اقتراح "إعادة التوازن المالي": شطب الودائع وحماية السارقين

إيلي الفرزلي

09/01/2023

انشر المقال

تبدأ يوم غد الثلاثاء لجنة المال والموازنة مناقشة اقتراح قانون "إعادة التوازن إلى الانتظام المالي" (الخطة المالية)، وهو أحد القوانين المطلوبة من صندوق النقد الدولي.

في الاتفاق المبدئي مع الصندوق، والذي أقرّته الحكومة في أيار الماضي طُلب أيضاً إقرار موازنة 2022 وقانون رفع السرية المصرفية، وهما القانونين الوحيدين اللذين سلكا طريق الإقرار. كما طلب إقرار قانون وضع ضوابط على السحوبات والتحويلات (الكابيتال كونترول) الذي يُناقش في اللجان النيابية المشتركة وقانون معالجة أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها (هيكلة المصارف) الذي يُشكل آخر أضلع الهرم الإصلاحية والذي لم يعرف سبب عدم تحويله إلى مجلس النواب حتى اليوم. 

وفيما المراوحة كانت سيدة الموقف في مناقشة قانون الكابيتال كونترول، الذي رُبط إقراره مؤخراً بإقرار القوانين الإصلاحية الأخرى. ونتيجة التأخير في إقرار تلك القوانين، صار مؤكداً أن الاتفاق سيشهد تعديلاً لناحية تحديد الأرقام إن كان في ما يتعلق بسعر الدولار أو بقيمة الخسائر (على سبيل المثال كان حُدّد سعر الصرف ب20 ألف ليرة)، أضف إلى أنه قد يكون بديهياً المطالبة بإقرار موازنة 2023 التي تأخر إقرارها عن الموعد الدستوري (كانت اعتبرت موازنة 2022 تصحيحية على أن تكون موازنة 2023 إصلاحية). لكن بالرغم من إمكانية تفعيل الورشة التشريعية، إلا أن عوائق عديدة ستكون بالمرصاد أمام إقرار القوانين المطلوبة، أبرزها عدم عقد جلسات تشريعية في ظل الفراغ الرئاسي، بما يرجّح إنجاز هذه القوانين في اللجان، على أن يكون إقرارها جزءاً من التسوية التي تشمل الاتفاق على اسم رئيس الجمهورية واسم رئيس الحكومة وطبيعة الحكومة ودورها. وهذا السياق يؤكد أنّ اللامبالاة التي رافقت مرحلة ما بعد إقرار الخطة وصولاً إلى يوم قرر رئيس المجلس النيابي دعوة لجنة المال إلى الانعقاد، تُعزّز الاعتقاد أن الخطة الوحيدة للسلطة كانت ولا تزال شراء الوقت والتأكيد أن الطبقة الحاكمة لا تملك بين يديها أي حل لإخراج اللبنانيين من الأزمة التي تسببت بها. بل على العكس كلما تقدمت خطوة في سياق "الإصلاح" كلما ازداد وضوحاً أن الهدف الوحيد لها هو ضمان الإفلات من العقاب. 

إسقاط "حماية المودعين" من اقتراح القانون

إلى ذلك الحين، فإن لجنة المال والموازنة النيابية ستبدأ بمناقشة اقتراح قانون الإطار لإعادة التوازن إلى الانتظام المالي المقدّم في 16 كانون الأول الماضي من النائبين جورج بوشكيان (فُصل من كتلة الطاشناق بعد مشاركته في الجلسة الحكومية الأخيرة) وأحمد رستم (عضو كتلة الاعتدال الوطني) المقرّبين من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. الاقتراح هو نسخة عن مسودة مشروع القانون التي كان يفترض أن تقرها الحكومة ويجسّد الخطة المالية التي أقرّتها قبل تحوّلها إلى تصريف الأعمال في أيار 2022، بهدف توزيع الخسائر واسترداد الودائع (أرسلت رئاسة مجلس الوزراء مسودة المشروع بالإضافة إلى مسودة مشروع هيكلة المصارف إلى الأمانة العامة لمجلس النواب، في سبيل إيجاد مخرج للسير في القانون، فكان الاتفاق على توقيعهما من النواب كاقتراحي قانون، وهو ما يشكل عملياً تخطياً لمبدأ الفصل بين السلطات، بما يلغي الدور الرقابي للمجلس النيابي، لاسيما أن القانون يفترض أن يمثل خطة الحكومة للخروج من الأزمة). 

القانون المقترح لا يخرج عن سياق السعي إلى الإفلات من العقاب. إذ بعدما كانت المادة الأولى في مسودة مشروع القانون تعتبر أن الهدف منه هو "تحديد الإطار القانوني العام لمعالجة الفجوة المالية للنظام المصرفي في لبنان وتداعياته على المودعين وفقاً لأولوية تضمن حماية المودعين لأقصى حدّ ممكن…"، ارتأى واضعو المشروع ومن ثم الاقتراح التحرّر من هذا الالتزام وإلغاء المادة بكاملها.

تفتح المادة الثانية من الاقتراح الباب أمام استعمال أصول الدولة لتغطية خسائر القطاع المصرفي. فهي تشير إلى أن الدولة ستضمن مصرف لبنان ومصرف لبنان سيضمن المصارف، فتقوم الدولة باستعادة الملاءة المالية لمصرف لبنان بالعملة الأجنبية عبر إعادة رسملته بمليارين ونصف مليار دولار من خلال: سندات مالية أو أي وسيلة أخرى. كما تؤكد على وجوب اتخاذ ما يلزم في سبيل معالجة قسم من التزامات مصرف لبنان للمصارف بشكل يؤمن تغطية الديون التي قد تكون مستحقة للمصارف تجاه مصرف لبنان. 

بشكل مبهم، تشير الفقرة الثانية من المادة نفسها إلى "اتخاذ ما يلزم في سبيل استعادة الأموال المتأتية من جرائم الفساد وفقاً للقوانين النافذة لاسيما القانون رقم 214 بتاريخ 8/4/2021". هذا القانون مرّ عليه 20 شهراً، ورغم ذلك لم يسمع أحد باسترداد أي مبلغ أو بزجّ أي فاسد في السجن. وبالتالي، فإن الإشارة إليه في المشروع الجديد واستعمال عبارة "اتخاذ ما يلزم" يعزز لا جدية واضع النص في استرداد هذه الأموال. من يريد التنفيذ حقاً ما عليه، بحسب العضو في جمعية المكلفين اللبنانيين المحامي كريم ضاهر، سوى وضع مدقق حسابات يقوم بالتدقيق بكل الحسابات والأملاك الخاصة بالموظفين الحكوميين من الفئة الرابعة وحتى رئيس الجمهورية، والمقارنة بين ما كانوا يملكونه قبل العمل العام وما بعده، على أن تعتبر أمولاً غير مشروعة كل المبالغ التي تفوق نسبة محددة تُقرّر مع كل حالة. والأمر نفسه يمكن أن يحصل مع التحويلات إلى الخارج، ولا سيما تحويلات المصرفيين والأشخاص المعرّضين سياسياً، على أن يُجبروا على ردّ كل الأموال المشبوهة المحوّلة بالدولار النقدي. 

"الودائع المؤهلة" تحمي الودائع غير المشروعة 

يدخل اقتراح القانون في تفاصيل لا تؤدي سوى إلى تشتيت المسؤوليات، ليصل إلى تحميل المودعين، ومن خلفهم كل الناس، المسؤولية عن الموبقات التي مارستها المصارف ومن خلفها مصرف لبنان. أما أسوأ ما في المشروع، فهو فرز الودائع بين ودائع مؤهّلة وأخرى غير مؤهلة. ووفق التصنيف الحكومي يمكن لأموال الفساد أن تكون مؤهّلة، فيما يمكن لودائع المتقاعدين، على سبيل المثال، أن تكون غير مؤهلة. فالمادة الخامسة من الاقتراح تُصنّف الودائع غير المؤهلة بأنها تلك التي حُوّلت إلى عملات أجنبية بعد 17 تشرين الأول 2019 (يتوقع أن تُحوّل إلى الليرة على سعر 8000 ليرة أو 15 ألف ليرة في حال عدل سعر اللولار)، فيما تعتبر أموالاً مؤهلة كل الودائع الأخرى. ولا تأخذ هذه المادة بعين الاعتبار أن المصارف هي التي وافقت على هذه التحويلات وأن معظمها وضعت شروطاً حرمت المودعين من التصرف بأموالهم، كحجز المبلغ بعد تحويله لمدة سنة أو أكثر أو كحرمان الوديعة من الفائدة… في حين كان المحظّيون من أصحاب الودائع المشبوهة قادرين على سحب الأموال نقداً أو تحويلها إلى الخارج بشكل استنسابي تتحكم فيه المصارف ولا تزال. 

أما الفرز الذي كان يجب أن يحصل بين ودائع مشروعة وودائع غير مشروعة، فقد حصل شكليا فقط. فالمادة التاسعة التي تدعو المصارف إلى تحديث استمارة "اعرف عميلك" (KYC) لكلّ مودع تتخطّى "وديعته المؤهّلة" المليون دولار أميركي أو ما يوازيه، عدلت في النسخة الأخيرة لتبدأ بعبارة "بُغية تحديد الودائع المشروعة وغير المشروعة"، من دون أن ترفق بأي آلية لتحديد مدى المشروعية، وبخاصة أن المجلس النيابي رفض منح الهيئات الرقابية المصرفية أي دور في الاطلاع على الحسابات الشخصية للمودعين في معرض وضع قانون رفع السرية المصرفية. 

الأغرب أن فرز هذه الودائع سيكون من مهام المصارف "القابلة للاستمرار" (بحسب التعريف المحدد في قانون هيكلة المصارف)، في تأكيد على إعفائها من أي مسؤولية، وفتح المجال أمامها وأمام هيئة الرقابة على المصارف لمزيد من الاستنساب. 

في المادة السادسة من الاقتراح يُشار إلى تسديد 100 ألف دولار لكل مودع في حال كان المبلغ من الودائع المؤهلة يساوي أو يتجاوز هذا المبلغ، وكامل المبلغ في حال كان يقل عن 100 ألف دولار. لكن هذه القاعدة ليست عامة وهي لا تسري على جميع المودعين ولا على جميع المصارف. من يتحكم بهذه الآلية بصلاحيات واسعة هو الهيئة المصرفية العليا، بصفتها الهيئة المختصة بإعادة هيكلة المصارف، فهي التي تضع آلية ومعايير تحويل كامل أو جزء من رصيد المبلغ المحدد إلى الليرة على أساس سعر منصة صيرفة. وهي التي يمكنها بالصفة نفسها أن تحدد سقفاً ضمن مبلغ إجمالي وسعراً يقل عن سعر صيرفة لتحويل جزء من، أو كامل، الرصيد الذي يزيد عن 100 ألف دولار إلى الليرة. وأثناء إجراء هذه العملية يتم حسم فائض الفوائد المستحقة التي تم دفعها منذ سنة 2015 لقاء الوديعة المؤهلة لدى المصارف القابلة للاستمرار من رصيد الوديعة التي تفوق 100 ألف دولار، على أن يحدد المجلس المركزي لمصرف لبنان هذا الفائض وفقاً لمعدل الفوائد السنوية.

لا ضمانة للودائع وتشريع الليلرة 

في استمرار للقرارات غير القابلة للتنفيذ، تشير الفقرة الثالثة من المادة السادسة إلى "إجراء ما يلزم لمطالبة أصحاب الودائع المؤهلة في "المصارف اللبنانية القابلة للاستمرار" الذين حوّلوا هذه الودائع إلى الخارج أو استعملوها لتسديد التزامات أو استثمارات مالية أو عقارية أو غيرها بإعادة ما يوازي قيمة فائض الفوائد. أيضاً العبارة لا توحي بجدية المطالبة بهذه الأموال. فقانون استرداد الأموال المحولة إلى الخارج موجود ولا يُنفّذ وقانون الإثراء غير المشروع موجود ولا يُنفّذ.

الفقرة الرابعة من المادة السادسة تنص على تحويل رصيد المبالغ التي تفوق 100 ألف دولار إلى أدوات رأسمالية أو أوراق مالية مصدرة من "صندوق استرجاع الودائع" أو من خلال أي إجراء ينصّ عليه قانون معالجة أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها.

لا يوارب المشروع في الإشارة إلى أن ردّ الودائع إلى حدّ ال100 ألف دولار لا يشترط فقط أن تكون الوديعة مؤهلة. إذ لا قيمة لهذه الوديعة إلا إذا كان "المصرف قابلاً للاستمرار". ما يعني بوضوح أنه ليس كل الودائع المؤهلة ستكون قابلة للاسترداد، بل يجب أن يكون المصرف مؤهلاً للاستمرار، وإلا فإن الوديعة تصبح في خانة القانون رقم 28/67 المتعلق بضمان الودائع المصرفية، بحيث لا يزيد مبلغ الضمان عن 75 مليون ليرة حالياً، بما يعني أن الودائع مضمونة فعلياً إلى حدود 2000 دولار لا أكثر. المادة العاشرة لا تترك مجالاً للشك. إذ يرتبط استرجاع الودائع أو أي قسم منها بوضعية كل مصرف وخصوصاًَ ملاءته وسيولته بعد أن يكون قد خضع لأحكام قانون إعادة هيكلة المصارف. وعليه، فإن مبلغ ال100 ألف دولار الذي يفترض أن يسترده كل مودع مشروط بـ:

  • أن يكون المصرف قابلاً للاستمرار.
  • أن تكون الوديعة مؤهّلة، أي لم تحوّل من الليرة إلى الدولار وأن يحسم منها فائض الفوائد منذ العام 2015.
  • أن تسمح الوضعية المالية للمصرف المعني بردّ الوديعة. 
  • أن لا تُدفع الوديعة بالعملة التي أودعت بها فقط، بل عبر قسمين، نقداً وبالليرة، مع إمكانية أن يتم دفع كامل المبلغ بالليرة، فالهيئة المصرفية العليا هي التي تحدد معايير تحويل كامل أو جزء من الوديعة إلى الليرة على أساس سعر صيرفة الذي سيصبح سعر السوق عند توحيد أسعار الصرف (الفقرة الأولى من المادة السادسة).
  • أن تقسّط على سنوات عديدة (يفترض أن تكون 7 سنوات). 

تشريع استعمال أصول الدولة 

صندوق استرداد الودائع، المُنشأ بموجب المادة 12، هو الشماعة التي ستُرمى عليها عملية الهيركات التي تطال الودائع المصرفية التي تزيد عن 100 ألف دولار، خاصة أن أي مصادر تمويل مشار إليها في المادة 14 لن تكون واقعية، ما يرجح أن تكون الودائع هي الممول الوحيد للصندوق، الذي يفترض أن يمول من:

- جزء من أصول المصارف بما في ذلك رأسمالها وإيداعها لدى مصرف لبنان وشهادات الإيداع الصادرة من قبله لصالحها.

- مساهمة مالية من المصارف توازي نسبة أرباحها.

- حقوق مصرف لبنان المتعلقة بإمكانية استفادته من إيرادات الأموال المسروقة والمهرّبة وغير المشروعة.

- بعض الإيرادات المستقبلية للدولة في حال تحقق عدد من الشروط (تجاوز هذه الإيرادات معايير محددة مقارنة بدون مشابهة، وصول الدين العام إلى أقل من المستوى المستهدف، المحافظة على النفقات الاجتماعية وعلى إمكانية تمويل أي عجز في الموازنة من غير مصرف لبنان، إتمام برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي بنجاح).  

وعليه، فإن الصندوق يستوعب كل التزامات الدولة ومصرف لبنان تجاه المصارف وأصول الحسابات المصرفية، بالرغم من أن المصارف من دون ملاءة. 

- أوراق مالية أو سندات يصدرها الصندوق لصالح المودعين وتمثّل حقوقاً مالية للمصارف كل بنسبة مساهمته في الصندوق، بغية إعادة دفع الودائع لأصحابها. 

المسؤول غير مسؤول

أمام كل ذلك، يسأل ضاهر لماذا يُطلب من الدولة ضمان 70 مليار دولار من بينها 40 ملياراً غير مشروعة؟ ليعيد التأكيد أنه لا يمكن للطبقة المرتكبة أن تعيد الثقة إلى القطاع المصرفي، بل على العكس أولى علامات استعادة الثقة هي محاسبة هؤلاء. أما عن "كذبة رد الودائع حتى 100 ألف دولار"، والتي تحتاج إلى نحو 20 مليار دولار، فيسأل: من أين يمكن تأمين هذا المبلغ؟ لذلك، بالنسبة له من يريد أن يخرج من الأزمة عليه تقديم خطة واضحة تُحدّد المسار الفعلي للخروج منها، وبالتالي لا يمكن للقانون أن يكون جدياً من دون تقديم دراسة عملية عن الأصول والديون والودائع مع تحديد المسؤول عن التنفيذ وضمن أي مهلة زمنية، ومع التأكيد على المسؤولية الشخصية لا السياسية لمن يتقاعس عن القيام بدوره. وعليه، يُخشى أن تكون الخطة الوحيدة المطروحة اليوم هي بيع الكلام إلى حين تثبيت الهيركات وشطب الودائع، مع إظهار نوع من الضمانات، ومن دون أن يعني ذلك إنقاذ البلد. 

باختصار، يبدو المشروع بالنسبة لكثيرين عبارة عن براءة ذمّة للقطاع المصرفي. والأخطر أنه يكرسّ هذه الحماية من خلال جعل القانون فوق الدستور من خلال الإشارة إلى أنه يتمتع بالصفة الاستثنائية ويهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وتندرج أحكامه في إطار الانتظام العام. وكل ذلك من دون تحميل المسؤولية لأي طرف ومن دون تحديد مكامن الخلل أو إجراء مسح شامل يفترض أن يسبق وضع القانون.

معركة بين الناس لا مع السلطة 

الخطة واضحة بحسب ضاهر. صندوق النقد لا يعطي الأولوية لتسديد الودائع إلا بعد التأكد من وجود فائض أولي (نسبة الدين للناتج المحلي أقل من 100%) يضمن استدامة الدين وتأمين شبكة أمان اجتماعي. وهذا المطلب ليس مرتبطاً بحس اجتماعي لدى الصندوق بقدر الحاجة إلى ضمان استرداد أمواله المقدرة ب3 مليار دولار، وهو ما لن يكون ممكناً من دون استقرار اجتماعي، فمن دون هذا الاستقرار لا استثمار اقتصادي ولا إيرادات ضريبية تُخوّل لبنان ردّ الدين. 

وعليه، صارت خطة السلطة بدلاً من القول إنه لا يمكن الاتفاق مع الصندوق لعدم القدرة على شطب 72 مليار دولار، التوجّه إلى إشهار رفض شطب الدين وتسديد 100 ألف دولار لكل مودع بالتقسيط وبحسب إمكانية كل مصرف. وهذا يؤدي إلى عدم إمكان اعتبار المصارف مفلسة، فهي التي ستُدير الدفة وهي التي ستُقرّر من الصالح منها ومن ليس صالحاً وهي التي ستصدر آلية رد الأموال. وبالتالي كل ذلك يقود إلى تعزيز عملية الإفلات من العقاب، إلا إن كان ثمة من يصدق أن السلطة مهتمة بالحصول على 3 مليار دولار من صندوق النقد، في الوقت الذي صرفت فيه ما يزيد عن 30 مليار دولار دون أن يرفّ لأحد جفن. وهذا يقود إلى أن الأولوية الفعلية هي لتحديد من يدفع الثمن عنها: كل الناس أم المودعون فقط؟ بمعنى آخر، سيكون الخيار بين بيع أصول الدولة لتسديد الودائع وبالتالي تحميل مجمل المواطنين مسؤولية تسديد أموال المودعين، وشطب هذه الودائع، بما يؤدي إلى تحميل المودعين وحدهم تبعات السياسات الكارثية التي اتّبعت على مرّ السنين. وهذا باختصار، يؤدي إلى نقل المعركة لتكون بين فئات الشعب: مودعون من جهة وغير مودعين من جهة أخرى، لا بين الناس والطبقة السياسية التي، بعدما أمعنت في السياسات الإفلاسية على مرّ 30 سنة، تثبت منذ العام 2019 أن جلّ همها هو حماية نفسها لا إنقاذ البلد.