اقتراح تعديل قانون النقد والتسليف أو نهاية ظاهرة رياض سلامة
20/05/2023
تقدم النائب سامي الجميل بتاريخ 16 أيار 2023 باقتراح قانون يرمي إلى تعديل النظام القانوني الذي يرعى ولاية حاكم مصرف لبنان بحيث يمنع تجديد ولاية حاكم مصرف لبنان لأكثر من مرة واحدة.
وقد اعتبر الاقتراح في أسبابه الموجبة أن التجديد الدائم للحاكم الحالي لمصرف لبنان منذ 1993 "قد أدّى إلى اعتماد سياسات كارثية نتج عنها إنهيار البلد". وأضافت الأسباب الموجبة أن "تطبيق مبدأ المداورة أساسي لإرساء التوازن مع استقلالية عمل المصرف المركزي ومع الحصانة الممنوحة للحاكم ولمنع التسلط في إدارته".
لذلك ينص الاقتراح في مادته الأولى على تعديل المادة 18 من قانون النقد والتسليف عبر إضافة الفقرة التالية: "تكون ولاية الحاكم ونواب الحاكم قابلة للتجديد مرة واحدة فقط لمدة مماثلة" بينما النص الحالي المعمول به يقبل "بتجديد ولاية الحاكم ونائبي الحاكم مرة واحدة أو مرات عدة".
إن هذا الاقتراح يستوجب إبداء الملاحظات التالية:
تمديد ولاية الحاكم لم يستفِد منه إلا رياض سلامة:
عرف مصرف لبنان منذ تأسيسه سنة 1963 تعيين خمسة حكام له هم: فيليب تقلا[1]، الياس سركيس، ميشال خوري، إدمون نعيم ورياض سلامة. ومن الملاحظ أنه باستثناء رياض سلامة، لم يتمّ تجديد ولاية أيّ من هؤلاء في الحاكمية[2] لأكثر من مرة. فقد عين الياس سركيس سنة 1968 وجرى تجديد تعيينه سنة 1974 لكنه استقال في حزيران 1976 عقب انتخابه رئيسا للجمهورية. كذلك الأمر مع ميشال الخوري الذي عين أول مرة سنة 1978 وانتهت ولايته سنة 1985 كي يحل مكانه إدمون نعيم، ومن ثم بعد انتهاء ولاية هذا الأخير سنة 1991 تم تعيين ميشال الخوري مجددا لولاية ثانية لكنه لم يكملها إذ استقال سنة 1993.
وهكذا يتبيّن أن حاكمية رياض سلامة تشكل حالة استثنائية وغير مسبوقة في تاريخ مصرف لبنان إذ تم تجديد تعيينه في سنوات 1999 و2005 و2011 و2017. وبما أن ولاية الحاكم هي ستّ سنوات، فإنّ التجديد المتواصل لرياض سلامة سمح له بالبقاء في منصبه لثلاثين سنة من دون انقطاع علما أن ولايته الحالية تنتهي في 31 تموز 2023.
تحوّل تمديد الولاية إلى أداة لمكافأة التواطؤ
إذ أن الهدف من تحديد ولاية ثابتة لحاكم المصرف المركزي مع وضع شروط تجعل من الصعب إقالته من قبل الحكومة كان تأمين الاستقلالية المطلوبة التي تسمح له بوضع السياسة النقدية بمعزل عن الضغوط التي قد تمارسها عليه السلطة السياسية، ما يؤدي إلى الحفاظ على مصالح الدولة عبر تحقيق التوازن بين الحاجة المتزايدة إلى الإنفاق وقدرة مصرف لبنان على خلق النقد عبر طباعة الأوراق المالية.
لكن المادة 18 الحالية بمنحها مجلس الوزراء صلاحية تجديد تعيين الحاكم ونوابه بشكل دائم تكون قد ناقضت فعليا الهدف المرجو من استقلالية المصرف المركزي إذ هي تسمح للسلطة السياسية بمكافأة الحاكم الذي يخدم مصالحها ولا يعارضها في تلبية طلباتها لتمويل عجز الخزينة من خلال إبقائه في منصبه وتجديد ولايته.
وهكذا بدل أن تكون ولاية الحاكم الثابتة وسيلة من أجل تحصين المصرف المركزي بغية بناء سياسة نقدية سليمة أصبحت عبر تجديد تعيينه الدائم الأداة التي تعبر فيها السلطة عن رضاها المستمر على أداء الحاكم. لذلك لم يكن من قبيل الصدف توافق أركان النظام السياسي اللبناني على شخص الحاكم الحالي وحرصهم الشديد على إبقائه في منصبه خلال كل هذه السنوات الطويلة المنصرمة، على الرغم من خلافاتهم المستحكمة التي كانت دائما تهيمن على كل التعيينات الأخرى.
والاقتراح الحالي بمنعه تجديد ولاية الحاكم ونوابه إلا مرة واحدة يكون متوافقا مثلا مع نظام بنك فرنسا وهو المصرف المركزي للدولة الفرنسية إذ تنص المادة L142-8 من القانون النقدي والمالي على أن الحاكم ونوابه يعينون بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء لولاية من ست سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط[3].
التمديد الدائم يؤدي إلى شخصنة مصرف لبنان
التمديد الدائم لشخص بعينه في أيّ مؤسسة كان سيؤدي مع الوقت إلى إضعاف هذه الأخيرة عبر ربط كل مصالحها ببقاء هذا الشخص. إن استمرار الحاكم لثلاثين سنة في منصبه بشكل متواصل يعني حكما، وبغض النظر عن مدى نجاحه في مهامه، اختزال مصرف لبنان بشخصه. وقد بلغ الأمر ذروته مع تحويل بقاء رياض سلامة في موقعه إلى الضمانة الوحيدة لاستقرار الليرة وفقا للدعاية التي كانت شائعة جدا قبل حدوث الانهيار سنة 2019.
جرّاء ما تقدم يصبح جليا أن مأسسة عمل مصرف لبنان باتت تتطلّب الفصل بين شخص الحاكم والمصرف المركزيّ ليس فقط عبر منع تكرار ظاهرة رياض سلامة لكن أيضا عبر التأكيد على الدور المحوريّ للمجلس المركزيّ للمصرف كالجهة التي تتجسّد فيها الطبيعة الجماعية لاتخاذ القرار.
إصلاح ضروري يبقى قاصرا أمام هيمنة المحاصصة
لا يعالج الاقتراح الحالي سوى جانب منع التجديد الدائم لولاية الحاكم ونوابه، وهو إصلاح ضروري لا شك في أهميته لكنه غير كافٍ إطلاقا كونه لن يعالج السبب السياسي الذي يقف وراء الخلل في عمل المصرف. فالطبيعة التحاصصيّة لتعيين أعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان هي السمة الطاغية والأخطر، لا بل أن نواب الحاكم غالبا ما كان يتم تعيينهم لولاية واحدة فقط ما سمح للزعماء بتوزيع المناصب زبائنيا على أكبر عدد ممكن من الأتباع وساعدهم على تعزيز سيطرتهم على المجتمع. وليس أدلّ على ذلك النقاش المحتدم الذي حصل في 2020 في سياق تعيين أعضاء المجلس المركزي والذي انتهى إلى تكريس المحاصصة خلافا لما نصت عليه حرفية المادة 95 من الدستور.
فنهاية ظاهرة رياض سلامة لا تتطلب فقط منع التجديد الدائم للحاكم، لكن أيضا وجود سلطة سياسية لا تعتبر أن مصرف لبنان هو مجرد موقع نفوذ يضاف إلى مواقع النفوذ الأخرى التابعة لها في كل مؤسسات الدولة، إذ حينها فقط تحصل استقلالية المصرف المركزي على معناها الحقيقي كالوسيلة التي تسمح بالدفاع عن مصالح الدولة وليس مصالح السلطة السياسية وأصحاب المصارف.
للاطّلاع على اقتراح القانون، إضغطوا هنا
[1] استقال فيليب تقلا في حزيران 1967.
[2] علما أن مدير عام رئاسة الجمهورية الياس سركيس عين قائما بمهام حاكم مصرف لبنان في 16 حزيران 1967 لمدة ستة أشهر ومن ثم جرى تجديد تعيينه في 18 كانون الأول 1967 وذلك بموجب تشريعات خاصة أجازت هذا التعيين.
[3] « Le gouverneur et les deux sous-gouverneurs sont nommés par décret en Conseil des ministres pour une durée de six ans renouvelable une fois ».