اقتراح بإلغاء الإعفاءات الضريبية للطوائف: عدم مشروعية الإعفاء في غياب الخدمة العامة

المفكرة القانونية

26/05/2020

انشر المقال

ورد على جدول أعمال الهيئة العامة للمجلس النيابي اقتراح قانون قدّمه النائبان بلال عبدالله وهادي أبو الحسن وهو يرمي إلى إلغاء القانون رقم 210 الصادر في 26/5/2000 والذي يقضي بإعفاء كل طائفة معترف بها في لبنان والأشخاص المعنويين التابعين لها من ضرائب ورسوم، كما إلغاء كل النصوص المتعلقة به.

وكان البرلمان قد أقرّ آنذاك هذا القانون الذي ينصّ على أن تستفيد كل طائفة معترف بها قانوناً وكل شخص معنوي ينتمي إليها بحكم القانون، قبل صدور هذا القانون، من الإعفاء من جميع الضرائب المباشرة وغير المباشرة والرسوم والعلاوات التي تستفيد منها قانوناً المؤسسات العامة.

وقد استهدف بشكل خاص الطوائف المسيحية أسوة بالطوائف المسلمة على أساس أن هذه الاخيرة والأشخاص المعنويّين التابعين لها تعتبر من المؤسسات العامّة منذ عام  1921بموجب القرار 753 الصادر في 2 آذار 1921 والذي اعتبرها إدارة رسمية عامة ووضع لها أنظمة خاصة لإدارتها والرقابة عليها مما يعفيها كليّاً من التكليف المالي. وقد تعزّزت هذه الصفة بقراري مجلس شورى الدولة رقم 522 تاريخ 9/11/1955 ورقم 399 تاريخ  18/6/1956.

وبالعودة إلى النصوص القانونية يتبيّن أنّ سبب الإعفاء الضريبي للطوائف تاريخي أكثر منه قانوني. فقد كانت وزارة الأوقاف من وزارات الدولة العثمانية ما يفسّر إعفاءها من الضرائب. ومع مجيء الإنتداب الفرنسي، اعتبرت الأوقاف إدارة عامة تؤمّن منفعة عامة ووضع لها أنظمة خاصة لإدارتها والرقابة عليها وذلك  لعدم تعكير صفو الإنتداب عبر إغضاب السلطات الدينية الإسلامية وتغيير وضعها القانوني. وقد وضع لها نظام مشابه للمؤسسات العامة لناحية الإستقلالية في حين أن معيار المرفق العام والمنفعة العامة المرتبطة به أصبحا موضوع جدل وهو المعيار الذي يبرّر عادة الإعفاء الضريبي. أما الطوائف المسيحية فقد استفادت حتى قبل وصول الإنتداب من إعفاءات سرعان ما اتسع نطاقها مع وصول الإنتداب ثم الإستقلال تحت حجة المساواة بين الطوائف بلغت أوسع نطاق لها مع إقرار القانون 210/2000.

تجاهل لمعيار المرفق العام والمنفعة العامة ومساواة في الخطأ بدل الرجوع عنه

بالنسبة للأسباب الموجبة لقانون 210/2000، فقد ركّزت على حجّتين: الأولى تتمثّل بالمساواة بين الطوائف وضرورة إستفادة الطوائف المسيحية من الإعفاءات التي تستفيد منها الطوائف المسلمة والأشخاص المعنويون التابعون لها. أما الثانية فقد شددت على التشابه بين المؤسسات العامة والأوقاف وممتلكات الطوائف لتبرير الإعفاءات لناحية الإستقلال في الإدارة والمراقبة، الإستقلال المالي، صلاحية ممارسة السلطة وأخيراً سلطة القضاء في الشؤون المتعلقة بالأحوال الشخصية وفي بعض الشؤون الوقفية والمسلكية والتأديبية.

وقد أورد الإقتراح نقدا لهذه الأسباب الموجبة من ثلاث زوايا:

  • أنّ الطوائف والأشخاص المعنويين التابعين لها لا يمكن أن تعتبر من أشخاص القانون العامة وأنها تعود بالمنفعة على المواطنين كافة كالمؤسسات العامة، وبالتالي فإن معاملتها وكأنها مؤسسات عامة أمر يجافي الحقيقة والواقع. وقد أشار النائبان هادي أبو الحسن وبلال عبد الله عن حقّ إلى أن الأصول التشريعية المالية المعتمدة في العالم تسعى لأن يخضع جميع الأشخاص للضريبة على الدخل وهو تكريس لمبادئ العدالة والمساواة أمام الضريبة.
  • أنّ الإعفاءات التي استحصلت عليها هذه الأخيرة غير مستحقة مع التغيير الذي طرأ على معيار المرفق العام والمنفعة العام المتعلقة به. ففي العديد من الحالات، أخذت وزارتا المالية والشؤون الإجتماعية دور وزارة الأوقاف لناحية درس الشؤون المالية وتقديم المساعدات، مما يثير التساؤل عن سبب اعتبار الأوقاف مؤسسة عامة تستفيد من إعفاءات تلقائياً بدل استفادتها من تخفيضات أو إعفاءات ضريبة كأي شخص من القانون الخاص في حال أثبتت تكريسها بعضاً من عائداتها لقضايا اجتماعية.
  • إن إستفادة الطوائف المسيحية والشخصيات المعنوية التابعة لها من إعفاءات ضريبية لإرساء المساواة بين الطوائف المسلمة هو إمعان بالخطأ، حيث كان الأجدى بدل طلب المساواة في الإعفاء طلب إلغاء الإعفاءات والمساواة بالتكليف.

يذكر أنه على نقيض ذلك، كان النائبان روبير غانم وابراهيم كنعان تقدّما باقتراح قانون وصل إلى الجلسة العامة عام 2017 بغرض إعفاء الطوائف[1] -يستهدف الطوائف المسيحية لأن الطوائف المسلمة معفية- وكلّ المؤسّسات التابعة للطوائف المنشأة والتي ستنشأ لاحقاً من المزيد من الضرائب، هي رسوم الانتقال والهبات والوصايا المحرّرة لمصلحتها. كما طالبا بإعفاء نشاطاتها من الضريبة على القيمة المُضافة باعتبارها لا تنافس المؤسّسات المدنيّة التي تمارس نشاطات مماثلة، كما إعفاءها من كلّ غرامات عدم التسجيل في الضريبة على القيمة المضافة وعدم التصريح وعدم إصدار الفواتير وكل ما يماثلها والعائدة للفترة السابقة، إضافة إلى عدم إخضاعها لإجراءات التدقيق والمراقبة للتثبت من التزامها بموجبات أحكام القانون، باستثناء المعاملات المتعلّقة بنشاط تأجير العقارات لغايات غير سكنيّة. إلا أن هذا القانون لم يتم إقراره إنما أحيل إلى اللجان.

ختاماً، إن إقرار اقتراح القانون المقدّم من النائبين عبد لله وأبو الحسن القاضي بإلغاء القانون 210/2000  هو بداية لتصحيح مسار تشريعي كرّس إعفاءات ضريبية للطوائف بدأ مع السلطنة العثمانية وآخر فصوله قانون 210/2000. وهو اقتراح من شأنه أن يفتح نقاشاً جدّياً وحيويّاً حول دور الطوائف والإمتيازات الكبرى التي تتمتع بها، والتي لا تكون دوما مبررة.

بقي أن نضيف إلى الأسباب الموجبة لهذا الإقتراح الدور المتخاذل للأوقاف في إسعاف ذوي الحاجة في ظل تراكم الأزمات المعيشية وتداعياتها الخطيرة على الحقوق الحيوية للعديد من المواطنين. ففيما ضجّ الخطاب العام بتبرعات أحزاب السلطة، بقيت الأوقاف والطوائف مقلّة الحركة والكلام.


[1] الطوائف معفاة من الضرائب... والرعايا مثقلون بها"، فيفيان عقيقي، جريدة الأخبار