اقتراح قانون إعفاء المستشفيات الحكومية من رسوم بلدية: اجتزاء التشريع وتناقضاته

وسام اللحام , نيقولا غصن

19/07/2024

انشر المقال

تقدم النائب بلال عبدالله بتاريخ 16 تموز 2024 باقتراح قانون يقضي بتعديل المادتين 13 و80 من القانون رقم 60 الصادر بتاريخ 12 آب سنة 1988 المتعلق بالرسوم والعلاوات البلدية بحيث يتم إعفاء الأبنية المشغولة من المستشفيات الحكومية من الرسم على القيمة التأجيرية ورسم إنشاء وصيانة المجارير والأرصفة منذ تاريخ إشغالها وحتى نهاية 2030

وقد جاء في الأسباب الموجبة أن القانون رقم 60 مع تعديلاته أعفى الجمعيات التي لا تتوخى الربح، والأبنية المشغولة من قبل الدولة، كما من المشغولة من قبل المؤسسات العامة من رسمي القيمة التأجيرية وإنشاء وصيانة المجارير والأرصفة. لكن "هذه الإعفاءات لم تأتِ على ذكر المستشفيات الحكومية، رغم أنها هيئات تابعة للدولة من جهة، ومن جهة أخرى لا تتوخى الربح" لا سيما وأن المستشفيات "إضافة إلى وضعها القانوني لجهة انتمائها إلى القطاع العام، قد قدمت الكثير إلى المواطنين في أصعب الظروف، وقامت بمهامّها على أكمل وجه" علما أن "الأعباء الملقاة على عاتقها تفوق أعباء غالبية المؤسسات العامة" وان "جميعها ترزح تحت وطأة أزمة مالية خانقة تهدد إمكانية استمرارها في القيام بدورها"، لذلك "كان من واجب الدولة حماية هذه المستشفيات التي أثبتت جدارتها ووقوفها إلى جانب المواطن" عبر إقرار هذا الاقتراح.

إن هذا الاقتراح يستدعي الملاحظات التالية:

 

إعفاء يفتقر إلى الدقة القانونية

نصت المادة 13 المعدلة من قانون الرسوم والعلاوات البلدية على إعفاء "الأبنية المشغولة من الدولة منذ تاريخ اشغالها لغاية 31/12/2030" والابنية "المشغولة من المؤسسات العامة منذ تاريخ اشغالها ولغاية 31/12/2022" على أن لا تسترد الرسوم التي سبق دفعها. كذلك نصت المادة 80 على الإعفاءات نفسها ضمن الشروط ذاتها بالنسبة إلى رسميْ إنشاء المجارير وصيانتها والأرصفة.

وهكذا يتبين أنّ القانون النّافذ أعفى الأبنيّة التابعة للدّولة حتى سنة 2030 بينما أعفى المؤسسات العامة من تلك الرسوم المتوجّبة للبلديات حتى نهاية سنة 2022. لكن المستشفيات الحكومية التي يريد الاقتراح أن يمنحها تلك الإعفاءات هي إمّا مؤسسات تابعة للدولة أي أنها تستفيد من الإعفاء حتى سنة 2030، وإمّا هي مؤسّسات عامّة استفادتْ من الإعفاء حتى سنة 2022. 

فالمستشفيات الحكومية في لبنان جرى تنظيمها بموجب المرسوم رقم 8377 الصادر بتاريخ 30 كانون الأول 1961 الذي يقوم بتعداد المستشفيات الرسمية ويصنفها بين مستشفيات المحافظة ومستشفيات القضاء والمستشفيات الريفية، ما يعني أن المستشفيات الحكومية هي جزء من جهاز الدولة المركزي والأبنية التي تشغلها تستفيد حكما من الإعفاءات التي لحظها قانون الرسوم والعلاوات البلدية.

لكن هذا الواقع القانوني للمستشفيات الحكومية قد تبدل بموجب القانون المنفذ بالمرسوم رقم 1536 الذي نص في مادته الأولى على التالي: " تنشأ في كل من مراكز المحافظات وفي قضاء بعلبك مؤسسة عامة تتولى إدارة مستشفيات وزارة الصحة العامة القائمة فيها. تتمتع كل من هذه المؤسسات العامة بالشخصية المعنوية وبالاستقلالين المالي والإداري، وترتبط بوزارة الصحة العامة وتخضع لوصايتها الإدارية"، ما يعني أن المستشفيات الحكومية باتت مؤسسات عامة ولم تعد جزءا من جهاز الدولة المركزي إذ تحولت وزارة الصحة من سلطة إدارية كانت تمارس سلطة تسلسليّة على تلك المستشفيات إلى سلطة وصاية تنحصر صلاحياتها في المواضيع التي ينص عليها القانون.

وقد تم التأكيد على هذا الأمر مجددا بموجب القانون رقم 544 الصادر بتاريخ 24 تموز 1996 الذي ألغى القانون المنفّذ بالمرسوم رقم 1536 واستبدل أحكامه بحيث نصّت مادته الأولى على إنشاء مؤسسة عامة لإدارة كل مستشفى حكومي جامعي ومؤسسة عامة أخرى في مراكز المحافظات لإدارة المستشفيات الحكومية الموجودة ضمن نطاق كل محافظة. وقد أكد هذا القانون خضوع المستشفيات لنظام المؤسسات العامة المحدد بالمرسوم رقم 5417 الصادر بتاريخ 13 كانون الأول 1972.

ونتيجة الصعوبات في تطبيق القانون رقم 544 جرى تعديله بناء لطلب من رئيس الحكومة رفيق الحريري الذي أعلن في جلسة مجلس النواب بتاريخ 19 شباط 1997 التالي: "نص المادة الاولى مكتوب بالمطلق وكأنه يجب إنشاء مؤسسة عامة لكل مستشفى. اطرح التعديل الآتي "يمكن إنشاء" أو "يجوز إنشاء" فقط. لأنه ربما وجد مستشفيان صغيران قريبان من بعضهما فلا داعٍ لأن ننشىء لكلّ مستشفى ادارة ومجلس إدارة. لأنه ليست لدينا إحصائيات لتكن: "ممكن أن ننشىء" أو "لا ننشىء"، بشكل أفضل. إذا أردتم إجبارها فلا بأس. إنما أنا أعتقد أن من الأفضل ألا تكون إجبارية لكلّ مستشفى. هناك مستشفيات كثيرة في العالم في أماكن جغرافية متقاربة ينشأ لها مجلس إدارة واحد حتى تستطيع الاستفادة من بعضها".

وقد وافق مجلس النواب على طلب رئيس الحكومة بحيث تم تعديل المادة الأولى بموجب القانون رقم 602 الصادر بتاريخ 28 شباط 1997 إذ باتت تنص على التالي: " يمكن إنشاء مؤسسة عامة لكل مستشفى من مستشفيات وزارة الصحة العامة وتتولى إدارتها"، ما يعني أن المستشفيات الحكومية قد تصبح مؤسسات عامة أو قد تظل مستشفيات تابعة مباشرة لوزارة الصحة علما أن إنشاء مؤسسة عامة لإدارة أي مستشفى حكومي يتم بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء وهو الأمر الذي حصل مرارا بموجب عشرات المراسيم التي قررت إنشاء مؤسسات عامة لإدارة المستشفيات الحكومية في مختلف المحافظات.

وهكذا يتبين أنّ المستشفيات الحكومية هي إما تابعة للدولة مباشرة وإما أصبحت مؤسسات عامة ما يعني أن الاقتراح الحالي كان عليه التنبه لهذا الاختلاف إذ هو في صيغته الحالية يكتفي بإعفاء المستشفيات الحكومية من دون تحديد بشكل واضح هل المقصود جميع المستشفيات كون المستشفيات الحكومية التي لم تتحول إلى مؤسسة عامة تستفيد من الإعفاء حتى سنة 2030 بينما تلك التي أصبحت مؤسسات عامة انتهت مفاعيل هذا الإعفاء بالنسبة لها سنة 2022. 

لذلك يصبح جليّا أن هذا الاقتراح يفتقر إلى الدقة القانونية إذ كان بمقدوره تمديد إعفاء جميع المؤسسات العامة حتى سنة 2030 كي تستفيد تلقائيا المستشفيات التي تديرها مؤسسة عامة من هذا الإعفاء بينما هو في صيغته الحالية يميز بين المؤسسات العامة كون إعفاء هذه الأخيرة من الرسوم البلدية المذكورة انتهى سنة 2022 بينما يريد مقدم الاقتراح تمديد هذا الإعفاء لنوع واحد فقط من المؤسسات العامة أي المستشفيات الحكومية هذا في حال افترضنا أن الاقتراح يقصد جميع المستشفيات.

 

اقتراح يفتقر إلى المعطيات ويكرّس تراجع دور الدّولة

لا يستند الاقتراح إلى دراسة تشرح عدد المستشفيات التي ستستفيد من هذه الإعفاءات ولا يوفّر أرقاما حتى لو كانت تقديرية فقط حول الوفر المالي التي ستحققه المستشفيات الحكومية ولا انعكاس ذلك على مداخيل البلديات.  

كذلك يعمد الاقتراح إلى التخفيف من أعباء المستشفيات الحكومية عبر الحد من إمكانيات البلديات الضعيفة أصلا والتي تشتكي دائما من شح الأموال بغية القيام بدورها الانمائي المطلوب. فبدل تعزيز مساهمة الدولة في النفقات الضرورية لتطوير هذا المرفق العام الحيوي ورفع الأموال المخصصة له في الموازنة العامة، يعمد الاقتراح إلى تكريس تخلي الدولة عن القيام بوظائفها عبر التأكيد أن تمويل الخدمات العامة يتمّ على حساب البلديات التي يسمح لها القانون وللمفارقة بإنشاء المستشفيات وهو الأمر الذي لم يحصل حتى الآن.  

 

اقتراح يتعارض مع توجهات تشريعية من أجل وضع حل متكامل للنفايات

أمر آخر يجدر تسجيله وهو يبيّن اجتزاء التشريع بمعزل عن رؤية عامة للمرافق العامة المختلفة ودور البلديات وعلاقتها مع الدولة. ففي الوقت الذي تمّ فيه تقديم هذا الاقتراح، ما زالت لجنة البيئة النيابية تعمل على إنجاز دراسة مشروع قانون أحالته الحكومة إلى مجلس النواب في تاريخ 10 تشرين الثاني 2023 يخوّل البلديات استيفاء رسوم تخصص لتسديد كلفة معالجة النفايات الصلبة من جميع سكانها والمؤسسات العاملة فيها، وذلك عملا بمبدأ الملوّث يدفع. وفق هذا المبدأ، يجدر رفع الرسوم بقدر ما يكون نشاط المؤسسة ملوِّثا، بمعنى أنه يفترض إشراك المستشفيات الحكومية كما الخاصة في تمويل معالجة النفايات وبخاصة أن معالجة نفاياتها الطبية تستوجب أكلافًا كبيرة. من هذه الزاوية، يبدو توجُّه الاقتراح الذي هدف إلى تخفيض نفقات المستشفيات مناقضا تماما لتوجّه مشروع القانون الذي هو اهتمّ بالدرجة الأولى بالاعتبارات البيئيّة (تمويل معالجة النفايات) وتعزيز اللامركزية، من دون أي رؤية عامة شاملة. 

 

بلال عبدالله يستمهل لإجابة أسئلتنا بشأن اقتراحه 

عملا بأصول العمل المعتمدة في المرصد البرلماني ابتداء من 15 تموز 2024، طرحنا على مقدم الاقتراح النائب بلال عبدالله الأسئلة الآتية:  (1) ⁠هل استند الاقتراح على دراسة تحدّد ما هو الوفر المالي التي ستحققه المستشفيات الحكومية من هذه الإعفاءات، وما مدى تأثير توسعها على إمكانيات البلديات؟ و(2) ⁠لماذا تمّ حصر الإعفاء بالمستشفيّات الحكومية دون المستوصفات الحكومية؟ و(3) هل يميز الاقتراح بين المستشفيات الحكومية التي لا تديرها مؤسسة عامة والمستشفيات الحكومية التي تمّ إنشاء مؤسسات عامة لإدارتها؟ و(4) إذا كانت المستشفيات الحكومية مؤسسات عامة، لماذا لم يتم بكل بساطة تمديد الإعفاء لهذه المؤسسات جميعها حتي سنة 2030؟ إلا أن النائب عبدالله استمهل إبداء جوابه، مدليا أنه "من المبكر الحديث عن الموضوع قبل إحالته إلى لجنتنا (أي لجنة الصحة العامة النيابية) وفق الأصول". 

 

للاطّلاع على اقتراح قانون