اقتراحا قانون لـ "تعليق المهل" بفعل الحرب: خطر إطالة التعدي تحت غطاء حفظ الحقوق

حلا نجّار

19/11/2024

انشر المقال

إثر الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد نتيجة العدوان الإسرائيلي على لبنان منذ تشرين الأول 2023 حتى تاريخه والذي بلغ ذروته منذ أيلول الحالي، عمد كل من النائبين بوليت يعقوبيان[1] وإبراهيم كنعان[2] منفردين إلى تقديم اقتراحيْ قانون معجّليْن مكرّريْن يهدفان إلى تعليق المهل القانونية، القضائية والعقدية بين تاريخ 8/10/2023 و31/3/2025 ضمناً، على أن تعود المهل المذكورة إلى السّريان مجدداً بانقضاء مهلة التعليق. وفيما جاء اقتراح النائب إبراهيم كنعان مماثلا لمضمون قانون تعليق المهل 160/2020 الذي أقرّ أول جائحة كورونا على إثر إعلان التعبئة العامة، اعتمدت النائبة بوليت يعقوبيان بدورها هذا القانون مع إضافة بعض التفاصيل إليه.

ويهدف الاقتراحان وفق أسبابهما الموجبة إلى صون العدالة وحماية حقوق المواطنين (المكرّسة دستورياً) حفاظاً عليها من الضياع، لعدم إمكانية ممارستها في خلال المهل القانونية والقضائية والعقدية بسبب العدوان الإسرائيلي الذي يشهده لبنان منذ 8/10/2023 والذي توسّع بشكل كبير وخطير إلى حرب طاحنة طالت معظم المناطق اللبنانية اعتبارا من 23/9/2024. وبالتالي كان من الضروري تدخّل السلطة التشريعيّة لتعليق المهل أسوة بما حصل في مراحل سابقة من تاريخ البلاد في ظروف مماثلة (كجائحة كورونا وحرب تموز 2006). كما أضافت يعقوبيان إلى مبررات اقتراحها ما جاء في قرارات المجلس الدستوري الثلاثة[3]  الذي ردّ بموجبها الطعون المقدّمة بالقانون 325/2024 (المتعلّق بالتمديد للمجالس البلدية والاختيارية) معللاً أن العدوان قد شلّ الحياة العامة في مناطق واسعة من لبنان اعتباراً من 8/10/2023، بسبب الاعتداءات والتهديدات شبه اليومية بتوسيع رقعة الاعتداءات وتدمير لبنان وبناه التحتية وعاصمته (...). لتخلص يعقوبيان إلى الإشارة أن الوضع زاد تفاقماً وتوسّع اعتباراً من تاريخ 23/9/2024 مما حال بفعل القوة القاهرة المتآتية عن ذلك العدوان دون ممارسة أشخاص الحقين العام والخاص لحقوقهم خلال المهل القانونية والقضائية والعقدية.

وقبل المضي في تفصيل مضمون هذين الاقتراحين تمهيدا لإبداء الملاحظات عليهما، يجدر التذكير أنّ المجلس النيابي كان قد أقرّ خلال جلسة 29 آذار 2022، بموجب القانون 257/2022،  آخر تمديد لتعليق بعض المهل الناتج عن جائحة كورونا (والتي انتهت بتاريخ 31/3/2022).

أحكام مشتركة للاقتراحين

نصّ الاقتراحان تفصيلاً على الآتي:

  • يعلّق حكماً سريان جميع المهل القانونية والقضائية والعقدية الممنوحة لأشخاص الحقّين العام والخاص بهدف ممارسة الحقوق على أنواعها، سواء أكانت هذه المهل شكلية أم إجرائية أو امتد أثرها إلى أساس الحق. يشمل هذا التعليق مهل الموادّ الإدارية والمدنية والتجارية، كما يشمل المهل القانونية لانعقاد الهيئات العامة العائدة للنقابات والجمعيات والتعاونيات وسائر الهيئات المنبثقة عنها.
  • تعليق المهل في المواد الجزائية، المقرّرة للمدعي الشخصي أو للمدعى عليه أو للمتهم للطعن بالدفوع الشكلية والأحكام والقرارات النهائية. ويستفيد من هذا التعليق المسؤول بالمال والضامن فيها يختص بالقرارات القابلة للطعن منهما.
  • استمرار النقابات والتعاونيات بهيئاتها العامّة والتنفيذية في أعمالها لغاية انقضاء مهلة التعليق وتبقى قائمة برئيسها وأعضائها ومجالسها وهيئاتها، وتعتبر قانونية الأعمال التي تقوم بها وفقاً للأحكام المحدّدة في قوانينها وأنظمتها.

وقد نصّ الاقتراحان على أن كل حكم مُبرم لم يراع فيه تعليق المهل الملحوظة في هذا القانون يكون قابلاً لإعادة المحاكمة من تاريخ نفاذ هذا القانون.

كما تضمّن الاقتراحان ستّة استثناءات لا تستفيد من أحكام تعليق المهل وهي:  

  • المهل القضائية التي يُترك للقاضي أن يقدرها،
  • المهل الممنوحة من الإدارة أو المحدّدة من قبلها تبعاً لسلطتها الاستنسابية،
  • مهل الإسقاط ومرور الزمن والترك وإخلاء السبيل في القضايا الجزائية (على أن تبقى المهل المحدّدة لممارسة الحقوق الشخصية معلّقة فيها)،
  • جميع المهل القانونية والمهل المتعلّقة بانعقاد الهيئات العامة للنقابات والتعاونيات التي تمّ عقدها قبل صدور هذا القانون،
  • المهل المتعلّقة بشؤون العائلة من نفقة ووصاية ومشاهدة وسواها،
  • وأخيراً، المهل الواردة في قانون الإيجارات الصادر بتاريخ 9/5/2014 وتعديلاته.

كما أتاح الاقتراحان للفرقاء في الاتفاقيات والعقود أن يتنازلوا عن مفعول التعليق شرط أن يكون التنازل صريحاً وخطياً.

 

إضافات اقتراح يعقوبيان

فيما عدا ذلك، تميّز اقتراح النائبة بوليت يعقوبيان بثلاثة مواضيع لم يتطّرق لها اقتراح النائب إبراهيم كنعان. وهي الآتية:

أولاً "تعليق مفاعيل البنود التعاقدية المتعلّقة بالتخلّف عن تسديد الديون والقروض والمستحقات المالية ومفاعيل التخلّف عن تسديد الضرائب والرسوم بمختلف أنواعها بحيث لا تسري على المدين أو المكلّف بها أي جزاءات قانونية أو تعاقدية، بما في ذلك أي زيادة على معدّل الفائدة بسبب التعليق اعتباراً من تاريخ سريان هذا القانون، وتعلّق جميع الإجراءات القانونية والقضائية والعقدية والإدارية التي بوشر أو يباشر بها خلافاً لأحكام هذا القانون، وتتوقف مهلة مرور الزمن المسقط للحق فيما خصّها خلال مدة نفاذه".

ثانياً حدّد الاقتراح وجوب تسديد جميع الأقساط والدفعات المالية التي علّقت بمقتضى هذا القانون ضمن جدولة جديدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات.

وأخيراً، يعطي للحكومة إمكانية تمديد فترة تعليق المهل المحدّدة في هذا القانون بموجب مرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء.

 

تعليق مهل من دون مبرر

كما سبق وأشرنا أن الاقتراحين يهدفان إلى تعليق المهل المذكورة ضمن الفترة الممتدّة من تاريخ 8/10/2023 ولغاية 31/3/2025 ضمناً.

إلا أن العدوان الاسرائيلي وتداعياته بقي محصوراً لغاية 23/9/2024 في عدد من المناطق أبرزها محافظتي الجنوب والنبطية. وبالتالي فإنه من غير الملائم تعميم وضع استثنائي مسيطر على بعض المناطق وسحب مفاعيله على كل المناطق اللبنانية. وكان من الأجدى تعليق المهل جزئياً في المناطق التي طالتها الأعمال الحربية وتركها في المناطق الأخرى التي كانت الحياة فيها شبه طبيعية نظرا لما لتعليق المهل من مفاعيل سلبية على الحقوق. 

كما أنه لا نفهم المغزى من وراء توسيع تعليق المهل حتى تاريخ 31/3/2025 ضمناً فيما الأصح تعليقها لغاية صدور القانون. ونعطي مثالاً على ذلك، قانون تعليق سريان المهل[4] (وهو قانون نافذ حكماً) الذي صدر إثر حرب تموز سنة 2006 والذي حصر نطاق تطبيقه بين 12/7/2006 وتاريخ نفاذه (أي تاريخ نشره القانون في الجريدة الرسمية وهو 21/12/2006).

وأخيراً، والأخطر من ذلك كلّه إعطاء اقتراح يعقوبيان الحكومة إمكانية تمديد المهلة المذكورة ضمنه بعد انتهائها (أي 31/3/2025) من دون تقييد هذه الصلاحية بأي شروط موضوعية، بموجب مرسوم يُتّخذ في مجلس الوزراء.

 

وجوب توسيع المهل المستثناة من التعليق 

إن الاقتراحين يستعيدان العديد من أحكام قوانين تعليق المهل السابقة من دون تقييم مفاعيلهما السلبية، وبخاصة لجهة مدى ملاءمة الاستثناءات الواردة فيها. ويهمنا هنا التنبيه إلى الأمور والمخاطر الآتية والتي سبّق وأشار إليها المرصد البرلماني في مقالات سابقة له وهي:

  • لم يستثنِ اقتراحا القانون المهل القانونية المعطاة لتسوية وضعية غير قانونية أو تعدّ معيّن على الأملاك العامة (الأملاك العامة البحرية أو النهرية، شبكة الإنترنت..)، وذلك درءًا لتحوّل المهلة من مهلة لحفظ الحقوق إلى مهلة لتأبيد الاعتداء. وكان قانون تعليق المهل استخدم سابقا لتطويل أمد المهلة لتسوية المخالفات في إشغال الأملاك العامة البحرية، على نحو عرّض ملكية الدولة والمصلحة العامة لمزيد من الاستباحة دون أي مبرّر، وبشكل مخالف للدستور (المادة 15). وقد آل تمديد المهل آنذاك إلى تطويل الاعتداء تحت غطاء الحفاظ على الحقوق.
  • لم يستثن القانون أيا من المتعاقدين مع الدولة لاستئجار أبنية أو إدارة مرافق عامة، مما قد يؤدي إلى انعكاسات سلبية على الخزينة العامة ومخططات إدارة الأملاك والمرافق العامة. وهنا يجدر التنبيه إلى أن أصحاب الامتيازات (وضمنا كازينو لبنان وشركة طيران الشرق الأوسط) كانوا استفادوا [1] من قوانين تمديد المهل لتمديد التعاقد معهم انطلاقا من قوانين تعليق المهل السابقة.
  • استثنى الاقتراحان المهل الواردة في قانون الإيجارات من التعليق، مما يعني سريان المهلة القانونية الأخيرة التي يفضي انقضاؤها إلى تحرير الإيجارات، وتعريض الحق بالسكن الميسّر للعديد من المواطنين إلى خطر كبير، لا سيما مع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة والنزوح الهائل للأهالي، وانعدام أي حلول بديلة تقدّمها الدولة التي امتنعت حتى اليوم عن تأمين التمويل الضروري للصندوق الخاص بمساعدة المستأجرين القدامى. كل ذلك مع التذكير أن المجلس الدستوري كان قد أسند اعتباره لقانون الإيجارات دستورياً إلى احترام شرط التوفيق بين حقي السكن والملكية الدستوريين.
  • إن تعليق المهل على الوجه الذي ورد في الاقتراحين يؤدّي عمليّا إلى تعليق مهل تصاريح الموظفين العامين بموجب قانون الإثراء غير المشروع أيضا.
  • أن من شأن تعليق المهل على الوجه الذي ورد في الاقتراحين تفويت الفرصة على الخزينة بتحصيل إيرادات ضريبية. وبذلك، نكون قد أصبحنا أمام تهرّب ضريبي مقونن يستفيد منه من لم يسددوا الضرائب خلال الفترة المنصرمة. كما وسيجعل الدولة عاجزة أكثر فأكثر عن مواجهة المتطلبات المالية ومن أبرزها ضرورة رفع رواتب الموظفين العامين على اختلاف فئاتهم.

 

 


[1] مقدّم بتاريخ 6/11/2024

[2] مقدّم بتاريخ 12/11/2024

[3]رقم 5/2024 و6/2024 و7/2024 تاريخ 28/5/2024

[4]القانونية والقضائية والعقدية المعطاة لأشخاص الحق العام والحق الخاص من أجل ممارسة الحقوق على أنواعها في المواد الإدارية والمدنية والتجارية، وذلك سواء أكانت هذه المهل شكلية أم إجرائية أم امتد أثرها إلى أساس الحق