانية في حال كان من شأن ذلك تعزيز دور النائب الرقابي ووضعه على تماس مباشر مع مختلف إدارات الدولة والمشاريع التي يتم تنفيذها.
مقارنة مع التجربة البرلمانيّة الفرنسيّة
يتضمّن النظام الداخلي للجمعيّة الوطنيّة الفرنسيّة في المادة 145 منه أصول إنشاء ما يسمّيه "مهمّات استعلاميّة" (Missions d'information) تدخل من ضمن مهمّة اللجان في إعلام المجلس حول عمل الحكومة لتمكينه من مراقبتها بشكل فعّال. تشكّل هذه المهمّات بقرار من لجنة نيابيّة أو من مؤتمر الرؤساء (وهي هيئة تضمّ رئيس الجمعيّة الوطنيّة بالإضافة إلى نوابه ورؤساء اللجان ورؤساء الكتل وغيرهم من شاغلي المناصب داخل الجمعيّة)، وتكون لفترة مؤقّتة، ويكون من بين أهدافها الاستعلام حول كيفية تطبيق التشريعات.
يحرص النظام الداخلي للجمعيّة الوطنيّة على تمثيل المعارضة في المهمّة الاستعلاميّة، فيفرض وجود نائب من المعارضة إذا ما كانت المهمّة مشكّلة من نائبين، أمّا إذا كانت مشكّلة من عدّة نوّاب، فعليها أن تمثّل المجموعات السياسيّة للجمعيّة الوطنيّة. ويشير النظام إلى أنّ تقارير المهمّات الاستعلاميّة يمكن أن ينتج عنه نقاش من دون تصويت في الهيئة العامة أو جلسة أسئلة.
وبالتالي، في مقارنة بين النظام الفرنسي والاقتراح اللبناني، يلاحظ أوّلًا أنّ النظام الفرنسي لا يركّز على طريقة عمل المهمّات الاستعلاميّة لناحية السماح لها بالتنقّل أو بالوصول إلى مستندات معيّنة، فيما قد يفسّر بإمكانيّة الوصول إلى هذه المعلومات من خلال تشريعات أخرى تضمن هذا الحقّ، بينما الاقتراح اللبناني يضع تركيزه على مسألة الزيارة الميدانيّة دون أن يعطي هذه الزيارة عنوان عريض يوصّف المهمّة التي من أجلها تقام الزيارات.
ثانيًّا وهو الأهمّ، فإنّ النظام الداخلي الفرنسي يعطي المهمّات الاستعلاميّة الفرنسيّة توجّه واضح وهو مساندة الجمعيّة الوطنيّة في مساءلة الحكومة من خلال تزويدها بمعلومات حول تطبيق التشريعات، وهو أمر يدلّ على نيّة السلطة التشريعيّة في إبقاء رقابة لها على التشريعات التي تقرّها بعد صدورها. فالجمعيّة الوطنيّة، التي تترك للحكومة مهمّة تطبيق التشريعات التي تكون قد صدّقتها بشكل نهائي، تستند على المعلومات التي تكون قد استجمعتها من خلال المهمّات الاستعلاميّة لمعرفة إذا ما كانت الإرادة العامّة التي برزت في التصويت قد ترجمت فعليًّا في التطبيق، ما يضمن احترام هذه الإرادة ويرتدّ إيجابًا على فعاليّة العمل التشريعي وعلى الديمقراطيّة التمثيليّة ككلّ.
أمّا الاقتراح الحالي فينصّ على أنّ التقارير التي تصدر عن الزيارة الميدانيّة تعرض على اللجنة النيابيّة لدرسها على أن تحال التوصيات "إلى الوزارات والإدارات المختصّة". وبالتالي، فإنّ نتيجة الزيارات الميدانيّة لا يصبّ بشكل واضح في إطار العمل الرقابي للمجلس المفضي أوّلًا وأخيرًا إلى مساءلة الحكومة ونزع الثقة عنها، خصوصًا وأنّ الاقتراح لا ينصّ على رفع التقارير إلى الهيئة العامّة بل يبقيها في عهدة اللجان ورئاسة المجلس، الأمر الذي يعطي الزيارة الميدانيّة طابع المساندة للحكومة أكثر منها للمجلس عبر تزويد هذا الأخيرة بالنصائح والإضاءات، علما أن الحكومة من المفترض أن تكون على دراية كاملة بمثل تلك التفاصيل وهي لا تحتاج إلى مساعدة من النواب.
ولا شكّ أنّ هذه النظرة لدور الزيارات الميدانيّة ليست إلّا نتيجة ضعف دور المجلس النيابي اللبناني الرقابي نتيجة غياب تلك المساءلة عن عمل المجلس واكتفائه بجلسة واحدة كلّ عام أو أكثر لمساءلة الحكومة، تأخذ طابعًا شعبويًّا وتستغلّ للمناكفات السياسيّة وللخطابات البلاغية من دون الغوص في الملفّات بجديّة ودقّة.
فالاقتراح الحالي ينطلق من ضرورة حصول النائب دائما على جميع المعلومات التي تخوله ممارسة دوره الدستوري بشكل فعال وهذا أمر بديهي لكنه متاح اليوم في أحكام الدستور والنظام الداخلي. ومرد التقصير في هذا المجال لا يعود إلى نقص في النصوص القانونية لكن إلى تراجع دور مجلس النواب برمته كسلطة رقابية.