اقتراح لجعل جلسات اللجان النيابية علنية: إعلان للمبدأ من دون مفاعيل

نزار صاغية

24/07/2022

انشر المقال

من أهم البنود الواردة على جدول أعمال الجلسة التشريعية المزمع عقدها في 26 تموز 2022، اقتراح قانون معجّل مكرّر قدمه النائبان الياس جرادة ونجاة عون يرمي إلى تعديل المادة 34 من النظام الداخلي لمجلس النواب، بحيث تُصبح جلسات اللجان النيابية علنية. وعليه، وبخلاف المادة الحاضرة تؤكد على سرّية جلسات اللجان النيابية وأعمالها إلا إذا قررت اللجان خلاف ذلك، يرمي الاقتراح إلى قلب هذه القاعدة بحيث تكون الجلسات علانية ما لم تقرر أكثرية الحضور  في اللجنة خلاف ذلك أو ما لم يتصل موضوعها بالأمن القومي والسلم الأهلي.

وفي حين سمح الاقتراح للنواب الاطلاع على محاضر اللجان بعد تقدمهم بطلب خطي، ربط اطّّلاع سواهم على هذه المحاضر بموافقة خطّية من رئيس اللجنة المعنية. واللافت أن الاقتراح لم يفتح باب الاطلاع أمام جميع المواطنين بل ذكر حصرا الراغبين بالاطلاع لغايات بحثية وجمعيات المجتمع المدني.

وقبل المضيّ في إبداء ملاحظات على هذا الاقتراح، تجدر الإشارة إلى أسبابه الموجبة التي توسّع النائبان فيها. وفي حين لفتت الأسباب الموجبة إلى وجوب إشراك الرأي العام وأصحاب الاختصاص بصناعة القرار والتأثير فيه (في المسائل التشريعية)، فإنها رأت أن مساءلة الوزراء ومناقشتهم حول مسائل هامة تبقى غير فعالة طالما أنها تحصل تحت غطاء السرية. كما اعتبرت الأسباب الموجبة أن إطلاق الشفافية في عمل مجلس النواب كانت من أبرز المطالب التي رفعتها الثورة الشعبية في 17 تشرين.

كما تجدر الإشارة إلى وجود اقتراحين آخرين بإعلان علنية جلسات اللجان عالقين منذ الولاية الماضية للمجلس النيابي في أدراجه وهما الاقتراحين المقدمين من النائبين بولا يعقوبيان وجورج عقيص في 2020[1].    

ورغم أهمية إعلان مبدأ علانية الجلسات، فإن هذا الاقتراح يستدعي ملاحظات عدة، أبرزها الآتية:  

شكل الاقتراح

قبل الغوص في مضمون الاقتراح والتعليق عليه، لا بدّ من إبداء ملاحظة شكلية. فقد تم تقديم النص بوصفه "اقتراح قانون" معجل مكرر، وهو أمر يتكرّر دائما إذ يعمد النواب الذين يريدون تعديل النظام الداخلي، إلى تقديم اقتراحاتهم بصيغة "اقتراح قانون". ولا شك أن اسباغ هذا التوصيف يفتقر إلى الدقة كون النظام الداخلي ليس قانونا ولا يمكن بالتالي وصف الاقتراحات المقدمة من النواب من أجل تعديل هذا النظام باقتراحات القوانين المنصوص عليها في المادة 18 من الدستور.

استثناء غير مبرّر بأي مصلحة اجتماعية

إذ اعتبر الاقتراح السريّة استثناءً على قاعدة العلنيّة، فإنه فتح المجال لتطبيق هذا الاستثناء بتصويت أكثرية الحضور بناء على طلب من رئيس اللجنة أو ثلاثة من أعضائها، أو إذا كانت الجلسة تتعلّق بالأمن القومي أو السّلم الأهلي. بمعنى أن الاقتراح أجاز استبعاد العلانية على أساس معيار شكليّ (قرار أكثري) وعلى أساس معيار موضوعي (اتّصال الجلسة بالأمن القومي أو السّلم الأهلي). والواقع أنّ كلا الاستثناءَين يُهدّد بتقويض مبدأ العلانيّة من دون مبرّر جدّي. 

فبالنسبة إلى الاستثناء الأول، نفهم أن بإمكان أكثرية الحاضرين في اللجنة استبعاد العلانية من دون أن يكون هنالك أيّ مبرّر موضوعيّ. ومن شأن هذا الأمر أن يقوّض مبدأ العلانية فور توفر أكثرية تجدها غير مناسبة أو مناقضة لمصالحها وأن يعطّل مبادئ الشفافية والديمقراطية التي أسهبت الأسباب الموجبة للاقتراح في الحديث عنها من دون أن يكون هنالك أي ضرورة أو مصلحة عامة تبرر ذلك. 

أما بالنسبة إلى الاستثناء الثاني الذي ينبني على معيار موضوعي قوامه تطرق الجلسة إلى مسائل الأمن القومي والسلم الأهلي، فهو أيضا يقبل النقد. إذ نلحظ أنّ مفهوم السلم الأهلي هو أكثر المفاهيم الفضفاضة المستعملة في الحياة السياسية في لبنان، وغالبا ما يُستخدم كشمّاعة يُعلّق عليها تصرّفات عديدة تضرّ بمصالح المجتمع، ففي مفاهيم السياسة في لبنان، إنّ أي تصرّف قضائي بحق صاحب نفوذ من وزير أو نائب أو حاكم مصرف أو مصرفي يمسّ بالسلم الأهلي. وبحسب الاقتراح، فإنّ السير بهذه السردية يؤدّي على سبيل المثال إلى إعلان سرّية جلسات للجنة الإدارة والعدل قد تكون تنظر بموضوع حصانات تُعيق هذه الملاحقات أو غيرها.

علانية ليست كذلك

في حين أعلن الاقتراح تبنّيه مبدأ العلنية، إلّا أنّه تضمّن موادّ يستشفّ منها فهما ضيقا لها لا يتلاءم قط مع مبدأ الشفافية. فأن يكون على النواب وغير النواب أن يطلبوا المحاضر، يعني أن المحاضر لا تنشر. وأن يربط الاطّلاع على المحاضر بغايات معينة وبموافقة رئيس اللجنة يعني أنّه ليس مُتاحًا للجميع بل ليس حقا مكتسبا لأحد. هذا مع العلم أن الاقتراح يتحدث عن الاطّلاع دون أن يمكن طالب الاطلاع صراحةً من الحصول على نسخ عن المحاضر.

فضلا عن ذلك لا يتحدّث الاقتراح أبدا عن إمكانية حضور إعلاميين أو صحافيين الجلسات "العلنية".

خلاصة:

في النهاية، إن هذا الاقتراح يبقى قاصرا في صيغته الحالية عن تحقيق أهدافه المعلنة في أسبابه الموجبة.  ومن الممكن تحسينه في حال اعتماد التوجهات الآتية:

  • حصر الاستثناء على العلانية في الحالات التي يتصل فيها عمل الجلسات بالأمن القومي، على أن تتقرر السرية بأكثرية أصوات الحاضرين. وهذا يعني إلغاء المعيار الشكلي الذي يتيح تجاوز العلنية بقرار لأكثرية الحاضرين من دون أي مبرر موضوعي. كما يعني إلغاء الإحالة إلى السلم الأهلي طالما أنه مفهوم مطاط من شأن اعتماده أن يضيّق من مبدأ الشفافية بصورة ملحوظة.
  • إن تكريس العلانية يتطلب بالحدّ الأدنى التأكيد على واجب اللجنة بنشر محاضرها كاملة بحيث تكون متاحة للعموم من دون استثناء، مع السماح لصحافيين تتوفر فيهم شروط موضوعية معينة بحضور جلساتها ونقل مجرياتها إلى العموم.

لتحميل وقراءة اقتراح القانون: إضغط هنا


[1] المرصد البرلماني للمفكرة القانونية، تقرير المجلس النيابي 2018-2022: مجلس الأزمات الكبرى، قيد النشر.