أزمة انتهاء ولاية قائد الجيش: سباق لتشريع على قياس أشخاص

وسام اللحام

22/11/2023

انشر المقال

بعد اقتراح القانون المقدم من نواب من كتلة الجمهورية القوية القاضي بتعديل سنّ التسريح الحكمي لقائد الجيش من أجل تفادي الشغور في موقع القيادة بسبب الخلاف السياسي المستحكم حول تعيين قائد جديد للجيش، تزاحمت الاقتراحات المشابهة التي تجد في تعديل القوانين النافذة الوسيلة من أجل الإبقاء على قائد الجيش الحالي في موقعه لفترة زمنية إضافية، في توجه يشبه تماما التوجه الذي ذهبت فيه كتل سياسية عدة عشية بلوغ المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم سنّ التقاعد، وهو التوجه الذي لم يسفر عن أي نتيجة آنذاك.

فقد تقدم النائب أديب عبد المسيح باقتراح قانون معجل مكرر في 8 تشرين الثاني 2023 من أجل تعديل السن القانونية لتسريح ليس فقط قائد الجيش كي تصبح 61 سنة بل أيضا جميع الضباط كي تصبح 57 سنة بين رتبة ملازم وعقيد، و59 سنة لرتبة عميد و60 سنة لرتبة لواء، بينما هي اليوم تتدرج صعودا بإضافة سنة واحدة من 50 سنة لرتبة ملازم إلى 60 سنة لرتبة عماد. وقد نص الاقتراح أيضا على تعديل سن التسريح الحكمي أيضا للجنود كي تصبح 56 سنة للرتباء و 54 سنة الأفراد بينما هي اليوم 48 سنة للرتباء و45 سنة للأفراد.

ولم يقتصر هذا الاقتراح على الجيش بل شمل أيضا تعديل قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي الصادر في 6 أيلول 1990 كي يصبح سنّ التسريح الحكمي للضباط مماثلا لسنّ التسريح الجديد لضباط الجيش بينما هو اليوم يبدأ من 52 سنة لرتبة ملازم وملازم أول ونقيب، ومن ثم يتدرج بإضافة سنة من رتبة رائد لرتبة لواء. وقضى الاقتراح أيضا بتعديل سن التسريح للرتباء كي تصبح 57 سنة وللأفراد 55 سنة بينما هي اليوم 52 سنة و50 سنة تباعا.

وقد ورد في الأسباب الموجبة لهذا الاقتراح بأن الأزمة المالية الحادة الراهنة "لا تسمح بتطويع عناصر جديدة لصالح هذه المؤسسات" علما أن هذا الأمر يترافق مع "تسريح للعناصر سواء لبلوغهم السن القانونية أو نتيجة تقدمهم بطلبات تسريحهم". وتضيف الأسباب الموجبة أن الغالبية من "هؤلاء العناصر هي الذخيرة المعرفية للمؤسسات العسكرية والأمنية" نظرا لخبرتهم الطويلة لا سيّما وأن "الوضع الحالي يكشف عن وجود أعداد كبيرة من العرب والأجانب على الأراضي اللبنانية، إما بصفة لاجئين، أو بصفة نازحين، أو بصفة قيد الدرس، الأمر الذي يجعل من أعباء المهام التي تتولاها هذه المؤسسات أكبر من قدرتها على مواكبة ومواجهة أوضاع هذه الفئات".

وفي السياق نفسه، تقدّم نواب من كتلة الاعتدال الوطني باقتراح قانون معجل مكرر بتاريخ 15 تشرين الثاني 2023 نص على أنه وبصورة استثنائية "يمدد سن تقاعد قادة الأجهزة الأمنية العسكريين منهم والذين يمارسون مهامهم بالأصالة أو بالوكالة أو بالإنابة والذين يحملون رتبة عماد أو لواء والذين لا يزالون في وظائفهم بتاريخ صدور هذا القانون وذلك لمدة سنة من تاريخ إحالتهم على التقاعد".

وقد برّرت الأسباب الموجبة هذا التشريع الاستثنائي "بالظروف التي تمرّ بها البلاد والتي تحول دون تعيين خلف لقائد الجيش والمدراء العامّين الأمنيين والعسكريين منهم والذين سيحالون على التقاعد في المدى القريب في ضوء التجاذبات السياسية الحالية".

وإذ نلحظ أولا أنّ هذين الاقتراحين وردا بصيغة المعجل المكرر من دون تقديم مذكرة تعلل طلب الاستعجال المكرر، ما يشكل مخالفة مباشرة للمادة 110 من النظام الداخلي، فهما يستدعيان فضلا عن ذلك الملاحظات الآتية: 

يعمد الاقتراح الأول إلى تعديل سنّ التسريح الحكمي لكل الضباط والرتباء والأفراد في الجيش وقوى الأمن الداخلي مع الخروج على المبدأ المتبع الذي يقضي بأن سنّ التسريح الحكمي يتدرج صعودا مع الرتبة احتراما لمبدأ الهرمية الذي يحكم الحياة العسكرية برمتها، إذ أصبح 57 سنة لكل الرتب من ملازم إلى عقيد في الجيش وقوى الأمن. ولا يشرح الاقتراح ما هي الأسباب التي تبرر خرق هذا المبدأ علما أن الأسباب الموجبة للقانون الصادر في 18 أيار 1994 الذي رفع سن التسريح الحكمي لقائد الجيش كي يصبح 60 بدل 59 عاما أعلنت أن هذا التعديل ضروري من أجل ضمان مبدأ التمايز في الرتب، لأن رتبة لواء كان أيضا يتم تسريح من يحملها عند بلوغها 59 عاما ما حتم حينها رفع "حدود السن والخدمة لرتبة عماد بفارق سنة اضافية لحدود السن وسنة إضافية لحدود الخدمة عن رتبة لواء حفاظا على حقوق هذه الرتبة وأسوة بالرتب الأدنى منها في سلم رتب الضباط".  

من جهة أخرى ينص الاقتراح نفسه على تعديل المادة 91 من قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي كي يصبح سن التسريح الحكمي لرتبة عماد 61 سنة علما أن هذه الرتبة لا وجود لها في قوى الأمن الداخلي بل هي تخص الجيش فقط عملا بالفقرة الأخيرة من المادة 38 من قانون الدفاع الوطني التي تنص صراحة على أن تخصص رتبة عماد لقائد الجيش فقط.

وتغيب عن الاقتراح أي دراسة تشرح التداعيات المالية على الخزينة العامة جراء تعديل سن التسريح القانوني وسن الخدمة الفعلية لكل ضباط ورتباء أفراد الجيش وقوى الأمن الداخلي لجهة استمرار دفع الرواتب لسنين أطول، ما يشكل عبءا ثقيلا على المالية العامة لا يمكن الإقدام عليه من دون وجود أرقام دقيقة تسمح لمجلس النواب بمعرفة تداعيات هكذا تشريع على التوازن المالي للدولة.

وفي حين يعمد الاقتراح الأول إلى تعديل سنّ التسريح بشكل دائم، يتّسم الاقتراح الثاني بطبيعته المؤقتة كونه يعلن أنّ تأجيل التسريح يتمّ بصورة استثنائية لفترة سنة واحدة فقط، وهو ينحصر بقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية من حملة رتبة عماد ولواء، ما يعني أن الذين سيستفيدون منه هم قائد الجيش ومدير عام قوى الأمن الداخلي ومدير عام الأمن العام بالانابة ومدير عام أمن الدولة الحاليون. كما لا يثير الاقتراح الثاني إشكالية خاصة بالمالية العامة كون التعديل لا يتعلق إلا بعدد محدود جدا من الأفراد.

وفي النهاية، يظهر أن الاقتراحين يتبعان الوسيلة نفسها من أجل تحقيق غاية سياسية واحدة تتعلق أساسا بتأجيل تسريح قائد الجيش وذلك عبر إقرار تلك الخطوة بقانون في مجلس النواب في ظلّ تعثر تعيين قائد جديد في مجلس الوزراء كما يفرضه المنطق الدستوري السليم. كما يتفق الاقتراحان على شمول التعديلات لسنّ التسريح الحكمي لقائد الجيش ومدير عام قوى الأمن الداخلي أيضا من أجل تحقيق توازن طائفي خدمة للمصالح السياسية التي تقف وراء تلك التعديلات. 

وعلى الرغم من أن الاقتراح الأول يظهر مراعاة لأصول التشريع كونه لا يتعلق ظاهريا بأفراد محددين، لكنه في نهاية المطاف ينتقص إلى التبرير ويفضي إلى النتيجة ذاتها التي يتوخّاها الاقتراح الثاني المؤقت، أي التمديد لقادة الأجهزة الأمنيّة بسبب الأوضاع الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد. فكلّ هذه الاقتراحات مهما تمت بهرجتها هي استثنائيّة وغير دستورية ليس فقط في مضمونها وقياسها على قياس أشخاص محددين والمسوغات التهويلية التي تنطلق منها، بل هي أيضا استثنائية وغير دستورية بسبب حلول مجلس النواب مكان الحكومة في اتخاذ القرارات التي تدخل في صميم مهام السلطة التنفيذية. 

للاطلاع على اقتراح قانون تعديل السن القانونية لتسريح قائد الجيش وجميع الضباط

للاطلاع على اقتراح قانون تمديد سن تقاعد قادة الأجهزة الأمنية العسكريين