اقتراح ضمان الطعن في القضايا النقابية: خطوة أولى لضمان المحاكمة العادلة

لين أيوب

13/09/2024

انشر المقال

ينشر المرصد هنا تعليقه على اقتراح القانون بفتح باب الطعن على قرارات محكمة الاستئناف في القضايا النقابية والذي تقدم به النواب بولا يعقوبيان وابراهيم منيمنه وفراس حمدان وياسين ياسين، علما أنه ينشر في خاتمته حوارا قصيرا أجراه مع أحد مقدّميه النائبة بولا يعقوبيان في مسعى لتمكين النواب من الإجابة على تحفظات وتساؤلات "المرصد".

 

في تاريخ 8/5/2024، تقدّم النواب بولا يعقوبيان وابراهيم منيمنه وفراس حمدان وياسين ياسين، باقتراح قانون يهدف إلى اجازة الطعن بطريق التمييز في القرارات الاستئنافية في القضايا النقابية أي قضايا الطعن في القرارات الصادرة عن هيئات النقابات الحرة المنظمة. إذ أن قانون أصول المحاكمات المدنية يسمح باللجوء في هذه القضايا إلى محكمة الاستئناف المدنية كمرجع أوّل وأخير، على أن تتكوّن من هيئة مختلطة تضمّ إلى جانب 3 قضاة عضوين من مجلس النقابة المعنية، ودون أن يسمح بالطعن بقرارات هذه الهيئة عند صدورها. وينسحب هذا الأمر على نقابات بالغة الأهمية كنقابات المحامين والمهندسين والأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة والممرضات والممرضين… إلخ.

وفي التفاصيل، يحصر البند الأوّل من المادة 94 من قانون أصول محاكمات مدنيّة صلاحية محكمة التمييز في النظر في طلبات "نقض الأحكام القطعية الصادرة عن محاكم الاستئناف في القضايا المدنية والتجارية"، مستثنيةً بذلك القضايا النقابية منها. ويرمي الاقتراح إلى تعديل هذه المادة عبر حذف عبارة "في القضايا المدنية والتجارية" وذلك بهدف إلغاء الحصر في طلبات النقض وتوسيعه ليشمل جميع الأحكام القطعية الصادرة عن محاكم الاستئناف ومنها الصادرة في القضايا النقابية. أمّا المادة 739 من قانون أصول المحاكمات المدنية، فهيّ تنصّ على تطبيق أصول النقض المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات على الطعن بالأحكام الصادرة عن مجالس العمل التحكيمية، وعلى الطعن بالقرارات الاستئنافية الصادرة في قضايا التحديد والتحرير. وعليه، يسعى الاقتراح إلى إضافة فقرة إلى هذه المادة تنصّ على قابلية القرارات الاستئنافية الصادرة في القضايا النقابية للطعن بطريق التمييز.

وقد استند مقدّمو الاقتراح، بحسب ما ورد في أسبابه الموجبة، على ضرورة مُراعاة مبدأ تعدّد درجات التقاضي ذات القيمة الدستورية بحسب المادة 20 من الدستور، والذي أكّدت عليه الاتفاقيات والمواثيق الدولية، والمجلس الدستوري اللبناني في قراره رقم 6/2014 حينما أقرّ أن "المقاضاة على أكثر من درجة هي ضمانة للمتنازعين يجنّبهم الأخطاء في إصدار القرارات".

هذا وقد اعتبر مقدّمو الاقتراح أن عدم قابلية الطعن تمييزا بالقرارات الاستئنافية الصادرة في القضايا النقابية "تمسّ بضمانات المتقاضين وتحرمهم من حقهم الدستوري بتعدّد درجات التقاضي على اعتبار أن الهيئة النقابية متّخذة القرار المطعون فيه ليست محكمة أو هيئة قضائية"، وأن اللجوء إلى محكمة الاستئناف للطعن بقرارها "يمثّل درجة أولى من درجات المحاكمة أمام القضاء ولا بدّ أن تكون خاضعة لطرق المراجعة أمام درجة قضائية ثانية على الأقل تجنبا لما قد يقع في القرارات الاستئنافية من أخطاء أو مخالفات قانونية وحفظا لضمانات المتقاضين و تلافيا لتكاثر دعاوى مسؤولية الدولة عن أعمال القضاة في قضايا نقابية أمام الهيئة العامّة لمحكمة التمييز، وهو ما بتنا نشهده في الفترة الأخيرة".

ويرجح أن تكون الأسباب الموجبة قصدت في إشارتها تلك التطورات التي شهدتها قضيّة تقييد نقابة المحامين لحرية تعبير المحامين. وفي تذكير مقتضب لحيثيات هذه القضية، اتّخذ مجلس نقابة المحامين في بيروت في تاريخ 3 آذار 2023 قرارًا بتعديل بعض أحكام نظام آداب مهنة المحاماة ومناقب المحامين، أدّت إلى تقييد حرية المحامين بصورة غير مسبوقة. تبعًا لذلك، قدّم 13 محاميًا معترضًا، طعونًا ضدّ هذا القرار أمام محكمة الاستئناف المدنية في بيروت الناظرة في القضايا النقابية. وبعد ردّ محكمة الاستئناف الطعنيْن في 12 أيار 2023 -علماً أن عضويْن من مجلس نقابة المحامين شاركوا في استصدار قرار ردّ الطعن- قدّم المحامون الطاعنون دعويي مداعاة الدولة أمام الهيئة العامّة لمحكمة التمييز، وذلك كون مداعاة الدولة شكلت بالنسبة إليهم الوسيلة الوحيدة المتاحة لمراجعة قرار محكمة الاستئناف الناظرة في القضايا النقابية.

وعليه، يستدعي هذا الاقتراح الملاحظات التالية:

 

  1. تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة: فتح باب الطعن في القرارات

بداية، من المهمّ في هذا المجال أنّ نشير إلى أهمية هذا الاقتراح وأهميّة فتح باب الطعن في القرارات. إذ أنّ تخويل المتقاضي الطعن في القرارات يعتبر مبدأ أساسيا من مبادئ النظام القضائي وإحـدى الضّمانات الضرورية لحسـن سير القضاء وتحقيق العدالة. فحين ترفع دعوى أمام محكمة ما وتنظر فيها، من الممكن أن يخطئ القاضي في تكييف أو إثبات الوقائع، أو تطبيق القانون، فيصبح للمتقاضي المتضرر من هذا الخطأ الحقّ في إعـادة طـرح النـزاع مـرّة أخـرى أمـام محكمـة أعـلى درجـة لتصحيح هذا الخطأ. وعمليّا، يعتبر الاستئناف الترجمة العمليّة لهذا المبدأ الذي يقوم على إتاحة الفرصة للمتقاضين لطرح منازعاتهم مجددا على محكمة أعلى درجة، لتعيد النظر فيها.

وبذلك، من المهم جدا أن يُفتح المجال أمام الطعن في القضايا النقابية أمام محكمة التمييز. وفيما فعل الاقتراح ذلك، فإنه فتح باب الطعن أمام هذه المحكمة عن طريق النقض وليس عن طريق الاستئناف، مما يؤدي إلى تضييق مجال الطعن في توفر مداخل النقض المحدد بصورة حصرية ويمنع محكمة التمييز من التدقيق في الوقائع التي يكون متنازعا عليها ليحصر دورها في مراجعة صحة القرار المطعون فيه من الزاوية القانونية.

والواقع أنه كان بإمكان الاقتراح أن يفتح باب الطعن أمام محكمة التمييز كمرجع استئنافي على غرار ما هو عليه الوضع في قضايا المطبوعات. فقد نصّ المرسوم الاشتراعي 104/77، والذي عدّل بعض أحكام قانون المطبوعات، على أن "تنظر محكمة الاستئناف بالدرجة الاولى في جميع القضايا المتعلقة بجرائم المطبوعات وتخضع أحكامها للمراجعة أمام محكمة التمييز بصفتها مرجعا استئنافيا". 

 

  1. أي محاكمة عادلة في ظلّ عدم توفر شروط حيادية المحكمة؟

على الرغم من أهميّة هذا الاقتراح، يبقى أنّ مقدميه تجنبوا وفق ما أعلموا المفكرة به الغوص في مسألة أكثر تعقيدا وهي مدى توافق تكوين محكمة الاستئناف مع مبادئ المحاكمة العادلة وما تفترضه من استقلالية وحيادية في الهيئات القضائية. فكما سبق بيانه، تصدر قرارت محكمة الاستئناف المدنية في القضايا النقابية عن هيئة مختلطة، تضمّ إلى جانب القضاة الثلاثة أعضاء المحكمة عضوين من أعضاءً مجلس النقابة المعنية من دون اشتراط أن لا يكونا شاركا في القرار المطعون فيه، ممّا يجعلهم في موقع الخصم والحكم في آن. وتبقى هذه التركيبة الهجينة للهيئة المختلطة لمحكمة الاستئناف الناظرة في القضايا النقابية، الإخلال الأخطر لضمانات المحاكمة العادلة لوجود أسباب ارتياب جدي في انحيازهم لمجلس النقابة.

فمن غير الممكن تصوّر تحقيق استقلالية القضاء دون تحقيق حيادية القضاة، كون مبدأ الاستقلالية مرتبط ارتباطا وثيقا بقضاء محايد (المادة 1 من الشرعة العالمية للقاضي) أو غير متحيّز. فحتى لو كان القضاء مستقلا، لا تكون شروط المحاكمة العادلة مستوفاة إذا انتفت حيادية المحكمة. وينصّ المبدأ الثاني من المبادئ الأساسية للأمم المتحدة على واجب الفصل في "المسائل المعروضة دون تحيّز، على أساس الوقائع ووفقا للقانون" فقط، كما تنصّ المادة 8 منها، كما المبدأ I.2.d من توصية لجنة وزراء مجلس أوروبا رقم R(94)12 بشأن استقلالية وكفاءة ودور القضاة، على واجب القضاة المتلازم بأن يسلكوا مسلكا يحافظ على عدم انحياز واستقلال القضاء. كما تكّرس شرعة بنغالور للأخلاقيات القضائية مكانة هامّة لواجب الحياد.

وتجرّد القاضي وحياديّته مصدرهما داخلي ويتعلّقان بعقلية القاضي وآرائه وأفكاره المسبقة والشـخصية تجـاه القضايا أو الأفرقاء. كما يجب ألّا يكون للقاضي مصلحة مرتبطة بالقضية التي ينظر فيها. ومن الممكن تعريف[1] التجرّد على أنّه غياب العداء أو التحيّز أو التعاطف تجاه أي من أطراف النزاع. ويقاس التجرد بشـكل ذاتي كما بشكل موضوعي. وهـذا ما أكّده اجتهاد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان[2]، التي تعتبر أن عدالة المحاكمة لا تتحقق بمجرّد أن يكون القاضي محايدا ومتجرّدا، بل يجب أن يظهر على أنّه كذلك. فلإعلان تجرّد المحكمة الموضوعي، يجب التأكّد مما إذا كان القاضي يعطي ضمانات كافية وظاهرة لاستبعاد أيّ شكّ مشروع[3] في ذلك.

وعليه، ومن دون التقليل بأهمية فتح باب للطعن، يبقى أن ضمان المحاكمة العادلة كان يفترض أيضا إلغاء مشاركة أعضاء من مجلس النقابة في هيئة محكمة الاستئناف.

 

  1. سؤال جواب مع النائبة بولا يعقوبيان

على أساس ملاحظاتنا أعلاه، طرحنا على أحد مقدمي الاقتراح النائبة بولا يعقوبيان 3 أسئلة نوردها إلى جانب إجاباتها عليها.

 

المرصد البرلماني: ألم يكن من الأفضل إجازة استئناف هذه الأحكام في محكمة التمييز بدلا من إجازة نقضها أمام هذا المرجع؟ أيّ أن تكون محكمة التمييز المرجع الصالح للنظر كمحكمة درجة ثانية بطريق الاستئناف ضد قرارات محكمة الاستئناف في القضايا النقابية، على غرار قضايا المطبوعات؟ وذلك بهدف تلافي إخضاع الطعن لشروط نقض ضيقة.

 

يعقوبيان: إن هذا الاقتراح يأتي في إطار القواعد العامة العادية المرعية في إطار التنظيم القضائي وقوانين أصول المحاكمات التي تجعل من محكمة التمييز محكمة نقض لا محكمة استئناف ما خلا بعض النصوص الاستثنائية المعدودة. ومن المفيد الإشارة الى أن قرارات محاكم الجنايات وهي أكثر خطورة من قرارات محاكم الاستئناف الناظرة في القضايا النقابية تخضع للطعن تمييزيا بطريق النقض لا بطريق الاستئناف، هذا مع العلم أننا لا نعارض على الاطلاق تعزيز رقابة محكمة التمييز من خلال جعلها كمرجع استئنافي لقرارات محكمة الاستئناف النقابية، لكن الخروج مباشرة من نظام قانوني لا يجيز الطعن أبدا إلى نظام قانوني استثنائي لا يكتفي بإجازة الطعن فحسب وإنما يخرج بمحكمة التمييز عن صلاحيتها الأساسية العادية، من شأنه أن يتيح المجال أمام معارضة أكبر لهذا الاقتراح بما يصعب معه إقراره في حين أن المطلوب هو تيسير إقرار مبدأ الطعن على الأقل وهو أفضل من الواقع الحالي على كل حال.

 

المرصد البرلماني: طالما أن الاقتراح يسعى لتكريس مبادئ المحاكمة العادلة، لماذا لم يتمّ السعي نحو إلغاء اشتراك أعضاء من مجالس النقابات في هيئة محكمة الاستئناف عند نظرها في القضايا النقابية كونه يمسّ بحيادية المحكمة؟

 

يعقوبيان: إن الاقتراح الراهن هو ذو موضوع محدد جداً يتعلق فقط باجازة الطعن تمييزا بالقرارات الاستئنافية في القضايا النقابية، أما مسألة كيفية تشكيل المحكمة ومدى حياديتها فهي خارجة عن موضوعه ومن الممكن أن تكون موضع اقتراحات أخرى مستقبلا، علماً إن مسألة مشاركة أعضاء مجالس النقابات في المحكمة الناظرة في الطعن يراه البعض منافيا لحياديتها، في حين يراه البعض الآخر ضمانة، مما يستوجب نقاشا معمقا ودقيقا حول هذه المسألة مع الإشارة إلى أنها لو طُرِحَت في الاقتراح الراهن لكان قد جابه معارضة واسعة من نقابات المهن الحرة المنظمة بقانون مما يجعل إقراره شبه مستحيل فنخسر إمكانية إقرار مبدأ الطعن لملازمته مسألة تعارضها النقابات في حين أن المطلوب هو جمع أكبر حشد ودعم (حتى من النقابات) لإقرار الطعن بطريق التمييز في القضايا النقابية.

 

المرصد البرلماني: أي ملاحظات أخرى متصلة بهذا الاقتراح تودّون لفت أنظارنا إليها.

 

يعقوبيان: إن هذا الاقتراح ليس نهاية المطاف ونعمل على اقتراحات عديدة من شأنها تعزيز الضمانات وسدّ الثغرات في المسائل النقابية وسواها وبالطبع لا يمكن جمع كل هذه المسائل في اقتراح أو نصّ واحد.


[1] V. Dictionnaire de droit international public, éd. Bruylant, Belgique, 2001, Vo Impartialité : « l’absence de

parti pris, de préjugé et de conflit d’intérêt chez un juge, un arbitre, un expert ou une personne en position

analogue par rapport aux parties se présentant devant lui ou par rapport à la question qu’il doit trancher »

[2] CEDH 1er oct. 1982, Piersack c/ Belgique, série A, no 53, § 30 : « Si l'impartialité se définit d'ordinaire par l'absence de préjugé… elle peut s'apprécier de diverses manières. On peut distinguer… entre une démarche subjective, essayant de déterminer ce que tel juge pensait dans son for intérieur en telle circonstance, et une démarche objective amenant à rechercher s'il offrait des garanties suffisantes pour exclure à cet égard tout doute légitime ».

[3]   CEDH 26 fév. 1993, Padovani c/ Italie, Séries A 257-B, § 25.