اقتراح قانون لاعتبار 13 نيسان عيدًا للوحدة الوطنية: تكريس خطاب السلطة ولوم اللبنانيين

وسام اللحام

13/07/2023

انشر المقال

تقدم النائبان سيمون أبي رميا وشربل مارون في تاريخ 17 أيار 2023 باقتراح قانون يرمي إلى تحديد يوم 13 نيسان "عيدًا للوحدة الوطنية والسلام والروح الرياضية"، من دون أن يحتسب يوم عطلة رسمية على أن تخصّص خلاله وزارات الثقافة والتربية والشباب والرياضة نشاطات توعوية.

وقد اعتبرتْ الأسباب الموجبة للاقتراح أنّ "الحرب الأهلية لم تجلب سوى الويلات والمآسي لكل اللبنانيين من مختلف الفئات والتوجهات" لذلك كان لا بدّ من تذكير هؤلاء "بمدى معاناتهم جرّاء نزاعهم المسلح لكي لا تتكرر المشاهد القاسية مع الأجيال القادمة". وتضيف الأسباب الموجبة أنّ الوحدة الوطنية هي "الكنز الحقيقي" الذي يتوجّب على اللبنانيين المحافظة عليه "مهما اشتدّت الظروف" وأنّ تحقيق السلام الحقيقي "يتطلّب أكثر بكثير من مجرد إلقاء السلاح ورغبة بإنهاء صراع امتدّ على مدى عقدين ونيف[1]" لذلك بات من الواجب تحويل ذكرى 13 نيسان من ذكرى حرب مشؤومة إلى ذكرى انفتاح ومحبة مع ضرورة تعزيز الروح الرياضية لأنّها تخلق صفات التعاون والمثابرة وضبط النفس.

يستوجب هذا الاقتراح إبداء الملاحظات التالية:

الغموض في مسألة دخول تحديد الأعياد الوطنية في المجال التشريعي

يطغى على موضوع تحديد الأعياد الوطنية حالة من الغموض لناحية معرفة: هل هو شأن يدخل ضمن المجال التشريعي أو هو من اختصاص السلطة التنظيمية. فالنص القانوني الذي يرعى اليوم هذه المسألة هو المرسوم رقم 15215 الصادر في تاريخ 27 أيلول 2005 والذي يحدّد المناسبات والأعياد التي تعطّل فيها الإدارات العامّة والمؤسسات العامة والبلديات ومؤسّسات القطاع الخاص. ويعتبر هذا المرسوم الأخير في سلسلة من المراسيم التي صدرت سابقًا علمًا أنّها لا تستند في بناءاتها إلى قانون محدّد، أي أنّها اتّخذت مباشرة انطلاقًا من السلطة التنظيمية التي منحتها المادة 65 من الدستور إلى مجلس الوزراء من دون وجود حتى تفويض من السلطة التشريعية يجيز للسلطة التنفيذية التدخّل في هذا الموضوع.

ويتأكّد استقلال السلطة التنظيمية في هذه الصلاحية من خلال المرسوم رقم 3066 الصادر في تاريخ 26 أيار 2000 والذي أوجد عيدًا جديدًا هو "عيد المقاومة والتحرير" يتمّ الاحتفال فيه يوم 25 أيار من كل عام، ما يعني أنّ تحديد الأعياد الوطنية يتمّ بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء وهو يدخل في السلطة التنظيمية المستقلّة (pouvoir réglementaire autonome) العائدة للسلطة التنفيذية.

لكن هذا الأمر يتعارض مع مجموعة أخرى من السوابق القانونية التي عرفها لبنان. فاعتبار السادس من أيار عيدًا للشهداء تم بقانون أقرّه مجلس النوّاب وصدر في 30 نيسان 1937. وتكرّر الأمر نفسه مع قانون عيد الأبجدية الصادر في 18/11/2011 والذي أعلن الثامن من آذار عيدًا للأبجدية (جرى تعديل يوم العيد كي يصبح في 11 آذار بموجب القانون رقم 215 الصادر في 30 آذار 2012).

وهكذا يتبيّن أنّ تحديد الأعياد الوطنية يدخل في المجال التشريعي ما يعني أنّ مجلس النوّاب هو الوحيد الذي يحق له التدخّل في هذه المسألة وتنظيمها عملًا بصلاحياته التشريعية التي لا حدود لها في لبنان إذ يحق لمجلس النوّاب التشريع في أي مسألة كانت وبمجرّد تناوله لها يجعلها تدخل في الحقل التشريعي ما يحجزها حصرًا له ويمنعها على السلطة التنظيمية.

فالاقتراح الحالي لا يشوبه من الناحية الدستورية عيب ما كون المشترع حرًّا في إقرار ما يشاء في هذا المجال أو غيره شريطة عدم مخالفته للدستور. لكنّ التضارب في مسألة تحديد الأعياد الوطنية يبقى مشكلة قانونية يتوجّب التنبّه لها والتأكيد على ضرورة اعتبارها من المواضيع التي تدخل في المجال التشريعي حصرا.

هل يصلح القانون الذاكرة التي أفسدها النظام السياسي الحاكم؟

يعتبر هذا الاقتراح من ضمن فئة القوانين التي تعرف بقوانين الذاكرة (loi mémorielle) حيث تقوم الدولة بتكريس حدث تاريخي ما بنصّ تشريعي، لا بل يمكن لها حتى الذهاب إلى فرض عقوبات على من ينكر هذا الحدث ويرفض الاعتراف به. ولا شكّ أنّ من أشهر قوانين الذاكرة تلك القانون الفرنسي الصادر في 13 تموز 1990 الذي يفرض عقوبات على كلّ من يشكّك في ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية خلال الحرب العالمية الثانية وفقًا للتعريف الذي أعطته المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ لمحاكمة القادة النازيين. كذلك يمكن ذكر القانون الصادر في 29 كانون الثاني 2001 الذي يعلن أنّ فرنسا تعترف بالإبادة الأرمنية التي حصلت سنة 1915 ويفرض عقوبة سنة سجن وغرامة مالية بمقدار 45000 يورو ضدّ كلّ من ينكر "بشكل فاقع" حصول هذه الإبادة.

ولا شكّ أن تدخّل السلطة التشريعية لإعلان حدث تاريخيّ بات حقيقة قانونية وهو أمر يثير الكثير من الاعتراضات حول صلاحية القانون بالتطفّل على مجال أكاديمي بامتياز هو علم التاريخ، وفرضه "حقائق" حول وقائع وأحداث سياسية لا شأن للتشريعات بها. وهذا ما أعلنه صراحة المجلس الدستوري الفرنسي الذي اعتبر أنّ قانون الاعتراف بالإبادة الأرمنية يخالف الدستور، كون المشرّع يعاقب على عدم الاعتراف بجرائم هو نفسه من يقوم بالإعلان عن وجودها ما يشكّل انتهاكًا لحرية التعبير[2].

فالاقتراح الحالي ينطلق من فرضيات تحتاج إلى مزيد من البحث. إذ هو يعتبر أنّ 13 نيسان 1975 هو تاريخ اندلاع "الحرب الأهلية" وأنّ البرلمان المدعو للمصادقة عليه تسيطر عليه الجهات السياسية التي خاضتْها، من دون أي نقاش عامّ والأهم من دون إرساء آليّات قانونيّة فعّالة قادرة على تحقيق العدالة لضحايا الحرب ومعالجة ذاكرة اللبنانيين التي بقيت لعقود طويلة رهينة الخطاب الذي تنتجه السلطة السياسية الحاكمة. ويكرّر الاقتراح في أسبابه الموجبة هذا الخطاب ملقيًا اللوم على اللبنانيين كون "نزاعهم المسلح" هو الذي أدّى إلى معاناتهم من دون التفريق بين الضحايا الذي يشكّلون غالبيّة الشعب اللبناني والقلّة التي استفادت من الحرب واستطاعت مراكمة الثروة وتعزيز هيمنتها على المجتمع والاقتصاد ومؤسسات الدولة، وهي تستمرّ حتى اليوم بجني ثمار المغانم التي حققتها خلال الحرب.

وتكشف الأسباب الموجبة عن حقيقة تحوّل أبطال الحرب إلى أبطال السلم بشكل مبطّن وذلك بإعلانها أنّ السلام الراسخ يحتاج إلى صيانة ومتابعة على نحو يعبّر صراحة عن "كل الأفرقاء المتنازعين للاستمرار به والمحافظة عليه" ما يعني أنّ هؤلاء الأفرقاء يتمتعون بالقدرة لاستخدام العنف مجددًا وكأنّ السلام والأمن هو منحة منهم وليس نتيجة وجود دولة ونظام قانوني يحفظ حياة المواطنين ويسمح لهم بالعيش الكريم.

من جهة أخرى، لا يعتبر تذكير اللبنانيين بالحرب وسيلة لمنع تكرار اندلاع العنف المسلح كون التهديد بالحرب هو احتمال دائم يدرك الجميع أنّه بيد الأحزاب السياسية المسيطرة على المجتمع. فالاحتفال بـ 13 نيسان في ظل هيمنة أمراء الحرب على الدولة هو في الحقيقة تذكير دائم بسطوتهم وإفلاتهم المستمر من العقاب، وهذا ما ينعكس حتى في عنوان الاقتراح حول ضرورة الحفاظ على "الوحدة الوطنية" أي أنّ التوافق بين الزعماء هو الذي يكفل إنتاج السلم الأهلي حتى لو تمّ ذلك في ظلّ تجاهل كامل لحقوق الناس والمجتمع.

وهكذا يندرج هذا الاقتراح في السياق ذاته لقانون العفو العام الذي صدر سنة 1991 والذي سمح لكلّ من ارتكب جرائم بحق المواطنين العاديين ليس فقط عدم تحمّل أي مسؤولية، لكن أيضًا خوّله عدم الاعتراف حتى معنويًا بجرائمه وطلب الغفران من ضحاياه. فكيف يمكن لقانون أن يجعل من 13 نيسان "ذكرى انفتاح ومحبة" في ظلّ نظام سياسي ينتج التحريض الطائفي وخطاب الكراهية ولا يعيش سوى على تقسيم اللبنانيين وضرب التضامن الاجتماعي بينهم وعرقلة القضاء ومنع معرفة الحقيقة في انفجار المرفأ وملفات الفساد والجرائم المالية؟

فصدور قانون يكرّس 13 نيسان عيدًا للوحدة الوطنية لا يمكن أن يتمّ إلّا بعد تحقيق العدالة وكشف مصير المفقودين والمخفيين قسرًا وتحرير مؤسسات الدولة من هيمنة أمراء الحرب وإلا يصبح هذا العيد وسيلة جديدة يمارس عبرها أركان السلطة ابتزازهم للشعب اللبناني الذي يوضع دائمًا تحت وطأة خيار مستحيل: إمّا التسليم للسلطة الحاكمة والخضوع لها وإما تهديد "الوحدة الوطنية" عبر "الحرب الأهلية" التي تقبع دائمًا في أفق نظام الزعماء. 

للاطّلاع على اقتراح القانون، اضغطوا هنا


[1] من المتعارف عليه أن الحرب في لبنان اندلعت سنة 1975 وانتهت سنة 1990 بينما الأسباب الموجبة تتكلم عن حرب استمرت لعقدين ونيّف أي أكثر من عشرين سنة ما يطرح علامات استفهام حول الكيفية التي قام بها مقدمو الاقتراح بالتأريخ لبداية الحرب.

[2] “qu'en réprimant ainsi la contestation de l'existence et de la qualification juridique de crimes qu'il aurait lui-même reconnus et qualifiés comme tels, le législateur a porté une atteinte inconstitutionnelle à l'exercice de la liberté d'expression et de communication” (Décision n° 2012-647 DC du 28 février 2012).