اقتراحات التمديد لقائد الجيش تصل إلى ستة: تعدّدت المبرّرات والتمديد واحد
21/11/2024
تقدم بتاريخ 19 تشرين الثاني 2024 عدد من النواب باقتراحات قوانين ترمي جميعها ضمنًا إلى التمديد لقائد الجيش في منصبه وتأتي جميعها في سياق الحديث القائم حول إمكانيّة وصول القائد إلى رئاسة الجمهوريّة، وبالتالي ضرورة عدم إضاعة هذه الفرصة عليه نظرًا إلى قرب إحالته إلى التقاعد في كانون الثاني 2025. غير أنّ هذه الاقتراحات أتت مختلفة في صياغتها لا سيما في فئات العسكريين الذين يستفيدون أيضًا من التمديد بحسب كلّ اقتراح، لذلك كان لا بد من استعراضها وتبيان الاختلافات التي توجد بينها قبل تحليلها لناحية مضمونها.
الاقتراح الأول تقدّم به أعضاء كتلة الاعتدال الوطني وهم النواب محمد سليمان ووليد البعريني وسجيع عطيّة وأحمد رستم وأحمد الخير وعبد العزيز الصمد ويأتي بصفة المعجل المكرر. يرمي هذا الاقتراح إلى تمديد "سنّ تقاعد قادة الأجهزة الأمنية العسكريين منهم والذين يمارسون مهامهم بالأصالة أو بالوكالة أو بالإنابة والذين يحملون رتبة عماد أو لواء والذين لا يزالون في وظائفهم بتاريخ صدور هذا القانون وذلك لمدة سنة من تاريخ إحالتهم إلى التقاعد". ويأتي اقتراح هذه الكتلة مطابقًا للاقتراح التي تقدمت به الكتلة نفسها السنة الماضية بالاشتراك مع نواب من كتلة التوافق ولبنان الجديد ونواب مستقلون والذي أقره المجلس النيابي وقد تمّ الطعن به أمام المجلس الدستوري الذي لم يتمكن من البت به نظرًا لفقدان النصاب في جلساته وانصرام المهلة القانونية لإصدار القرار ما جعله نافذا على الرغم من الشوائب الدستورية الكثيرة التي تعتريه.
أمّا الاقتراح الثاني فقد جاء أيضا بصيغة المعجّل المكرّر وتقدّم به نواب كتلة التوافق الوطني عدنان طرابلسي وفيصل كرامي وحسن مراد ومحمد يحيى وطه ناجي. ويتبيّن من مضمون اقتراحهم أنّهم أخذوا بعين الاعتبار مبدأ الشموليّة الذي أُخذ على القانون الصادر السنة الماضية عدم التقيّد به، إذ جاء اقتراحهم لينصّ على التمديد وبصورة استثنائية سن التقاعد "للعسكريين في الجيش والقوى الأمنية (أمن داخلي، أمن عام، أمن دولة وجمارك) الذين لا يزالون في الخدمة الفعلية بتاريخ صدور هذا القانون" على أن يكون هذا التمديد لسنتين من تاريخ الإحالة إلى التقاعد. وأخيرًا، نصّ الاقتراح على فقرة ثانية تفتح المجال لمن يرغب بأن يطلب "الإحالة إلى التقاعد عند بلوغه السن القانونية التي يتقاعد فيها حاليًّا حسب رتبته وفق القوانين والأنظمة المرعية الإجراء قبل صدور هذا القانون".
أمّا الاقتراح الثالث فتقدم به النائب جميل السيّد بصيغة مكتوبة باليد. وهو أيضًا ارتدى صيغة الاستعجال المكرر. يعمد هذا الاقتراح إلى "تمديد خدمة الضباط في الخدمة الفعليّة من رتبة عميد وما فوق، من مختلف الأسلاك العسكريّة والأمنيّة والجمارك، الذين بلغوا أو يبلغون السن القانونيّة للتقاعد خلال عام 2024 لمدة سنة إضافيّة". ويضيف الاقتراح في مادته الوحيدة أنّ هذا القانون يطبّق أيضًا "على العمداء وما فوق الذين يبلغون السن القانونية عام 2025 ممن لم تمدد خدماتهم عام 2024".
أمّا الاقتراح الرابع والأخير فتقدّم به عضوان من كتلة لبنان الجديد هما عماد الحوت ونبيل بدر ويحمل بدوره صفة المعجل المكرر. وينص هذا الاقتراح بصورة استثنائية إلى تمديد سن تقاعد "العماد قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، العسكريين منهم، والذين يمارسون مهامهم بالأصالة أو بالوكالة أو بالإنابة، ويحملون رتبة عماد أو لواء، ولا يزالون في وظائفهم بتاريخ صدور هذا القانون، وذلك لمدة سنة من تاريخ إحالتهم إلى التقاعد بموجب أي قانون سابق". ويضيف الاقتراح في فقرة ثانية أنّه "يمدد سن تقاعد العسكريين الراغبين منهم ويحملون رتبة عميد وما فوق ولا يزالون في وظائفهم بتاريخ صدور هذا القانون، وذلك لمدة سنة من تاريخ إحالتهم على التقاعد".
لا بد من التذكير قبل المضي في إبداء الملاحظات على هذه الاقتراحات المختلفة بالاقتراحين السابقين في الموضوع نفسه: الأوّل مقدّم من النائب جورج عدوان وهو يرمي إلى التمديد سن التسريح الحكمي لمن يحمل رتبة عماد بشكل دائم، أمّا الثاني وهو مقدم من النائب جهاد الصمد فيفتح المجال أمام التمديد لجميع الراغبين من موظفين في القطاع العام بصورة استثنائيّة لمدّة سنة واحدة.
جرّاء ما تقدّم، يمكن إبداء الملاحظات التالية على هذه الدفعة الجديدة من الاقتراحات التمديدية عبر مناقشتها لجهة أسبابها الموجبة ومضمونها:
مسوّغات قانونية لقرار سياسي بالتمديد
تنطلق جميع هذه الاقتراحات من الظروف الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان من أجل تبريرالتمديد لكنها تختلف بعض الشيء لناحية تداعيات شغور رئاسة الجمهورية على عمل مؤسسات الدولة ما يؤدي إلى تعطيل دور مجلس الوزراء ويحتم تدارك الفراغ عبر تدخل مجلس النواب من أجل إقرار تشريعات استثنائية في هذا المجال.
ففيما أستُهلّت الأسباب الموجبة لاقتراحات الاعتدال والتوافق ولبنان الجديد في التشديد على الظروف الأمنية وحالة الحرب، والظروف الاستثنائيّة التي تعيشها البلاد نظرًا "للحرب الهمجيّة العدوانيّة" التي يشنّها العدو الإسرائيلي، إلّا أنّ اقتراح النائب جميل السيّد انطلق مباشرة من فكرة أن الفراغ الرئاسي هو الذي يمنع صدور التعيينات في مختلف الأسلاك العسكريّة ممّا يبرّر التمديد.
وفي هذا الإطار، يظهر من الأسباب الموجبة لاقتراحي السيّد والحوت وبدر اعتبارهما أن التعيين في ظلّ الفراغ الرئاسي غير ممكن وأن الحكومة غير قادرة دستوريًّا على القيام بهذه المهمة. فقد اعتبر اقتراح النائب جميل السيّد أن الاستمرار في الفراغ الرئاسي "قد منع ويمنع صدور تعيينات في مختلف الأسلاك العسكريّة والأمنيّة"، بينما ذهب اقتراح الحوت وبدر إلى حد القول بأن الحكومة غير قادرة على اتخاذ أيّة قرارات خارج "الإطار المرسوم لها دستوريًّا" من دون تحديد ما هو المقصود بهذا الإطار.
ولا شكّ أن هذه التبريرات تشير إلى فهم خاطئ لدور الحكومة بتعيين قائد جديد للجيش في ظلّ الفراغ الرئاسي. فحتى لو كانت الحكومة مستقيلة ويقتصر دورها على تصريف الأعمال لكن الظروف الاستثنائية التي تشير إليها جميع تلك الاقتراحات التي يمرّ بها لبنان تجيز للحكومة بأن تمارس صلاحياتها كاملة من أجل مواجهة الحالة الاستثنائية والتي تحتم منع الفراغ في قيادة الجيش وسائر الأجهزة الأمنية، ما يعني أن مجلس الوزراء يستطيع أن يصدر وكالة عن رئيس الجمهورية المراسيم الضرورية بتعيين قادة جدد لتلك الأجهزة. وهكذا يتبين أن المانع الحقيقي الذي يحول دون ممارسة الحكومة لصلاحياتها حتى لو كانت مستقيلة هو سياسي بامتياز نظرًا إلى الخلاف الحاصل بين رئيس الحكومة والمرجعيّة السياسيّة لوزير الدفاع ما يؤدّي إلى تعطيل مجلس الوزراء الذي لا يستطيع أن يقر تعيين قائد جديد للجيش إلا عبر اقتراح يأتي من الوزير المختص أي وزير الدفاع الذي يتوجب عليه أيضا التوقيع على مرسوم التعيين عند صدوره. وإذا كان الخلاف السياسي يمنع تعيين قائد جديد للجيش ما يفرض اللجوء إلى السلطة التشريعية لتدارك "الفراغ" لكن هذا الواقع لا ينطبق على سائر الأجهزة الأمنية لا سيما مدير عام الأمن الداخلي ومدير عام الأمن العام كونهما يتبعان لوزارة الداخلية التي يمكنها بكل بساطة تقدير اقتراح بتعيين قادة جدد لتلك الأجهزة.
ولا شك أن الأسباب الموجبة لاقتراح النائب جميل السيد تنقل النقاش إلى مكان مختلف تماما كونها لا تكتفي بتبرير التمديد بحجة وجود حكومة مستقيلة أو الفراغ الرئاسي إذ تعلن صراحة التالي: "لمّا كانت تلك التعيينات تصدر عن مجلس الوزراء، في حين أنّ فراغ سدّة الرئاسة يجعل أيّ تعيين منقوصًا من الناحية الدستوريّة والميثاقيّة". فهذا الاقتراح يؤدي إلى إقحام مفهوم الميثاقية من أجل تبرير تعطيل دور مجلس الوزراء ليس انطلاقا من اعتبارات دستورية صرفة لكن عبر تسويغ هذا التعطيل لأسباب طائفية. فالميثاقية مفهوم سياسي مبهم ما يجعلها أداة اعتباطية جاهزة لتبرير أي تصرف كان بحجة الحفاظ على مصالح الأحزاب الحاكمة بحجة التوازن الطائفي.
إلّا أنّ اقتراح النائب السيّد لا يتوقّف عند هذا الحدّ بل يشير في فقرة ثالثة وأخيرة من أسبابه الموجبة إلى أن جمود التعيينات وإحالة بعض كبار ضباط إلى التقاعد سيؤدي إلى فراغ تلك المواقع أو تعيين بدلاء فيها بالوكالة ما يعني "حرمان ضباط موارنة من تولّي القيادة" وهو إقرار بتخصيص قيادة الجيش إلى ضابط من الطائفة المارونية ما يشكل مخالفة مباشرة للمادة 95 من الدستور التي تنص بشكل واضح على عدم تخصيص أي موقع في مختلف إدارات وأجهزة الدولة إلى طائفة معينة.
وهكذا يصبح جليا أن جميع هذه المسوغات لا تستقيم من الناحية الدستورية لتبرير التمديد لقائد الجيش. فحتى شمول التمديد لسائر الضباط من مختلف الأجهزة العسكرية والأمنية لم تحتمه حاجة موضوعية بل ضرورة التخفيف من الواقع الفج والسافر للتمديد حصريا لقائد الجيش الحالي في ظل استمرار الحديث عن الحفاظ على حظوظ هذا الأخير عند انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
اعتماد مبدأ الشموليّة، إلّا في اقتراح واحد
من الملاحظ أن ثلاثة اقتراحات تنبّهت للشوائب الدستورية التي اعترت القانون الذي صدر السنة الماضية في موضوع الشموليّة وعدم حصر التشريع في أشخاص. وقد ظهر هذا الأمر جليا في فتح إمكانيّة الاستفادة من التمديد لعدد أكبر من العسكريين في بعض الاقتراحات هي اقتراح كتلة التوافق الوطني واقتراح لبنان الجديد واقتراح النائب جميل السيّد وذلك على غرار ما كان ذهب إليه النائب جهاد الصمد (وإن توسعت الشمولية في هذا الاقتراح لتضم مجمل موظفي الدولة) لكن بدرجات متفاوتة.
فقد سمح اقتراح النائب جميل السيّد لجميع حملة رتبة عميد وما فوق في جميع الأسلاك العسكريّة الاستفادة من التمديد شريطة أن يكونوا من الذين أحيلوا أو سيحالون على التقاعد خلال عام 2024 أو 2025. لكن المستغرب أن هذا الاقتراح يطبق على من سبق وأن بلغ سن التسريح الحكمي ما يعني أن الضباط الذين تركوا الخدمة وانقطعوا نهائيا عن مهامهم سيتمكنون من العودة إلى مناصبهم بعد فترة الانقطاع هذه ما يخلق حالة من البلبلة في الأسلاك العسكرية بسبب عودة بعض الضباط إلى الخدمة بينما يكون قد حل غيرهم في القيام بوظائفهم السابقة.
وكذلك احترم اقتراح الحوت وبدر مبدأ الشمولية لكن عبر اتباع وسيلة مختلفة. فقد تبنى الاقتراح في فقرته الأولى صيغة مشابهة للقانون الذي صدر السنة الماضية لجهة التمديد لقادة الأجهزة الأمنية من رتية عماد أو لواء لكنه أضاف في فقرته الثانية إمكانية استفادة جميع العسكريين من رتبة عميد وما فوق من التمديد لسنة. وهكذا يكون هذا الاقتراح قد فرض التمديد لبعض الضباط لكنه جعل هذا التمديد اختياريا لفئة أخرى من الضباط من دون تحديد الآلية التي سيتمكن من خلالها هؤلاء الضباط من إبداء رغبتهم بالبقاء في مواقعهم لسنة إضافية.
ولا شك أن اقتراح كتلة الوفاق الوطني كان الأكثر شمولية وقد شدد على ذلك في أسبابه الموجبة إذ أعلن "أن التجارب الوطنيّة السابقة أثبتت أن الحل السليم لأي أزمة يكون بالحلول الشموليّة وتشمل الجميع، ولا يكون بالحلول الترقيعيّة أو المخارج التي تعتمد الاستنسابيّة في الاستثناء، وتضرب مبدأ المساواة بين كلّ المؤسسات". فقد فتح هذا الاقتراح باب التمديد لجميع العسكريين على مختلف رتبهم في جميع الأسلاك العسكريّة والجمارك من دون حصرها بالعمداء، بالإضافة إلى أنّه، وخلافًا لكلّ الاقتراحات الأخرى، قد حدد مدة التمديد بسنتين بدلًا من سنة واحدة. وقد تفرّد الاقتراح أيضًا في أنه سمح للراغبين في التقاعد عند بلوغهم سن التشريح الحكمي المعمول بها في القوانين النافذة حاليا من طلب ذلك، أي أنه خولهم إمكانية اختيار عدم الاستفادة من التمديد لكنه مجددا لم يحدد الآلية الواجب اتباعها من أجل استلام هذه الطلبات ولا المهلة التي يتوجب خلالها على الشخص المعني إبداء رغبته بعدم الاستفادة من التمديد.
أمّا كتلة الاعتدال، فقد خالفت الكتل الأخرى وأبقت، كما في اقتراحها السّنة الماضية، على حصر التمديد بحملة رتبة عماد ولواء، متجاهلة بذلك مبدأ شموليّة التشريع ما يعني أن هذا الاقتراح في حال إقراره سيكون معرضا أكثر من غيره للإبطال بسبب مخالفته الدستور كونه يؤدي إلى استفادة أشخاص محددين فقط منه ويخل بمبدأ المساواة هذا فضلا عن ضربه مبدأ الأقدمية في الأسلاك العسكرية.
اقتراحات من دون أرقام
إن احترام مبدأ الشمولية وإن كان بدرجات متفاوتة في الاقتراحات الثلاثة ستكون له تداعيات مالية أكيدة على خزينة الدولة بسبب العدد الكبير من المستفيدين منه. لذلك كان من المتوقع أن تعمد هذه الاقتراحات إلى تقديم دراسات تشرح التقديرات المتوقعة للكلفة المترتبة على التمديد لجهة الرواتب وتعويضات نهاية الخدمة. ولا شك أن غياب مثل هذه الدراسات يعيد تسليط الضوء على الأزمة الحالية التي يمرّ بها لبنان إذ أن إدارة شؤون الحكم باتت تتم عبر السلطة التشريعية من خلال تبني قوانين ظرفية ومؤقتة، بينما السلطة التنفيذية التي من المفترض أن تمتلك جميع المعطيات المطلوبة غائبة عن تأدية دورها الدستوري الطبيعي.