اقتراح قانون لترحيل السوريين: حلّ أزمة كبرى بأدوات عقيمة وغير دستورية

غيدة فرنجية

22/09/2023

انشر المقال

 

تقدّم اربعة نوّاب، هم الياس جرادة وجميل السيّد وميشال ضاهر وسجيع عطيّة، في تاريخ 19/9/2023 باقتراح قانون يرمي إلى "تنظيم الإقامة المؤقتة وترحيل النازحين السوريّين في لبنان". يندرج الاقتراح ضمن روحية العريضة النيابية التي كان قدّمها 14 نائباً من كتل مختلفة إلى المجلس النيابي في تموز الماضي والتي طالبت بتفعيل الاتفاقية الموقعة بين لبنان ومفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (مفوّضية اللاجئين) في العام 2003. وهي الاتفاقية التي سلّمت بموجبها الدولة اللبنانية مسؤولية تحديد مدى توّفر شروط اللجوء لدى الأجانب الموجودين في لبنان إلى المفوّضية. 

يستعيد الاقتراح في أسبابه الموجبة معظم المبررات التي وردت في العريضة، أبرزها أنّه يأتي كردّة فعل على توصية البرلمان الأوروبي بشأن لبنان في 13/7/2023 التي اعتبرها أنّها تدعو لبنان إلى "إبقاء اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية بحجّة استمرار الحرب السورية والخطر على حياتهم في بلادهم" وتحاول "تكريس هذا الواقع الذي يتعارض مع سيادة لبنان ومصالحه...، وبما يشكّل من تهديد أمنيّ واستراتيجيّ على المدَيين القريب والمتوسّط". كما أعاب الاقتراح على الحكومات المتعاقبة منذ 2011 تقاعسها "عن معالجة هذا الوضع المتأزّم والخطير"، واعتبر أنّ "الخطر الأمنيّ على العائدين قد بدا منتفياً خلال الانتخابات الأخيرة للرئاسة في سوريا حيث ذهب مئات الآلاف من السوريّين إلى بلادهم بقصد الاقتراع ومن ثم عادوا إلى لبنان أو انتخبوا في السفارة السوريّة في لبنان." 

يعتمد الاقتراح مقاربة عقابية لمعالجة مسألة اللجوء من سوريا. في حين ينصّ عنوانه على تنظيم إقامة "النازحين" السوريين وترحيلهم، إلا أنّه ينحصر عملياً بالترحيل. فهو يجيز، في حال إقراره، ترحيل فئة من اللاجئين السوريين المسجّلين لدى المفوّضية لمجرّد عدم حيازتهم على إقامة صالحة، وذلك من دون الالتزام بالتدقيق في مدى تعرّضهم للخطر في حال إعادتهم قسراً إلى سوريا. وقد نصّ تحديداً على البنود التالية:

  • يجب على الحكومة "إلزام المفوضيّة بتوطين السوريّين في بلد ثالث خلال مهلة سنة من إقرار القانون، وإلا تعتبر إقامة السوريّين الحاصلين على الإقامة المؤقتة بموجب شهادة تسجيل صالحة صادرة عن المفوضية (...) منتهية الصلاحية، ما يستوجب إعادة حامليها إلى بلادهم"،
  • "منع تسوية أوضاع أيّ من النازحين السوريّين بعد انتهاء مدّة الإقامة المؤقتة"، 
  • اعتبار أيّ سوريّ "غير نازح" دخل خلسة إلى لبنان أو غير الحائز على إقامة شرعية أو انتهت مدّة إقامته ولم يجدّدها "مقيماً غير شرعي"، وهو بند لم يفهم الحاجة منه كونه لزوم ما لا يلزم.
  • تطبيق إجراءات التوقيف والترحيل وفقاً للقوانين والأنظمة اللبنانية واتفاقية العام 2003، ويفهم من هذا البند أنه ينطبق على السوريين الذين انتهت صلاحية إقاماتهم المؤقتة المذكورة أعلاه و"غير النازحين" الذين لا يحملون إقامات رسمية بسبب الدخول خلسة أو انتهاء صلاحية إقامتهم.
  • استثناء 3 فئات من تطبيق هذا القانون، وهي: السوريين الداخلين أو المقيمين بصورة شرعية، السوريّين المولودين من أمّهات لبنانيات، الحالات الفردية الخاصّة التي يتمّ عرضها على الأمن العامّ.

وقبل المضيّ في إبداء ملاحظاتنا حول هذا الاقتراح، نشير إلى أنّه يتبيّن منه عدم تدقيق موّقعيه بالقرار الصادر عن البرلمان الأوروبي الذي لم يدعُ صراحة إلى بقاء اللاجئين في لبنان، وفقاً لما فصلناه سابقاً في إطار إبداء ملاحظاتنا على العريضة النيابية. كما أنّ الاقتراح استخدم (كما العريضة ومعظم أدبيات الدولة اللبنانية) عبارة "نازحين" بدلًا من "لاجئين"، وهي عبارة تخالف التوصيف القانوني، إذ أنّ النازح هو من أُرغم على الانتقال من مكان إلى آخر داخل الدولة الواحدة ومن دون عبور حدود دولية، وكأنّ الاقتراح يعتبر لبنان محافظة من المحافظات السورية. 

وبغضّ النظر عن صحّة مبررات الاقتراح أو عدمها، يستوجب هذا الاقتراح الملاحظات الآتية:

  1. اقتراح تمييزي: التشريع لجنسية واحدة؟

ينحصر نطاق الاقتراح على الأجانب الذين يحملون الجنسية السورية وليس مجمل الأجانب الذين قد يتواجدون في وضعيات قانونية مشابهة. وعليه، يشكّل اقتراحاً تمييزياً على أساس الجنسية كونّه يتناول جنسية واحدة، مما يخالف مبادئ التشريع، وقد يعرّضه للإبطال من قبل المجلس الدستوري في حال إقراره على هذا النحو والطعن به.

  1. اقتراح ينسف مبدأ الحماية من الترحيل القسري

بداية، نشير إلى أنّ الاقتراح، وإن استند في أسبابه الموجبة على مبدأ منع التوطين الذي ورد في اتفاق الطائف وإلى اتفاقية العام 2003، تجاهل بشكل تام التزامات لبنان الدستورية والدولية بحماية اللاجئين من الترحيل القسري. فلم يتطرّق إلى الحقّ الدستوري للأجانب في طلب اللجوء المنصوص عنه في المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يتمتّع بقوّة الدستور وفقاً للفقرة "ب" من مقدمته (علماً أن لبنان شارك في وضع هذا الإعلان من خلال الراحل شارل مالك وهو يفاخر بانتظام بذلك). كما تجاهل مبدأ عدم جواز إعادة أيّ شخص إلى بلاد قد يتعرّض فيها للخطر على حياته أو سلامته سنداً لمبدأ عدم الإعادة القسرية (وهو عرف دوليّ يلتزم به لبنان) أو لخطر التعذيب سنداً للمادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادق عليها لبنان. وهذه النصوص غالباً ما استندت إليها المحاكم اللبنانية من أجل منع ترحيل اللاجئين من سوريا أو غيرها من البلاد.

وعليه، لم يُميّز الاقتراح بين السوريين المتواجدين على الأراضي اللبنانية لجهة مدى توفّر شروط اللجوء ومخاطر العودة إلى سوريا لديهم وفقاً للمعايير الدولية التي تفرض تقييم وضع اللاجئين وفقاً لكلّ حالة ومنح الحماية من الترحيل القسري لمن قد يتعرّض للخطر في حال عودته إلى بلاده. بل استند الاقتراح على معيار مدى حيازة السوريين على الإقامة الرسمية حيث ميّز بين ثلاث فئات: (1) الحائزين على إقامة مؤقتة "بموجب شهادة تسجيل صالحة صادرة عن المفوضية" الذين فرض ترحيلهم بعد انقضاء مهلة سنة (2) فئة "غير النازحين" الذين لا يحوزون على إقامة رسمية (3) فئة السوريّين الذين لديهم إقامة رسمية في لبنان (والمولودين من أمهّات لبنانية وحالات خاصّة تبقى خاضعة لتقدير الأمن العام) الذين استثناهم من تطبيق القانون، وتالياً من الترحيل القسري. 

والواقع أنّ هذا المعيار لا يتلاءم مع التزامات لبنان الدولية، حيث أنّ حاجة اللاجئين السوريّن للحماية من الترحيل لا ترتبط إطلاقاً بوضعهم القانوني في لبنان أو حتّى بكيفيّة تسجيلهم لدى المفوّضية. فالسوريّون الذين قد يتعرضّون للخطر في حال ترحِيلهم إلى سوريا، بعضهم يحمل إقامة، والبعض الآخر لا يحمل إقامة، وبعضهم مسجّل لدى المفوضيّة، والبعض الآخر غير مسجّل. وكذلك بالنسبة للسوريّين الذين لا خطر عليهم في سوريا. ويعود ذلك لعدّة أسباب، أبرزها:

أوّلا: أنّ شروط الإقامة القاسية التي فرضها الأمن العام على السوريّين منذ العام 2015 والتي أبطلها مجلس شورى الدولة في العام 2018 لاعتبارها مخالفة للقانون (من دون أن يتم تنفيذ القرار من قبل الأمن العام أو الحكومة اللبنانية)، حرمت العديد من السوريّين من إمكانية الحصول على إقامة، إذ يقدّر أنّ 83% من السوريين في لبنان لا يحوزون على إقامة رسمية، وهو ما يشمل المسجلين لدى المفوّضة وغير المسجلين. 

ثانياً: أنّ الحكومة اللبنانية طلبت من المفوّضية وقف تسجيل اللاجئين السوريين في العام 2015 خلافاً للدستور الذي يضمن حقّ أيّ أجنبي بطلب اللجوء في لبنان، مما حرم العديد من السوريّين الذين دخلوا لبنان بعد هذا التاريخ أو ظهرت مخاطر عودتهم إلى سوريا بعده من الحصول على شهادة تسجيل لدى المفوّضية. 

ثالثاً: أنّ الأمن العام غالباً ما يمنع أيّ سوري دخل إلى لبنان خلسة بعد 24/4/2019 من إمكانية تسوية وضعه للحصول على إقامة رسمية، مما أدّى إلى منع غير القادرين منهم على العودة إلى سوريا من الحصول على وضع قانوني، كما من الحصول على شهادة تسجيل لدى المفوّضية.

ويذكر أن الاقتراح لم يكتفِ باقتراح إلغاء إقامات اللاجئين بعد انقضاء مهلة سنة من دون إعادة توطين حامليها إلى بلد ثالث، بل اقترح أيضاً منعهم من إمكانية تسوية أوضاعهم. وهو تالياً يقترح إغلاق أيّ إمكانية أمامهم لطلب الحصول على إقامات بناء لأسباب أخرى كالدّراسة أو العمل، مما يُرغمهم على أن يصبحوا غير قانونيين ومعرّضين للترحيل، فيحرمُهم من أيّ إمكانية لإيجاد حلول أخرى لمنع ترحيلهم إلى سوريا.

  1. اقتراح يحمّل المسؤولية لهيئة لا تملك القرار

يطالب الاقتراح الحكومة بإلزام المفوّضية بإعادة توطين اللاجئين السوريّين المسجّلين لديها والحائزين على "إقامة مؤقتة" خلال مهلة سنة، وإلا يجيز ترحيلهم تبعاً لفقدانهم الإقامة ومنعهم من تسوية أوضاعهم. لكنّ الاقتراح تجاهل أنّ المفوّضية لا تملك قرار إعادة توطين اللاجئين، بل هي تكتفي بإحالة طلبات إعادة التوطين إلى الدول التي لديها برامج لهذه الغاية (أبرزها كندا والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا)، حيث يبقى القرار خاضعًا لاستنسابيّة هذه الدول. ففي العام 2022، لم يتمكّن سوى حوالي 50% من اللاجئين في مختلف دول العالم من أصل الذين طلبت المفوّضية إعادة توطينهم من مغادرة بلد اللجوء الأوّل إلى بلد ثالث (حوالي 58 ألف من أصل 116 ألف طلب)، علمًا أنّ دول الاتحاد الأوروبي لم تستقبل في إطار برامج إعادة التوطين سوى 21 ألف لاجئ، من ضمنهم 13 ألفًا من سوريا. وتقدر المفوّضية أنّ حوالي 245 ألف سوري في لبنان سيكونون بحاجة لإعادة التوطين في العام 2024. وعليه، إن تضمين الاقتراح لبند يقضي بإلزام” المفوّضية بإعادة توطين اللاجئين هو أمر غير واقعي وفي غير مكانه القانوني الصحيح طالما أنّها ليست صاحبة القرار.

  1. اقتراح غير عملي: لماذا اللجوء إلى اتفاقية العام 2003؟ 

يطالب الاقتراح بتطبيق أحكام اتفاقية العام 2003 بالنسبة للاجئين الذين يحوزون "الإقامة المؤقتة بموجب شهادة تسجيل صالحة صادرة عن المفوضية" بحيث يفقدون وضعهم القانوني ويتوّجب إعادتهم إلى بلادهم في حال تعذّر على المفوّضية إيجاد بلد ثالث لإعادة توطينهم فيه. والواقع أنّ هذه الإقامة التي باشر الأمن العام بمنحها في العام 2015 بالاتفاق مع المفوّضية، لا تستند إلى اتفاقية العام 2003 التي لم تطبق على اللاجئين من سوريا منذ 2011. ويقدّر أن عدد الحائزين على هذه الإقامة لا يتجاوز 40 ألف سوريّاً، إذ أنّها محصورة بالسوريين الذين قدّموا طلبات لجوء لدى المفوضّية قبل العام 2015، والذين لم يستحصلوا سابقاً على إقامات بموجب تعهّد بالمسؤولية (وهي من فئات الإقامة المستندة إلى نظام الكفالة والتي ابتكرها الأمن العام في 2015). 

وعليه، يتجاهل الاقتراح أنّ اتفاقية العام 2003 لم تطبّق على اللاجئين من سوريا منذ العام 2011، وذلك بشكل أساسي لكونها لم تتضمن آليات عمل مناسبة لمعالجة حالات اللجوء الجماعية أو واسعة النطاق، كما هي حال اللجوء من سوريا، والتي لا تشكّل برامج إعادة التوطين حلًّا كافيًا لمعالجتها. فهذه الاتفاقية وُضعت من أجل معالجة حالات اللجوء الفردية إذ لم يكن عدد اللاجئين المسجّلين لدى المفوّضية في لبنان في وقت التوقيع عليها يتجاوز 3000 شخص، فواجهت الدولة اللبنانية (الأمن العام) والمفوّضية صعوبة في تطبيقها في ما يتعلّق بأزمة اللجوء من العراق بعد العام 2003 ومن سوريا بعد العام 2011. 

بالإضافة إلى ذلك، أنّ اتفاقية العام 2003 لم تنصّ صراحة على وجوب ترحيل اللاجئين بعد انقضاء مهلة سنة في حال تعذّر إعادة توطينهم إلى بلد ثالث، بل أنّها تنصّ على أنّه "يعود بعدها للأمن العام إلى اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة". فهذه المهلة هي غير واقعية ونادرًا ما تمّ تطبيقها في الماضي، إذ غالبًا ما كان يعمد الأمن العام إمّا إلى تمديد تصاريح تجوّل اللاجئين أو الامتناع عن ترحيلهم، وذلك لالتزامه بمبدأ عدم الترحيل القسري ولعلمه بأن مسار إعادة التوطين إلى بلد ثالث يستغرق سنوات بسبب الإجراءات القاسية التي تفرضها دول إعادة التوطين. 

وفي مطلق الأحوال، وإن كان لبنان غير مُلزم بدمج اللاجئين أو تجنيسهم أو توطينهم، يبقى أنه مُلزم وفقًا لدستوره والتزاماته الدولية بعدم ترحيل أي لاجئ قسرًا إلى بلاد قد يتعرّض فيها للخطر حتّى لو انقضت سنة من دون إيجاد دولة ثالثة لإعادة توطينه فيها.

يمكنكم هنا الاطلاع على اقتراح القانون كاملا