أول جلسة مساءلة للبرلمان اللبناني منذ 8 سنوات لم تنعقد: أولوية الأسئلة للفساد والبيئة
27/03/2019
"
بعد انتظار دام 8 سنوات، دعا رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى عقد أول جلسة مخصصة لاستجواب وزراء من الحكومة، في خطوة تظهر رغبته في استعادة دوره الرقابي وإعادة إحياء ممارسة ديمقراطية، يتعين بموجبها على الوزراء إعطاء أجوبة لتساؤلات النواب، تحت طائلة استجوابهم أو طرح الثقة بهم أو بالحكومة. وكانت آخر الجلسات المخصصة للاستجواب حصلت في 2011 وتحديدا بتاريخ 14\12\2011. حدد موعد الاستجواب يوم الأربعاء الواقع في 27 آذار ثم أرجئ إلى 29 آذار، ثم أرجئ إلى أجل غير مسمّى، على أمل أن يعاد ويعين موعد للجلسة.
وكان الرئيس بري أكّد غداة نيل الحكومة الثقة، وفي أكثر من مناسبة أنّ المجلس النيابي سيمارس دوره الرقابي بأقصى الدرجات والتزم في هذا الإطار بالدعوة إلى عقد جلسات رقابية شهرية مشددًا على أنّ إجتماع 54 نائبا من كل الكتل النيابية على مكافحة الفساد (وهم النواب الذين تحدثوا عن الفساد خلال جلسات منح الثقة للحكومة) يفترض إقران القول بالفعل والذهاب في هذا الموضوع إلى النهاية والمقصود هنا بالطبع مراقبة السلطة التنفيذية في كافة أعمالها.
سنحاول هنا أن نبين محتوى جدول أعمال الجلسة التي لم تنعقد.
بداية، يظهر أنّ ما يقارب نصف الأسئلة موضوع الجلسة طرحت في 2018 (6)، وأن 7 منها طرحت في سنة 2019. كما يلحظ أن أكثر من نصفها طرحت من نائبين فقط هما إدكار طرابلسي(4) وشامل روكز(3). وقد طرحت بولا يعقوبيان سؤالين.
أما بما يتصل بمضامين الأسئلة، يظهر أن موضوعي الفساد والبيئة إستحوذا على حصة الأسد منها، بما يؤشر إلى تعاظم وترابط الاشكالات المتصلة بهاتين المسألتين في لبنان، بعدما باتت غالبية الكوارث البيئية مقرونة بشبهات فساد.
فمن أصل 13 سؤال يتضمنها جدول الأعمال، هناك 5 أسئلة مخصصة للموضوعين المذكورين 3 منها مخصصة للموضوع البيئي وهي على التوالي:
-
السؤال المقدم من النائب بولا يعقوبيان حول تلوث كامل الشاطئ بسبب رمي النفايات في البحر، وبذلك تتابع يعقوبيان معركتها البيئية في مواجهة مكبات النفايات والمطامر،
-
والسؤال المقدم من النائب شامل روكز حول التلوث البيئي على طريق جونية البحرية من خلال إنبعاثات غاز ثاني أوكسيد النيتروجين في الهواء والسؤال المقدم من النائب فريد هيكل الخازن حول التلوث البيئي في منطقة كسروان. ويأتي هذان السؤالان في أعقاب ما أعلنت عنه منظمة Greenpeace في نهاية شهر تشرين الأول 2018، وقد جاء فيه أن مدينة جونيه تحتل المرتبة الخامسة عربياً و23 عالمياً من حيث نسبة تلوث الهواء. وكانت المفكرة القانونية قد علّقت على تقرير المنظمة المذكورة في مقالها المنشور بتاريخ 10\11\2018 تحت عنوان " تلوث الهواء يقتل في جونيه: كيف نوقف المجزرة؟"
أما الأسئلة المتصلة بالفساد، فقد تمحورت حول التوظيفات الحاصلة في السنة السابقة للانتخابات النيابية. وفي هذا الإطار، برز السؤال المقدم من النائب بولا يعقوبيان حول توظيف أكثر من 5000 شخص خلاقًا للقانون والسؤال المقدم من النائب زياد حواط حول التوظيف العشوائي في القطاع العام. ويلحظ أن السؤال الأخير ذكّر بأحكام المادة 21 من القانون 46\2017 التي أشارت الفقرة الأولى منها على أنّه تُمنع جميع حالات التوظيف والتعاقد بما فيها القطاع التعليمي والعسكري بمختلف مستوياته وإختصاصاته وفي المشاريع المشتركة مع المنظمات الدولية المختلفة إلا بقرار من مجلس الوزراء بناءً على تحقيق تجريه إدارة الأبحاث والتوجيه.
وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أنّ البحث في موضوع التوظيف العشوائي في القطاع العام لم يقتصر على توجيه أسئلة للحكومة من قبل النواب بل تعداه إلى مرحلة بحث هذا الموضوع على طاولة لجنة المال والموازنة التي بدأت جلستها المعقودة في 26\2\2018 بمناقشة تقريري التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية المتعلقين بالتوظيف والتعاقد في الإدارات والمؤسسات العامة. وهي لم تنته من ذلك لغاية اليوم حيث تستمر بعقد جلسات أسبوعية للبحث في هذا الموضوع مع دعوة الوزراء الذين حصل توظيف عشوائي في وزاراتهم لحضور هذه الجلسات من أجل الإستماع إليهم. وكان رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان قد صرح بأنّ ملف التوظيف سيبقى مفتوحا مهما استغرق من وقت وذلك حتى الوصول إلى النتيجة المرجوة وإزالة المخالفات المرتكبة.
ومن أهم الأسئلة الأخرى المطروحة، الآتية:
-
السؤال المقدم من النائب شامل روكز حول المسؤولية عن رقابة التلكؤ والتأخير في المحاكمات وعن خطة الحكومة للحد من التجاوزات التي تحصل في مدة التوقيف الإحتياطي. ويأتي هذا السؤال في ظل ارتفاع نسبة الموقوفين احتياطيا واكتظاظ السجون بسكانها. ويلحظ أن النائب نفسه كان تقدم باقتراح قانون التعويض عن التوقيف الاحتياطي، والذي يلحظ إعطاء تعويضات للموقوفين الذين تثبت براءتهم في حالات عدة.
-
السؤال المقدم من النائب جورج عقيص حول أسباب إهمال القطاع الزراعي اللبناني.
أما الأسئلة الأخرى، فقد اتصلت بدفع تعويضات من باب التضامن الاجتماعي. وهذا ما نقرأه في السؤال المقدم من النائب ألبير منصور حول عمل الهيئة العليا للإغاثة في محافظة بعلبك الهرمل وحول تعويضات أبناء المنطقة المستحقة في ذمة الهيئة المذكورة، بالإضافة إلى سؤالين قدمهما النائب إدكار طرابلسي حول عدم إنهاء ملف التهجير في كل من منطقة حيلان (قضاء زغرتا) ومنطقة المية ومية (قضاء صيدا). كما أن النائب نفسه طرح سؤالين آخرين يتصلان بمخيم المية ومية، الأول، حول عدم وصول الجيش اللبناني إلى حدود المخيم، والثاني حول التمنع عن تنفيذ أحكام قضائية صادرة بموضوع إخلاء وإزالة تعديات عن عقارات واقعة في هذا المخيم.
وعند الاتصال بالنائب إدكار طرابلسي، أشار للمفكرة إلى صلاحياته ودوره كنائب في مساءلة الحكومة وتمثيل المواطنين وتحصيل حقوقهم ومن بينهم الفئة التي يتعلق بها سؤاله بشأن توسع مخيم المية ومية جنوب النهر الأولي في منطقة صيدا. وهو يشير إلى أن وزارة المهجرين وصندوق المهجرين سددا لشاغلي المنطقة شمال غرب مخيم المية ومية (ناحية السرايا) بدلات إخلاء، فيما لم يدفع أي بدلات للقاطنين في أملاك اللبنانيين في الجزء الشمالي إلى الشرق ناحية مستشفى الهمشري". وقال النائب طرابلسي "نريد أن نعرف السبب في التمييز بين اللبنانيين من جهة، وما الذي منع استكمال الإخلاء لتعود الحقوق إلى أصحابها".
أما السؤال الثاني الذي وجهه معلوف إلى وزارة الدفاع فيتعلق بالمنطقة التي سيطر عليها الجيش اللبناني في إثر اشتباكات العام 1992 في محيط مخيم المية ومية عينه. يومها، وفق طرابلسي، "استعاد الجيش مساحة 15 ألف متر مربع من أملاك اللبنانيين وأراضيهم، بعدما وصل إلى حدود المخيم التاريخية قبل توسعه، ولكنه عاد وأخلى هذه المساحة، وعاد ليشغلها الذين كانوا قد سيطروا عليها منذ العام 1986 خلال الحرب في لبنان. ويقصد طرابلسي من سؤاله إلى الحكومة ومنها إلى وزارة الدفاع، الوقوف على الأسباب والحيثيات التي أدت إلى التراجع عن هذه الأملاك وعدم تسليمها إلى أصحابها الحقيقيين "أصحاب الحق بها".
وزارة العدل، ومعها وزارة الداخلية، حصدتا حصة من أسئلة النائب طرابلسي "هناك أحكام قضائية أنصفت أصحاب الحقوق وهي كثيرة، لماذا لم يتم تنفيذ هذه الأحكام؟ وما هو السبب المانع لقيام الجهات الرسمية المولجة بذلك إعادة الأملاك، بناء للأحكام القضائية إلى أصحابها؟ "نريد أن نعرف السبب، والعوائق"، يقول.
ومن المية ومية إلى بلدة حيلان في قضاء زغرتا. إثر حرب 1995، تهجرت حيلان التي يصلها أهلها عبر قضاء الضنية بينما هي تتبع إداريا إلى زغرتا. بعد الحرب، وفق طرابلسي، مسح صندوق المهجرين حيلان ولكن لم يدفع قرشا واحداً لأهلها للعودة ولم يدفع لشاغليها أيضاً لإخلائها "هي الملف الوحيد المتروك من إرث ما حصل خلال الحرب، نريد أن نعرف لماذا لم يُحل ملفها لغاية اليوم". السؤال طبعا إلى الحكومة وعبرها إلى وزارة المهجرين والصندوق.
وأشار طرابلسي أنه سأل وزير المهجرين غسان عطالله عن الملف وأعلمه الأخير أنه في طريقه إلى الحل قريباً. وختم طرابلسي بالتأكيد أن خلفية أسئلته تتعلق فقط بحقوق اللبنانيين إلى أي فئة انتموا وليس لها أي طابع مناطقي أو طائفي.
كما تقدم النائب روكز بسؤال للحكومة حول عدم قيام الوزارات بالخطوات المطلوبة منها في قانون السير لتأمين سلامة الطرقات.
مقالات ذات صلة:
هكذا أجاز نواب لبنان إقتراض 19 مليار د.أ: الإجازة بمبادرة نيابية ولا نقاش حول الإستدانة بالعملات الأجنبية
نقاش نيابي حول الموارد البترولية في الأراضي اللبنانية: خلاف سياسي تحت غطاء خلاف حول صلاحية المؤسسات
النواب يستجيبون لدعوة وزير المالية بمخالفة الدستور: لبنان تحت حكم قاعدة الإثني عشرية مجددا
"