جلسة رفع الحصانات: أفول زمن الدفاع عن الحصانات؟

نيقولا غصن , فادي إبراهيم

23/07/2025

انشر المقال

عقدت الهيئة العامة للمجلس النيابي جلسة للبحث في ملفيْن: الأول يتعلّق بطلب رفع الحصانة عن النائب جورج بوشكيان الوارد إليه منذ أقل من أسبوعين من النيابة العامة التمييزية، والثاني لدرس طلب الاتّهام في ملف الاتصالات بحق وزراء الاتصالات السابقين نقولا صحناوي وبطرس حرب وجمال الجرّاح تمهيدا لإحالتهم للمحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو طلب قدمه أكثر من خمس النواب منذ 2022.

وقد انتهت الجلسة برفع الحصانة عن النائب جورج بوشكيان. أمّا في ما يتعلّق بوزراء الاتّصالات، فقد وافقت الهيئة العامّة على السير بطلب الاتّهام المعروض أمامها وإحالته إلى لجنة تحقيق برلمانيّة انتخبتها الهيئة العامة في الجلسة نفسها برئاسة نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب وعضوية النائبيْن إبراهيم الموسوي وغادة أيّوب، بالإضافة إلى 3 نواب رديفين هم فريد البستاني وبلال عبدالله وياسين ياسين.

أمّا في أجواء الجلسة، فقد سيطرت مشكلة انقطاع التيّار الكهربائي على مجرياتها بحيث أرهقت الحرارة المرتفعة جميع الحاضرين في ظلّ غياب التكييف. كما توقّفت الجلسة مرّات عدّة بسبب انقطاع الكهرباء عن أجهزة الصوت. وقد أدّت الحرارة المرتفعة داخل القاعة إلى إصابة أحد موظّفي المجلس النيابي بوعكة صحية أثناء تلاوته موادّ قانونية، ما استدعى تدخّلا طبّيا من نواب أطبّاء، بينهم عبد الرحمن البزري.

وإذ شهدت الجلسة نقاشات عديدة تخلّلتها مرافعة الادّعاء من النائب جهاد الصمد ممثلا الموقّعين طلب الاتّهام بحقّ وزراء الاتّصالات الثلاثة، بالإضافة إلى مرافعات الدفاع عن هؤلاء الثلاثة والتي تُليت من قبلهم ومن قبل وكلائهم القانونيين، سنعمد هنا إلى تلخيص أبرز مجريات الجلسة ونتائجها مع التعليق على عدد من أحداثها.

أفول زمن المدافعين عن الحصانات؟

كانت لافتة السلاسة التي مرّ بها رفع الحصانة عن النائب جورج بوشكيان. فقد انتهت النتيجة إلى موافقة 99 نائبا عن رفع الحصانة عنه، مقابل رفض نائب وحيد لذلك وهو سجيع عطية من دون أن يوضح السبب، ومع ابتسامة عريضة عند إعلان موقفه توحي بأنّه كان يحاول المزاح بذلك. إلّا أنّ أكثر ما يلفت النظر في هذا الصدد خلال الجلسة كان ندرة المدافعين عن مبدأ الحصانة الوزارية أو النيابية وكثرة المطالبين بإلغائها على أنواعها.

حتّى رئيس مجلس النواب نبيه برّي وعند ردّه على النائبة بولا يعقوبيان حول التناقض بين رفع الحصانة عن نائب وزير سابق لملاحقته أمام القضاء العدلي مقابل ملاحقة وزراء أمام المجلس الأعلى، اعتبر صراحةً أنّ المجلس النيابي لم يكن لينظر بملف الاتّصالات لولا ورود إحالة قضائية إليه ألزمته بذلك. 

وكذلك النائب حسن فضل الله، فقد أكّد معارضته للحصانات بشكل كامل خصوصًا في قضايا الفساد، مذكّرا باقتراح تعديل دستوريّ تقدّم به لإلغاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء من دون أن يتمّ إقرار الاقتراح. وقد اعتبر فضل الله أنّ تجربته في مكافحة الفساد اصطدمت بالنص الدستوري الذي يحيل الوزراء إلى المجلس الأعلى والتناقض في القضاء بين قرارات تعتبر أنّه مختص بملاحقة الوزراء وأخرى تنفي هذه الصلاحية. وقد ختم فضل الله مؤكدا على وجوب تعديل النصوص باتّجاه إلغاء الحصانات. إلى ذلك، اعتبر فضل الله لاحقا عند مناقشة طلب اتّهام وزراء الاتّصالات أنّ  القضاء هو من رفض أن يبتّ بالموضوع وأحال الملفّ إلى المجلس النيابي، مشيرًا إلى أنّه لو لم يستند القضاء على المادة 70 و80 من الدستور لم يكن المجلس ليجتمع اليوم ويناقش الموضوع، بما يفيد بتسليم تامّ من فضل الله بأنّه إذا قرّر القضاء العدلي أنّه مختصّ بملاحقة وزير في قضية معينة فليس لمجلس النواب أن يتدخّل حينها.

وخلال التصويت على رفع الحصانة، أكّد عدد من النواب على مواقفهم الرافضة للحصانات برمّتها مع موافقتهم على رفع الحصانة. أمّّا عند التصويت على إحالة وزراء الاتّصالات إلى اللجنة البرلمانية فقد أكّد عدد من النواب وجوب إحالة الملفّات إلى القضاء العدلي حصرًا دون سواه. 

وفي مرافعة الادّعاء ضدّ وزراء الاتّصالات الثلاثة التي تلاها النائب جهاد الصمد، اعتبر هذا الأخير أن المطلوب هي محاسبة ومساءلة كلّ من أخطأ سواء أكان مديرًا أو نائبًا، حيث لا يجب أن يبقى أحدٌ خارج مبدأ المساءلة لأنّ الدستور نصّ على المساواة بين المواطنين، ما يعني وجوب الدفع للانتهاء من جزر الحصانات والضمانات بحسب الصمد، وأن يتساوى الجميع أمام القانون وأن يخضع جميع الأفراد لنفس القانون ونفس العدالة من دون تمييز بسبب أيّ عامل اجتماعي أو سياسي. وقد عاد وكرّر أنّه آن الأوان  لإلغاء جميع الحصانات والضمانات لجميع المهن والمواقع ما عدا رئاسة الجمهورية وما يتعلّق بحرّية النائب بإبداء رأيه حصرا.

وقد كان لافتا أيضا ما قاله النائب نقولا الصحناوي في بداية مرافعته وتنازله عن حصانته النيابية وعدم تمسّكه بها.

وحده قبلان قبلان وقف مدافعا عن وجوب إحالة الوزراء للمحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، معتبرًا أنّ المجلس الأعلى مجلس فاعل يتمّ انتخابه في كل دورة من دورات المجلس النيابي والإحالة إليه هي تطبيق للدستور الذي كان واضحا حيال إحالة الوزراء إلى المجلس الأعلى وليس إلى القضاء العادي. انفرد قبلان أيضا بطلب تحويل الجلسة إلى سرّية وإيقاف النقل التلفزيونيّ وإخراج الحضور من القاعة عند بدء مناقشة إحالة وزراء الاتّصالات إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بما يوحي بأنّه يحاول حماية الوزراء من التداول بالقضية علنا، وهو ما رفضه برّي مشيرًا إلى أنّ الجلسة ستبقى علنية لعرض مرافعات الادّعاء والدفاع.

ويعكس ذلك تحوّلا هامّا في آلية تعاطي النواب مع موضوع الحصانات النيابية والآليات الخاصّة بملاحقة الوزراء. ففي العام 2021 وحده على سبيل المثال، رفضت الهيئـة المشتركة (المكونـة مـن مكتـب المجلـس ولجنة الإدارة والعدل وفيها نواب من معظم الكتل) إحالة طلب رفع الحصانة عن عدد من النواب في جريمة تفجير المرفأ إلى الهيئة العامة بناء على قراءة تعسّفية لا بل بناء على تحوير للنظام الداخلي للمجلس النيابي حينها. وفي السنة نفسها والقضية نفسها، حاول نواب كتلتيْ الوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير تحصين وزراء مدّعى عليهم من كتلتهم في جريمة المرفأ عن طريق تقديم طلب اتّهام لملاحقتهم أمام المجلس الأعلى على الرغم من إعلان المحقق العدلي حينها صلاحيته بملاحقتهم.

رفع الحصانة عن بوشكيان يمرّ بسلاسة

كما أسلفنا، رُفعت الحصانة عن النائب ووزير الصناعة السابق جورج بوشكيان من دون أي ممانعة تذكر بنتيجة 99 موافقة ورفض وحيد للنائب سجيع عطية من دون أي توضيح لموقفه، وذلك بعد التصويت بطريقة المناداة. أمّا النائب جميل السيّد فقد امتنع عن التّصويت لأنّه عضو في المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء،  علما أنّ القضية الراهنة لا علاقة لها بالمجلس الأعلى بل برفع الحصانة تمكينًا للقضاء العدلي من ملاحقة بوشكيان.

خلال الجلسة، تُلي على النواب طلب رفع الحصانة المُرسل من النيابة العامة التمييزية بواسطة وزير العدل، ليُتلى من بعدها تقرير الهيئة المشتركة من مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التقرير والذي كان يُفترض أن يقرّر النواب رفع الحصانة على أساسه لم يُرسل إلى النواب قبل الجلسة بل تُلي بطريقة سريعة وغير واضحة خلال الجلسة، ما دفع النائب فراس حمدان إلى طلب توزيع التقرير على النواب للاطّلاع عليه، من دون أن يلقى أيّ تجاوب من قبل إدارة المجلس ورئيسه. ولعل أبرز ما جاء في التقرير هو رفع الحصانة عن الأفعال المذكورة في طلب النيابة العامة التمييزية دون سواها، بمعنى أنه إذا أرادت النيابة العامة ملاحقة بوشكيان لأيّ أفعال أخرى، فإنه يكون عليها التقدم بطلب رفع حصانة جديد، وذلك عملا بالمادة 95 من النظام الداخلي لمجلس النواب.  

لجنة تحقيق برلمانية لملاحقة وزراء الاتّصالات

وافقت الهيئة العامة على السير بطلب الاتّهام المعروض أمامها وإحالتها إلى لجنة تحقيق برلمانية انتخبتها الهيئة العامة في الجلسة نفسها برئاسة نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب وعضوية النائبيْن إبراهيم الموسوي وغادة أيّوب، بالإضافة إلى 3 نواب رديفين هم فريد البستاني وبلال عبدالله وياسين ياسين.

لهذه الغاية، سنناقش أبرز المواضيع التي ناقشها النواب في هذا الصدد، قبل أن نتطرّق إلى مرافعات الادّعاء والدفاع عن الوزراء الثلاثة.

هل حلف أعضاء المجلس الأعلى اليمين؟

من أبرز الأسئلة التي طُرحت من قبل النواب كان سؤال النائب هاغوب ترزيان حول ما إذا كان أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء المنتخبين في هذه الدورة قد أدّوا اليمين. وقد سارع في هذا الصدد برّي إلى الجزم بأنّهم قاموا بذلك. إلّا أنّ النواب سليم عون وقبلان قبلان سارعا للتأكيد على أنّ ذلك لم يحصل بعد. عندها طرح برّي نظرّية غريبة بقوله أنّ أعضاء المجلس "ما تغيّرو أصلا". وبالنظر إلى تركيبة المجلس الأعلى النيابية، يتبيّن أنّ 4 من أصل 7 أعضاء أصيلين قد تغيّروا في الولاية الحالية، وأنّ أيّا من أعضاء المجلس لم يحلف اليمين فعليّا.

عدم حلفان اليمين هذا ونسيان الأمر، يعكس بشكل واضح انعدام الجدّية بالتعاطي في ما يتعلّق بهذا المجلس.

صلاحية ملاحقة وزير سابق أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء

إحدى أبرز النقاط التي طُرحت خلال النقاش كان ما طرحه النائب ملحم خلف الذي تساءل حول صلاحية المجلس الأعلى بمحاكمة وزير سابق أنتهت فترة وزارته. فقد اعتبر خلف أنّ الصلاحية مرتبطة حصرا بالوزير الذي ما يزال يُمارس علمه الوزاري. وقد استشهد خلف في هذا الصدد بالمادة 72 من الدستور التي تحدّثت عن كفّ يد الوزير عن وزارته فور صدور قرار اتّهامه، ما يُفيد بأنّ إجراءات من هذا النوع لا يُمكن تطبيقها على وزير سابق لمدى الحياة مع ما يستتبع ذلك من عدم تطبيق إجراءات المحاكمة أمام المجلس الأعلى للوزراء السابقين. وقد أكّد خلف في هذا الصدد ألّا عبرة من ربط الجريمة بالوظيفة اليوم طالما أنّ الوزير قد أنهى فترة وزارته. وبالتالي، يعود المجلس النيابي ويضع يده على صلاحيّتين الأولى هي سحب الثقة من وزير لم يعد يمارس مهامه ومن الثانية تحويل هذا الشخص إلى المجلس الأعلى. إذ إنّ القاعدة هي أنّ الشخص يحوّل إلى المحاكم العاديّة وليس إلى المجلس الأعلى.

أمّا ردّ الرئيس برّي فكان  أنّ الموضوع قد تمّ بحثه في جلسات سابقة وكانت هذه الجلسة الحاضرة لتعقد لولا ظروف أمنيّة، أمّا اليوم وقد وصلنا إلى الجلسة فلا يوجد إشكاليّة في هذه المسألة لأنّها استمراريّة لما سبق. في ردّ خارج عن سياق سؤال خلف.

أمّا النائب حسن فضل الله فقد ناقش في ما طرحه خلف، معتبرا أنّ المادة 72 تحمل تفسيرا مختلفا حيث تنص بقية المادة على أنّ لا تكون استقالة الوزير سببا لعدم اقامة الدعوى عليه أو لوقف المعاملات القضائية، معتبرا أنّ ذلك يُفيد أنّه حتّى بعد خروج الوزير من الوزارة فإنّ ذلك لا يبرّر نزع الصلاحية عن المجلس الأعلى.

إحالة الوزراء دفعة واحدة بقضايا مختلفة تُثير الجدل

عند انتهاء مرافعات الادّعاء والدفاع، طرح رئيس المجلس النيابي نبيه برّي موضوع السير بالملف وتأليف لجنة تحقيق مع وزراء الاتّصالات. أثار ذلك موجة من المداخلات صبّت في الاتّجاه نفسه، حيث طالب عدد من النواب أن يتم التصويت على كل وزير على حدة وليس دفعة واحدة، وهو ما رفضه رئيس المجلس النيابي مشيرا إلى وجود لجنة تحقيق ستتولّى التحقيق والخروج بالنتائج.

فقد اعترض النائب ميشال معوض معتبرا أنّ الإحالة دفعة واحدة قد يكون فيها ظلم. أمّا النائب جورج عقيص، فقد اعتبر أنّ الملفّات غير متضامنة ومختلفة عن بعضها البعض حيث لا يجوز إحالتها دفعة واحدة. أمّا النائب نديم الجميّل، فقد أكّد على وجوب تجزئة التصويت حيث يُمكن أن يقرر النواب عدم إحالة أحد الوزراء على لجنة التحقيق، مشيرًا إلى أنّ المدّعي العام تحدّث في إحالته عن إمكانية ملاحقة بعض الوزراء لا كلّهم، كما أشار الجميّل إلى مبدأ شخصية العقوبة حيث لا يُفترض أن تكون الإحالة جماعية.

على المقلب الآخر، تمسّك برّي بوحدة الملف وعدم تجزئته. وقد أكّد على ذلك النائب حسن فضل الله حيث اعتبر أنّ الإحالة من النيابة العامة أتت بالملف بأكمله وبحق الوزراء الثلاثة مجتمعين، وهو ما عاد وأكّد عليه النائب جهاد الصمد مذكّرا النواب بطلب الاتّهام وبأنّهم وقّعوا عليه شاملا أسماء جميع الوزراء. وفي هذا الصدد، يقتضي التذكير بأنّه لا يوجد ما يمنع النّائب من التصويت ضدّ إحالة وزير إلى التحقيق حتّى ولو وقّع على طلب الاتّهام، حيث أنّ التصويت يأتي بعد الاستماع إلى دفاع الوزير وهو ما قد يدفع النائب إلى الاقتناع بما قدّمه من دفوع.

وفي ظلّ حالة من الفوضى والصراخ من العديد من النواب في الوقت عينه، دفع برّي باتّجاه التصويت وسط اعتراضات كبرى. وقد شاب التصويت بالمناداة شوائب عديدة في ظل الفوضى الحاصلة والاعتباطية في طريقة التصويت. فعند ذكر اسم النائب أسامة سعد، أكّد الأخير أنّه لا يعرف على ماذا يتم التصويت في ظل الفوضى الراهنة. وإذ لم يتمكّن سعد من الإدلاء بموقفه، تجاوزه موطفو المجلس النيابي من دون معرفة نتيجة التصويت التي سجلوها له. الأمر نفسه تكرّر مع النائبيْن سامي ونديم الجميل حيث وما إن ذُكر اسميهما حتّى تمّ الانتقال إلى نواب آخرين، ما دفع سامي للاعتراض وسؤال أمين عام المجلس النيابي عن موقفه بما أنّه يحدّد اعتباطيا مواقف النواب.

كما كان لافتا أنّ أعضاء المجلس الأعلى قد تمّ الأخذ بتصويتهم، باستثناء جميل السيّد الذي امتنع عن التصويت بصفته عضوا في المجلس. كما كان لافتا أيضا موافقة نقولا الصحناوي على السير بالملف.

ووسط مواقف مختلفة من عدد من النواب حول عدم الموافقة على إحالة الملف إلى المجلس الاعلى والتأكيد على صلاحية القضاء العدلي كما ووجوب إسقاط جميع الحصانات، انتهت النتيجة إلى موافقة 88 نائبا ورفض 9 نواب وامتناع نائبيْن عن التصويت، قبل أن تنتقل الجلسة إلى جلسة سرّية لانتخاب أعضاء لجنة التحقيق بحسب ما ذكرنا أعلاه.

وبعد استعراض أهم نتائج الجلسة ونقاط النقاش فيها، ننتقل إلى استعراض مرافعات الادّعاء والدفاع.

مرافعة الادّعاء: تصويب مباشر على الصحناوي والجرّاح

كإجراء أوّل، تلا النائب جهاد الصمد مرافعة الادّعاء كممثل عن النواب ال26 الموقّعين على عريضة اتّهام وزراء الاتّصالات. وقد اعتبر الصمد أنّها المرّة الأولى التي يتولّى فيها المجلس النيابي متابعة قضية بهذا الحجم من الفساد. وهو ما ردّ عليه لاحقا النائب جبران باسيل بطريقة غير مباشرة عندما اعتبر أنّ القضية تتعلّق ببضعة ملايين من الدولارات مقابل قضايا أخرى بأكثر من مليار دولار تقدّم فيها بإخبارات وادّعاءات من دون أن تصل إلى نتيجة. 

الصمد الذي يظهر أنّه تولّى صياغة المرافعة من دون اللجوء إلى زملائه الموقّعين على طلب الاتّهام، اعتبر أنّ قطاع الاتّصالات مرّ بفترة ذهبية إلّا أنّه أصيب بالعديد من صفقات الفساد في عهد الوزير صحناوي بين عامي 2012 و2014، مضيفًا أنّ القطاع لاحقا كان ضحية المحاصصة والتسوية الرئاسية حيث بدأ بالانهيار منذ العام 2016، ملمّحا في هذا الصدد إلى عهد الوزير جمال الجرّاح.

وقد اعتبر الصمد أنّ مداخلته عند نقاش موازنة العام 2019 هي التي حرّكت هذا الملف حيث اعتبرها وزير العدل حينها ألبرت سرحان بمثابة إخبار.

واستنادا لطلب الاتّهام والملف المحال إلى المجلس النيابي، طلب الصمد باسم الادّعاء إحالة الملف إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بسبب ارتكابات الوزراء التالية:

  • في ما يتعلّق بالوزراء الثلاثة: الترخيص بتوزيع أموال عامة لشركتيْ تاتش وألفا لرعاية لمهرجانات وفعاليات ونشاطات رياضية وسياحية بصور استنسابية من دون سند قانوني بلغت سنويّا حوالي 9 ملايين دولار أميركي.
  • الوزيران صحناوي وحرب: في ما يتعلّق باستئجار مبنى قصابيان ودفع أكثر من 10 ملايين دولار لمبنى لم يتم إشغالُه.
  • في ما يتعلّق بالوزير جمال الجرّاح حصرا: 1) تحديد ساعات إضافية وهمية لمدير عام شركة أوجيرو، 2) التعاقد مع شركة GDS لتمديد شبكة الألياف الضوئية الذي تسبب بخسارة مليارات الليرات اللبنانية آنذاك. 3) إجراء مناقصة رست على شركة SERTA حيث أشرف على المناقصة مستشار الوزير وهو بنفس الوقت مفوّض بالتوقيع عن الشركة. 4) الرخيص لاستئجار مبنى لشركة ميك 2 في الباشورة بمبلغ كان يُمكن به شراء المبنى.

كما ذكر الصمد بالتقرير والقرار المؤقت اللذين صدرا عن ديوان المحاسبة (غرفة القاضي عبد الرضى ناصر) حول الوزراء الثلاثة يُضاف إليهم الوزراء طلال حواط وجوني القرم في القضية المتعلّقة باستئجار مبنى قصابيان ومبنى الباشورة ببدلات مضخمة وتكاليف عالية. كما أبرز ربطا تقرير ديوان المحاسبة حول قطاع الاتّصالات والهدر الحاصل فيه والصادر في 5/4/2022.

وإذ طلب الصمد ختامًا السير بالقضية تمهيدًا لإحالتها إلى المجلس الأعلى، سأل النائب جورج عقيص عن موادّ الادّعاء المدّعى بها، من دون أن يلقى جوابا.

مرافعة بطرس حرب

بدأ الوزير بطرس حرب بتلاوة مذكّرة الدفاع عن نفسه عن منبر المجلس، فشكر أوّلًا الرئيس برّي على استجابته لطلبه بفتح هذا الملف والسير به لأنّه أي الوزير حرب ليس راضيًا أن تبقى تهمة هدر المال العام معلّقة بحقّه دون أن يتمّ البتّ بها، كما شكر الموقعين على العريضة لأنّ ذلك سيسمح له بالدفاع عن نفسه. بعد ذلك أشار الوزير حرب أنّه من أوّل من قدموا تصاريح عن ثرواتهم من بين الوزراء، كما أنّه كان من أكثر النوّاب الذين عملوا على مكافحة الفساد وقدّموا قوانين وتعديلات على قوانين في هذا الصدد. 

وأكّد الوزير بطرس حرب أنّه لم يقم بهدر المال العام بل المحافظة عليه، وفي موضوع مبنى قصابيان، سرد ما شهده من أحداث في هذه القضيّة، فقال أنّه منذ تولّيه الوزارة وصله أخبار عن شبهات فساد وصفقات ومنافع في عقد استئجار مبنى قصابيان لصالح شركة تاتش، وأنّ حوالي سبعة ملايين دولار قد أنفقت على هذا المبنى من دون أن يتمّ استعماله والدخول إليه. وقد تحرّك الوزير الحرب فطلب من شركة دار الهندسة القيام بمسح على المبنى لأنّه وضع يده على مستندات تشير إلى أنّ المبنى غير صالح للاستعمال وهو بحاجة إلى ترميم وتدعيم. وفي تقرير دار الهندسة، تبيّن أنّ المبنى بالفعل بحاجة لترميم وزيادة عواميد لا سيّما في الطوابق العليا، إلّا أنّ المبنى، وعلى افتراض قيام هذه الأعمال به، قد يصبح صالحًا للاستعمال لكنّه لا يتحمّل أي هزّة أرضيّة. وقد أشار الوزير حرب في هذا الإطار أنّ كلّ أقواله هذه موجودة في تقرير ديوان المحاسبة. (في الواقع تقرير دار الهندسة نظم في ولاية سلفه نقولا الصحناوي) 

عندها أكمل الوزير حرب مذكّرًا بأنّ المبنى قد عرض في السابق على وزير الاتصالات شربل نحّاس الذي رفض استئجاره. أمّا عند توقيع العقد على أيّام الوزير نقولا صحناوي، لم تكن شركة تاتش تطالب بعد في استئجار هذا المبنى. ففي أثناء تولية الوزير صحناوي لوزارة الاتصالات، قام هذا الأخير باستئجار طابقين في مبنى Beirut digital district في منطقة الباشورة وتم نقل خدمة الزبائن العائد لشركة تاتش إليه، وقام السيد كلود باسيل رئيس مجلس إدارة الشركة بإرسال كتاب للوزير صحناوي في 2 شباط 2012 يشير فيه إلى عدم حاجة الشركة لاستئجار مبانٍ إضافيّة. لكنّ وزارة الاتصالات مضت في عمليّة استئجار مبنى قصابيان وطلبت من السيد كلود باسيل التوقيع على عقد الإيجار "بعجالة". وبالفعل تم الاستئجار وتم دفع على مدى ثلاث سنوات مبلغ سبعة ملايين دولار دون أن يتمّ استعمال المبنى، وهذا طبعًا هدرًا للمال. (بالواقع مددت الشركة العقد لسنة رابعة كلفت ما يقارب مليونين ونصف د.أ خلافا لمطلب حرب من دون أن يدعي حرب عليها لتحميلها مسؤولية هذا المبلغ).  

وتابع الوزير حرب مشيرًا إلى أنّه عندما استلم الوزارة قام بفسخ العقد مستندًا بذلك إلى العقد نفسه الذي يسمح للدولة بالفسخ بعد ثلاث سنوات، وبالتالي فإنّه قام بتوقيف الهدر وتجنيب الدولة دفع مبالغ كانت لتصل إلى حدّ 37 مليون دولار لو استمرّت بهذا الإيجار. وأشار الوزير حرب أنّه قبل توقيع عقد الإيجار، كانت شركة تاتش تطالب الوزارة بمبلغ 5 ملايين دولار كلفة انتقالها إلى المبنى الجديد، أمّا بعد توقيع العقد، فقد طالبت الشركة بمبلغ مضاعف وهو 10 ملايين دولار لانتقالها إلى المبنى الجديد. ويضاف هذا المبلغ إلى مليون وخمس مئة ألف دولار كلفة تصليح المبنى لأنّه غير صالح. 

بعد ذلك كان للوزير بطرس حرب ملاحظات على قرار قاضي التحقيق في بيروت أسعد بيرم، معتبرًا أنّ ما تضمنّه القرار لا يستقيم قانونًا، حيث طلب القاضي إحالة نسخة عن الملف بواسطة النيابة العامة التمييزية  إلى الأمانة العامة لمجلس النواب لاتخاذ القرار المناسب. وهنا اعتبر حرب أنّ الإحالة إلى الأمانة العامة خاطئة بل يجب أن تكون إلى المجلس نفسه الذي هو صاحب القرار. ومن ثمّ أكمل حرب اقتباسه من قرار القاضي الذي نصّ على أنّ هذه الإحالة هي من أجل قيام المجلس بملاحقة الوزيرين نقولا صحناوي وبطرس حرب أو عدم ملاحقتهما أو ملاحقة أحدهما، فاعتبر حرب أنّ إعطاء هكذا احتمالات غير مسبوق في القرارات الظنيّة. وتابع حرب اقتباسه قائلاً أنّ الملاحقة هي على أساس جرم هدر الأموال الناتج عن دفع مبلغ يفوق العشرة ملايين دولار من الخزينة العامة كبدلات إيجار ودراسات وأعمال لمبنى لم يتمّ إشغاله. فردّ الوزير حرب أنّ لا علاقة له بهذا لأنّه لم يدفع إيجارا بل الوزير صحناوي هو الذي "وقّع الإيجار وأمّا في السنة الثالثة فهي مستحقّة" وقد قام الوزير حرب باحترام توقيع الدولة في هذا الشأن. مشيرًا أيضًا إلى أنّه لم يقم بدفع ثمن دراسات، ولا أعمال ترميم، وبالتالي لا علاقة له بهذا الموضوع وأنّ هذه المسألة تحمل من ورائها أمورا تثير الريبة، واعتبر حرب أنّها محاولة لاستعماله ككبش محرقة لتغطية مخالفات الغير. 

بعد ذلك انتقل الوزير بطرس حرب إلى مسألة صرف النفقات على النشاطات الاجتماعيّة، فأكّد أنّ جميع الشركات تقوم بذلك وأنّ هذا أصبح جزءًا من مسؤوليّة اجتماعيّة ملقاة على عاتق الشركات. وأشار إلى أنّ الشركات هي التي تقرّر ميزانيّة النفقات الاجتماعيّة وليس الوزير، معتبرًا أنّه حاول التوفيق بين جميع المناطق والمؤسسات والنشاطات التي استفادت من هذه الأموال. 

وقد شنّ الوزير حرب هجومًا على النائب العام المالي حينها علي إبراهيم الذي اتهمه بقضيّة المساهمات الماليّة للشركات، والذي أعاد تحريك ملف مبنى قصابيان من جديد سنة 2019. فأشار أنّه اكتشف موضوع هذا المبنى سنة 2015 أثناء تولّيه الوزارة وأرسل الملف إلى النيابة العامة الماليّة وطالب بالتحقيق فيه. وأنّ النائب العام المالي حينها قرر استدعاء الوزير الصحناوي الذي لم يحضر أمامه، فقرر القاضي حفظ الملف دون تبليغ الوزير حرب. أمّا سنة 2019، وفي حماوة الاعتراض الشعبي الذي حصل والذي ندد بالفساد، قرر القاضي إبراهيم القيام بأعمال بطوليّة فعاد وحرّك الملفّ من جديد (المرصد: الواقع أن الوزير طلال الحواط هو الذي عاد وقدم إخبارا موسعا للنيابة العامة المالية). 

وفي النهاية، طالب الوزير حرب بأنّ يتمّ ردّ طلب التحقيق معه لأنّه لم يقم بأيّة مخالفة، وأكّد أنّه على تعاونه مع أيّ لجنة تحقيق نيابيّة. 

دفاع نقولا صحناوي: أموال شركات الاتّصالات ليست أموالا عامّة

انقسمت مرافعة الدفاع عن نقولا الصحناوي إلى قسميْن، الأول تحدّث فيه صحناوي في الوقائع والثاني تحدّث فيها الوكيل القانوني للصحناوي المحامي نعّوم فرح.

بدأ الصحناوي مرافعته بالتأكيد على تنازله عن حصانته النيابية بعد طرح الموضوع من قبل النائب ملحم خلف. وقد أشار صحناوي في سياق متّصل أنّ نائبا من التيار الوطني الحر قد وقّع على العريضة حتّى يتم البت بالملف، معتبرا أنّه ليس لدى التيار ما يُخفيه.

في الوقائع، أفاد صحناوي أنّه وفي كلّ اجتماع مع شركة تاتش، كانت الشركة ترفض النقاش في أيّ موضوع آخر سوى موضوع إيجاد مقرّ جديد للشركة تبعا لوضع المبنى الذي كانت تشغله الشركة وصغر حجمه. وتابع صحناوي أنّه نزل شخصيا إلى المبنى الذي كانت تشغله الشركة ورأى ما لا يُمكن تصوّره من ازدحام، فتأكّد بنفسه عن وجود حاجة ماسّة لمبنى جديد. عندها، وجدت الشركة مبنى قصابيان كمبنى فارغ وملائم وأرسلت عقدا لموافقته بقيمة 38 مليون دولار لعشر سنوات، مع تأكيد الشركة على أنّ المبنى سليم وصالح للاستعمال. عندها، طلب صحناوي من الشركة 3 دراسات من خبراء عقاريين محلّفين حول السعر، واعتمد صحناوي على السعر الأدنى ورفض دفع أي مبلغ أعلى منه، وقد حصل ذلك بالإضافة إلى منح الشركة حق شراء المبنى. وقد انتهى الصحناوي إلى أنّ شركة دار الهندسة وضعت تقريرا أكّدت فيه أنّ المبنى بحاجة إلى تدعيم قبل أن يترك الوزارة من بعدها.

أمّا الوكيل القانوني للصحناوي المحامي نعّوم فرح، فقد انقسمت مرافعته إلى عنوانيْن أساسييْن، أبرزهما نفي الصفة العمومية لأموال شركات الاتّصالات وتاليا نفي إمكانية وقوع هدر للمال العام، إضافة إلى التأكيد على الصلاحية الاستنسابية الممنوحة للوزير بصرف الأموال.

في قضية الصفعة العمومية للأموال، اعتبر فرح أنّ ديوان المحاسبة سبق وأن أصدر قرارا اعتبر فيه أنّ شركتيْ الاتّصالات الخليوية شركتان خاصتان لا تخضعان للصفة العمومية وتاليا لا تخضعان لرقابة ديوان المحاسبة المسبقة ولا لأصول إنفاق الأموال العمومية. وقد شدّد فرح على أنّ الشركتيْن تحاسبان وفق قانون التجارة لا قانون المحاسبة العمومية. 

وفي هذا الصدد، ردّت النائبة بولا يعقوبيان لاحقا، مؤكدة أنّ القانون 393/2002 أكّد أنّ إيرادات شركات الاتّصالات تعود للدولة اللبنانية.

وفي قضية الرعاية تحديدا، اعتبر فرح أنّها أصبحت نوعا من موجب اجتماعي واقتصادي على الشركات الكبرى في دول العالم. وأضاف محاولا التخفيف من حجم الارتكابات أنّ الرعاية مجرّد شمّاعة حيث لا تتعدّى نسبة إنفاقها 1% من رقم أعمال الشركات السنوي.

أمّا في ما يتعلّق بمبنى قصابيان، كرّر فرح أنّ عدد الموظفين كان كبيرا جدّا عند استلام صحناوي لمنصبه ما دفعه إلى اتّخاذ إجراءات تتعلّق بالانتقال إلى المبنى الجديد، متسائلا إذا ما كانت إرادة العمل الموجودة لدى صحناوي أصبحت جرما. وقد أكّد فرح ألّا هدر باستئجار المبنى بل أنّ الهدر حصل من جرّاء الفسخ الذي حرم الشركة من إشغال العقار بعد تأهيله، وأنّ الفسخ أدّى لرفع الشركة المؤجرة لدعوى ضدّ الدولة اللبنانية، مشيرا بشكل واضح إنّما بطريقة غير مباشرة إلى مسؤولية تقع على الوزير بطرس حرب من جرّاء فسخ العقد. وفي نقطة لا توحي سوى بدفاع فرح عن ملّاك المبنى حيث لا علاقة لها بمسؤولية موكّله، أفاد فرح بأنّ الدولة لم تسلّم المبنى للشركة المالكة حتّى اللحظة بعد فسخ العقد. ومهاجما النائب العام المالي علي ابراهيم، اعتبر فرح أنّ ابراهيم ادّعى على من حاول التوفير على الخزينة بهدر المال العام، بينما الواقع أنّ الادّعاء بحدّ ذاته هو هدر، قبل أن ينتهي إلى طلب عدم إحالة صحناوي على التحقيق.

مرافعة جمال الجرّاح

تولّت محامية الوزير الجرّاح القيام بمرافعة أوّليّة في الشكل قالت فيها أنّ ورقة الإدّعاء مفتقرة إلى أساس قانوني جوهري إذ خلت من أي مادة قانونيّة وأيّ تحديد للجرم فيما أيّ ورقة إدّعاء يجب أن تتضمّن هذه الأمور، وبالتالي فإنّ الوزير جرّاح لا يعلم على أساس أيّ جرم هو ملاحق. وأشارت المحاميّة إلى أنّ المدعي العام المالي استمع إلى الوزير الجرّاح لكنّه لم يستجوبه بشأن أيّ هدر أو رشوة ولم يطلب منه الكشف عن أمواله، لكنّه قام بالإدّعاء عليه بالرغم من ذلك. وأنهت المحاميّة أقوالها بإعلانها أنّ الوزير الجرّاح كشف السريّة عن حساباته المصرفيّة وهو يفوّض كلّ النوّاب بالإطلاع عليها. 

أمّا الوزير نفسه، فقام بمرافعة دافع فيها عن نفسه ودخل في تفاصيل القضايا التي اتهم فيها. ففي موضوع شركة GDS التي قامت بمدّ شبكة الألياف الضوئيّة، أشار الوزير الجرّاح إلى أنّ التعاقد مع الشركة تمّ على أساس أن تقوم على نفقتها الخاصة بتركيب شبكة ألياف ضوئيّة لصالح مؤسسة أوجيرو إلى جانب شبكتها الخاصة، ما حقّق وفرًا على الدولة بقيمة 20 إلى 25 مليون دولار بحسب الوزير الجرّاح. وبالتالي، يدحض هذا الزمر ادعاءات هدر المال العام لأنّه على العكس تمامًا يشكّل توفيرًا على خزينة الدولة. أمّا في شأن قرار مجلس شورى الدولة الذي أوقف تنفيذ العقد مع الشركة، أشار الوزير إلى أنّ الاتهام بحصر التعاقد مع هذه الشركة هو باطل لأن الوزارة تعاقدت مع عدد من الشركات الأخرى في هذا المجال. وأشار الوزير إلى أنّه سبق إعطاء الترخيص لشركة GDS تدقيق في أعمالها ووضعها القانوني وتبيّن أنّها تسدد ضرائبها ومتمتّعة بترخيص من الجهات الرسميّة للقيام بأعمالها وأنّ موظّفيها مسجّلين في الضمان الاجتماعي ويتمّ دفع البدلات عنهم، ما دفع بالسير للترخيص لها. وأنهى الوزير الجرّاح هذا الموضوع قائلًا أنّ شبكة وزارة الاتصالات كانت غير صالحة لنقل المعلومات والإنترنت وأنّه في موضوع شركة GDS كانت مصالح الدولة مؤمّنة واحترام القوانين مؤمّن، وأنّه عندما مثل أمام النائب العام سأله هذا الأخير بضعة أسئلة لمدة نصف ساعة ومن ثمّ صار الإدعاء عليه دون طلب أي مستندات. 

أمّا في موضوع استئجار مبنى تاتش في وسط بيروت وهو المبنى الذي تشغله الشركة حاليًّا، فأشار إلى أنّه في أثناء تولّيه الوزارة قام بمعاينة المقرّ السابق للشركة قبالة مرفأ بيروت وكان الوضع فيه سيّء فاتخذ القرار بالنتقال إلى مبنى آخر ووصل إلى الوزارة أربعة عروض بمساحات أقلّ من المطلوبة. ثمّ وصل عرض خامس بالمبنى الحالي وتمّت المفاوضات من قبل شركة تاتش المفاوضات، فرست الزمور على مبلغ 6،400،000 دولار سنويًّا وتمّ الاتفاق على هذا السعر والتوقيع على عقد الإيجار. أمّا بشأن شراء المبنى من قبل الوزير محمد شقير بقيمة 75 مليون دولار، اعتبر الوزير الجرّاح أنّ هذا الأمر ليس بهذه البساطة وأنّ التكلفة التي تكبّدتها الدولة لشراء هذا المبنى هي أعلى بكثير، وأبدى استغرابه من شراء شركة اتصالات لمبنى فيما هكذا شركات تكتفي عادة باستئجار المباني. 

انتقل الوزير الجرّاح بعد ذلك إلى موضوع شركة Certa للألياف الضوئيّة حيث يوجد اتّهام بأن مستشار الوزير كان في الوقت عينه مفوّض بالتوقيع عن هذه الشركة أثناء توقيعها عقد مع الدولة. وفي هذا الشأن، أشار الوزير أنّه بعد مراجعة السجلّ التجاري لم يتبيّن أنّ هذا المستشار مفوّض بالتوقيع، وبعد معاينة سجلات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تبيّن أنّ هذا الشخص كان موظّفًا في الشركة إلّا أنّه استقال منها وشطب من سجلّات الصندوق في شباط 2016، أي قبل سنة من وصول الوزير الجرّاح إلى الوزارة. وبالتالي فإنّ تضارب المصالح المزعوم غير موجود. 

بعد ذلك تطرّق الوزير الجرّاح إلى مسألة الساعات الإضافيّة المدفوعة لمدير عام أوجيرو السابق عبد المنعم يوسف، فأشار إلى أنّ إنجازات كبيرة حصلت في ذلك الوقت كانت تتطلّب ساعات عمل تفوق الدوام العادي، وأنّ هناك جدول دوام للمدير العام يوثّق أوقات عمله، وقد تمّ تقديم هذا الجدول في التحقيق. 

أمّا في موضوع المساهمات الماليّة من قبل الشركات، فكرر الوزير الجرّاح ما قاله الوزير حرب لجهة أنّ الشركات هي التي تحدد ميزانيّة مساهماتها وليس الوزير، وأشار إلى استثناء حصل في أثناء توليّه الوزارة هو موضوع تكاليف بثّ مباريات العالم لكرة القدم التي كلّفت الدولة 10 ملايين دولار بعد مفاوضات عديدة. وهو لمح في ذلك إلى القضية التي أثيرت إعلاميا في 2022 والتي برز فيها أيضا اسم وزير الإعلام في 2018 النائب ملحم رياشي. وهي قضية لم تنجلِ فصولها كاملة بعد.