اقتراح الصندوق السيادي للنفط يسبق عصره: كأن الاستخراج سيبدأ غداً

إيلي الفرزلي

25/07/2023

انشر المقال

عاد اقتراح قانون إنشاء الصندوق السيادي للنفط إلى الواجهة مجدداً. فبعدما أنجزته اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة المال، عقدت اللجنة الأم اجتماعاً بشأنه الأسبوع الماضي، من دون أن تتمكن من استكمال الاجتماع الثاني أمس، بسبب عطل في المولّد الكهربائي الخاص بالمجلس. 

اللجنة كانت حرّكت الملف في اجتماع عقد في 18 تشرين الثاني 2022، أعقب اتفاق الترسيم البحري، عادت وفعّلته قبيل بدء عملية الاستكشاف في الرقعة رقم 9، بالرغم من أن لا رابط بين الأمرين. ولأن 3 اقتراحات قوانين بشأنه كانت مقدّمة من كتل: التنمية والتحرير، لبنان القوي، اللقاء الديموقراطي، تقرّر حينها تشكيل لجنة فرعية برئاسة النائب ابراهيم كنعان لتوحيد الاقتراحات، والخروج بصيغة موحّدة (أضيف اقتراح جديد قُدّم من كتلة الجمهورية القوية). احتاجت اللجنة الفرعية لثمانية أشهر، عقدت خلالها 8 اجتماعات، لتحوّل نصاً واحداً إلى اللجنة الأم. لكن هذا النص، لا يزال غير متوافق عليه كلياً بين كل الكتل، ويُتوقع أن ينتقل الخلاف بشأنه إلى الهيئة العامة. 

الخلاف ليس تقنياً ولا علمياً، بل سياسي طائفي يتعلق بسلطة الوصاية على الصندوق. لا يهم هنا التجارب التي عُرضت أمام اللجنة ومنها عرض قدّمه خبير نروجي، بل الأهم هو كيفية السيطرة على الصندوق، على افتراض أنه منجم ذهب يفوز من يضع يده عليه. ولذلك، أصرّت كتلة التنمية والتحرير على أن تكون سلطة الوصاية لوزير المال، فيما أصرّ تكتل لبنان القوي على أن يكون رئيس الجمهورية هو الوصي على الصندوق. الاقتراحان الآخران لا يدخلان في "معركة" الوصاية، وإن يميلان إلى أن يكون لمجلس الوزراء، عبر وزير المالية، دور في الوصاية على الصندوق، على اعتبار أن أعضاء مجلس الإدارة هم في النهاية موظفون يتم اختيارهم وفق قواعد اختيار موظفي الفئة الأولى (يرى نائب في التيار الوطني الحر أنه يُفترض بمدير عام الصندوق أن يكون في مرتبة الوزير، وبالتالي لا يجوز أن تكون الوصاية عليه من قبل وزير). 

عدا ذلك جرى التوافق على أغلب النقاط في اللجنة الفرعية، ولم يتوقف أحد عند مبرر الدخول في تفاصيل إنشاء صندوق سيادي مع هيئاته الإدارية التي تضم عشرات الموظفين قبل سنوات طويلة من بدء الحصول على الإيرادات. بل ساروا في نقاشات تفصيلية توحي أن استثمارات الصندوق ستبدأ غداً. إذ تشير دراسات هيئة إدارة البترول إلى أن لا عائدات فعلية ستصل إلى لبنان قبل 7 إلى 10 سنوات. فمع وصول الحفارة في 22 آب المقبل، ستحتاج عملية الاستكشاف إلى نحو شهرين. وإذا ثبت وجود مخزون تجاري، فإن الغاز، في حال اعتماد عمليات تطوير سريعة، لن يصل إلى معمل الزهراني قبل 5 سنوات بالحدّ الأدنى. علماً أن الأولوية ستكون في فترة الاستخراج الأولى لاسترداد الشركات لرأسمالها، قبل أن تبدأ تقاسم عائدات الغاز مع لبنان. وعليه، لا ضرورة منذ الآن للدخول في عملية إنشاء محافظ (يُحدد الاقتراح الحالي وجوب إنشاء محفظتين استثمارية وتنموية، الأولى تُحوّل إليها العائدات الناتجة عن الأنشطة البترولية والثانية تُحوّل إليها العائدات الضريبية). كما لا ضرورة لتحديد كيفية توزيع الاستثمارات (يجب أن لا تقلّ الاستثمارات في الخارج عن 80% والاستثمارات في الداخل عن 20%). بل يمكن الانتظار إلى حين بدء الإنتاج لإقرار استراتيجية الاستثمار عبر قانون يقر في مجلس النواب، بما يتناسب مع الظروف التي ستستجدّ في حينها. فقد يُقرر المجلس استعمال الأموال أو جزء منها لإطفاء الدين أو في عمليات الاستثمار في الداخل أو في الخارج أو يقرر أي وجهة أخرى. 

في لجنة المال، وصل النقاش إلى المادة السابعة من دون أن تُبتّ بعد، بسبب الخلاف على الآلية التي ينبغي اعتمادها عند تعيين مجلس إدارة الصندوق. إذ تشير تلك المادة إلى أن يؤلف مجلس الإدارة من 8 أعضاء يعيّنون من مجلس الوزراء لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، على أن يتّخذ رئيس المجلس صفة مدير عام الصندوق أيضاً. كما تنص على الاستعانة بمؤسسات توظيف دولية خاصة لتقييم كفاءة المتقدمين وخبراتهم ووضع لائحة بأسماء المؤهلين منهم. ولذلك، فقد أخذت هذه المادة الكثير من النقاش من منطلق وجوب عدم وضع شروط على صلاحية مجلس الوزراء في تعيين الموظفين. 

في المواد التي سبقت لا إشكالات تذكر، خاصة بعدما اتُفق على اعتماد النص المقدم من "القوات" للمادة الثالثة، والتي تنص على أن "يُنشأ بموجب هذا القانون صندوق سيادي مستقل في لبنان يسمى الصندوق السيادي اللبناني، يتمتّع بالشخصية المعنوية والاستقلاليْن الإداري والمالي". وإذ تبدو استقلالية الصندوق أولوية عند الجميع، وفق هذا النص، تماماً كما وجوب اعتماد الشفافية وقواعد الحوكمة الرشيدة في إدارته في مواد أخرى، إلا أن النقاش أكّد أن هذه الحوكمة ليست سوى شعار يرفعه الساعون إلى السيطرة على الصندوق. 

وعليه، فإن المطلوب اليوم بحسب مصادر تقنية إقرار قانون رشيق لإنشاء صندوق/ حساب مصرفي تُحفظ فيه الأموال التي يُمكن تحصيلها قبل بدء الإنتاج مثل الواردات من المسوحات الجيولوجية والجيوفيزيائية وغيرها. وعندما يصل رصيده إلى مبلغ محدد، يمكن عندها إطلاق عمله، ربطاً باستراتيجية الاستثمار. وبالتالي، يُوضّح المصدر "أنه من المبالغ فيه تحديد الوحدات الإدارية منذ اليوم (6 مديريات تُقسم كل منها إلى أقسام عدة، بحيث يترأس مدير كل مديرية ورئيس كل قسم، يضاف إليها لجان (لم يحدّد عددها بعد) وتعيينها قبل ذلك الوقت. فهذا ليس سوى عملية هدر أموال، خاصة أن الاقتراح يشير، في المادة 23، إلى "رصد ميزانية لإدارة الصندوق في الموازنة العامة لتغطية نفقاته ولتغطية الاستثمار، وذلك لبناء محفظة مالية للصندوق إلى حين بدء مرحلة تحصيل العائدات والاستثمار، فيصبح التمويل ذاتياً ويغطي نفقاته من رأسماله"، أي أن الحكومة ستتكفل بمصاريف الصندوق لمدة تصل إلى 7 سنوات من دون أي مبرر مفهوم.