الاقتراح الخامس لبلديّة بيروت: مقايضة سلطة المحافظ بالمناصفة بكلّ وضوح

نيقولا غصن

29/04/2025

انشر المقال

تقدّم النائب وضاح الصادق بتاريخ 22 نيسان 2025 باقتراح قانون معجل مكرر يرمي إلى فرض المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في بلديّة بيروت في موازاة نقل السلطة التنفيذيّة فيها من المحافظ إلى رئيس المجلس البلدي على غرار سائر البلديّات في لبنان. يأتي هذا التطوّر بعدما كانت الهيئة العامة للمجلس النيابي أحالت الاقتراحات الأربعة المطروحة في هذا الخصوص إلى اللجان من أجل تعميق درسها.  

وينص الاقتراح في مادته الوحيدة على إضافة عبارة "على أن تراعى المناصفة في عدد أعضاء المجلس البلدي للعاصمة بيروت بين المسلمين والمسيحيين" على المادة 24 من القانون رقم 665 الصادر سنة 1997 التي تحدّد عدد أعضاء المجالس البلديّة في لبنان بناء على عدد الأهالي المسجلين كما تحدد عدد أعضاء بلديتي بيروت وطرابلس بأربعة وعشرين عضوًا لكلّ منهما. أمّا بشأن الصلاحيات التنفيذيّة في بلديّة بيروت، فيقوم الاقتراح بحذف عبارة "وفي بيروت يتولّاها المحافظة" من المادة 67 من قانون البلديات (مرسوم اشتراعي 118 صادر سنة 1977) بحيث تصبح على الشكل التالي :"يتولى السلطة التنفيذيّة في البلديات رئيس المجلس البلدي". 

وتقوم الأسباب الموجبة للاقتراح بتبرير المناصفة بأنّ العاصمة بيروت هي "نموذج مصغر عن لبنان في غناه وتنوعه" وبضرورة "إبقاء بيروت رمزًا للعيش المشترك" لا سيما "انسجامًا مع الدستور الذي لا يعطي شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين في لبنان بعيدًا عن الأعداد والأحجام". 

أمّا بشأن نقل الصلاحيات التنفيذيّة إلى رئيس المجلس البلدي، تؤكّد الأسباب الموجبة على ضرورة تفعيل إنتاجيّة بلديّة بيروت التي تعاني مما يفرضه القانون من نقل صلاحياتها التنفيذيّة إلى المحافظ بحيث أصبحت العاصمة وأهلها وسكانها "أسرى التجاذبات المتكررة في غالب الأحيان بين المحافظ والمجلس البلدي ورئيسه" بحيث "فقد البيروتيون أي قدرة على محاسبة من انتخبوهم في أي استحقاق انتخابي بلدي". 

وأمام هذا الاقتراح الجديد الذي يُضاف إلى سلسلة من المبادرات التشريعيّة في الموضوع عينه وعلى أبواب الاستحقاق الانتخابي، لا بدّ من  تقديم الملاحظات التالية: 

المقايضة بلا مواربة

يمثل الاقتراح الحالي المقدّم من نائب بيروت وضّاح الصادق تعبيرا صريحًا عن منطق المقايضة الذي بات يهيمن على جزء مهمّ من خطاب أحزاب السلطة والكتل النيابية داخل مجلس النواب. فالخوف لدى البعض من فقدان المسيحيين للمناصفة في بلدية بيروت بسبب غياب الزعيم السياسي الضامن لها يقابله لدى البعض الآخر رغبة  لإجراء تغيير نوعي في العمل البلدي في العاصمة من خلال استرجاع الصلاحيات التنفيذيّة من يد المحافظ ونقلها إلى رئيس البلدية. ولا شك أن هذا التعديل في الصلاحيات لا يمكن فهمه إلا على خلفية التوزيع الطائفي للمناصب الذي وبحكم الممارسة جعل منصب المحافظ من نصيب طائفة تختلف عن تلك التي ينتمي إليها رئيس البلدية بحكم تمثيله للغالبية الطائفية التي ينتمي إليها أبناء العاصمة. 

 

وقد ظهرت هذه المقايضة بأشكال مختلفة أقل وضوحًا في الاقتراحات السابقة المقدّمة من نواب بيروت لا سيما اقتراح نواب بيروت الأربعة (بعد سحب النائبين فيصل الصايغ وفؤاد مخزومي توقيعهما) بالإضافة إلى اقتراح النائبين نبيل بدر وعماد الحوت المتعلّق حصرًا بصلاحيات المحافظ وكيفيّة كسر العرقلة من قبله لقرارات المجلس البلدي. وقد شهد المجلس النيابي في جلسته التشريعيّة الأخيرة حماوة في النقاش حول موضوع بلديّة بيروت لا سيما في مداخلة نائب بيروت نبيل بدر الذي أبدى امتعاضه من فرض المناصفة في العاصمة وحدها دون غيرها من المدن، وهو الأمر الذي يدخل بشكل واضح ضمن منطق المزايدة الطائفية التي تخدم المصالح السياسية لمختلف أركان السلطة الحاكمة.

وهكذا يتبين أن هذا الاقتراح لا يقدم أي جديد بالنسبة للاقتراحات التي سبقته لناحية التعديلات التي يقترحها بغية تعزيز اللامركزية أو اقتراح آلية مبتكرة تسمح بمشاركة الجميع وتمنع الهيمنة والاقصاء من أجل تبديد الهواجس الطائفية.

المناصفة بلا "لوائح مغلقة"، ولكن كيف؟

لا بدّ أولا من ملاحظة أن الاقتراح الحالي أسقط مسألة اللوائح المقفلة التي طُرحت في عدد من الاقتراحات السابقة وهو تطور إيجابي كونه يسمح بالإبقاء على إمكانيّة التشطيب التي تسمح بالحفاظ على هامش من الديمقراطيّة يستفيد منها الناخب الذي سيتعيد قدرته على التصويت لمن يشاء. فالتخلّي عن فكرة اللوائح المقفلة يحدّ من سيطرة الأحزاب الكبيرة على الانتخابات عبر فرض مرشحين سيتمكنون من الفوز بمجرد حصولهم على الأكثرية النسبية ما يسمح لجهة واحدة باحتكار التمثيل البلدي وتهميش كل الجهات الأخرى.   

لكنّ التخلّي عن مفهوم اللوائح المقفلة وتكريس المناصفة بنصّ قانوني يفترض إمّا جعل الترشح يتمّ مسبقًا وفقًا لمقاعد طائفيّة أو تحديد كيفيّة إعلان النتائج بحيث يتمّ ضمان أنّ المجلس البلديّ الذي سينتخب سيتألّف مُناصفةً من المسيحيّين والمسلمين. لكنّ الاقتراح الحالي يكتفي بتكريس المُناصفة من دون تحديد أي آليّة تشرح هذه التفاصيل ما يجعل منه مبهما ويعاني من قصور تشريعي لا بدّ من استدراكه.

من جهة أخرى، إنّ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين كما هي مطروحة في الاقتراح لا تترافق مع أيّ تفاصيل لجهة كيفية توزيع المقاعد على الطوائف المختلفة التي تشكل النسيج الاجتماعي لأبناء بيروت، طالما أنّ ضمان التمثيل المسيحي لم يكن أبدا الهاجس الطائفي الأوحد في العاصمة، فضلا عن أن وضع قانون لمعالجته سيفتح الباب أمام مطالبات لمعالجة سائر الهواجس.  

في الخلاصة، يمكن القول أن هذا الاقتراح يختصر الإشكاليات التي طغت على الخطاب السياسي بخصوص الانتخابات البلدية في بيروت إذ هو يقايض تعزيز اللامركزية بالحدّ من دور المحافظ بالمناصفة التي سيتم تكريسها بنص قانوني. وفيما يسجّل له التخلّي عن فكرة اللوائح المقفلة والتي تحصد جميع المقاعد بناء على أكثرية نسبيّة، فإنّه يظلّ من جهة أولى أسير المنطق السياسي السائد في لبنان الذي لا يرى في المؤسّسات الرسميّة سوى ساحة من أجل عقد تسويات طائفيّة بين المصالح السياسيّة المتضاربة. وهو يعجز من جهة ثانية، يعجز عن تطوير أفكار انتخابيّة للتّخفيف من الهواجس الطائفيّة بالصورة الأكثر توافقًا مع قواعد الديمقراطيّة، كأن يتمّ اعتماد النظام النسبي على أساس لوائح يُفرض ترتيب أسماءُ المرشّحين عليها على قاعدة تأخذ بعين الاعتبار التعدّديّة الطائفيّة والمذهبيّة.