اقتراح لزيادة مداخيل الجامعة اللبنانية: تجربة ال PCR الملهمة؟
17/07/2023
بتاريخ 12/11/2022، قدّم النواب إيهاب حمادة وإدغار طرابلسي وأشرف بيضون وحسن مراد اقتراح قانون معجّل مكرر يرمي إلى تعديل المادة 14 من قانون رقم 715/2006 (قانون الموازنة العامة لعام 2006). ففي حين تتيح هذه المادة للجامعة اللبنانيّة[1] زيادة إيراداتها عبر عقد اتفاقيات مع جهات الحقّ العامّ والخاصّ لتقديم خدمات وإعداد دراسات واستشارات، يهدف الاقتراح إلى تمكين الجامعة من إنشاء وإدارة أي من المشاريع المرتبطة ببرامج الاختصاصات التي تمنح الشهادات فيها منفردة، أو بالتعاون مع أيّ من هذه الجهات. وفي كلّ الحالات، تخصص بدلات أتعاب جزئيا كأتعاب لأفراد الهيئة التعليمية والعاملين فيها وجزئيا لتمويل البحث العلمي ومستلزماته وتجهيزاته.
عمليًا وبحسب المادة المقترحة، يصدر قرار إنشاء المشروع من مجلس الجامعة ويقترن بمصادقة وزير التربية والتعليم العالي وتخصص الاعتمادات اللازمة لإنشائه من موازنتها، أو "من الوفر من أي مشروع تنفذه". وإذا قررت الجامعة ألا تدير المشروع بصورة فردية، لها إمّا أن تلجأ إلى استدراج عروض أو إلى التعاقد بالتراضي "بعد استقصاء أسعار" في الحالات التي يقررها مجلس إدارة المشروع المنشأ. ويكون للمشروع موازنة خاصّة يفتح لها قسم في موازنة الجامعة. وأخيرًا، تخضع موازنة "المشروع" وقطع حسابه إلى تدقيق خارجي تتولاه شركة متخصصة من الشركات المعتمدة من قبل وزارة المالية. ويكون أعضاء مجلس إدارة المشروع ورؤساء الوحدات التنفيذية فيه مسؤولين من أموالهم الشخصية عن أي أخطاء في عقد نفقاته وتنفيذها تثبتها تقارير التدقيق الخارجي. وختامًا، تبلّغ هذه التقارير إلى النيابة العامة المالية.
لا تخفي الأسباب الموجبة للاقتراح أنّ فكرته انطلقت من تجربة قيام الجامعة اللبنانية بإجراء فحوصات ال PCR في مطار بيروت الدولي، معتبرةً أنّ هذا الإجراء أكّد "امتلاك الجامعة القدرة الكافية والملائمة لأداء دورٍ فعّال ومُجدٍ في إرساء وإدارة أنشطةٍ تعني الصالح العامّ". ويتابع الاقتراح أنه يهدف إلى توظيف "الوفر المتحقق من البدلات التي تم استيفاؤها لقاء الفحوصات" في مجالات تلبي احتياجات المجتمع من جهة أولى، وتطوّر قدرات وخبرات ومهارات الأساتذة والطلّاب من جهة ثانية. وقد أكّدت الأسباب الموجبة "إخضاع هذه المشاريع لمبادئ الحوكمة الرشيدة والمساءلة الشفافة على قاعدة أن يقابل إيلاء الصلاحية تحمّل المسؤولية"، كتبرير لخصخصة الرقابة المالية.
عند الإمعان في دراسة الاقتراح، نلحظ شوائب عدّة فيه تنطلق من عدم احترام أصول شكلية، وعدم الوضوح في الصياغة وفي المفاعيل القانونية، ممّا يدفعنا إلى التساؤل حول النيّة الفعلية منه.
1-اقتراح غير واضح ومخالف للقواعد الشكلية
على الرغم من كون الاقتراح معجّلًا مكررًا ومقترنًا بما أسماه موقّعوه "مذكرة معللة"، لا تبرر هذه المذكرة صفتي العجلة والتكرار، مخالفةً بالتالي المادة 110 من النظام الداخلي لمجلس النواب. في الشكل أيضًا، يتّسم الاقتراح بعدم الوضوح الفادح. وقد تكون هذه الصياغة المعقّدة نتيجةً لطبيعة الاقتراح المعجلة ما يشترط محدوديتها بمادة وحيدة، حيث تمثلت المادة المقترحة في جملة واحدة، تمتدّ على ثلاثة عشر سطرًا تناولت: (1) حالات إمكانية إنشاء الجامعة لهذه المشاريع، (2) أمثلة عن المشاريع الممكن إنشاءها، (3) صلاحية اتخاذ قرار الإنشاء، (4) تخصيص اعتمادات من موازنة الجامعة من أجل المشاريع، (5) شكل الإنفاق الممكن (استدراج عروض أو بالتراضي)، (6) إدراج موازنة المشروع ضمن موازنة الجامعة، (7) شكل الرقابة المالية، (8) المسؤولية الشخصية لمجلس إدارة المشروع ورؤساء الوحدات التنفيذية فيه، و(9) دور النيابة العامة المالية.
نجد إذًا أنفسنا أمام صياغة متقطعة وغير واضحة تحمل الكثير من الالتباس في قراءتها، وهذا ما يتنافى مع مبدأ الصياغة الواضحة للقانون.
2. وهم الوفر المالي المحقق من فحوصات ال PCR
يرتكز الاقتراح في جوهره على "استثمار (...) الوفر المحقّق من البدلات التي تمّ استيفاؤها لقاء فحوصات" الPCR. إلّا أنّ الواقع يُشير إلى عدم استيفاء الجامعة اللبنانيّة مستحقاتها حتى اللحظة، ذلك أنّها ابتداءً من تمّوز 2021 رفضت الجامعة استيفاء المبلغ إلّا نقدًا وبالدولار "الفريش" (وليس بالشيكات المسحوبة على حسابات مصرفية مفتوحة قبل الأزمة) بما أنّ شركات الطيران تقاضت أسعار تذاكر السفر بهذه العملة. وقد أكّدت النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة بتاريخ 3/2/2022 على وجوب تحويل المبالغ المقبوضة بالدولار من قبل شركات الطيران لحساب وزارة الصحة العامة والجامعة اللبنانية.
وهذا ما عاد ليؤكده تقرير ديوان المحاسبة الصادر في 3/3/2022، أي منذ أكثر من سنة، لجهة ضرورة العمل على تحويل الأموال التي ما زالت بعهدة شركة "أريبا" وجمعية "عمال" والأموال التي ستستعاد من شركات الطيران إلى حساب الخزينة في مصرف لبنان وحساب الجامعة اللبنانية لدى مصرف لبنان. ورغم فحوى هذا التقرير، لا يزال مبلغ يفوق ال 50 مليون دولار بذمة شركات الطيران ولم يحوّل حتى تاريخه إلى الإدارات العامة. لا بل يسري الحديث عن تسوية ممكنة في هذا الملف يمكن أن تحرم الجامعة اللبنانية من المبلغ المستحق.
بالنظر إذًا إلى الواقع الحالي، يصعب الحديث عن "وفر محقق" في موازنة الجامعة اللبنانية نتيجة هذه الفحوصات، ويظهر أنّ هذا الوفر محقق فعليًّا لرصيد الشركات الخاصة، ما يشكل شبهة إثراء غير مشروع يخشى أن تتكرر بغياب آليات فعالة لضمان حقوق الجامعة في أي مشروع مستقبلي مشابه[2].
3. غموض في طبيعة المشاريع القانونية وسؤال عن الحاجة الفعلية إليها
تعتمد عادةً تسمية "المشروع" للاتفاقات التي أجيز للجامعة اللبنانية عقدها في المادة 14 من موازنة 2006[3]، لكن يشار إلى أنّ الوضع مختلف بالنسبة لما يطرحه هذا الاقتراح، الذي يذهب إلى حدّ السماح بإنشاء مراكز جديدة مرتبطة بالجامعة اللبنانية. من هنا، تبرز الحاجة إلى تحديد طبيعة هذه "المشاريع"، التي تخضع بحسب طبيعتها إلى إطار قانوني أوسع. فإنشاء المستشفيات أو مصانع الأدوية مرتبط بترخيص من مجلس الوزراء[4] أو باجازة من وزارة الصحة العامة[5]. ويذكر الاقتراح على سبيل المثل "المشاريع" التي يمكن للجامعة إنشاؤها منفردة أو بالتعاقد مع جهات خاصة، مثل مستشفى أو مختبر أو مصنع أدوية. نسأل هنا، وفي ظل الوضع المالي الراهن للجامعة اللبنانية عن الحاجة الفعلية إلى تأسيس مراكز جديدة، مع تخصيص اعتمادات من موازنة الجامعة لها. فهل الجامعة اليوم قادرة على تأسيس مستشفى بدل تعزيز دور المستشفيات الجامعية؟
4. عدم احترام القواعد المالية للجامعة اللبنانية
يطرح الاقتراح أن تكون "للمشروع" موازنة من ضمن موازنة الجامعة. هذا يتطلّب تعديلًا في النظام المالي للجامعة حتى يصار إلى احترام آلية تحديد موازنة الجامعة، التي تنطلق من تحديد موازنات الوحدات والكليات لتصل إلى مجلس الجامعة فيتم تحديد موازنتها. لذلك، واحترامًا لآلية تحديد الموازنة، يجب توضيح آلية تحديد موازنة "المشروع" على نحو يتوافق مع آلية تحديد موازنة الجامعة، عبر لحظ مادة تلزم مجلس إدارة المشروع فيما خص مشروعه، بوضع مشروع بالواردات والنفقات المقدرة للسنة المالية - ويقدمه لرئيس الجامعة مع كافة المستندات والإيضاحات اللازمة لتبرير التقديرات مع تحديد المدة المهلة الزمنية لتقديمها[6].
وهنا أيضًا نميّز بين هذا الاقتراح والاتفاقات الممكنة جرّاء الفقرتين 1 و2 من المادة 14، حيث ينص النظام الخاص بالأصول والإجراءات الواجب اتباعها في تنفيذ عقود الإتفاقات التي تجريها الجامعة مع غير أشخاص الحق العام أو الخاص على مصير الأموال المجنية من هذه الاتفاقات، ويميز بين الإيرادات التي تدخل مباشرة في موازنة الجامعة[7] (أي من دون تخصيص قسم خاص بها) والإيرادات الخارجة عن موازنة الجامعة (وهي تشكّل النسبة الأكبر)[8].
من ناحية أخرى، سمح الاقتراح أن يتمّ إنشاء وإدارة المشروع بالتراضي بعد "استقصاء أسعار" وجعل القرار بيد "مجلس إدارة المشروع". وهذا مخالف للمادة 126 من النظام المالي للجامعة التي حصرت إمكانية عقد النفقات بالتراضي بحالات محددة، لا يندرج من ضمنها شرط "استقصاء أسعار"، كما أنه مخالف لقانون الشراء العامّ ولمبدأ شمولية خضوع الصفقات العمومية له. من الناحية المبدئية، هذه المخالفة والتساهل بالسماح لعقد الاتفاق بالتراضي يشكّل مخالفة لمبدأ حرية المنافسة[9]. أمّا عمليا، فيخشى من هذا التساهل أن يهدف إلى تسهيل تنفيعات وتلزيمات مباشرة.
5. خصخصة الرقابة المالية
كما ذكرنا أعلاه، تذكر الأسباب الموجبة مبدأ الحوكمة الرشيدة والشفافية في إدارة المشاريع، مترجمةً هذين المبدأين بخصخصة الرقابة المالية عن طريق إخضاع موازنة المشروع وقطع حسابه إلى رقابة تدقيق خارجي تتولاه شركة متخصصة. وبذلك، يتماهى الاقتراح مع الموجة الحديثة التي تعتبر أنّ قوام الشفافية المالية إخضاع الدولة إلى رقابة الشركات الخاصة مع الكلفة الإضافية التي يشكلها هذا التدبير، بدل تفعيل مؤسسات الرقابة المالية العامة.
فمع أنّ الاقتراح يكتفي بتسمية "مشروع" للمشاريع الممكن إنشاؤها بموجبه من دون توضيح طبيعتها، يفهم بجميع الأحوال أنّ المؤسسات المنشأة ستكون مؤسسات للدولة علاقة مالية بها عن طريق المساهمة، بما أنّ نفقات موازنة هذه المشاريع هي من موازنة الجامعة اللبنانية. وبالتالي، يجب إخضاعها لرقابة المراقب المالي والمحتسب في الجامعة اللبنانية وسلطة ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي المالي[10].
يمكنكم هنا الاطلاع على الاقتراح كاملا
[1] تجدر الإشارة إلى أنّ قانون الموازنة العامة لعام 1996 هو أوّل نص سمح للجامعة بعقد هذه الاتفاقات، ثم تكرر ورود هذا النص سنوياً في كافة قوانين إقرار الموازنة حتى قانون الموازنة الذي أقرّه مجلس النواب لأعمال العام 2005 والمقترح تعديله.
[2] بحسب ما ورد في قرار ديوان المحاسبة
[3] المادة الأولى من قرار رئيس الجامعة رقم 268 الصادر بتاريخ 19/4/2023
[4] عملًا بالقانون المتعلق بالمستشفيات الخاصة والموضوع موضع التنفيذ بالمرسوم رقم 9826 تاريخ 22/6/1962 وتعديلاته لا سيما القانون رقم 546 تاريخ 20/10/2003
[5] المادة الأولى من المرسوم الإشتراعى رقم 106 تاريخ : 16/09/1983
[6] انظر النظام المالي للجامعة اللبنانية، مرسوم رقم 14246 تاريخ: 14/04/1970، المواد 8- 10
[7] 30% من قيمة العقد الإجمالية
[8] 70% من قيمة العقد الإجمالية، وهي تشمل نفقات التنفيذ المجملة
[9] تقرير ديوان المحاسبة رقم 1/2022 الخاص حول أموال ال PCR، ص. 13
[10] المادة 211 من قانون النظام المالي للجامعة اللبنانية