اقتراح قانون لحماية مرضى السرطان: خطة أم تدابير ملحّة لضمان العلاج؟

نور كلزي

19/12/2022

انشر المقال

قدّم النائب أديب عبد المسيح بتاريخ 4/10/2022 اقتراح قانون معجّلا مكررا يرمي إلى زيادة دعم أدوية السرطان وشمولية ومكننة  توزيعها وحمايتها من السرقة والتهريب.

وأهم ما تضمنه الاقتراح الأمور الآتية: (1) رفع قيمة الموازنة المخصصة لدعم أدوية السرطان إلى ما يوازي 60 مليون دولار أميركي شهريًّا؛ (2) مكننة نظام توزيع أدوية السرطان التي توزّع مجّانا من قبل وزارة الصحة العامة وتعديل نظامها، لتشمل جميع مرضى السرطان من دون استثناء، لاغيًا التمييز بين الجهات الضامنة؛ (3) الإشارة إلى مبادرة وزارة الصحة لإنجاز وتسليم البطاقة الدوائية إلى مرضى السرطان ؛ (4) اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان تفعيل وحماية النظام التتبعي الهادف إلى الحد من سرقة أدوية السرطان .

تجدر الإشارة إلى أنّ نقيب الصيادلة جو سلوم  كان قد دعا خلال مشاركته في تحرّك دعم مرضى السرطان بتاريخ 02/10/2022 (أي قبل يومين من تقديم الاقتراح) إلى إقرار ثلاثة قوانين في مجلس النواب تحمل نفس المضمون المقترح من قبل النائب عبد المسيح.

وقد استندت أسبابه الموجبة إلى ثلاثة عوامل أساسية: (1) زيادة عدد مرضى السرطان في الخمس سنوات الفائتة حتى وصلت إلى تسعة وعشرين ألف وفق إحصائية نشرها تقرير للمرصد العالمي للسرطان المنبثق عن منظمة الصحة العالمية في آذار 2021، (2) زيادة ظاهرة انقطاع الدواء وكلفته، و(3) زيادة ظاهرة احتكار الدواء "من قبل تجار السوق السوداء" أو مافيات تهريبها خارج الحدود. هذه العوامل كلّها أدّت إلى اضطرار المرضى توقيف علاجاتهم.

وعليه، يهدف الاقتراح وفق أسبابه الموجبة إلى المحافظة على حق الإنسان في الحياة، التي هي من "أهم الركائز القانونية والدستورية". إلا أن التمعّن بالاقتراح، يظهر وجود العديد من الشوائب في الشكل والمنهجية والمضمون. 

1.صياغة مشوبة بنقص في الحرفية التشريعية

 يجدر التوقف بدايةً عند سوء صياغة الاقتراح. فهو لا يعدو كونه ورقة سياسة عامّة تحدّد الأولويات بعبارات فضفاضة. وليس أدل على ذلك من الجملة الواردة في مستهله ومفادها: "انطلاقًا من كون تأمين وصول أدوية السرطان إلى محتاجيها بصورة منتظمة مع مراعاة أحوالهم المادية يجب أن يكون على رأس سلم الأولويات". كما أن صياغة الاقتراح تأخذ في محلات أخرى شكلًا تنفيذيًا أكثر مما هو تشريعي، كأن يرد فيه "خلافا لأي نص آخر (...)تقرر ما يلي"، وهي صياغة لا تأتلف قط مع العمل التشريعي الذي هو في مبدئه إعلان لإرادة عامة تتنافى مع فكرة اتخاذ قرارات معينة. أخيرًا، إنّ الاقتراح مبهم في بعض صياغاته، تحديدًا حين يتطرّق لمبادرة وزارة الصحة العامة المتعلّقة بتوزيع البطاقة الدوائية، من دون إيضاح مدى ارتباط الحق بالحصول على الدواء (والذي هو الهدف المعلن لهذا القانون) بوجود أو حيازة هذه البطاقة.

2. إغفال السبب الرئيسي لانقطاع الأدوية

كما سبق بيانه، تمثلت الأسباب الموجبة لاقتراح القانون بزيادة عدد مرضى السرطان فضلا عن زيادة ما اعتبرته "ظواهر" انقطاع الدواء واحتكاره وتهريبه. بالمقابل، لم تردْ في الأسباب الموجبة أيّ إشارة إلى أسباب زيادة هذه الظواهر، وتحديدا الأزمة المالية وانعكاساتها المباشرة على قدرة الدولة في تأمين الدواء لمستحقيه فضلا عن تأخّر الدفع  من قبل مصرف لبنان وتقاذف المسؤوليات الحاصل بين مصرف لبنان، وزارة المالية، ووزارة الصحة.

فبنتيجة هذا التأخر وتراكم الديون لتصل إلى أربعمائة مليون دولار بحسب وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال، توقفت  الشركات الأم عن تسليم لبنان أدوية السرطان

3.قنطار علاج خيرٌ من درهم وقاية؟ 

فضلا عن ذلك، تتطرّق الأسباب الموجبة إلى زيادة عدد مرضى السرطان في السنوات الأخيرة، من دون أيّ ذكر لسبب هذه الزيادة، ومن دون أي إشارة إلى ضرورة وضع سياسات وقائية لتخفيف الإصابات بالسرطان وأهمّها الحدّ من مسبباته.

وقد وثقت استقصاءات المفكرة القانونية زيادة انتشار نسب الإصابات بالسرطان في عدّة مناطق لبنانية (في البقاع، الكورة، مرجعيون، والزوق) وبخاصة في المناطق التي تشهد تلوّثا بيئيا فاقعا (تلوث الليطاني، استخدام مادة الفيول لتشغيل معمل كهرباء، الذبذبات الكهرومغناطيسية التي تصدر من محطّات الإرسال، الكسارات ومصانع الأتربة والإسمنت، محارق الدواليب،  والنفايات الطبية). ومن البديهي أن من شأن زيادة الاعتماد على المولدات الكهربائية المنتشرة في الأحياء لتوليد الطاقة أن تفاقم من نسب الإصابة بالسرطان.

وإذ ندرك أهمية تأمين الدواء لمرضى السرطان من دون انتظار وضع سياسات وقائية، إلا أن تقلص الموارد يفرض أكثر من أي وقت مضى الإضاءة على مخاطر الإصابة والعمل على التخفيف منها. 

هذا مع العلم أن الاقتراح رمى إلى رفع قيمة الموازنة السنوية المخصصة لدعم أدوية السرطان (محددة إيّاها بالدولار الأميركي لا بالليرة اللبنانية) إلى 720 مليون دولار سنويا (ما يعادل  60 مليون دولار أمريكي شهريا)، فيما الإنفاق للفترة الحالية، وبالاتفاق بين وزارة الصحة ومصرف لبنان لا يتعدّى ال35 مليون دولار لاستيراد الدواء، مخصصًّا منها 20 مليون دولار أميريكي شهريًّا لأدوية السرطان فقط. كما أنه يتعدى بأشواط معدّلات الاستيراد في السنين الماضية (31 مليون دولار شهريا)[1]، كما أنه يفوق حتى الحاجة وفق تقدير نقيب الصيادلة في أيلول الماضي (41 مليون دولار شهريا)[2]، من دون بيان احتساب هذه القيمة أو تبريرها. 

4.المطالبة بزيادة نفقات الموازنة العامة بعد أسبوع من إقرارها

تم تقديم هذا الاقتراح بتعديل قانون موازنة 2022 بعد أسبوع فقط من إقرارها من دون أن يكون موازنة وزارة الصحة قد شهدت أي نقاش أو اعتراض أو مطلب في هذا الشأن الذي لا يمكن اعتباره لا مستجدا ولا طارئا. وبذلك، بدا صاحب الاقتراح وكأنه أهمل المبادرة في الوقت المناسب احتراما لمبدأ توازن الموازنة، ليقدّم طرحه بعد أسبوع فقط من دون أن يرفقه بأي اقتراح لتأمين الموارد لتغطية النفقات الإضافية. وبذلك، بدا الاقتراح بمثابة مبادرة ترمي إلى إيهامنا بالحركة والفاعلية أكثر مما هي ترمي لاتخاذ خطوات حقيقية.

5.في تغييب إمكانية الاستيراد مباشرة من قبل الدولة

يقوم الاقتراح أيضًا على توزيع أدوية السرطان مجّانا من قبل وزارة الصحة العامة وتعديل نظامها لتشمل جميع مرضى السرطان من دون استثناء، لاغيًا التمييز بين الجهات الضامنة.

تأتي هذه الخطوة تجاوبًا مع واقع عملي اوّلًا، لتحل مشكلة  التوزيع  حيث أنّه بغياب معلومات واضحة، تأخذ وزارة الصحة نسبة من الدواء من دون وضوح حاجة المرضى المسجّلين لديها. وغالبًا ما تكون أكثر من الحاجات المسجّلة تاركةً المجال لتلبية حاجات جديدة الظهور، ما يؤدّي إلى نقص الأدوية في السوق بالنسبة لباقي المرضى. يأتي التدبير ثانيًا لمجاراة مطالب الجهات المانحة الممكنة أو التسهيلات من قبل الشركات بوضوح عملية التوزيع وتفضّل التعامل مع مصدر واحد لا تعدد الجهات الضامنة.

إنّ اقتراح توحيد التوزيع بيد وزارة الصحة، خطوة إيجابية. لكنّها تدفعنا إلى طرح السؤال الأهم، وهو لماذا غاب اقتراح استيراد الدولة مباشرةً لأدوية السرطان، مع العلم أنّه يسمح بتحريرها من رحمة المستوردين وحساباتهم الربحية ويخفف من كلف الاستيراد الباهظة؟ قد يكون هذا التدبير هو الأمثل لمعالجة "ثمن الدواء" الذي تشير إليه الأسباب الموجبة، إذ هو يلغي  إضافة طبقة مالية غير مبررة بين المريض وعلاجه.

6. ربط التوزيع بإنجاز البطاقة الدوائية؟

يعيد الاقتراح التأكيد على مبادرة وزارة الصحة العامة التي ترمي إلى إنجاز البطاقة الدوائية من دون أن يحمل أي تدبير جديد فيها، في صياغة مبهمة[3] لا توضح ما إذا كان التوزيع المجاني يتعلّق بصدورها، أو إذا كانت الإشارة إليها لا تحمل أي جديد سوى إعطائها إلزامية قانونية محصورة  بمرضى السرطان. فإذا كنا أمام الاحتمال الأوّل، أي تعليق الحق بالحصول على الدواء بوجود البطاقة الدوائية، نصبح أمام معضلة تتجسّد بتعليق هذا الحق الملح على تدبير قد يتطلب وقتا ليس لمرضى السرطان انتظاره.

للتذكير، كانت وزارة الصحة أطلقت البطاقة الدوائية في أيلول 2021 على أن توزّع مجانًا على 6 ملايين لبناني. وعلى الرغم من التفاؤل المحيط بها إلّا أنّ العراقيل ما تزال قائمة، وهي نفس العراقيل التي أحاطت سابقًا بالبطاقة الصحية التي أطلق الحديث عنها منذ أكثر من ثلاثة عشر عاما وأعادت لجنة الصحة في المجلس النيابي دراستها في أيلول الماضي. ويمكن هنا لفت النظر إلى إشكاليتين:

الأولى تتعلّق بالتمويل. حيث انّه وبحسب وزارة الصحة، تأمّن التمويل لإنجاز البطاقة، ولكن تبقى مسألة التمويل الأساسي لتغذية هذه البطاقات الموزّعة قيد الدرس. والمرجّح أن يحصل عبر مساعدات من جهات مانحة وقروض من المنظمات الدولية[4].  وطريقة تعامل المسؤولين (وزراء أو نوّاب) تظهر عدم جدية هذه الطروحات التي تُعرَض كإنجازات وخطوات متقدّمة، مع الغياب التام لأي تصوّر مالي.

والإشكالية الثانية والتي قليلًا ما تشاع علنًا عند طرح هذه البطاقات، وهي مسألة التعداد السكاني التي تخلّت عنها الدولة منذ العام 1932 نتيجة أبعاد سياسية متصلة بالتوازنات الديمغرافية، رغم أهميتها العملية لأداء الدولة لوظائفها الاجتماعية والاقتصادية.

7.  محاربة الاحتكار والتهريب بالتتبع؟

تركز الأسباب الموجبة على الاحتكار والتهريب من دون أن يتضمن الاقتراح أي إجراء لإدخال مواد عقابية من شأنها ردعهما، وبخاصة على ضوء اتفاق واسع على عدم تناسب العقوبات الحالية مع مكافحة هذا النوع من الجرائم. جلّ ما ينص عليه الاقتراح في هذا الخصوص هو تفعيل نظام تتبع لتفادي سرقة أدوية السرطان، من دون إيضاح أي أساليب التتبع ولا الإشارة إليها، إذا استثنينا البطاقة الدوائية. والأرجح، أنّ المقصود هو التأكيد على نظام التتبع"Medi Track" الذي انطلق في وزراة الصحة في كانون الأوّل عام 2020 بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية وأصبح في مرحلة التجربة مع عدد من المستشفيات والصيدليات، من دون إضافة أي تدبير جديد. وبذلك، لا يتضمن الاقتراح أي جديد في هذا الإطار. 


[1]بلغت كلفة فاتورة الأدوية السرطانية الإجمالية في لبنان خلال عام 2017 نحو 380 مليون دولار أميركي . مقال لهدير فرفور في جريدة الأخبار بتاريخ 3/01/2018 ؛ وهو ما صرّح عنه وزير الصحة فراس الأبيض في تاريخ 3/8/2022.

[2] حيث صرّح أنّ حجم الاستيراد السنوي لدواء السرطان يبلغ حوالى 500 مليون دولار، وعاد واقترح رفعه إلى 60 مليون دولار شهريًّا في تاريخ 02/10/2022.

[3] “فقد تقرر ما يلي : (...) ثالثًا : مبادرة وزارة الصحة العامة إلى اتخاذ الخطوات التنفيذية الفورية لإنجاز وتسليم البطاقة الدوائية إلى مرضى السرطان (...)".

[4] تصريح رئيس لجنة الصحة النائب عاصم عراجي ونقيب الصيادلة جو سلوم في شباط 2022 بشأن البطاقة الدوائية وإمكانية إنجازها بغياب الأموال وإمكانية تأمينه من منظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي.