اقتراح تمديد العمل بقانون استعادة الجنسيّة: لأحفاد المغتربين حقّ مقدس بالجنسية ولأبناء اللبنانيات الحجر

نيقولا غصن

07/06/2024

انشر المقال

تقدم النواب نعمة افرام ونديم الجميل وميشال معوض وميشال ضاهر ومارك ضو وأشرف ريفي وبيار بو عاصي وشوقي الدكاش وآلان عون بتاريخ 23 أيار 2024 باقتراح قانون[1]  يرمي إلى تعديل القانون رقم 41 الصادر بتاريخ 26 تشرين الثاني 2015 حول شروط استعادة الجنسية اللبنانية. يرمي هذا الاقتراح إلى إلغاء الفقرة "ط" من القانون التي تسقط الحق في طلب الجنسية المنصوص عنه في الفقرة "أ" من هذا القانون إذا لم يتقدّم أصحاب العلاقة بطلباتهم خلال عشر سنوات من تاريخ نفاذ القانون.

وقد برّر مقدّمو الاقتراح إلغاء المهلة المنصوص عنها في القانون استنادًا إلى سببيْن أساسييْن: الأول مبدئيّ ومفاده أنّ استعادة الجنسيّة هو "حق سيادي ودستوري مقدّس، وهو حق لا يمكن أن يكون محصورا بزمن"، والثانيّ ظرفي ومفاده أنّ مهلة العشر سنوات قد شابها "سلسلة هائلة من المعوقات، حالت دون إقدام أصحاب الحق بتقديم طلباتهم لاستعادة جنسيتهم الأم". وقد شملت الأسباب الموجبة في تعدادها لهذه الظروف جائحة كورونا والأوضاع الاقتصادية والأمنية التي مرّ بها لبنان وانعكاس ذلك على عمل سفارات وقنصليات لبنان "ومعها المؤسسات الوطنية الروحية والمدنية المتواجدة في بلاد الانتشار، ومن مهامها مجتمعة تعميم القانون ونشره وحثّ المنتشرين على استعادة جنسيتهم" والاعتداءات الإسرائيلية على لبنان و"الحرب الدائرة على أرض الجنوب الحبيب منذ أواخر العام 2023".

ولا بدّ من التذكير أن القانون رقم 41 تمّ إقراره في مجلس النواب بعد التقارب السياسيّ الذي تمّ بين كتلة القوات اللبنانية وكتلة التيار الوطني الحر سنة 2015 وتحوُّل قضية استعادة الجنسية إلى مطلب للمسيحيين يؤمل من تحقيقه إعادة بعض التوازن الديمغرافي في التركيبة اللبنانية. آنذاك، تم تقديم طعن على القانون أمام المجلس الدستوري من قبل كتلة اللقاء الديمقراطي من منطلق أن القانون يستثني الذين يحملون جنسية إحدى الدول المحيطة بلبنان. وقد استفادت المفكرة آنذاك من وجود الطعن لتقدّم مذكرة إلى المجلس الدستوري بضرورة إبطال القانون بحجة تعارضه مع مبدأ المساواة بين اللبنانيين واللبنانيات وبخاصة لجهة استثناء المتحدرين من النساء اللبنانيات. إلا أن المجلس الدستوري ردّ الطعن آنذاك  في قراره رقم 1 تاريخ 7 كانون الثاني 2016، بعدما سجل نائبه آنذاك مخالفة مفادها وجوب إبطاله للتمييز بين الجنسين. 

من هذه الوجهة، يأتي اقتراح التمديد بإطالة العمل بالقانون من دون معالجة مسألة التمييز بين الجنسين بمثابة اقتراح بإطالة أمد التمييز ضد النساء أيضا، أي من دون إحراز أي تقدم على هذا الصعيد رغم مرور 10 سنوات إضافية من وضع القانون في صيغته السابقة. وما يفاقم من الأمر هو المبالغة في توصيف حقّ ذرية المغتربين ب "الحق المقدس" من دون أي اهتمام بحقوق أبناء اللبنانيات التي يتم إنكار قدسيتها واعتبارها عمليا من الأمور التي يمكن تجاهلها.  

وعليه، يستتبع الاقتراح ملاحظات عدة، أهمها الآتية: 

خلو الأسباب الموجبة من أي معلومات حول حصيلة نفاذ هذا القانون

في هذا الصّدد، يلحظ أنّ مقدّمي الاقتراح تعاملوا مع مسألة استعادة الجنسية على أنها مسألة حقوقية وسياديّة وحسب، من دون أي تمحيص في فاعلية القانون والحصيلة التي أدى إليها في سنوات عمره الماضية. فلئن صدرت مئات المراسيم باستعادة الجنسية اللبنانية لطالبيها منذ تاريخ نشر القانون تم نشرها في الجريدة الرسمية، إلا أنه حتى اليوم لا توجد أرقام واضحة حول أعداد هؤلاء والدول التي يقيمون بها ولا اي دراسة ميدانية أو تحقيق صحافي حول فاعلية هذا القانون في تحقيق النتائج المرجوة منه أو الأمور التي قد تحتاج إلى تعديل من أجل تفعيل العمل فيه.

تضخيم في توصيف حق استعادة الجنسية

يلحظ أن مقدمي الاقتراح ذهبوا إلى إغداق أوصاف على حق استعادة الجنسية لا تصمد أمام أيّ تحليل جدي. فلقد جاء في الأسباب الموجبة أن المهلة التي يفرضها القانون تعتبر تقييدا لحق "سيادي ودستوري مقدس". والواقع أن هذا التوصيف مبالغ به وموضع تناقض كون الدولة بحكم سيادتها يحق لها أن تنظم منح الجنسية اللبنانية وطرق استعادتها، بمعنى أن وضع مهلة العشر سنوات أو تطويلها لا يتعارض إطلاقا مع مبدأ السيادة لا بل هي شكل من أشكال ممارسة الدولة لسيادتها التشريعية. وبمعنى أيضًا أن إعادة الجنسية للمتحدرين من المغتربين من خلال إجراءات إدارية بسيطة ليست مسألة حقوقية مطلقا بل هي أولا وأخيرا مسألة سياسيّة من حقّ البرلمان أن ينظر في مدى ملاءمتها وفي ضرورة حصرها في حدود زمنية أو إطلاقها على ضوء المصلحة الوطنية، على نحو يخالف تماما ما جاء في الأسباب الموجبة لهذه الجهة. 

الاستمرار في التمييز ضد النساء خلافا لمبدأ المساواة

مقابل ذلك، يسجّل الاستمرار في حرمان أبناء اللبنانيات وأحفادهم من أيّ حقّ علما أن مبدأ عدم التمييز وبخاصة على أساس الجنس ربما يكون من أسمى القواعد المعتمدة الدولية أو بكلمة أخرى من مقدسات القيم القانونية المتعارف عليها دوليا. لكن رغم ذلك، لم يولِ مقدّمو الاقتراح أيّ اهتمام لهذا الحق. ولإدراك خطورة هذا التوجه، يجدر التذكير بأن القانون رقم 41 في فقرته "أ" حصر صراحة إمكانية استعادة الجنسية لمن أدرج اسمه أو "إسم أحد أصوله الذكور لأبيه أو اقاربه الذكور لأبيه حتى الدرجة الثانية على سجلات الإحصاء التي أجريت بعد إعلان دولة لبنان الكبير، أي سجلات 1921 - 1924 مقيمين ومهاجرين، وسجل 1932 مهاجرين". وهكذا يتبيّن إقصاء المتحدرين من أم أو جدة لبنانية من إمكانية استعادة الجنسية والاستفادة من أحكام هذا القانون.

 

وهكذا يتبين أن الاقتراح الحالي يستمر في تكريس التمييز بحق المرأة اللبنانية عبر منح أفضلية في موضوع منح الجنسية واستعادتها للذكور ما يشكل خرقا لأحكام الدستور. لا بل أن هذا الاقتراح يتجاهل التوصية التالية التي أقرها مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 13 تشرين الثاني 2015 والتي أعلنت صراحة التالي:

 

"انطلاقاً من المادة السابعة من الدستور:

«كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم»

وانطلاقاً من شرعة حقوق الإنسان وشرعة الأمم المتحدة ولبنان عضو مؤسس فيها:

فقد أوصى المجلس النيابي في جلسته المنعقدة بتاريخ 13/11/2015 بالعمل على إقرار قانون يعطي الحق للأم اللبنانية المتزوجة من غير لبناني بمنح الجنسية لأولادها".

 

من اللافت في هذا الإطار أنّه تم التصويت على قانون استعادة الجنسية وعلى التوصية في جلسة تشريعية واحدة في 13 تشرين الثاني 2015 وفي ظلّ حديث النواب عن توافق تمّ حول الموضوع، ما يوضح بأن السلطة السياسية آنذاك حاولت خلق توازن بين استعادة الجنسية التي اعتُبرت أنها تصبّ في مصلحة المسيحيين وبين حق المرأة اللبنانية في إعطاء الجنسية لأولادها وهو أمر ترجح القوى المسيحية أنه سيؤدي إلى تعميق اللا توازن الديمغرافي لصالح المسلمين. غير أن حوالي عشر سنوات قد مرّت على هذا التوافق من دون أن يكون لحقّ المرأة في إعطاء الجنسية لأولادها أيّ ترجمة فعليّة.

 

وما يزيد الأمر فداحة  هو أن مبدأ المساواة صحيح أنه لا يطبق إلا على الأفراد الذين يوجدون في الأوضاع القانونية نفسها كما ذهب إليه المجلس الدستوري في كل من لبنان وفرنسا، لكن المجلس الدستوري الفرنسي اعتبر أن مبدأ المساواة لا يمكن المساس به إطلاقا عندما يكون معيار التمييز معيارا شكليا صرفا كالدين والمعتقد والعرق والجنس[1]. ففي هذه الأحوال لا يمكن إعمال مبدأ الأوضاع المختلفة ولا حتى التذرع بالمصلحة العليا لمنع التوطين والإخلال بالتوازن الديموغرافي بين الطوائف وفقا لما تردده بعض الجهات السياسية من أجل تبرير حرمان المرأة اللبنانية من حقها الدستوري كون مبدأ المساواة بين المرأة والرجل لا يقبل أيّ استثناء.

 

ويؤمل تاليا أن يستدرك مقدمو الاقتراح أو أغلبية النواب هذا الخلل فيصحّحوا قانون 2015 لهذه الجهة في موازاة التصويت على إطالة أمده. فإذا لم يحصل ذلك وتم إقرار الاقتراح كما ورد بما فيه من تمييز، يؤمل أن تقدم طعون جديدة فيه أمام المجلس الدستوري بهدف العمل على انتزاع قرار قد يكون إذاك أحد أهم القرارات التصحيحية الصادرة عنه.   

 

 

صياغة قانونية ضعيفة

أخيرا، يلحظ أن المادة الوحيدة من الاقتراح نصت على الآتي: "تُلغي الفقرة "ط" من القانون 41 بحيث تسقط معها مهلة العشر سنوات التي كانت محدّدة، ويبقى حقّ طلب استعادة الجنسيّة اللبنانيّة المنصوص عنه في الفقرة "أ" من هذا القانون ساري المفعول دون أية شروط أو مهل". من البيّن أن هذه الصياغة تأخذ طابعًا إنشائيًّا لا يتناسب مع الصياغة القانونية إذ إنها بالإضافة إلى إلغائها الفقرة "ط" تفسّر النتائج القانونية لهذا الإلغاء مشددة على استمرار سريان القانون، وهو أمر بديهي إذ بمجرد إلغاء الفقرة "ط" التي تحصر تطبيق القانون في مهلة عشر سنوات يمكن الاستنتاج حكما أن هذه المهلة لم تعد قائمة. لذلك كان من الأفضل أن ينص الاقتراح فقط على إلغاء الفقرة "ط" من دون الاستمرار بوصف النتائج القانونية المترتبة على هذا الإلغاء.

 

في الخلاصة، إن هذا الاقتراح يفشل في إصلاح الخلل في المساواة بين اللبنانيين. وبالرغم من أن حق استعادة الجنسيّة يجب أن يصان قانونًا وأن فتح المهلة للمتحدرين من أصل لبناني لاستعادة جنسيتهم أمر إيجابي، لكن ذلك لا يجب أن يتم على حساب المبادئ الدستورية بحيث يتم إقصاء جميع المتحدرين من إمرأة لبنانية، ولا يجب أن تكون الاعتبارات الديموغرافية المبطنة عائقًا دائمًا أمام أي محاولة من أجل ضمان المساواة بين اللبنانيات واللبنانيين في الأمور المتعلقة بالجنسية. فإذا كانت الجنسية حق "مقدس"، لا شيء يمنع تمديد العمل بهذا القانون لكن مع تعديله لناحية السماح لجميع الأشخاص الذين أدرج أسماء أصولهم الذكور أو الاناث في سجلات الاحصاء من المطالبة باستعادة الجنسية اللبنانية، علما أن حتى هذا التعديل يظل قاصرا عن تحقيق المساواة الكاملة كونه يضمن فقط حق استعادة الجنسية بينما المرأة اللبنانية المقترنة من أجنبي تظل غير قادرة على نقل جنسيتها لأولادها عملا بقوانين الجنسية المعمول بها اليوم في لبنان.  

 

 


[1] “ Le contrôle juridictionnel du respect du principe d'égalité n'est donc pas univoque. En premier lieu, certaines discriminations ou dérogations au droit à l'égalité se distinguent des autres types de différenciations de traitement en vertu d'un critère formel : leur interdiction par la norme fondamentale elle-même. Ainsi, au terme de l'article premier de la Constitution du 4 octobre 1958 et de l'alinéa 3 du Préambule de la Constitution du 27 octobre 1946, les « discriminations expressément interdites » sont celles fondées sur l'origine, la race, la religion, les croyances et le sexe. Dans tous les cas où le Conseil constitutionnel a été confronté à de telles discriminations, il a conclu à leur non-conformité à la Constitution” (Ferdinand MELIN-SOUCRAMANIEN, Le principe d’égalité dans la jurisprudence du Conseil constitutionnel. Quelles perspectives pour la question prioritaire de constitutionnalité ? CAHIERS DU CONSEIL CONSTITUTIONNEL N° 29 - OCTOBRE 2010).