8 أو 15 أيار موعداً للانتخابات النيابية… إذا حصلتْ

إيلي الفرزلي

25/11/2021

انشر المقال


حتى اليوم، لا يعرف اللبنانيون موعد الانتخابات النيابية المقبلة. التاريخ السائد ربطاً بتوصية مجلس النواب وبالتعديلات التي أجراها على قانون الانتخابات، هو 27 آذار 2021. لكن كل المؤشرات منذ إقرار القانون الرامي إلى تعديل بعض مواد القانون الرقم 44 تاريخ 17/6/2017 (انتخاب أعضاء مجلس النواب) في 19/10/2021، تدلّ على عكس ذلك. الإشارة الأوضح وردتْ في مرسوم ردّ القانون الذي وقّعه رئيس الجمهورية في 22/10/2021، طالباً فيه من مجلس النواب إعادة النظر بالتعديلات التي أقرّها، وهي تتعلق بشكل رئيسي بــ: 

- تعديل بعض التواريخ والمهل القانونية، لتتماشى مع موعد 27 آذار.

- تعليق العمل «استثنائيّاً ولمرّة واحدة» بالبطاقة الإلكترونيّة الممغنطة.

- تعليق العمل «استثنائيّاً ولمرّة واحدة» بالمقاعد الـ6 المخصصة في مجلس النواب لغير المقيمين.

ففي مرسوم الردّ، كان رئيس الجمهورية حاسماً في رفضه توقيع أيّ مرسوم يُجدّد موعد الانتخابات في 27 آذار. وهو أشار حرفياً إلى أنه "في حال وضع مشروع مرسوم عادي بتحديد تاريخ إجراء الانتخابات النيابيّة القادمة في 27 آذار 2022، لما وافق رئيس الجمهوريّة على توقيعه وإصداره…". وعليه، فهو لن يُوقّع المرسوم، إلّا إذا حُدّد موعد الانتخابات بين تاريخين: 8 أيار أو 15 أيار، وهما آخر أحدَيْن قبل انتهاء ولاية المجلس في 21 أيار.

قبل مرسوم الردّ، كانت الأكثرية النيابية سعت إلى تثبيت تاريخ 27 آذار موعداً للانتخابات، من خلال إصدار توصية في اجتماع اللجان النيابية المشتركة في 7/10/2021 إلى الحكومة باعتماد ذلك التاريخ موعداً للانتخابات، ثم إقرار اقتراح قانون بتعديل بعض مواد قانون الانتخابات، بما يتناسب مع التوقيت الموصى به. 

في الجلسة التشريعية التي عقدت في 19/10/2021، تم تثبيت هذا التاريخ من خلال تقصير المهل المتعلّقة بالقوائم الانتخابيّة وتعميمها والإعلان عنها في وسائل الإعلام وتصحيحها وتجميدها، بما يتلاءم مع التاريخ الجديد. 

رفض رئيس الجمهورية توقيع القانون، وردّه إلى مجلس النواب، حيث عمدتْ اللجان المشتركة مجدّداً إلى تثبيت تعديلاتها ولم تأخذ بملاحظات رئيس الجمهورية. والأمر نفسه حصل في الجلسة التشريعيّة التي عقدت في 28/10/2021، فتمّ تأكيد قرار اللجان بأكثرية 77 نائباً. أي أن المجلس النيابي ثبّت مرّتَيْن قراره غير المباشر في تحديد موعد الانتخابات. وهو قرار لم يسبقْ أن اعتمده مجلس النواب في كل الدّورات التي سبقت، انطلاقاً من أنه يمثّل صلاحية منوطة بالسلطة التنفيذية. صحيح أن المجلس لم يذكرْ الموعد في صلب القانون، لكنه ذكره في الأسباب الموجبة، وبنى عليه كل التعديلات. 

كل هذه الإشكاليات شكّلت جزءاً من الطعن الذي قدّمته "كتلة لبنان القوي" إلى المجلس الدستوري في 17 تشرين الثاني الحالي، بعدما أصبح القانون نافذاً حكماً بعد خمسة أيام من إقراره، بسبب عدم توقيعه من قبل رئيس الجمهورية. 

بحسب المعلومات، عقد المجلس اجتماعاً في اليوم الذي تلا، وعيّن مقرّراً يفترض أن يُعدّ تقريره خلال عشرة أيام. وبحسب المعلومات أيضاً، فإن المجلس لم يتخذ القرار بتجميد القانون ريثما يبتّ بالطعن، ما يعني أن المهل كلها لا تزال قائمة. وعلى سبيل المثال، لا يزال تاريخ 5 كانون الأول موعداً لإصدار القوائم الانتخابية الخاصة بالمغتربين، بعد أن يصار إلى تصحيحها. كما لا يزال تاريخ 20 تشرين الثاني هو تاريخ تعيين لجنة الإشراف على الانتخابات (عدم تعيينها يعني استمرار اللجنة الحالية بمهامّها، إلى حين انتخاب البديل). ولا تزال وازرتا الداخلية والخارجية ملزمتين بإنجاز قوائم المسجلين من غير المقيمين خلال 40 يوماً بدلاً من 90 يوماً (سبق أن راسلت "الخارجية" وزارة الداخلية مؤكدة أنها لن تتمكّن من الالتزام بهذه المهلة).

اللافت أن المعنيين في الحكومة لا يتعاملون مع تاريخ 27 آذار بجدية، لكن مع ذلك فإن وزارة الداخلية مضطرة للالتزام بالمهل الجديدة إلى حين حسم تاريخ الانتخابات، الذي سبق أن حدده وزير الداخلية السابق محمد فهمي في 8 أيار. وهو التاريخ الذي يبدو الأكثر ترجيحاً، إضافة إلى تاريخ 15 أيار. لكن متى يتم حسم هذه المسألة؟

حتى اليوم، لا يبدو أن مرسوم دعوة الهيئات الناخبة سيصدر قبل بتّ المجلس الدستوري بالطعن. ففي حال قبل المجلس الدستوري الطعن وأبطل المواد المتعلّقة بتعديل المهل، يكون موعد 27 آذار قد سقط حُكماً، إذ أن العودة إلى قانون العام 2017 تعني أن القوائم الانتخابية ستُجمَّد في 30 آذار، بدلاً من الأوّل من شباط، أي بعد الموعد المفترض للانتخابات، ولما يستحيل إجراء الانتخابات في شهر رمضان، المصادِف في شهر نيسان، فإن الموعد الأرجح سيكون 8 أيار.

أما في حال لم يبطلْ المجلس هذه المواد، فإن الانتخابات تصبح ممكنة الحدوث في 27 آذار، إذا التزمت الحكومة بهذا التاريخ، بالنظر إلى تعديل المهل القانونية، لكنها ستكون ممكنة أيضاً في أيار. ويكفي لحدوث ذلك، أن لا تأخذ الحكومة بالتوصية النيابية، وأن يُحدِّد وزير الداخلية موعداً جديداً للانتخابات. وهو إذا فعل، لن يكون بحاجة إلى العودة إلى المهل القديمة. فالمادة 35 المعدلة، تشير إلى أنّ القوائم الانتخابية المجمّدة في الأول من شباط تُعتمد في أيّ انتخابات تجري خلال المهلة التي تبدأ في الأوّل من شباط 2022، ولغاية الأوّل من شباط 2023، وبالتالي لا ضرورة لتثبيت تاريخ 30 آذار موعداً لتجميد القوائم الانتخابية، وإنْ يبدو ذلك أكثر عدالة كونه يسمح للمزيد من الشباب الذين أتمّوا الـ21 عاماً بالمشاركة في الانتخابات.

العين على وزارة الداخلية التي يُفترض أن تدعو الهيئات الناخبة قبل 90 يوماً، في الحد الأدنى، من موعد الانتخابات. وفي حال ذهبت إلى تحديد 8 أيار، فإن ذلك لن يستدعي تعديلاً في قانون الانتخاب. وإنْ كان التعديل يمكن أن تفرضه أمور أخرى مثل وجود خطأ أو تضارب في أحكامه. وهو ما أشار إليه الخبير الانتخابي محمد شمس الدين فعلاً، إذ أوضح أنه يوجد تضارب بين المادتَيْن 28 و35 من جهة، والمادة 32 من جهة أخرى، فالمادتان الأوليان تشيران إلى تجميد القوائم في الأوّل من شباط، فيما تنصّ المادة الثالثة على إمكانية إضافة أسماء الناخبين الذي بلغوا سنّ الـ21 بتاريخ يوم الانتخاب المقبل إلى القوائم الانتخابية.

التيار الوطني الحر، كما رئيس الجمهورية، ركزّ على أن موعد 27 آذار يمكن أن يعرّض العمليّة الانتخابيّة بمجملها لنسبة عالية من الإحجام عن مشاركة الناخبين في الاقتراع العام بسبب العوامل الطبيعيّة والمناخيّة التي غالباً ما تسود في آذار (أمطار وعواصف رعديّة وثلوج)، فيما سبق للطرف المقابل أن اعتبر أن هذا التاريخ هو الأنسب، لاسيما وأن تأجيل الانتخابات إلى أيار سيصعّب إمكانية تنظيم حملات انتخابية في شهر رمضان. مع ذلك، فإن كثراً لا يصدقون أن الصراع قائم لهذين السببين فقط، انطلاقاً من أنه مهما كانت الملاحظات على الموعد، فإن نتيجة الانتخابات لن تتأثّر. أكثر التحليلات ترجيحاً، تذهب في اتجاه تحميل المسؤولية للتوتّر الدائم بين الرئاستَين الأولى والثانية. إلّا أن ذلك لا يلغي حقيقة تسبُّبه في ارتباك انعكس على التحضير للانتخابات. وإذا ما أضيف الارتباك الذي يمكن أن ينجم عن صدور قرار الدستوري في ما يخص انتخاب المغتربين لممثلين ستة عنهم، بغض النظر عن وجهة هذا القرار، فإن السؤال عن تطيير الانتخابات برمّتها يبقى حاضراً. إذا قُبل سيكون المغتربون على موعد مع انتخاب نواب يمثلونهم، لكن عندها لا يُتوقّع أن تقبل كتل حركة أمل والمستقبل والقوات والاشتراكي بهذه النتيجة، ويمكن أن تعقد جلسة لإعادة تعديل القانون بالأكثرية التي قد يفرضها المجلس الدستوري. أما في حال لم تُعقد هكذا جلسة أو لم يتمكن المجلس من تمرير هذا التعديل مجدداً، ستدخل الانتخابات في إشكالية أخرى تتعلق بكيفية إدارة العملية الانتخابية الخاصة باستحداث مقاعد ستة للمغتربين، حيث ستكون الحكومة أمام امتحان إصدار المراسيم التطبيقية. وهي إشكالية يُخشى أن تشكّل سبباً لتأجيل الانتخابات.

وإذا رُفض الطعن، لا يُتوقّع أن يسلّم العونيون بسهولة، إذ سيتسلّحون بتوقيع رئيس الجمهورية لمرسوم دعوة الهيئات الناخبة. فهل هنالك من يفتعل المشاكل لعرقلة الاستحقاق الانتخابي، أم أن هذه العراقيل محصورة بالمناكفات السياسية؟ ثمة من يجزم أن الاشتباك الداخلي المفتعل لا وظيفة له سوى تطيير الانتخابات، انطلاقاً من أن ثلاث قوى أساسية تبدو مأزومة في العلاقة مع جمهورها، أي "التيار الوطني الحر" و"المستقبل" و"أمل" وتفضّل تأجيلها. أما قوة الدفع المضادة، فمحصورة بالضغط الدولي الذي حسم النقاش باكراً: لا مساعدات ولا برنامج مع صندوق النقد قبل الانتخابات. علماً أن أي تأجيل أو تمديد سيحتاج لاجتماع مجلس النواب، فهل سيتمكن المجلس من تأمين النصاب عندها، وهل تتحمل الكتل النيابية تداعيات هكذا خيار؟